الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لابن جزي أنه قال: إذا أوصى بجزء معلوم كالثلث أو الربع أو العشر أو جزء من أحد عشر أو غير ذلك ففي العمل وجهان: أحدهما: أن تصحح الفريضة ثم تزيد عليها من العدد ما قبل الجزء الموصى به فإن أوصى بثلث زدت نصف الفريضة، وإن أوصى بربع زدت ثلثها، وإن أوصى بعشر زدت تسعها. الوجه الثاني: أن تنظر مقام الجزء الموصى به فتعطي للموصى له وصيته منه وتقسم الباقي على فريضة الورثة فإن انقسم صحت الفريضة والوصية من المقام وذلك في المماثلة والمداخلة، وإن لم تنقسم ضربت في المباينة عدد الفريضة في مقام الوصية وصحتا من المجموع وضربت في الموافقة راجع أحدهما في كل الآخر وصحتا في المجموع، مثال ذلك: ماتت امرأة وتركت زوجًا وثلاثة بنين وأوصت بالخمس فالفريضة من أربعة، فعلى الوجه الأول: تزيد عليها واحدًا وهو ربعها فتصحان من خمسة، وعلى الوجه الثاني: تأخذ مقام الخمس وهو خمسة فتعطي الموصى له واحدًا وتقسم الأربعة على الفريضة فتبقى كما كانت للتماثل، فلو أوصت بالثلث فعلى الوجه الأول يزيد عليها نصف الفريضة وهو اثنان فتصحان من ستة، وعلى الثاني تنظر مقام الثلث وهو ثلاثة فتعطي الموصى له واحدًا ويبقى اثنان لا تنقسم على الفريضة وتوافقها بالنصف فتضرب اثنين وهو راجع الفريضة في مقام الثلث وهو ثلاثة بستة ومنها تصحان ولولا الموافقة لضربت الفريضة كلها في مقام الثلث باثني عشر اهـ.
ولما أنهى الكلام على ما تعلق بمسائل الجمع بين الإنكار والإقرار في الميراث انتقل يتكلم على ما هو أهم وهو الكلام على قسمة التركة فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في التركة
أي في بيان ما يتعلق بقسمة التركة وكيفية العمل فيها ليأخذ كل وارث نصيبه بعد تخليص جميع الحقوق عنها. قال بعض الأفاضل: قسمة التركات هي الثمرة المقصودة من
هذا الفن وما تقدم من تأصيل المسائل وتصحيحها إنما هو وسيلة لها.
قال رحمه الله تعالى: (وإذا أردت قسمة تركة معلومة القدر جعلتها أصل المسألة وصححت الفريضة)، يعني أنك إذا أردت أن تقسم التركة بعد علم قدرها فاجعلها أصل المسألة وصحح فريضتها بعد معرفة ما يلزم معرفته كالقيراط وغيره مما هو لازم في القسمة. قال بعضهم: اعلم أن كل شيء يقسم أربعة وعشرين
قسمًا فيسمى أحدها قيراطًا وكل قيراط يقسم أربعة وعشرين قسمًا فيسمى أحدها دانقًا وكل دانق يقسم أربعة وعشرين قسمًا فيسمى أحدها (1) حبة ولقسمة التركة بهذه القاعدة أن تعرف قيراط المسألة بأن تقسم مصحح المسألة على مخرج القيراط أربعة وعشرين فما خرج بالقسمة من صحيح أو صحيح وكسر فهو قيراط المسألة ثم حول كل نصيب من مصحح المسألة إلى القيراط أي طريقة شئت. ومنها أن تقسم نصيب الوارث من المصحح على قيراط المسألة يخرج نصيبه من مخرج القيراط قراريط، فإن بقي بعد القسمة باق فاضربه اهـ. وإلى ذلك أشار رحمه الله تعالى بقوله:(فإن تباينا ضربت سهام كل في التركة ثم قسمت على الفريضة كزوج وأم وأخوين لأم والتركة خمسة وعشرون تقسمها على ستة يخرج النصيب أربعة دنانير وثلاثة قراريط وحبة فهو نصيب الأم ولكل من الأخوين مثله وللزوج ثلاثة أمثاله)، يعني إذا كان في المسألة تباين ضربت سهام كل وارث في التركة يخرج نصيب كل وارث ثم قسمها على الفريضة كزوج أي ماتت امرأة وتركت زوجها وأمها وأخويها لأم والتركة خمسة وعشرون دينارًا مثلاً وإذا قسمتها على الستة وهي أصل المسألة يخرج للزوج النصف وهو اثنا عشر دينارًا وتسعة قراريط وثلاث حبات ويخرج للأخوين للأم لكل واحد منهما أربعة دنانير وثلاثة قراريط وواحد حبة وهو الثلث ويخرج للأم أربعة دنانير وثلاثة قراريط وواحد حبة وهو السدس، هذا معنى عبارة المصنف فتأمل.
(1) قوله: كل دانق
…
إلخ، المشهور أن الدانق سدس القيراط والحبة ثلثه.
قال رحمه الله تعالى: (وإن توافقا والمسألة بحالها والتركة أربعة وعشرون ضربت سهم كل في وفق التركة وقسمت على وفق الفريضة)، يعني وإن توافقا والمسألة بحالها أي كما صورها المصنف بقوله: كزوج وأم وأخوين للأم وأصلها ستة كما تقدم فإنك تضرب سهم كل وارث في وفق التركة وتقسم على وفق الفريضة يخرج نصيبه من ذلك الوفق كما تقدم لكن التركة هنا أربعة وعشرون للموافقة، وبإسقاط واحد الدينار أسقطنا القراريط وما بعدها فتأمل.
قال رحمه الله تعالى: (فإن كانت عينًا وعرضًا كعشرة دنانير وثوب فأخذت الأم الثوب بحقها فاجعل العين مالاً ذهب سدسه فأضف عليه مثل خمسه فهو قيمته. وإن أردت معرفة ما له من الدينار فانظر نسبة سهامه من التركة وأعطه مثل تلك النسبة من الدينار والله أعلم)، يعني إن كان في التركة عين وعرض كالدنانير أو الدراهم أو الثياب وغيرها أو كانت العروض من العقارات أو الحيوانات فأخذ بعض الورثة شيئًا من ذلك في نصيبه وأردت أن تعرف ثمن تلك العروض بالنسبة لذلك في سهام الآخذ
فافعل كما أمرك المصنف بأن تجعل العين مالاً ذهب سدسه فأضف عليه مثل خمسه فهو قيمته اهـ باختصار. وإليه أشار خليل بقوله: وإن أخذ أحدهم عرضًا فأخذ بسهمه وأردت معرفة قيمته فاجعل المسألة سهام غير الآخذ ثم اجعل لسهامه من تلك النسبة. فإن زاد خمسة ليأخذ فزدها على العشرين ثم اقسم اهـ. قال الخرشي: قوله: وإن أخذ أحدهم، الضمير يرجع للزوج وللأم وللأخت المذكورين في المختصر، فإن أخذ أحدهم عرضًا من التركة في المسألة السابقة فأخذه عن جملة نصيبه من غير تعين لقيمته وأخذ باقيهم العين وأردت معرفة قيمة ذلك العرض والمراد بالقيمة ما يتراضى عليه الورثة لا ما يساويه للعرض في السوق فوجه العمل في ذلك أن تصحح الفريضة وتسقط منها سهام آخذ العرض وتجعل القسمة على الباقي، فإذا أخذ الزوج العرض فاقسم العشرين على سهام الأم
والأخت وذلك خمسة يكن الخارج لكل سهم أربعة فاضرب للزوج أربعة في ثلاثة سهامه باثني عشر وذلك ثمن العرض فتكون جملة التركة اثنين وثلاثين وكذلك لو أخذته الأخت وإن أخذته الأم كان الباقي بعد إسقاط سهمهما ستة فاقسم العشرين عليها يخرج ثلاثة وثلث هي جزء السهم اضربها في سهمهما يخرج ستة وثلثان هي قيمة العرض فالتركة ستة وعشرون وثلثان اهـ باختصار. وفي القوانين: إذا ضم أحد الورثة في نصيبه عرضًا أو عقارًا وأخذ سائرهم العين، فإن كانت قيمته قدر حظه فلا إشكال، وإن كانت أزيد دفع لسائر الورثة ما زاد، وإن كانت أقل دفع له سائر الورثة ما نقص ثم يقسم سائر الورثة ما كان في التركة من عين ويضيفون إلى ذلك ما زادهم أو ينقصون منه ما زادوه.
وحاصل ما ذكره في قسمة التركة: أنه إن كان المال مما يعد أو يكال أو يوزن فاقسم عدده على العدد الذي صحت منه الفريضة، وإن كان عروضًا أو عقارًا فيقوم وتقسم قيمته أو يباع ويقسم ثمنه على عدد الفريضة فما خرج ضربت فيه ما بيد كل وارث فذلك ما يحصل له من المال، وإن شئت سميت ما بيد كل وارث من أصل الفريضة فذلك الاسم نصيبه من المال. مثاله: زوج وأم وابن فالفريضة من اثني عشر والمال ستون، فإذا قسمته على أصل الفريضة خرج خمسة فتضربها فيما بيد كل وارث فيكون للأم عشرة وللزوج خمسة عشر وللابن خمسة وثلاثون. وإن سميت يكن للأم سدس المال وهو عشرة وللزوج ربعه وهو الخمسة عشر وللابن ثلاثة أسداس ونصف سدس وهو الخمسة والثلاثون اهـ. وأما عبارة الشنشوري على شرح الرحبية في قسمة التركات أنه قال: وهي مبنية على الأربعة أعداد المتناسبة التي هي أصل كبير في استخراج المجهولات وهي مذكورة في كتب الحساب، وذلك أن نسبة ما لكل وارث من تصحيح المسألة إلى تصحيح المسألة كنسبة ماله من التركة إلى التركة، إذا تقرر ذلك فتارة تكون التركة مما لا تمكن قسمته
كالعقارات والحيوانات، فبقدر تلك النسبة
تكون حصته من ذلك الموروث ثم تارة يعبر المفتي عنها بالقراريط وتارة يعبر عنها بالكسور المشهورة فهو مخير، والأولى مراعاة عرف ذلك البلد، ولو جمع بينهما كأن يقول مثلاً: للأم السدس أربعة قراريط لكان أولى، وتارة تكون التركة مما تمكن قسمته كالنقد أو ما يقدر بالوزن أو الكيل أو العدد أو ثمن أو قيمة ما لا تمكن قسمته أو أريد قسمة ما تمكن قسمته أو ما لا تمكن بالقراريط فيقدر مخرج القراريط وهو أربعة وعشرون كتركة مقدارها أربعة وعشرون دينارًا مثلاً ففي هذه الصور كلها إن كانت التركة مماثلة للتصحيح فالأمر واضح لا يحتاج لعمل كزوجة وبنت وأبوين والتركة عبد مثلاً أو أربعة وعشرون دينارًا فتصح المسألة من أصلها أربعة وعشرين: للزوجة ثلاثة وللبنت اثنا عشر وللأم أربعة وللأب خمسة، ومخرج القيراط أو التركة مساو كل منهما للتصحيح، فللزوجة ثلاثة قراريط من العبد أو ثلاثة دنانير وللبنت اثنا عشر قيراطًا من العبد أو اثنا عشر دينارًا وللأم أربعة قراريط من العبد أو أربعة دنانير وللأب خمسة قراريط من العبد أو خمسة دنانير. وإن كانت التركة غير مساوية لمصحح المسألة ففي قسمة التركة خمسة أوجه بل أكثر. الأول: وهو المشهور أن تضرب نصيب كل وارث من التصحيح في التركة أو مخرج القيراط وتقسم الحاصل على التصحيح يخرج ما لذلك الوارث، ففي المباهلة وهي زوج وأم وأخت شقيقة أو لأب لو كانت التركة عقارًا أو أربعة وعشرين دينارًا، فأصل المسألة ستة وتعول لثمانية ومنها تصح كما تقدم فاضرب للزوج ثلاثة في أربعة وعشرين مخرج القيراط أو عدد الدنانير يحصل اثنان وسبعون فاقسمها على الثمانية يخرج تسعة فللزوج تسعة قراريط في العقار أو تسعة دنانير وللأخت كذلك واضرب للأم اثنين في الأربعة والعشرين واقسم الحاصل وهو ثمانية وأربعون على الثمانية يخرج لها ستة قراريط في العقار أو ستة دنانير. ومنها وهو أصل الأوجه وهو أعمها نفعًا أن تنسب كل حصة من المصحح إليه
وتأخذ من التركة أو من مخرج القيراط بتلك النسبة ففي المثال المذكور انسب للزوج حصته وهي ثلاثة إلى الثمانية مصحح المسألة تكن ربعًا وثمنًا فله ربع الأربعة والعشرين وثمنها وذلك تسعة قراريط أو دنانير وإن شئت قلت: له ربع التركة وثمنها وللأخت كذلك. وانسب للأم اثنين إلى الثمانية تكن ربعًا فلها ربع الأربعة والعشرين ستة دنانير أو قراريط، وإن شئت قلت: لها ربع التركة اهـ. ومن أراد معرفة بقية الأوجه مع زيادة فعليه بشرح الترتيب للعلامة الشنشوري فقد أتى فيه بعجب العجائب من هذا الفن، والله أعلم.
ولما أنهى الكلام على ما تعلق بقسمة التركة ومسائلها انتقل يتكلم على المسائل الجامعة على ما يأتي ولما مر من الأمور والأحكام مما يجب أن يعتني به الإنسان من أمر دينه ودنياه وذلك في أمور شتى.
قال رحمه الله تعالى: