الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ شرب الخمر في الدنيا ثم لم يَتُبْ منها حُرِمَها في الآخرة" اهـ. انظر شراحه.
ولمَّا أنهى الكلام على ماتعلق بأحكام الخمر وما على شارهبا من الحدَّ انتقل يتكلم عن مسائل السرقة وحُكْمِ السارق فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلْ
في السارق
أي في بيان ما يتعلَّق بمسائل السرقة وحُكْم السارق والسارقة. قال اللَّه سبحانه وتعالى في سورة المائدة: والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38] وسيتي حديث المخزومية المروي عن عائشة في آخر الفصل. قال العلاّمة الدردير في تعريف السرقة: هي أخْذُ مكلَّف نِصابًا فأكثر من مال محترم لغيره بال شهبة قوية خفية بإخراجه من حِرْزٍ غير مأذونٍ فيه وإن لم يخرج هو بقصدٍ واحدٍ أو حرًّا لا يميّز لصغَر أو جنون فتُقْطَع يده اليمنى اهـ. وإليه أشار رحمه الله تعالى بقوله: "يُقطَعُ الْمُكَلَّفُ لإخْرَاجِهِ مِنْ حِرْزٍ مَمْنُوع عَنْهُ رُبْعَ دِينَار أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضًا يُسَاوِي أَحَدَهُمَا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيه" يعني كما قال مالك: أحبُّ ما يجب فيه القَطْعُ إلى ثلاثة دراهم وإن ارتفع الصرف أو اتضع، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، وأنعثمان بن عفان قطع في أُترجة قوَّمَتْ بثلاثة دراهم، وهذا أحبُّ ما سمعت في ذلك اهـ. الموطَّأ. وفي الرسالة: ومَنْ سرق ربع دينار ذهبًا، أو ما قيمته يوم السرقة ثلاثة دراهم من العروض، أو وزن ثلاثة دراهم فضّة، قطع إذا سرق من حِرْزٍ. قال شارحها: والحاصل أن القَطْعَ لا بدّ فيه من شروط، بعضها فيالسارق وبعضها في المسروق، فَشَرْطُ السارق التكليف، وكونه غير رقيق للمسروق منه، وكونه غير
أصل له كأبيه وأمَّه وجدَّته وإن علَوْا، وكونه غير مضطر إلى الشيئ
المسروق، فلا قطع على صبي ولا عبد سرق مال سيَّده، وعلى على أصل سرق مال فرعه، ولا على مضطر سرق طعامًا لسدَّ جوعته، وشَرْطُ المسروق إن كان آدميًا أن يكون طفلاص حرًّا، أو عبدًا لا يعقل لصغر أو بَلَه أو كِبَر، وأني كون حين سرقته في حِرْزٍ أو مع حافظ، وإن كان مالاً فشَرْطُه أن يكون مملوكًا لغيره، ومحترمًا ولا شبهة له فيه، فلا قطع على مَنْ سرق رَهْنَه أو ودجيعته، ولا على مَنْ مَلِك النَّصاب قبل إخراجه من الحِرْز، والدليل على تحديد نِصاب السرقة بِما ذُكِرَ ما في الصحيحَيْن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُقْطَعُ يد السارق إلَاّ في ربع دينار فصاعدًا". وفي الموطَّأ ويغره أن علهي الصلاة والسلام قطع يد سارق في مجن قيمته ثلاثة دراهم. والمجن الترس كما في القاموس، وذهب بعض العلماء إلى القَطْع في القليل والكثير تمسُّكًا بقوله صلى الله عليه وسلم "لعن اللَّه السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده"، وتأوَّله الجمهور على بيضة الحديد، وعلى حبل تساوي قيمته ثلاثة دراهم. واعتبر التقويم بالدراهم لأنه المشهور، وسواء ساوت الثلاثة درانم الربع دينار أو نقصت، ولذا لو ساوت قيمة المسروق الربع دينار ولم تساو الثلاثة دراهم لم يُقْطَع، وهذاكلُّه حيث وجدت الدراهم في بلد السرقة وإن لم يُتعامل بها، وأمَّا إن لم يكن في بلد السرقة إلَاّ الذهب فالتقويم بالذهب. راجع شراح خليل. اهـ. النفراوي.
قال رحمه اللَّه تعالى: "وَيردُّهُ لِقيَامِه وَيَضْمَنُه لِفَوْتِه إلَاّ أَنْ يَكُونَ عَدِيمًا" يعني أن الشيئ المسروق إذا كان قائمًا بعينه وجَبَ ردُّه لصاحبه، وإن فات فيضمن السارق مثله إن كان مِثْليًا أو قيمته، إلَاّ أن يكون عديمًا فيتبع به إلى ميسرة. قال في الرسالة: ومَنْ أقرَّ بسرقة قطع، وإن رجع أقيل وغُرِمَ السرقة إن كانت معه وإلَاّ أتبع بها. وقال أيضًا: ويتبع السارق إذا قطع بقيمة ما فات من السرقة في غِناه ولا يتبع في
عَدَمِه، ويتبع في عَدَمِه بما لا يُقْطَع فيه من السرقة اهـ. قوله: ويضمنه لفَوْتِه وفي نسخة لفواته. قال خليل: وَجَبَ ردُّ المال إن لم يُقْطَع مطلَقًا أو قطع عن أيسر إلهي من الأخذ. قال الخرشي: يعني أن السارق إذا لم يُقْطضع إمّا لعدم كما لانَّصاب الشاهد عليه بالسرقة، أو لعدم النَّصاب المسروق من الحرز، أو كان نِصاباً إلَاّ أنه من غير حِرْزٍ وما أشبه ذلك، فإن المال المسروق يُرَدُّ لربَّه، سواء ذهب من السارق أم لأن كان السارق مليئاً أم لأن ويحاصص ربه غرماء السارق إن كان عليه دَيْن، فإن قطع السارق فإن كان مليئًا من حين السرقة إلى يوم القَطْع فإن المال يؤخذ منه؛ لأن اليسار المتصل كالمال القائم بعينه فلم يجتمع عليه عقوبتان. فلو وجد المال
السمروق بعينه فلربَّه أخْذُه بإجماع، وليس للسارق أن يتمسّك به ويدفع لربَّه غيره، أمَّا لو كان السارق عديمًا حين أخذ المال أو أعْدِم في بعض هذه المدة لسقط عنه الغُرْم، لئلا يجتمع عليه عقوبتان: قطع يده واتبع ذِمَّته، بخلاف اليسار المتصل اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "فَتقْطَعُ يَدُه اليُمْنَى وَتُحْسَمُ" يعني إذا توافرت شروط الحدّ القَطْعُ، فتُقَطَع يد السارق اليمنى من الكوع لِما بيَّنه صلى الله علهي وسلم من عموم قول الله تبارك وتعالى: والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا الآية، وإذا قُطِعَتْ يده وَجَبَ على الإمام أو نائبه الذي تولى ذلك أن يحسم العضو المقطوع، فأن يغلي زيتًا ويجعل العضو فيه لينقطع سيلان الدم. قال العدوي في حاشية الخرشي: فالوجوب متعلق بالإمام أو بِمَن يتولى القَطْعُ، كان الإمام أو نائبه. قال النفراوي: وإذا قطع فإنه يحسم بالنار، أي يُكوى موضع القَطْع؛ لِما جاء في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم "اقطعوه ثم احسِموه". والحسم بالحاء المهملة والسين المهملة لمكسورة الكيّ، هكذا بيَّنت السنّة، وإنَّما حُسِمَتْ بالنار ليقْطَع جريان الدم بحَرْق أفواه العروق؛ لأن دوام جَرْيهِ يؤدّي إلىموت المقطوع. والحَسم من حقَّ المقطوع لا من تمام الحدّ، خِلافًا لبعض الشيوخ.
والظاهر كما قال الحطاب: أن حُكْمَ الحَسِم الوجوب على كل من الحاكم والمقطوع، فيأثمان بِتَرْكِه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وَالشَّلَاّاءُ وَالْمَقْطُوعَةُ الأَصَابع كَالْمَعْدُومةِ" يعني أ، السارق إذا شُلَّت يمناه أو قُطِعَ أكثر أصابعها سواء كان ذلك بسماوي أو خلقة فهي كالمعدومة، وينتقل الحُكْمُ إلى رِجْلِه اليسرى. قال النفراوي: وأمَّا مَنْ لا يمين له أو له يمين شلاء أو ناقصة أكثر الأصابع فرِجْلُه اليسرى هي التي تقطع أولاص، على المشهور من قولَيْ مالك، وأخذ به ابن القاسم. وإن كان مالك أمر بمَحْوِه وإثبات قطع اليد اليسرى؛ لأن أصحابه ضعَّفوا المثبت ورجَّحوا المَمْحو اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "ثُمَّ إِنْ تَكَرَّرَ قُكِعَ مِنْ خِلَافٍ فإِنْ عَادَ ضُرِبَ وَحُبِسَ" يعني كما في المدوّنة: مَنْ سرق مرّة بعد مرّة قُطِعَتْ يده اليمني، ثم إن سرق قُطِعَتْ رجله اليسرى، ثم يده اليسرى ثم رجله اليمنى اهـ. قال في الرسالة: ويُقْطَعُ في ذلك يد الرجل والمرأة والعبد، ثم إن سرق أي مرّة ثانية قُطِعَتْ رِجْلُه من خِلاف، ثم إن سرق أي مرّة ثالثة فَيَدهُ اليسرى، ثم إن سرق أي مرّة رابعة فرِجْلُه اليمنى، ثم إن سرق أي مرَّة خامسة جُلِدَ وسُجِن، أي إلى أن تظهر توبته، ولا يُقْتَل على المشهور.
قال رحمه الله تعالى: "وَلَا يَسْقُطُ بِتَمَلُّكِهِ إِيَّاهُ" يعني لا يسقط الحدُ عن السارق بتمَلُّك الشيئ المسروق للسارق، لكن هذا بعد البلوغ إلى الإمام، وأمَّا قبل
الإمام فجائز كما تجوز الشفاعة قبله لا بعده؛ لِما في الموطَّأ أن سارقًا أخذ رداء صفوان وهو نائم في المسجد فتيقَّظ وأخذ السارقَ فجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمَرَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم تُقْطَعَ يده، فقال له صفوان: إني لم أرِدْ هذا يا رسول الله، هو عليه صَدَقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فَهَلَاّ قبل أن تأتِيَني به" اهـ. وفي بعض الطرق: فغن الحدود إذا انتهت إلَيَّ فليس لها مترك، كما في حديث
المخزومية. وفي أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَ بقطع سارق رداء صفوان من المفصل أي مفصل الكوع اهـ. انظر شراح الحديث.
قال رحمه اللَّه تعالى: "والأقاربُ كالأجانِب" يعني أ، حُكْمَ السرقة بين الأقارب في وجوب الحدَّ كحُكْمِه بين لأجانب سواء. إلَاّ ما استثنى بقوله:"إلَاّ الأبَوَينِ في مالِ الولد بِخِلافِ عكسِه والضَّيفَ" يعني أن الأب والأمَّ إذا سرقا من مال ولدهما فإن لا قطع عليهما، ومثلهما الجدّ ولو لأمَّ إذا سرق من مال ابن ابنه أو ابن ابنته، لقوّة الشُّبهة، لقوله عليه الصلاة والسلام:"أنت ومالك لأبيك". أمَّا الابن إذا سرق من مال أبيه أو من مال جدّه فإنه يُقْطَع، لضعف شُبْهَتِه، كما أنه يحدُّ إذا وِطشئ جارية أبيه أو أمَّة، بخِلاف الأبِ إذا وَطئ جارية ابنه، لقوّة شُبْهَتِه، قاله الخرشي اهـ. وفيه. أيضًا نَقْلاً عن ابن رشد أنه قال: لا قطع على مَنْ سرق من موضع مأذون له في دخوله، كالشخص يضيف الضيف فيدخله داره، أو يبعث الشخص إلىداره ليأتِيَه من بعض بيوتها بشيئ، وما أشبه ذلك، فيسرق من موضع مغلق قد حُجِرَ علهي فيه وإن خرج من جميع الدار؛ لأنه خائن لا سارق اهـ. ومثله في الموّاق عند قول خليل: لا إذْنَ خاص كضيف ممَّا حَجَرَ عنه. فراجِعْه إن شئت. وكذلك أنه لا قطع على مضنْ سرق رَهْنَه من مرتَهَنِه، وأجْرته من المستأجرن ولا مَنْ سرق شيئًا له فيه نصيب، ولا على صاحب الدذَيْن إذا سرق من غريمه قدر دَيْنِه. واختُلِفَ في قَطْع مَنْ سرق من المغنم قبل القِسُم إذا كان له فيها نصيب، وقيل: إن سرق فوق حقَّه بثلاثة درانم قُطِعَ كشريك إن حجب عنه اهـ. ابن جزي بتوضيح ومثله في الخرشي.
قال رحمه اللَّه تعالى: "وكُلٌّ منَ الزَّوجَينِ فيما حُرِزَ عنهُ وعبْد كُلَّ مِنْهُمَا في مالِ الآخرِ" يعني أن أحد الزوجين إذا سرق من مال صاحبه في حِرْزٍ مخصوص
محجور عنه فإنه يُقْطَع. قال خليل عاطِفًا على ما يُقْطَع به: أو زوج فيماحُجِرَ عنه. قال الشارح: وكذلك يُقْطَع أحد الزوجين إذا سرق من ماله صاحبه، بِشَرْط أن يكون المال المسروق في مكان محجور عن السارق أن يدخله. أمَّا لو سرق من
مكان يدخله فإنه لا قطع عليه؛ لانه حينئذٍ خائن لا سارق، وأصله ما فيالموطأ من قول مالك: وكذلك الرجل يسرق من متاع امرأته أو المرأة تسرق من متاع زوجها ما يجب فيه القَطْعُ، إن كان الذي سرق كلُّ واحدٍ منهما من متاع صاحبه في بيت سِوَى البيت الذي يغلقان عليهما، وكان في حِرْز سوى البيت الذي هما فيه؛ فإنّ مَنْ سرق منهما من متاع صاحبه ما يجب فيه القَطْعُ فيه. وحُكْمُ أمَة الزوجة في السرقة من مال الزوج حُكْمُ عبد الزوج إذا سرق من مال الزوجة اهـ.
قال رحمه اللَّه تعالى: "والْجَمَاعَةُ الْمُتَعَاوِنُونَ كَالْوَاحِد خضرَجَ بِهَا أَوْ رَمَاهَا إِلَى خارِجِهِ ثُمَّ خَرَجَ أَوْ رَبَطَهَا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ أَلْقَاهَا عَلَى ماءٍ فَجَرى بها" يعني الجماعة المتعاونون في السرقة كالواحد يخرج النًّصاب من الحِرْز، أو رماه من داخل إلى خارج، أو ربط المسروق علىدابة فذهبت به، أو ألقاه في الماء الجاري فجرى به وأخذه في خارج الحِرْز فإنه يُقْطَع، كما تُقْطَع الجماعة بالتعاون على إخراجه من الحِرْز. قال في المدونة: إن دخلوا جميعًا للسرقة فحَمَلَه واحد منهم فخرج به وهم معه ولم يحملوه عليه ولم يحملوا شيئًا لم يُقْطَع إلَاّ مَنْ حَمَلَه وحدَه وإن دخلوا للسرقة جميعًا. قال: وإن خرجوا جميعًا وقد أخذ كلُ إنسان منهم شيئًا يحمله، وهم شركاء فيما أخرجوا، فَمَنَ خرج منهم بقيمة ثلاثة دراهم قثطِعَتْ يده، ومَنْ خرج منهم بقيمة أقل من ثلاثة دراهم لم يُقْطَع؛ لأن هؤلَاء لم يتعونوا على ما حَمَلَ كلُّ واحد منهم، إنَّما حَمَلَ كلُّ واحد منهم ما حَمَلَ وحده، ولم يحمل عليه صاحبه، ولم يحمل معه. وإنما مثل ذلك مثل القوم يدخلون جميعًا فيحملون السرقة على واحد منهم، فيخرج بها واحجد منهم يحملها، وهم الذين حملوها عليه، فيقطعون جميعًا، بمنزلة
ما لو حملوا المتاع في حِرْزِه على دابة أو على بعير أو حمار فخرجوا به إلَاّ أنهم اجتمعوا في حمله على الدابة إنهم يقطعون جميعًا اهـ. ومثله في الموطَّأ. وعلى المسألة الأولى أشار خليل عاطِفًا على ما لا قطع فيه بشرطَيْن بقوله: أَوِ اشْتركا في حمل إن استقلّ كُلٌّ، ولم يَنُبْه نِصاب. قال شارحه: هذا عطف على ما لا قطع فيه. والمعنى أنه إذا دخل اثنان فيا لحِرْز فاشتركا في حَمْل نِصاب فأخرجاه فإنهلا قطع على واحد منهما، لكن بشرطَيْن: الأول: أن يكون كل واحد منهما يستقلُّ بإخراجه من الحِرْز دون صاحبه. الثاني: ألَاّ ينوبَ كل واحد منهما نِصابٌ. فإذا لم يستقلَّ أحدهما بإخراجه من الحِرْز فعليهما القَطْعُ ولو لم يَنُبْ كلَّ واحد منهما نصابٌ، أو ناب كلَّ واحد نِصاب ولو استقل بإخراجه من الحِرْز. ف الحاصل إن ناب كُلاً نِصاب فالقَطْعُ على كل حال، وإلَاّ فإن استقلَّ كل بإخراجه من الحِرْز فلا قَطْع، وإلَاّ فالقَطْعُ عليهما أيضًا. وكذلك القَطْعُ عليهما
إذا رفعوه على ظهر أحدهم في الحِرْز ثم خرج به إذا لم يقدر على إخراجه إلَاّ برفعهم معه ويصيرون كأنهم حملوه على دابة فإنهم يُقْطَعون إذا تعاونوا على رَفْعِه عليها. ولو حملوه على ظهر أحدهم وهو قادر على حِملِه دونهم كالثوب قُطِعَ وحده. ولو خرج كلُّ واحد منهم حامِلاث لشيئ دون الآخر وهم شركاء فيما أخرجوه لم يُقْطَع منهم إلَاّ مَنْ أخرج ما فيه ثلاثة دراهم. ولو دخل اثنان الحِرْزَ فأخذ أحدهما دينارًا وقضاه للآخر في دَيْنٍ عليه أو أودعه إياه قطع الخارج به، قاله ابن الموّاز. ولو باع السارق ثوبًا في الحِرْز لآخر فخرج به المشتري ولم يَعْلَم أنه سارق فلا قطع على واحد منهما قاله الباجي أهـ. الخرشي. قال الحطاب نَقْلاً عن المقدَّمات: يجب القَطْعُ في النًّصاب بإخراجه من الحِرْز، سرقه واحد من واحد، أو جماعة من جماعة، أو جماعة من واحد أو واحد من جماعة، إذا تعاونوا في إخراجه لحاجتهم إلى التعاون في ذلك اهـ. قال ابن جزي في القوانين: وغذا سرق جماعة نِصابًا ولم يكن في نصيب أحدهم نِصاب قُطِعُوا خِلافًا لهما، إلَاّ أن يكون في نصيب كلَّ منهم نِصاب فيُقْطَعوا اتّفاقاً اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "أوِ ابتلعَ ما لا يَهلِكُ وإنْ أُخِذَ في الحِرْز بخِلاف أكلهِ الطعامَ فإنهُ يَغْرَمُه فقطْ" هذه الجملة معطوفة على ما قبلها، فالمعنى كما في الخرشي وكذلك يُقْطَعُ مَنِ ابتلع داخل الحِرْز درًّا أو دينارًا أو شبه ذلك ممَّا لا يفسد بالابتلاع حيث خرج السارق من الحِرْز، فإنه لا قطع عليه ولو خرج من الحِرْز، ولكن يضمنه لربَّه كما لو حرق أمتعة داخل الحِرْز ويؤدَّب. وعبارة الدردير على أقرب المسالك أنه قال: والمدار على إخراج النَّصاب ولو في جوفه إذا كان لا يفسد، كما لو ابتلع فيه كجوهر قدر نصاب ثم خرج فيُقْطَع، بخلاف ما لو ابتلع فيه نحو لحم وعنب يساوي نِصابًا فلا قطع، بل عليه الضمان، كما لو أتْلَفَ شيئًا في الحِرْز بحَرْقٍ أو كَسْر اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " "فلَوْ تَنَاوَلَهَا الخَارجُ وَسْطَ الثَّقْبِ قُطعًا وَلَوْ قَرَّبَهَا الدَّاخل وأَخْرَجَهَ الخَارجُ قُطِعَ وَحْدَه" يعني كما في الدردير: وإن التقيا أي الداخل في الحِرْز والخارج عنه، بأن التقيا بأيديهماوسط الثَّقْب، فأخرج الخارج الشيئ بمناولة الداخل، أو ربطه الداخل بحبل ونحوه، فجذبه الخارج عن الحِرْز قُطعا معًا ف يالمسألتَيْن، أي مسألة الالتقاء وسط الثَّقْبِ ومسألة ربط الداخل مع جذب الخارج. وإنَّما قطعا معًا لاشتراكهما في الإخراج من الحِرْز. وأمَّا لو قرَّبها الداخل ومدَّ الخارج يده وتناولها من الداخل فالقَطْعُ على الخارج فقط. فلو مدَّ الداخل يده
بالشئ إلى خارج الحِرْز وتناوله غيره من خارج فالقَطْعُ على الداخل فقط اهـ.
قال رحمه لله تعالى: "والسَّاحَةُ المُخْتَصَّةُ حِرْزٌ بِخِلَافِ المُشْتَرِكةِ فَإنَّهُ يُقْطَعُ بالإخْراج إلَيها" يعني أن الساحة المختصّة حِرْزٌ لمتاع صاحبها، بخلاف المشتركة فإنه يُقْطَعُ بالإخراج إلَيْها. قال خليل: أو ساحة دار لأجنبي إن حُجِرَ عليه. قال الموّاق نَقْلاً عن ابن يونس: الدار المُشترَكَة المأذون فيها لسكِنِها مَنْ سَرَقَ من السكان من بيت
محجور عنه فإنه إذا أخرج المتاع من البيت إلى الساحة قُطِع، لأنه صيَّره إلى غير حِرْزِه، وإن سرق من الساحة لم يُقْطَعْ وإن خرج به من جميع الدار، لأنه موضع مأذون له فيه. وأمَّا إن كان السارق غير الساكن فإنه لا يقْطَع حتى يخرجه من جميع الدار، وساء سرق المتاع من البيت أو من لساحة. قاله سحنون. وقال ابن الموّاز عن مالك في هذا: إنه يُقْطَع إذا أخرجه من البيت إلى الساحة، وإن سُرِقَ من الساحة لم يُقْطَع حتى يخرج به من الجميع اهـ. ومثله في الموطَّأ.
قال رحمه الله تعالى: "وَفَنَاءُ الحَانُوتِ والفُسْطاطِ وظَهْرِ الدَّابة والقِطَار ومَوْقِفِ الدَّابة بِبَابِ دَارِهِ حرْزٌ" يعني أن فناء الحانوت حِرْزٌ لبعض الأمتعة، لأن الحِرْزَ كما عرفوه: إنه ما لا يعد الواضع فيه مضيعًا عَرْفًا، ويختلف باختلاف الأشياء، وما يجعل فيه أو يصونه عن التَّلَفِ فالحانوت حِرْزٌ لِما فيه، والخيمة حِرْزٌ لِما فيها، والمحمل حِرْزٌ لِما فيه، سواء كان علىظهر الدابة أم لأن كان سائرًا أو نازلأن والفسطاط وهو بيت شعر حِرْزٌ لِما فيه، ككل موضع اتخذ منزلاً فهو حِرْزٌ لِما فيه، والجرين حِرْزٌ لِما فيه من زرع وثمر وغيرهما، وكذلك القبر حِرْزٌ للكفن، والسفينة حِرْزٌ لِما فيها، والمسجد حِرْزٌ لفراشهوآلته، وكذلك موقف الدابة بباب الدار حِرْزٌ لها، والحمّام حِرْزٌ لِما يضع الناس فيه من الثياب وغيرها، والإنسان حِرْزٌ لِما معه في جيبه أو كمه أو وسطه، أو يحمل على رأسه أو على ظهره أو يسمك بيده، فَمَن أخذ نِصاباً في حِرْزِه في شيئ من تلك المذكورات وأخرجه عن حِرْزه بلا شُبهة له فيه فإنه تُقْطع يده، سواء كان ذكرًا أو أنثى، حرًّا أو عضبْدًا، مسلمًا أو كافرًا: للآية المتقدَّمة " والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ" الآية وللأحاديث المروية كحديث المخزومية الآتي المروي عن عائشة، رضي الله تعالى عنها. قال في الرسالة: ويُقْطَعُ في ذلك يد الرجل والمرأة والعبد. قال شارحها: لا يُشْتَرَطْ في القَطْعِ ذكورة ولا حرَّية ولا إسلام، قال خليل: وشَرْطُه التكليف، فيُقْطَعُ الحر والعبد والمعاهد وإن لِمِثْلِهم. ونُبَّهَ لبعض
ما تقدَّم بقوله رحمه الله تعالى: "كالْقَبْرِ لِلكَفَنِ وَالْمَسْجِدِ لِفِراشِهِ وَآلتِهِ وَبَابِهِ وَالْحَمَّام" يعني كما تقدَّم أن القبر حِرْزٌ إلخ. قال في الرسالة: وكذلك الكفن من القبر، أي إذا خرج به من القبر وكان الكفن نِصابًا ولم
يَزِدْ على الكفن الشرعي فغنه يُقْطَع به. وأمَّ مَنْ سرق ما زاد على الشرعي فلا قطع به على المعتمد كما مشىي عليه في المجموع اهـ. نَقَلَه الصاوي. قال لمالك: والأمر عندنا فيمن يَنبِشُ القبور أنه إذا بلغ ما أخرج من القبور ما يجب فيه القَطْعُ فعَلَيه فيهالقَطْع. قال: وذلك أنّ القبر حِرْزٌ لِما فيه كما أنّ البيوت حِرْزٌ لِما فيها. قال: ولا يجبُ عليه القَطْعُ حتى يخرج به من القبر اهـ. الموطَّأ. وكذلك المسجد حِرزٌ لنحو حصره وبسطه حيث كانت تترك فيه. فإن كانت تفرض نهارًا فقط فَتُرِكَتْ ليلةً فَسُرِقَ منها فلا قَطْع، كما أنه لا قطع على مضنْ سرق متاعًا نَسِيَه ربّه بالمسجد. وأمَّا مَنْ سرق بسطه أو قناديله أو غير ذلك من آلته فإنه يقطَعُ ولو لم يخرج به إذا أزاله عن محله إزالة بينة؛ لأنه لا يُشْتَرَطْ في قَطْع مَنْ سرق مِن المسجد أن يخرجه منه كما في الدردير. قال ابن جزي في القوانين: لا يُقْطَعُ مَنْ سرق قناديل المسجد خلافًا للسافعي أهـ. راجع الحطاب عند قول خليل عاطفًا على ما يوجب القَطْع: أَوْ أزال بابَ المسجد أو سقفه، أو أخرج قناديله أو حصرَهُ أو بُسُطَه إن تركت به أو حمّام إن دخل لسرقة إلى قوله: وصُدَّق مدَّعي الخطأ. قوله: الحمّام حاصل مسألة الحمّام كما في الخشري أنّ مَنْ دخل الحمام لأجْل السرقة وسرق منه فإنه يُقْطَع، وأمَّا إن أذن له في دخوله فدخله وسرق فلا قطع عليه، يُعْلَم ذلك من قرائن الأحوال. وكذلك يُقْطَع من نقب الحمّام أو تسوَّ {عليه ونزل إليه وسرق ما قيمته ثلاثة دراهم إذا أخذ خارج الحمّام. وأمَّا مجرَّد النقب فلا قطع فيه، وكذلك يُقْطَع مَنْ أخذ من ثياب الحمّام من غير إذن الحارس له في تقليب الثياب، وأمَّا إن أذِن له في تقليب الثياب فأخذ غير ثيابه فإنه لا يُقْطَع عليه، وسواء دخل لسرقة أم لا؛ لأنه خائن. وحيث قُلْنا بالقَطْعِ محله ما لم يدَّعِ أنه أخطأ فإن ادَّعى ذلك صَدُقَ إن أشبه قوله اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "والصَّبيُّ لِمَا علَيْهِ إنْ كَانَ مَعَه حَافِظٌ والْرّضجُلُ لِمَا في جَيْبِهِ أوْ كُمَّه أوْ وَسَطِهِ" يعني أن الصبي لا يكون حِرْزًا لِما عليه من حلي وثياب إلا إذا كان معه حافظ، وإن يكن معه حافظ فلا قطع على مَنْ اخذ منه النصاب إن لم يكن بدار أهله. ومثل الصبي المجنون، والرجل كذلك حِرْزٌ لِما معه في جيبه أو كمَّه أو وسطه، فَمَنْ سرق منه النَّصاب قُطِع. قال في الرسالة: ومَنْ سرق من الكم قُطِع، ومَن سرق من الهَدْي وبيت المال والمغنم فلْيُقْطَع كما تقدَّم.
قال رحمه الله تعالى: "والقَطْعُ فِ كُلَّ مَا يُتمَوَّلُ حَتَّى المُصُحَفِ وَالْعَبْد الصَّغيرِ والكَبِيرِ الأَعْجَمِيَّ لَا الْفَصِيحِ وَالْكَثرِ والثَّمَرِ المُعَلَّقِ" يعني أن تُقْطَعُ
يد السارق في كل متموَّل يساوي النصاب، سواء كان نفوذًا أو حيوانًا أو عروضًا، حتى المِصْحَف والعبد الصغير غير المميّز أو الكبير الأعجمي أو المجحنون. وأمَّا الفصيح فلا قطع على مَنْ سرقه، ولا على مَنْ سرق الكثير وهو الجمار. قال في الرسالة: ولا قطع في ثمر معلَّق، ولافي الجمار في النخل، ولا في الغنم الراعية حتى تسرق من مراحها، وكذلك لا قطع على المختلس، واختُلِفَ فيمَن سرق من الثياب المعلَّقة في حب ل الغسال كما قال ابن جزي. ثم شرع يتكلم في حكم الشفاعة فيمن ترتب عليه حد بقوله رحمه الله تعالى:"ولا تجوز الشفاعة في حد ولا للحاكم أن يضعفُو" يعني أن الشفاعة في السرقة لا تجوز بعد البلوغ إلى الإمام، وتقدَّم ما فَي الموطَّأ مَنْ ترك الشفاعة للسارق إذا بلغ السلطان، كما في قصة صفوان بن أمية وقصة المخزومية المروية عن عائشة أنها قالت: إن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: مَنْ يكلَّم فيها رسول الَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومَنْ يجترئ عليه إلَاّ أسامة، فكلَّمه أسامة فقال صلى الله عليه وسلم "أتشفع في حدَّ منحدود الله؟!؟ ثم قام فاختطب فقال: "إنَّما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، وايم