الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
في الأعضاء
أي في بيان ما يتعلَّق بمسائل الأعضاء والأطراف المذكورة الواردة في الآيات والأحاديث الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام وهي مفصَّلة في المطوّلات. والمصنَّ اقتصر بالبيان على مراد الشارع صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى: "كل ما في البدن منه اثنان ففيهما الدية إلا الحاجبين وأهداب العينين وثندوتي الرجل وأليتيه ففيها حكومة كشعر اللحية والرأس" اعلم أنه تقدَّم الكلام فيما يتعلَّق ببعض الأعضاء والأطراف في فصل القصاص في الأعضاء عن قوله: والقصاص في الأعضاء كالنفس فراجعه إن شئت. وأمَّا ما ذكره هنا فالمعنى أن كلَّ عضو في البدن إذا كان مزدوجًا ففيه الدَّيَة الكاملة إلَاّ ما استُثْنِي من الحاجبَيْن وأهداب العينَيْن وثُنْدُوَتي الرجل وأليَتَيْه وكشعر اللحية والرأس ففيها حكومة. قال خليل عاطفًا على ما لا قصاص فيه: ولطمة وشُفرِ عين وحاجب ولحيةٍ وعَمْدُه كالخطأ إلَاّ في الأدب. وفي المدوَّنة: ليس في جفون العين وأشفارها إلَاّ الاجتهاد، وفي خلق الرأس إذا لم ينبت إلا الاجتهاد، وكذلك اللحية، وليس في عَمْدِ ذلك قِصاص، وكذلك الحاجبان إذا لم ينبت إلَاّ الاجتهاد اهـ. وفي الخرشي: شعر العينين وشعر الهدب من فوق ومن أسفل وشعر الحاجب واللحية لا قصاص فيه، وفيه الحكومة إذا لم ينبت، وعَمْدُ هذه الأشياء وخطأها سواء إلَاّ من جهة الأدب فيفترقان؛ لأنها ليست جراحات، وإنّضما وَرَدَ القِصاص في الجرح اهـ بتصرّثف. ومثله في حاشية الصاوي، والثُّندُوَة بمنزلة الثَّدْيِ للمرأة وفي قطعها حكومة كما تقدَّم.
قال رحمه الله تعالى: " وقطع الأصابع كاستئصال العضو من أصله" يعني أن قطع الأصابع في اليدين أو الرجلين حُكْمُه حُكْمُ استئصال أصل العضو في لزوم القَوَد في
العَمْدِ أو الدَّيَة الكاملة في الخطأ، ففي واحدة منهما نصف دية، قال في الرسالة: وفي اليدين الديَة وكذلك في الرجلين، أي دِيَة كاملة بسبب قَطْعِهما خطأ أو عَمْدًا، وسقط القِصاص بما يسقطه سواء قَطَعَها الجاني من الكوعَيْن أو المِرْفَقَيْن أو المِنُكَبَيْن، وسواء كان قطع الرجلين من الكعب او الورك. مثل القطع إزالة المنفعة من اليدين أو الرجلين كما يأتي قول المصنف: والمنفعة كعينة اهـ النفراوي بتوضيح. انظر آخر كتاب الجراح في المدونة. وقولنا: ففي واحدة منهما نصف دية أعني في فرد كل واحدة من اليد أو الرجل نصف الدية أو القصاص على تفصيل تقدم في ذلك. قال النفراوي: فمن قطع يدًا أو رِجْلاً وسقط القِصاص فَعَليْه نِصْفُ الدَّيَة في مالِهِ أو على عاقتله في الخطأ، وكذا كل مزدوجين إلا في عين الأعور فإن فهيا الدية كما تقدم اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وفي كل أصبع عشرة أباعر وفي كل أنملة ثلاثة وثُلُثٌ والمنفعة كعينه" يعني كما هو المشهور المفهوم في كُتُبِ الفِقْهِ والأحاديث أن دية كل أصبع من أصابع المسلم عشرة أباعر وأن دية كل أنمُلة ثلاث أباعر وثُلُث. قال مالك في الموطأ: لاأمر عندنا في أصابع الكف إذا قُطِعَتء فقد تم عقلها؛ وذلك أن الأصابع الخمس إذا كان عقلها عقل الكف فيها خمسون من الإبل في كل أصبع عشرة من الإبل. قال: وحخسابُ الأصابع ثلاثة وثلاثون دينارًا وثُلُث دينار في كل أنْمُلةٍ، وهي من الإبل ثلاثُ فرائضَ وثُلُثُ فريضة اهـ. قال في الرسالة: وفي كل أُصبع عشرٌ وفي الأنْمُلة من الإبهامَيْن خمس من الإبل. قال شارحها: يعني يجب في كل أصبع عشر من الإبل وفي الأصبع الزائدة ما في الأصلية حيث كانت مساوية للأصل في القوة سواء قَطَعَها وحدها أو مع غيرها، بخلاف الضعيفة ففيها حكومة إن قُطِعَتْ وحدها، وأمَّا لو قُطِعَتْ مع الكفّ فلا شيئ فيها. والظاهر أن اليد الزائدة فيها هذا التفصيل، ولا فرق في ذلك بين أصابع اليدين أو الرَّجْلَيْن ولا بين أصابع ذكر وأُنثى حتى تبلغ الثُّلُث لِما سيأتي من أنها
تعاقل الرَّجْل إلى ثُلُث الدَّيَة، وهذا في أصابع المسلِم وأمَّا غيره ففي كل أصبع من أصابعه عشر دِيَته، ويجب في الأنْمُلة من غير الإبهام من أنامل المسلم في كل أنمُلة ثلاث وثُلُث من الإبل ويجب في كل أنْمُلة من الإبهامَيْن للرَّجْل واليدَيْن خَمسٌ من الإبل وهي نِصْف دِيَة الأصبع، ومعلوم أن هذا كله في حالة الخطأ وأمَّا إذا هاب تلك المذكورات بجناية عضمْدًا فالواجب فيها القِصاص اهـ. النفراوي [3/ 104/]
* * *
قال رحمه اللَّه تعالى: "وفي العقل الدية كالصلب" يعني كما في الرسالة أي يجب في إزالة العقل الدية سواء زال بجناية عَمدًا أو خطأ، فلو فَعَلَ به فِعْلاً فصار يَجُنُّ في الشهر يومًا مع ليلته فإنه يجب له من الدَّية جزء من ثلاثين جزءًا، وإن كان يَجُنُّ النهار فقط أو الليل فقط مرّة في الشهر فإنه يكون له جزء من ستين جزءاً. قاله اللخمي. ومحلُّ العقل القلب على المشهورلا الرأس، فإذا ضربه واضحة فذهب عَقْلُه فيلزمه دِيَة كاملة للعق ونِصْفُ عشر الدَّيَة وهو دِيَة الموضحة على المشهور. وعلى الآخر لا يلزمه إلَاّ دِيَة العقل؛ لقول خليل: إلَاّ المنفعة بمحلَّها، انظر الخرشي وقوله: كالصُّلْب قال النفراوي: ظاهر كلامه لزومه الدَّيَة في كَسْر الصُّلب ولو قدر على الجلوس وهو كذلك، ومن باب أوْلَى لو فعل به فعلاً أذهب قيامه وجلوسه، وأمَّا لو ذهبت مع ذلك قوّة الجماع للزمه دِيَتان اهـ. في الدرديري: فلو كَسَرَ صُلْبه فأبْطَلَ إنعاظه فعَلَيْه دِيَتان اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وفي تعذر بعض القيام أو المشي بحسابه كتعذر بعض الكلام" يعني ولو ضربه وتعذر قيامه أو جلوسه أو مَشْيُه فإنه يحسب ما نَقَص من ذلك، ومثل ذلك تعذر الكلام. قال خليل عاطفًا على ما فيه الدَّيَة: أو قيامه وجلوسه. قال الشارح نَقْلاً عن ابن شاس: لو ضرب صُلْبه فبَطَلَ قيامه وجلوسه وَجَبَ كما الدَّيَة، وإن بَطَلَ قيامه فقط فَرَوى ابن القاسم أن فيه كما الدَّيَة اهـ الموّاق. وأمَّا لو بَطَلَ بعض شيئ من ذلك كبعض القيام أو بعض الجلوس أو بعض الكلام فبحساب ذلك على اجتهاد
الحاكم. قال الدردير: أمَّا لو أذهب بفعل جلوسه وحده ففيه حكومة كبعض قيامه وجلوسه، خِلافًا للتتائي القائل: إن فيه الدَّيَة اهـ. قال الخرشي: وكذلك تَجِبُ الدَّيَة على مَنْ فَعَلَ بشخص فِعْلاً ذهب بسببه قيامه مع جلوسه بأن صار مُلْقَى، وفي أحدهما حكومة كما قاله الشارح، وهو الصواب تبعًا لنص المدونة، وبعبارة: أو قيامه وجلوسه معًا وكذا قيامه فقط، وأمَّا جلوسه فقط فحكومة، ولو ذهب بعض جلوسه وقيامه فالظاهر أن عليه حكومة اهـ. قال الدرديري في أقرب المسالك: وفي إذهاب العقل أو كل حاسَّةٍ أو النطق أو الصوت أو قوة الجماع أو نسله دِيَةٌ، كتدذيمه أو تبريصه أو تسويده أو قيامه أو جلوسه.
قال رحمه الله تعالى: "وفي الأنف وفي الذكر الدية كالحشفة والأنثيين وفي باقيه حكومة كذكر الخصِي وَفي الشفرين الدية وفي أليتيها قيل الدية وقيل حُكومة" يعني كما في الرسالة: وفي الأنف يطع مارن الدية، والمارن هو ما لان منه
[106]
ويُسَمّى بالأرنبة وفيهدِيَة كاملة. قوله: وفي الذكر الدَّيَة كالحَشَفَة إلخ قال في الذخيرة: للذكر ست أحوال: تجب الدية في ثلاث وتسقط في حالة وتختلف في اثنتين، فتجب الدية في قطعه جملة أو الحشفة وحدها أو إبطال النسل منه وإن لم يبطل الإنعاظ، وتسقط إذا قُطِعَ بع قَطْعِ الحشفة وفيه حينئذٍ حكومة، ويُخْتَلَفُ إذا قُطِعَ ممَّنْ لا يصحُّ منه النسل وهو قادر على الاستمتاع أو عاجز عن إتيان النساء لصغر ذَكَرِهِ أو لعلةٍ كالشيخ الفاني. فقيل: دية وقيل: حكومة، والقولان لمالك. وفي الذكر الخَصِيّ حكومة، وأما ذكر الخُنْثى المُشْكَل فنِصْفُ دِيَة ونصف حكومة اهـ. نقله الصاوي مع طرف من الخرشي. وأما الأنثيان في قطعهما أو سلهما أو ضهما دية كاملة، وفي الواحدة نصف دية، وفي
قطعهما مع الذكر ديتان إن كان خطأ وأما عمدًا فيه القصاص. قال النفراوي: وإن قطعهما مع الذكر لزمه ديتان، وأما لو قطع أو رض واحدة من الأنثيين للزمه نصف الدية وأما لو قطع الأنثيين عمدًا لوجب القصاص اهـ. وأما الشفران تثنية الشفر بضم الشين وسكون الفاء وهو اللحم على جانبي الفرج وهما اللحمان المحيطان بالفرج المغطيان العظيم، فإذا قطع شفريها إلى أن بدا العظم من فرجها فإنهيلزمه دية كاملة. قال الدردير: وشفري المرأة أي قطع لحم جانبي فرج المرأة فيه دية كاملة إن بدا العظم، فإن لم يظهر العظم فحكومة، وفي أحد الشفرين وإن بدا العظم نصفه دية. وأما أليتاها إذا قطعتا اختلف فيهما أهل المذهب: قيل بالدية وهو قول أشهب، وقيل فيهما حكومة قياسًا على اليتي الرجُل، وهو قول الأكثر. ق 4 ال الخرشي: يعني أن أليتي المرأة إذا قطعتا فإنما فيهما الحكومة قياسًا على أليتي الرجل، وهذا إذا كان خطأ، وأ/اإن كان عمدًا ففيه القصاص اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وفي السن خمسة أباعر سقطت أو اسودت فغن سقطت بعد اسودادها فدية ثانية" يعني في قلع السن خمس من الإبل. قال في الرسالة: وفي السن خمس. قال الشارح: أي بقلعها أو تصييرها مضطربة جدًا أو تسويدها أو تحميرها أو تصفيرها حيث كان تصفيرها يذهب جمالها كالسواد سواء كانت من مقدم الفم أو مؤخره، فلو ردت السن وثبتت فإن كانت سن كبير وهو من بلغ حد الإثغار فإنه لا يسقط عقلهما، كالجراحات الأربع المقرر فيها شيئ من الشارع من موضحة وجائفة ومنقلة، وتبرأ على غير شين، فلا يسقط عقلها، وأما سن الصغير فإنه يوقف عقلها حتى يحصل اليأس كالقود ممن قلعها عمدًا ووجود الخُمس في السنَّة من السنة اهـ. قال الدردير: وفي كل سن نصف العُشر بقلع أو اسوداد أو بحمرة أو صفرة إن كانتا في العُرف كالسواد اهـ وإليه أشار خليل بقوله:
وفي كل سن خمس وإن سوداء بقلع أو اسوداد أو بهما أو بحمرة او
بصفرة إن كانتا عُرفًا كالسواد جدًا، إن ثبتت لكبير قبل أخذ عقلها أخذه كالجراحات الأربع اهـ. قوله: فإن سقطت بعد اسودادها فدية ثانية أشار بما في الموطأ عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: إذا أُصيبت السن فاسودت ففيها عقلها تامًا فإن طُرحَتْ بعد أن اسودّت ففيها عقلها أيضًا تامًا اهز قال مالك: والأمر عندنا أم مقدم الفم والأضراس والأنياب عقلها سواء؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في السن خمس من الإبل، والضرس سن من الأسنان لا يفضل بعضها على بعض اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وفي المأمومة ثُلُثُ الدَّيَةِ كالجائفة وفي المنقلة عُشر ونصف عُشر وفي الموضحة نصف العُشر" يعني أ، هذه الجراحات الأربع عقلها مقرر من الشارع لا يُزاد ولا يُنْقَص. أولها المأمومة فهي التي وصلت إلى الدماغ ولم يخرق خريطته، وعبارة الدردير: وآمة بفتح الهمزة ممدودة وهي ما أفضت لأم الدماغ، وأ/ الدماغ جلدة رقيقة مفروشة عليه متى انكشف عنه مات. ففيها ثلث الدية ثلاثة وثلاثون بعيرًا وثلث بعير، ومن الذهب ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارًا وثلث دينار ومن الفضة أربعة آلاف درهم، ومثل ما أخذ في المأمومة يؤخذ في الجائفة وهي ثانية من الجراحات الأربع التي تقدم ذكرها ووصلت إلى الجوف من الظهر أالبطن، ولو قدر مدخل الإبرة فإن نفذت إلى الجانب الآخر تعدّدت. قال خليل: وتعدد الواجب بجائفة نفذت كتعدد الموضحة والمنقلة والآمة إن لم تتصل وإلا فلأن وإن بفور في ضربات. قال الخرشي: تقدم أن الجائفة خاصة بالبطن وبالظهر وتقدم أن الواجب فيها ثُلُث الدية فإذا ضربه في ظهره فنفذت إلى بطنه أو بالعكس أو في جنبه فنفذت إلى الجنب الآخر فغن الواجب فيها يتعدد فيكون فيها دِيَة جائفتينن كخما أن الواجب في الموضحة والمنقلة والآمة يتعدد بتعدد موجبه، أما تعدد الواجب في الموضحة فإنما يتعدد إذا كان ما بين الموضحتين سالمًا لم يبلغ العظم بل كانت كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى وكذا ما بعدها من منقلة ومأمومة
لم تبلغ أم الدماغ، أما إذا كان ما بينهما وصل إلى العظم أو إلى أُم الدماغ بأن كانت واحدة متسعة فليس ف يها إلا دية واحدة، وسواء كان ذلك من ضربة واحدة أو ضربات في فور واحد اهـ. وثالثتها المنقلة وهي التي تكسر العظيم فيطير مع الدواء وفي عبارة: هي ما أطار فراش العظم ولم تصل إلى الدماغ وتُسمى الهاشمة ففيها عُشر ونصف: خمسة عشر بعيرًا. أو مائة وخمسون دينارًا. أو ألف وثمانمائة درهم فضة. قال مالك: والأمر عندنا في أن المنقلة خمس عشرة فريضة قال: والمنقلة التي يطير فراشها من العظم ولا تخرقُ إلى الدماغ وهي تكون في
الرأس وفي الوجه. عَمْدُها وخطؤها سواء؛ لأنها من المتالف حيث كانت بالرأس أو باللحى الأعلى، ولا يقثتص من عمدها لعظم خطرها، ومثلها يقال في الآمة اهـ النفراوي وبتوضيح من الدردير. ورابعتها الموضحة وهي ما أوضح العظم بأن أزال ما عليه من الجلد واللحم. قال الدردير: واقتصر من الموضحة وهي ما أوضحت عظم الرأس أو الجبهة أو الخدين، فما أوضحت عظم غير ما ذكر ولو بالوجه لا يُسَمّى موضحة عند الفقهاء، أما إذا ظهر العظم مما ذكر ولو بقدر مغرز إبرة ففيها قصاص في العمد أو دية في الخطأ وهي خمس من الإبل وهو نيصف عشر الدية. قال في الرسالة: وفي الموضحة خمس من الإبل وليس فيما دون الموضحة إلا الاجتهاد وكذلك في جراح الجسد، والأصل في ذلك ما في الموطأ قال مالك: الأمر عندنا أنه ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقلٌ حتى تبلغ الموضحة، وهذا العقل في الموضحة فما فوقها، وذلك أن رسل الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الموضحة، في كتاب لعمرو بن حزم فجعل فيها خمسًا من الإبل؛ ولم تقض الأئمة في القديم ولا في الحديث فيمادون الموضحة بعَقْل اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وفي باقي الجراح والشجاج حكومة" فالمراد بالحكومة الحُكْمُ أي المحكوم به، فالمعنى أن فيما دون الموضحة من جراحات الجسد وغيرها مما
لا قصاص فيه حكومة وهي المسمّاة بالاجتهاد فيما لم يرد فيه نص من الشارع، هذا ف يالخطأ وأمّا ف يالعَمْد فقد تقدم أنه فيه القصاص. قال العدوي في حاشيته على كفاية الطالب: وكيفية الاجتهاد في ذلك أن يقوم عبدًا سالمًا من ذلك الجرح على صفته التي هو عليها يوم الجناية من حُسْن أو قُبْح بعشرة مثلاً ثم يقوم ثانيًا معيبًا بتسعة، والتفاوت بين القيمتين بالعشر فيجب على الجاني بتلك النسبة من الدية وهو عشر الدية في هذا المثال وكل ذلك بعد البرء اهـ. ومثله في الخرشي بزيادة إيضاح نظره عند قول خليل: وفي الجراح حكومة إلخ. قال النفراوي عند قول الرسالة: وليس فيما دون الموضحة أي من الجراحات الست إذا كانت خطأ إلا الاجتهاد وهو الحكومة بأن يقوم المجني عليه بعد برئه خوف أن يترامى إلى النفس أو إلى ما تحمله العاقلة عبدًا سالمًا من ذلك الجرح على صفته التي هو عليها يوم الجناية من حُسْن أو قُبْح بعشرة مثلاً ثم يقوم ثانيًا معيبًا بتسعة، فالتفاوت بين القيمتين بالعشر، فيجب على الجاني بتلك النسبة الدية وهو عشر الدية في هذا المثال اهـ كما تقدم.
قال رحمه الله تعالى: "وفي العبد ما نقص من قيمته إلا اشجاجة الأربع ففيها من قيمته نسبتها من الدية" قال خليل كما في الدردير: والقيمة للعبد في
[109]
الجراحات الأربع كالدية ررح، فكما يؤخذ في موضحه الحر نصف عُشر ديته يؤخذ في العبد نصف عُشر قيمته، وفي جائفته أو آمته ثُلُثُ قيمته، وهكذا، فإن جرح في يده أو غيرها من غير الجراحات الأربع فليس فيه إلَاّ ما نَقَصَ من قيمته. قال الصاوي: بعد حصول البرء على شين وإلَاّ فلا شيئ ف يها أصلأن بخلاف الجراحات الأربع فلا ينقص يها القدر المفروض وإن بُرِئَت على غير شين كما تقدم. وحاصله أن جراحات العبد غير الأربع إن بُرِئت على شين يقوم سالمًا وناقصصاوينظر ما بين القيمتين ويؤخذ له بنسبة ما بين القيمتين على حَسَبِ ما يقول أهل المرعفة. ومثله في الخرشي. انظر أوائل كتاب الديات في المدونة.
قال رحمه الله تعالى: "والمرأة كالرجل ما لم تبلغ الثلث فترجع إلى عقلها ففي ثلاث أصابع ثلاثون بعيرًا وفي أربع عشرون وفي جائفتها ومأمومتها ثُلُثُ ديتها كَثَلَاثِ أَصَابعَ وَأَنْمُلَةٍ بِضَرْبةٍ" يعني كما قال الدردير: وساوت المرأة الرجل لثُلُث ديته، فترد لديتها إن اتحد الفعل ولو حُكْمًا مُطْلَقًا كالمحل في الأصابع فقط، يعني أن المرأة تساوي الرجل من أهل دينها إلى ثُلُث ديته فترجع حينئذ لديتها، فإذا قُطِعَ لها ثلاث أصابع ففيها ثلاثون من الإبل فإذا قطع لها أربع أصابع ففيها عشرون من الإبل؛ لرجوعها إلى ديتها، وهي على النصف من دية الرجل من أهل دينها، والمرأة كالرجل في منقلتها وهاشمتها وموضحتها ولا تكون مثله في جائفتها وآمتها، لأن في كل ثُلُث الدية فترجع فيهما لديتها فيكون فيهما ثُلُث ديتها ستة عشر بعيرًا وثُلُث بعير اهـ الخرشي. واختصر فيه عبارة الرسالة قال: وتعاقل المرأة الرجل إلى ثُلُث دِيَة الرجل فإذا بلغتها رجعت إلى عَقْلِها. أي إلى قياس دِيَتِها، ومثال ذلك أن يقط ع للمرأة المسلمة ثلاث أصابع ففيها ثلاثون بعيرًا؛ لمساواتها للرجل فيما يقصر عن ثُلُث دِيَتِه، وإذا قُطِعَ لها أربع أصابع ففيها عشرون بعيرًا،؛ لأنها لو ساوته للزم أن يجب لها أربعون، وذلك أكثر من ثُلُث دِيَته، فلذلك رجعت إلى نصف الواجب للرجل وهو عشرون، وعلى هذا إجماع أهل المدينة والفقهاء السبعة اهـ أبو الحسن ومثله في النفراوي ثم شرع في بيان ما يجب في الجنين.
فقال رحمه الله تعالى: "وفي جنين الحرة المسلمة تطرحه بضرب بطنها غرة عبد أو وليدة قيمتها عشر دية أمة والأمة من زوج عشرة قيمتها ومن سيد نصف عشر ديته كمزوجة المسلم الكتابية ومن الكافر كالمسلمة وتتعدد بتعدد الأجنة فإن خرج حيًا فله حُكْمُ نَفْسِهِ" قال في الرسالة: وفي جنين الحرّة غرة عبد أو وليدة تقوم بخمسين دينارًا أو ستمائة درهم وتورث على كتاب الله، قال شارحها:
والمعنى أن كل من تسبب في إنزال جنين من بطن أمه ونزل غير مستهل كما قدمنا فإنه يلزمه
لمن يرثه عُشْرُ واجب أمَّة من النقد الحال أو يدفع في جنين الحرة عبدًا أو جارية تساوي عُشْرَ دِيَة أمَّة ولو كان سبب نزوله شمَّها رائحة حيث طلبت من ذي الرائحة شيئًا ولم يَعْطِها أو عَلِمَ بحَمْلِها وبأنّ عدم تناولها منه يسق جنينها وألقَتْ ما في بطنها فإنه يضمن ولو لم تطلب منه ولو كان الجنين دمًا مجتمعاً بحيث إذا صب عليه الماء الحار لا يذوب؛ لأن العلقة عندنا في باب الغرة والعدة وأم الولد حكم المتخلق، لكن يشترط في لزوم الغرة شهادة البينة أن إنزال الجنين من هذا السب بأن عاينتها لزمت الفراش إلى أن انفصل منها غير مستهل وهي حية أما لو نزل مستهلاً فإن الواجب فيه الدية كاملة بشرط القسامة ولو مات عاجلأن وقولنا وهي حية للاحتراز عما لو انفصل عنها غير مستهل بعد موتها أو بعضه في حياتها وبعضه بعد موتها فإنه يندرج فيها، والدليل على ما ذكرنا ما في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة: عبد أو وليدة وفي رواية له: أن امرأتين من ذيل رَمَتْ إحداهما الأخرى فطرحت حنينها فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو وليدة اهـ النفراوي. قال مالك: وسمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حيًّا ثم مات أن فيه الدية كاملة قال: "ولا حياة لجنين إلا باستهلال فإذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات ففيه الدية كاملة"، ونرى أن في جنين الأمة عشر ثمن أمه اهـ. فالعبرة فيه عُشْرُ قيمة الأمّ إن كانت أمَة أو عُشْرُ دِيَتها إن كانت حرة. قال في المدوَّنة: لا يُلتفت في جنين الأمَة إلى والده عَبْدًا كان أو حرًّا إنَّما فيه عِثْرُ قيمة أمه وهو قول مالك إلَاّ أنه قال في جنين أم الولد: إذا كان من سيدها أن فيه ما في جنين الحرة اهـ. قال في الرسالة: وفي جنين اللأمَة من سيَّدها ما في جنين الحرّة وإن كان من غيره ففيه عشر قيمتها أي الأم ولو زاد على الغرة. قال لخليل: والأمَة من سيدَّها والنصرانية من العَبْد المسلم كالحرة. أي وجنين الأمة من سيدها الحر المسلم
كجنين الحرة المسلمة ففيه عُشْرُ دِيَتها وكذلك اليهودية أو النصرانية من العبد المسلم يتزوجها كجنين الحرّة المسلمة؛ لأخذه الحرّية من أمَّه والإسلام من أبيه: وعبارة الدردير أنه قال: وفي الجنين وإن عَلَقَة عُشْرُ أمَّ ولو أمَة أو جنى أب نقدًا معجلاً أو غرّة: عبد أو وليدة تساوي العُشْر إن انفصل عنها ميتًا وهي حية، فإن ماتت قبل انفصاله فلا شيئ فيه وإن استهل فالدية إن اقتسموا وإن مات عاجلاً. أشار لما في المدونة من قولها: ما فَرْقُ ما بين الجنين إذا ضُرِبَتْ أمُّه ف ألْقَتْه ميتًا قال مالك: فيه دية الجنين بغير قَسَامة خطأ كان أو عَمْدًا، وإذا ضربها فألقته حيًّا فاستهل صارخًا ثم مات بعد ذلك قال: فيه القسامة وديته على العاقلة. قال مالك: لأن الجنين حين خرج ميتًا بمنزلة مَنْ ضُرِبَ فمات ولم يتكلم، وأنه إذا خرج حيًّا فمات بعدما استهل
فهو بمنزلة رجل ضُرِبَ فتكلم وعاش أيامًا ثم مات ففيه القَسَامة، والذي لم يتكلم حتى مات فلا قَسَامة فيه، وكذلك الجنين إذا خرج ميتًا فلا قَسَامة فيه، وأمَّا إذا خرج حيًا قد استهل ثم مات فلا يدري أمِنْ ضَرْبَتِه مات أو من غير ذلك من شيئ عرض له بعد خروجه ففيه القَسَامة اهـ. وأمَّا قوله رحمه الله تعالى: وتتعدد بتعدد الأجنة يعني تتعدد الديات في الاجنة على تفصيل متقدم: فتلزم الغُرّة في كلِّ أم حرّة أو عُشْر قيمة كل أمَة ضُرِبَتْ فألْقَتْ ولدها ميتًا مطلقًا عَمْدًا أو خطأ في وقت واحد أو في أوقات وسواء في بطن واحدة أو بطون متعددة وقد تقدَّم قوله رحمه الله تعالى: وتتعدَّد بتعدُد القتلى أي تتعددَّ الدَّيَات بتعدُّد المقتول قال خليل: وتعدّد الواجب بتعدُّده أي الجنين فراجِعْه إن شئت، والله أعلَم بالصواب اهز ولمَّا انهى الكلام على ما تعلَّق بالدَّيَات في الأعضاء والأطراف وغيرهاانتقل يتكلم فيها يتعلَّ بأحكام القَسَامةوشروطها وما يلزم الأولياء من القِسْم أو النكول فقال رحمه الله تعالى: