الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لَقَطَعْتُ يدها" اهـ. رواه الستة إلَاّ مالكًا. وفي الرسالة: ولا يشفع لمن بلغ الغمام في السرقة والزّّنا، واختُلِفَ في ذلك في القَذْف. قال شارحها: أي لا يجوز لأحد أن يشفع لِمَن بلغ أمْرُه الإمام في عدم حدَّه في الصسرقة والزَّنا، بل يجب إقامة الحدَّ عليهما ولو تابا وحسنت توبتهما؛ لأن الحدَّ بعد بلوغ الإمام يصير حقًّا لله تعالى، فلا يجوز لأحد الشفاعة في إسقاطه، ولا يجوز للإمام تَرْكُه؛ لِما رَوَى الإمام في موطَّئه أن صفوان بن أمية نام في المسجد وتوسَّد رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمَرَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُقْطَعَ يده فقال صفوان: إني لم أرِدْ هذا يا رسول الله، هو عليه صَدَقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَهَلَاّ قبل أن تأتيني به. وفيه أيضًا أن الزبير بن العوام لَقِيَ رجلاً قد أخذ سارقًا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله فقال: لأن حتى أبلغ به السلطان فقال الزبير: إذا بلغت به إلى السلطان فَلَعَن اللَّه الشافع والمشفع. ووَرَدَ أيضًا: تشفَّعوا فيما بينكم في الحدود فإذا بلغ الإمام فلَعَنَ الله الشفيع والمشفوع له اهـ. النفراوي باختصار.
ولمَّا أنه الكلام على ما تعلَّق بأحكام السرقة وحُكْم السارق والسارقة انتقل يتكلم على ما تسقط به الحدود وما ليس فيه حخدّ وفيما ينبَغي للإمام أن يجتهد فيه من التعزير فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في الحد
أي في بيان ما يتعلَّق بِما يسقط به الحدّ من الشبهة وما لا يلزم على الشخص شيئ وما ينبغي للحاكم ألَاّ يُعاب فيه يوعفو عنه وما لا ينبغي له تَرْكُه بل يحذرُ ويزجر فيه ويعزر عنه من المعاصي رُبما يكون ذلك واجبًا عليه في بعض المسائل بقدر اجتهاده واللَّه وليُّ التوفيق والهداية.
قال رحمه الله تعالى: "وَتَسْقُطْ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ" يعني كما تقدَّم أن الحدود جمع حدًّ يسقط بوقوع الشبهة بالإفراد والجمع الشبهت بضمتين. قال المناوي في فيض القدير: وهي كما في القاموس: الإلباس وقال الزمخشري: تشابهت الأمور واشتبهت: التبست لاشتباه بعضها ببعض وشبه علهي الأمر قال بعضهم: وسميت شبهة لأنها تشبه الحق. ودفع الحد بها لجواز وقوعها في ذلك الأمر؛ قال عليه الصلاة والسلام: "ادرؤوا الحدود بالشبهات وأقيلوا الكرامَ عثراتهم إلَاّ في حدًّ من حدود الله تعالى". وفي رواية ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجًا فخلوا سبيله؛ فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خيرٌ من أن يخطئَ في العقوبة كما تقدَّم، ونقله الحافظ جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير فراجعه إن شئت. ومع ذلك لا ينبغي للحاكم أن يترك إقامة الحدّ بعد ثبوته عنده لخبر (ادرؤوا الحدود ولا ينبغي للإمام تَعطِيل الحدود) أي ترك إقامة شيئ منها بعد ثبوته على وجه لا مجال للشبهة فيه، فالمراد: لا تفحصوا عنها إذا لم تثبت عندكم، وبعد الثبوت فإن كان ثَمَّ شبهة فادرؤوا بها وإلَاّ فأقيموها وجوبًا ولا تعطلوها؛ فغن تعطيلها يجر إلى اقتحام القبائح وارتكاب الفضائح والتجاهر بالمعاصي وخلع ربقة احكام الشريعة اهـ. قال المناوي في شرحه على الجامع الصغير.
ثم قال رحمه اللهَّ تعالى: "وَمَا لَيْسَ فِيهِ حَد مِنَ الْمَعَاصِي فَفِيهِ التَّعْزِيرُ بِالاجْتِهضادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" يعني أنه ختم كتاب الحدود بما ليس فيه حد معلوم من قبل الشارع إشارة إلى جواز الاجتهاد لمن تأهل عليه؛ لأن ذلك أمانة اللَّ على عباده كما وضع الله تعالى أمانته في التعزير على الإمام الأعظم فيما دون الحد ليجتهد - فيما أراه الله - في المسائل والنوازل واللَّه أعلَم فافهم. هذا، وأريد أن أختم كتاب الحدود بمسائل التعزير التي نقلها بعض شيوخنا من كتب شتى؛ لما فيها من الفوائد لمن اعتبر واقتصر على الحدود والله ولي التوفيق فقلت مستعينًا باللهَّ:
خاتمة: ختمنا اللَّه بالخير في مسائل التعزير وهو زجر عن المعاصي من الإمام أو من له قدرة في ذلك. قال خليل: وعزر الإمام لمعصية اللَّه أو لحق آدمي حبسًا ولمصا وبالإقامة ونزع العمامة وضرب بسوط أو غيره وإن زاد على الحد أو
أتى على النفس وضمن ما سرى اهـ. قال ابن جزي في القوانين. يجوز في المذهب التعزيز بمثل الحدود، وأقل وأكثر على حَسَبِ الاجتهاد. وقال ابن وهب: لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط؛ للحديث الصحيح. وقال الشافعي: لا يبلغ به عشرين سوطًا. وقال أبو حنيفة: لا يبلغ به أربعين اهـ. قال القرافي: إقامة الحدود واجبة على الأئمة. واختلفوا ي التعزير، فقال الإمام مالك وأبو حنيفة رحمهما اللهَّ تعالى: إن كان الحق للَّه وجب كالحدود، إلَاّ أن يغلب على ظن الإمام أن غير الضرب من الملامة الكلام مصلحة. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: هو غير واجب على الإمام إن شاء أقامه وإن شاء تركه اهـ. قال ابن سهل في الأحكام: وتلزم العقوبة على من حمى الظلمة وذبَّ عنهم، ومن دفع على شخص وجب عليه حق، ومن يحمي قاطع الطريق أو سارقًاونحو ذلك؛ فإن من يحميه ويمنعه عاصٍ للَّه، وتجب عقوبته حتى يحضره إن كان عنده وينزجر عن ذلك، إلَاّ أن يكون إحضاره إلى من يظلمه ويأخذ ماله أو يتجاوز فيه ما أمر به شرعًا، فهذا لا يحضره ولكن يتخلى عنه ويرتدع عن حمايته والدفع عنه اهـ. انظر شراح خليل كالخرشي في كيفية التعزير على مراتب الناس واختلاف أحوالهم وجرائمهم، وما لزم على كل واحد باجتهاد الحاكم في كل جريمة وفي أي شخص. قال ابن ناجي في شرح المدوَّنة: الأدب يتغلَّظ بالزمان والمكان: فمن عصى اللَّه في الكعبة أخصُّ ممن عصاه في الحرم، ومنعصاه في الحرم أخصذُ ممن عصاه في مكة ومن عصاه في مكة أخصُّ ممن عصاه خارجها اهـ. قال العلاّمة الشيخ حسين بن إبراهيم المغربي مفتي السادة المالكية بمكة سابقًا في فتاويه المسمّى بقرة العين نقلاً عن العتبية:
مسألة: لو قال رجل لرجل: يا سارق ضرب خمسة وعشرين سوطًا أو نحوها. وقال ابن رشد: والتحديد في هذا ليس له أصل في الكتاب ولا في السنة وإنَّما فهي الاجتهاد بحَسَبِ القائل والمقول له اهـ. ثم قال:
مسألة: يلزم التعزير من سرق شيئًا لا قطعَ فيه ويلزم على من اختلى بأجنبية، ومن وطئ مكاتبته، ومن استمنى بيده أو أتى البهيمة أو حلف يمينًا غموسًا أو غش في الأسواق أو عمل بالربا أو شهد زورًا ومن فعل التحليل أو شهد على نكاح السر، وكذا يؤدب الزوجان والولي إلَاّ أن يعذروا بجهل اهـ. ثم قال:
مسألة: من قال لرجل: يا شارب الخمر أو يا آكل الربا أو يا خائن أو ثور أو حمار أو يا ابن الحمار أو يا يهودي أو يا نصراني أو يا مجوسي فإنه يعزر، نقله عن ابن رشد في جامع الأصول. ومن قال لرجل: يا يهودي يضرب عشرين اهـ. قال
ابن رشد في البيان: لو قال رجل لرجل: يا مرائي عوقب بقدر ما يرى الغمام على قدر حال القائل والمقول له اهـ. ونقل مسائل عن مفيد الحكام لابن هشام، منها مسألة سلَّ السكين. ومن سلَّ سكينًا في جماعة على وجه المزاح ضرب عشرة أسواطن ومن سلَّ سيفًا على وجه القتال ضرب أربعين وكان السيف فيئًا. ويل: يقتل إذا سلَّه على وجه الحرابة. ومنها مسألة التهاون بدعوة الحاكم أو القاضي ولم يجب ضرب عشرة أسواط. ومنها من قال لرجل: يا مجرم ضرب خمسة وعشرين. وكذا إذا قال له: يا ظالم ولم يكن كذلك يضرب أربعين. ولو قال له: يا سارق ضرب خمسة عشر إلى عشرين. وتقدَّم أنه يضرب خمسة وعشرين ونحوها. ومنها مسألة ارتفاع الكلام في مجلس القاضي. وإذا ارتفع الكلام بين الخصمين في مجلس القاضي ضرب كل واحد منهما عشرة أسواط. ومنهامن تكلم في عالم بما لا يجب فيه حدّ ضرب أربعين سوطًا. ومنها من تغامر مع أجنبية أو تضاحك معها ضربًا عشرين عشرين، فإن قبَّلها طائعة ضربًا خمسين خمسين. وكذلك من حبس
امرأة ضرب أربعين. فإن طاوعته ضربت مثله. ومنها من قال لرجل: يا فاسق ضرب ثمانين سوطًا. ومنها إذاية مسلم، وكل من آذى مسلمًا بلسانه يضرُّ به وتقصد به أذاه فعليه الأدب البالغ الرادع له ولمثله، بقمع رأسه بالسوط، أو بضرب رأسه بالدرّة، أو ظهره، بها، وذلك على قدر القائل وسفاهته وعلى قدر المقول فيه اهـ.
مسألة: إذا شتم أحد الخصمين صاحبه في مجلس الحاكم زجره الحاكم. وقال ابن الماجشون ومطرف: إذا أسرع إليه بغير حجة مثل يا ظالم يا فاجر زجره عنه، ويضرب في مثل هذا ما لم تكن فلتة من ذي مروءة فيتجافى عنه. وغذا قال الرجل لصاحبه: اللَّه أكبر عليك فإنه يعزر القائل إلَاّ أن يعفو عنه خصمه.
مسألة: قال الباجي في شرح الموطَّأ: من شتم أحدًا من الصحابة: أبا بكر أوعمر أو عثمان أو عليًا أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال: إنهم كانوا ضلال وكفر فإنه يقتل، ولو شتمهم بغير ذلك نكل نكالاً شديدًا. ومن شتم غير هؤلاء من الصحابة فعليه النكال الشديد. ومن سبَّ عائشة قُتِل اهـ. وتقدَّم في الردة أن من سبَّ أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أزواجه أو أهل بيته فلا قَتْلَ عليه، ولكن يؤدب بالضرب الوجيع، ويكرَّر ضربه ويُطال سجنه اهـ. قال ابن جزي. وقد عقد العلاّمة القاضي ابن فرحون فصلاً في تبصرة الحكام في التعزير والزواجر والعقوبة الشرعية ثم قال: والتعزير تأديب استصلاح وزجر على ذنوب لم تشرع فيها حدود ولا كفارات. والأصل في التعزير ما ثبت في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجلد فوق عشرة أسواط إلَاّ في حدَّ من حدود اللَّه تعالى اهـ. قال ابن قيم
الجوزية: اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حدٌّ بحَسَبِ الجناية في العظم والصغر وبِحَسَبِ الجاني في الشر وعدمه. فراجع لفصل الحادي عشر في القسم الثالث من تبصرة الحكام لابن فرحون ففيها غنيمة في جميع المرام إن شاء الله تعالى.