الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوقف
أي في بيان ما يتعلق بمسائل الوقف المعبر عنه بالحُبُس كما في بعض النُّسَخ. وحُكْمُه الندب؛ لأنه من البرَّ وفعل الخير. قال الدردير: فأركانه أربعة: واقف وهو المالك للذات أو لمنفعة إن كان أهلاً للتبرع. وموقوفٌ وهو ما مُلِكَ، أي من ذات أو منفعة ولو حيوانًا أو طعامًا أو عينًا للسَّلَف. وموقوف عليه وهو الأهل أي المستحق لصرف المنافع عليه، كالمجاهدين في سبيل الله والمرابطين والعلماء والفقراء وغيرهم ممن يصرف عليهم غلة الوقف، وكالقناطر والمساجد ومن سيولد ولو ذميًا، أو لم تظهر قُربة كغنى ذمي. وصيغة بوقفت أو حبست أو سبلت، كتصدقت إن اقترن بقيد أو جهة، نحو تصدقت لكن لا يُباع ولا يوهَبُ، أو تصدقت به على بني فلان طائفة بعد طائفة. وناب عن الصيغة التخلية بين الذت الموقوفة وبين الناس، كالمسجد يبنيه ويفتحه للناس وما أشبه ذلك من كل ما ينتفع به عموم الناس اهـ. بتوضيح وعبارة ابن جزي في القوانين أنه قال: أركانه أربعة: المحبس، والمحبس، والمحبس عليه، والصيغة. فأما المحبس فكالواهب، وأما المحبس فيجوز تحبيس العقار كالأرضين والديار والحوانيت والجنات والمساجد والآبار والقناطر والمقابر والطرق وغير ذلك، ولا يجوز تحبيس الطعام؛ لأن منفعته في استهلاكه، وفي تحبيس العروض والرقيق والدواب روايتان، على أن تحبيس الخيل للجهاد أمر معروف. وأما المحبس عليه فيصح أن يكون إنسانًا أو غيره كالمساجد والمدارس، ويصح على الموجو د والمعدوم والمعين والمجهول والمسلم والذمي والقريب والبعيد اهـ. قلت: انظر قوله: ولا يجوز تحبيس الطعام مع ما تقدم من كلام الدردير من قوله: ولو حيوانًا أوطعامًا أو عينًا للسَّلف. وقال في بيان الجواز لذلك: وينزل ردّ بدله منزلة بقاء عينه. وجواز وقف الطعام والعين نص المدونة فلا تردد فيه اهـ. ومثله في النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: "يصح في المشاع والمقسوم من الرباع غير موقوف على حكم حاكم، وفي غيرها خلاف. وقيل: الخلاف في غير الخيل" يعني أخبر أنه يصحُّ وقف المشاع والمقسوم من العقار كالرباع وغيرها كما هو معلوم، وأنه لا يتوقف صحته على حُكْمِ حاكمن بل يصحُّ ولو بغير عِلْمِ الحاكم إذا توافرت شروطه، والخلاف هل يصح وقف غير ما تقدم كالحيوان والطعام فالجواب جواز ذلك على المتمد، وأما الخيل فلا خلاف في جواز وقفها للغزو، كما لا خلاف في لزومه وقفيته لما قاله أئمتنا من أن حكمَ الوقف اللزوم في الحال إذا نجزه أو أطلق؛ لأنه يحمل عند الإطلاق على التنجيز.
قال رحمه الله تعالى: "وشرطه إخراجه عن يده، فإن أمسكه إلى مرض موته بطل غلا أن يخرجه مدة يشتهر فيها ثم يتصرف فيه لأربابه أو يقف على صغار أولاده ويتصرف لهم" يعني كما في الرسالة. قال فيها: ومن حبس داراً فهي على ما جعلها عليه إن حيزت قبل موته، ولو كانت حُبُسًا على ولده الصغير جازت حيازته له إلى أن يبلغ، وليُكْرِهَا له ولا يسكنها، فإن لم يدع سكناها حتى مات بَطَلَتْ اهـ. قال الدردير: وبطل بمانع قبل حَوْزِه أو بعد عَوْدِهِ له قبل عام وله غلّة كدار، بخلاف نحو كتب وسلاح إذا صرفه في مصرفه إلا لمحجوره إن أشهد على الوقف وصرف له الغلة ولم يكن الموقوف دار سكناه، إلا أن يسكن الأقل ويكرى له الأكثر، وإن سكن النصف بَطَلَ فقط اهـ. قال ابن جزي: ولابد من معاينة البينة للحوز إذا كان المحبس عليه في غير ولاية المحبسَّ، أو كان في ولايته والمحبس في دار سكناه، أو قد جعل فيها متاعه فلا يصح إلَاّ بالإخلاء والمعاينة، وإذا عقد المحبس عليه أو الموهوب له في المِلْك المحبس أو الموهوب كِراء ونزل فيهما لعمارة فذلك حَوْزٌ اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وهو في المرض من الثلث، إلا على وارث فإنه يعود
ميراثًا" يعني كما في الدردير: قال: وبَطَلَ الوقف على وارث بمرض موته، لأن الوقف في المرض كالوصية ولا وصية لوارث، وإلا بأ، كان الوقف على غير الوارث فإنه يخرج من الثلث إن حمله الثلث، وإلا فلا يصح منه إلا ما حمله الثلث اهـ بتصرف.
قال رحمه الله تعالى: "ولا يصح على نفسه، فإن وقف على وارثه وأجنبي قسم على شرطه وعاد سم الوارث ميراثًا" قال الموَّاق نقلاً عن ابن شاس: لا يجوز للرجل أن يحبس ويكون هو ولي الحُبُس وقال في كتاب محمد فيمَن حبس غلّة داره في صحته على المساكين فكان يلي عليها حتى مات وهي بيدة: إنها ميراث، وكذلك إن شرط في حبسه أنه يلي ذلك لم يجُزْ اهـ. قال الدردير في أقرب المسالك عاطفًا على مبطلات الوقف: أو على نفسه ولو بشريك، أي يبطل إن وقف على نفسه ولو مع شريك غير وارث. وأما لو وقف على وارث وأجنبي فإنه قُسِم، وصحَّ سهم الأجنبي وعاد سهم الوارث ميراثًا، وذلك إن حاز الأجنبي
ما يخصه قبل موت الواقف أو مرضه، وإلا فالجميع ميراث، قفإن أوقفه على نفسه ثم على أ، لاده وعقبه رجع حُبُسًا بعد موته على عقبه إن حازوا قبل المانع وغلا بَطَل، هذا إن أوقف في صحته، فإن أوقف في مرضه صح إن حمله الثلث اهـ بتصرف.
قال رحمه الله تعالى: "ولفظه يقتيضي التأبيد وإن لم يؤكده ولم يذكر جهة، أو وقف على المساكين أو العلماء" يعني أن لفظ الواقف بقوله: وقفت يقتضي تأبيد الموقوف وإن لم يؤكده بشيئ من مؤكدات الوقفية، لكن المعلوم شرعًا أن الوقف لا يشترط فيه التأبيد، بل يجوز لشخص أن يوقف وقفًا مدة معينة سنة فأكثر لأجل معلوم، ثم بعد انقضائه يرجع ملكًا للواقف الأصلي أو لغيره، وكذلك أنه لا يشترط على الواقف تعيين المصرِف أي محل صَرْفه، فَلَهُ أن يقول: أوقفتُه لله تعالى من غير تعيين مَنْ يصرف له قال الدردير: وصرف في غالب، وإلا فالفقراء كما سيأتي زيادة إيضاح عند قول المصنَّف: وما لم يعيّن له مصْرَفًا يصرف في وجوه البرّ.
قال رحمه الله تعالى: "والظاهر أن لفظ الحُبُسِ كَالْوَقْفِ" وتقدم أو الكتاب أن الوقف في بعض النسخ يعبر بالحُبُس كما هو غالب عبارات المدوَّنة، ولا خلاف في ذلك بين أهل اللغة، على أن الحُبُس هو الوق. قال في المصباح: وحبسته بمعنى وقفته، فهو حبيس والجمع حُبُس اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "ومقتضى لفظ الصدقة تمليك الرقبة إلا أن يُريدَ التَّحْبِيسَ" فالمعنى أن مقتضى لفظ الصدقة تمليك ذات الشيئ المتصدق به إلا أن يريد المتصدق بلفظ الصدقة التحبيس فيكون حينئذ بمعنى الوقف فيصير حُكْمُها حُكْمَ الوقف. وهو تمليك منفعة الذات دون الرقبة، أمَّا إذا لم يَرِدْ بلفظ الصَّدَقة شيئًا فتحمل على عطية الرقبة، وهي الذات المتصدق بها.
قال رحمه الله تعالى: "فلا يجوز بيعه ولا شيئ من نقضه ويلزم هادمه إعادته على صفته، ولا يجوز تغييره" يعني أن الوقف لا يجوز بيعه ولا بيع شيئ من نقضه ولا تغيير صفته ومن هدمه يلزمه إعادته كهيئته. قال خليل: ومن هدم وقفًا فعليه إعادته. قال الخرشي: يعني أن من تعدّى على حُبُس وهدمه فإنه يلزمه إعادته على حالته التي كان عليها قبل الهدم، ولا يجوز أخذ القيمة لأنه كبيعه، لكن من المعلوم أنه لا يلزم من أخذ القيمة في الشيئ جواز بيعه، ككلب الصيد وجلد الأضحية وغير ذلك فالمذهب هنا لزوم القيمة في الوقف إذا أُتْلِفَ كما قال ابن عرفة؛ ظاهر المدوَّنة أن الواجب في الهدم القيمة مِلْكًا أو وَقْفًا مطلقًا اهـ. وما تقدَّم من عدم جواز البيع وهو كذلك وللفقهاء في ذلك تفصيل فراجِعْه في كُتُبِهم. وقد عَقَدَ ابن جزي في القوانين فصلاً فقال: والأحباس بالنظر إلى بَيْعِها على ثلاثة [80][81] أقسام: أحدها المساجد، فلا يحل بيعها أصلاً بإجماع. الثاني العقار، لا يجوز بيعه إلا أن يكون مسجدًا تحيط به دور محبسة فلا بأس أن يشتري منها ليوسع به. والطريق كالمسجد في ذلك. وقيل إن ذلك في مساجد الأمصار لا في
مساجد القبائل. وأجاز ربيعة بَيْع الربع المحبس إذا خرب ليعوَّ به آخر خلافًا لمالك وأصحابه. الثالث العروض والحيوان، قال ابن القاسم: إذا ذهبت منفعتها، كالفرس يهرَم والثوب يُخْلَق بحيث لا ينتفع بهما جاز بَيْعُه وصَرْفُ ثمنِهِ في مِثْلِه، فإن لم تصل قيمته إلى كامل جُعلَتْ في نصيب من مِثْلِه. وقال ابن الماجشون: لا يُباع أصلاً اهـ. قال في الرسالة: ولا يُباع الحُبُس وإن خرب، ويُباع الفرس الحُبُس بكلب ويُجْعَلُ ثمنه في مِثْلِه أو يُعان به فيه. واختلف في المعاوضة بالربع الخرب بربع غير خرب. قال خليل: وبيع ما لا ينتفع به من غير عقار في مثله أو شقصه كأن أُتْلِفَ، وفضل الذكور، وما كبر من الإناث في إناث. فإن لم يبلغ ثمن ما بِيعَ ثمن شيئ كامل وإلَاّ أمكن الإعانة به في شِقْصِهِ فإنه يتصدق به على الجهة الموقوف عليها فثمن الفرس يفرَّق على المجاهدين، وثمن الحيوان على مَنْ وَقَفَ عليه وثمن الثوب الخلق على العراة اهـ مع طرف من النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: "واختلف في الفرس يهرم فأجاز ابن لاقاسم بيعه وصرفه في مثله أو مصرفه، ولا يجوز بيع المسجد وإن انتقلت العمارة عنه" يعني اختلف في بيع فرس يهرم. وتقدم الكلام فيه كما هو نص الرسالة وغيرها. أما المسجد فلا خِلَاف في عدم جواز بَيْعِه، فلا يجوز بَيْعُ المسجد مطلَقًا سواء خرب أم لأن وإن انتقلت العمارة عن محله إجماعًا. ومثل عدم جواز بَيْعِ المسجد نقضه فلا يجوز بَيْعُ نَقْضِ المسجد بمعنى أنقاضه كما تقدَّم ذلك.
قال رحمه الله تعالى: "وإذا كان المسجد أو السابلة محفوفًا بوقوف فافتقر إلى توسعة جاز أن يبتاع منها ما يوسع به" يعني أنه لا يجوز بيع الأوقاف، إلَاّ إذا احتاج المسجد المحفوف بها ولم يوجد ما يوسع المسجد إلا ببيع بعض تلك الأوقاف أو كلها فإنه يجوز أن تُباع لتوسعة المسجد. قال خليل مستثنيًا على فيما لا يجوز بيعه من الوقف: لا عقار وإن خرب، ونُقْضّ ولو بغير خرب إلَاّ لتوسيع كمسجد ولو جبرًا،
وأمروا بِجَعْلِ ثمنه لغيره. قال شارحه: تقدم أن الحُبُس لا يجوز بَيْعُه ولو صار خربًا إلا في المسألة، وهي ما إذا ضاق المسجد بأهله أو احتاج إلى توسعة وبجانبه عقار حُبُس أو مِلْك عن بَيْعِ ذلك، فالمشهور أنهم يُجْبَرُون على بَيْعِ ذلك ويُشْتَرَى بثمن الحُبُس منا يجعل حُبُسا كالأول. ومثل توسعة [81] [82] المسجد توسعة طريق المسلمين ومقبرتهم اهـ. وفي الموَّاق: قال سحنون: لم يُجِزْ أصحابنا بَيْعَ الحُبُس بحال إلَاّ داراً بجوار مسجد احتيج أن تُضاف إليه ليتوسع بها، فأجازوا بَيْعَ ذلك، ويُشْتَرَى بثمنها دار تكون حُبُسًا، وقد أدخل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم دور محبسة كانت تليه. قال ابن رشد: ظاهر سماع ابن القاسم أن ذلك جائز في كل مسجد كقول سحنون. وفي النوادر عن مالك والأخوَيْن وأصبغ وابن عبد الحكم أن ذلك إنَّما يجوز في مساجد الجوامع إن احتيج إلى ذلك، لا في مساجد الجماعات، إذ ليست الضرورة فيها كالجوامع. وعن عبد الملك: لا بأس ببيع الدار المحبسة وغيره ويُكْرِه الناس السلطان على بَيْعِها إذا احتاج الناس إليها لجامعهم الذي فيه الخطبة، وكذلك الطريق إليها لا إلى المساجد التي لا خطبة فيها، والطرق التي في القبائل لأقوام. قال مطرف: وإذا كان النهر بجانب طريق عظمي من طرق المسلمين التي يسلك عليها العامة فحَفَرَها حتى قَطَعَها فإن أهل تلك الأرض التي حولها يُجْبَرون على بَيْعِ ما يوسع به الطريق اهـ.
ثم شرع يذكر ما يعتبر به من ألفاظ الواقف فقال رحمه الله تعالى: "ويدخل في
لفظ الولد والعقب والنسل أولاد البنين دون البنات" يعني أن لفظ الولد والعقب والنسل يتناول أولاد البنين فقط ذكورهم وإناثهم، أي لا يتناول إلَاّ الأولاد ذكورًا وإناثًا وأولاد الذكور دون أولا البنات، وهم الحفدة. قال دردير في أقرب المسالك: بخلاف ولدي وولد ولدي، وولادي وولاد أولادي، وبني وبني بني، كنسلي وعَقِبي اهـ. قوله: بخلاف أولادي إلخ، أي لا يدخل الحافد على الراجح. وقيل بدخوله كالذي قبله، أي لا يدخل الحافد في لفظ أولادي وأولاد أولادي، ولا في لفظ بني وبني بني، ولا في لفظ نسلي، ولا في عَقِبي، وكل ذلك لا يدخل فيها الحافد لأن تلك الألفاظ لا تتناوله عُرْفًا، فإذا كان العُرْف عندهم شُمْوله دخل؛ لأن مبنى هذه الألفاظ العُرْف، ولذا قال ابن رشد في المقدمات: ولو كرر لفظ التعيب لدخل ولد البنات إلى الدرجة التي انتهى إليها المحبس على ما ذهب إليه الشيوخ ثم استظهره، وقال: إنه المعمول به وتبعه أبو الحسن، واقتصر عليه ابن عرفة والقرافي وغيرهما، وجرى به العمل قديمًا وحديثًا اهـ. باختصار وتوضيح.
قال قرحمه الله تعالى: " ولو قال أولادي وأولادهم ذكورهم وإناثهم
وأولادهم فالأظهر دخول أولادهن، ويدخلون في الذرية قولاً واحدًا" يعني كما في الدردير. وتتناول الذرية الحافد وهو ولد البنتن وكولد فلان وفلانة أوالذكور والإناث وأولادهم، أو أولادي وأولادهم. قال الصاوي عليه: قوله وهو ولد البنت، كلامهم هنا يفيد أن الحافد مقصور على ولد البنت. والذي يفيده البيضاوي في تفسير قوله تعالى: "وَجَعَلَ لَكُم مِّ أَزوَجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحخل: 72] أن المراد بهم أولاد الذكور وأولاد البنات. وفي القاموس: السَّبْط ولد الولد، ظاهره ذكرًا كان أو أنثى فهو مرادف للحفيد اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "ولو قال بني لدخل بناته وبنات بنيه كقوله بناتي" يعني أن لفظ بني يقتضي دخول بناته وبنات بنته، كلفظ بناتي سواء بسواء.
وذلك مما يدل على أنه يعتبر بالألفاظ، وقد ذكر ابن جزي في القوانين جميع الألفاظ التي يعتبر بها عن الواقف للموقوف عليهم، فقال: فأما لفظ الولد والأولاد، فإن قال حبست على ولدي أو على أولادي فيتناول ولد الصلب ذكورهم وإناثهم، وولد الذكور منهم؛ لأنهم قد يرثون، ولا يتناول ولد الإناث منهم، خِلافًا لأبي عمر بن عبد البرّ. وإن قال: حبست على أولادي وأولادهم فاختُلِفَ في دخول ولد البنات أيضًا، وإن قال على أولادي ذكورهم وإناثهم سواء سمَّاهم أو لم يسمَّهِم، ثم قال وعلى أعقابهم أو أولادهم فيدخل أولاد البنات. وأمَّا لَفْظُ العضقِب فحْكْمُه حُكْمُ الولد في كل ما ذكرنا، وكذلك لفظ البنين وقد يختص بالذكور إلا أن يقول ذكورهم وإناثهم. وأما لفظ الذرية والنسل فيدخل فيهما أولاد البنات على الأصحّ. وأما لفظ الآل والأهل فيدخل فيه العصبة من الأولاد والبنات، والإخوة والأخوات والأعمام والعمّات، اختُلِفَ في دخول الأخوال والخالات. وأما لفظ القرابة فهو أعم فيدخل فيه كل ذي رَحِم منه من قِبَل الرجال والنساء، محرَم أو غير محرَم على الأصحّ اهـ. باختصار. وإلىجميع ما تقدَّم أشار خليل في مختصره فقال: وتتناول الذرية، وولد فلان وفلانة، أو الذكور والإناث وأولادهم الحافد. لا نسلي، وعقبي، وولدي، وولد ولدي، وأولادي، وأولاد أولادي، وبني، وبني بني. وفي على ولدي وولدهم قولان. والإخوة الأنثى. ورجال إخوتي ونساؤهم الصغير. وبني أبي إخوته الذكور وأولادهم. وآلي وأهلي العصبة ومَنْ لو رجلت عصبت. وأقاربي أقارب جهتَيْه مطَقًا وإن نصرى. ومواليه المعتق وولده ومعتق أبيه وابنه. وقومه عصبته فقط. وطفل وصبي وصغير من لم يبلغ. وشاب وحدث للأربعين وإلاّ فكهل للستين، وإلَاّ فشيخ وشمل الأنثى كالأرمل اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: "وتجب متابعة شرطه، فإن لم يكن قسم بالسوية
ما لم تدل أمارة على غير ذلك، وما لم يعين له مصرفصا يصرف في وجوه البر" يعني أنه يجب على الناظر والمستحق اتباع شرط الواقف لأن شرطه كنص الشارع. قال الدردير في أقرب المسالك: واتبع شرطه إن جاز كتخصيص مذهب أو ناظر، أو تبدية فلان بكذا، وإن احتاج من حبس عليه، باع أو إن تسوَّر عليه ظالم رجع له أو لوارثه أو لفلان مِلكًا، وكل ذلك ممَّا يجوز أن يشترطه الواقف وإن لم يشترط سِمَ بالسوية ما لم تدلَّ أمارة على مقصوده وإلا قًسِمَ على ما دلَّت عليه، ككتب فإنها تُصْرَف على الفقهاء والطلبة وغيرها ممَّا لم يعيّن مصرفاً فإنها تُصْرَف في وجوه البَّر كالمجاهدين ونحوهم كما تقدم. قال النفراوفي في الفواكه: تنبيه وإذا قُسِمَ على الموقوف عليهم المعينين فيُعطى للغني والفقير والصغير والكبير وتُعطى الأنثى مثل الذكر لأن شأن العطايا التساوي إلَاّ لشرط خلافه فيعمل بالشرط، إلَاّ في مراجع الأحباس فلا يعمل بالشرط ويسوَّى فيه بين الذكر والأنثى، ولا يزاد الفقير على الغني لأن الإيثار إنَّما هو في الوقف على مَنْ لا يُحاط بهم كالفقراء اهـ.
قال رحمه اللهتعالى: "ولا يصح اشتراط النظر لنفسه" يعني لا يجوز للواقف أن يشترط النظر لنفسه؛ قال الحطاب: هذا إذا لم يكن على صغار ولده أو من في حَجْرِه. وأمَّا مَنْ كان كذلك فهو الذي يتولى حيازة وَقْفِهِم والنظر لهم كما صرَّح به في المدوَّنة وغيرها اهـ. وعبارة الصاوي في حاشيته على الدردير أنه قال: محل بطلان الوقف إن جعل النظر لنفسه ما لم يكن وقف على محجدوره وإلا فَلَهُ النظر ويكون الشرط مؤكَّدًا اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "ويبدأ بعمارته ورم داثره، وإن شرط غير ذلك" وفي نسخة ورمّ دارسه بالسين، وهما لفظان مترادفان معناهما واحد، فالمعنى أنه يبدأ بعمارة الوق ورمّ الدارس منه من الغلّة ولو شَرَطَ الواقف تبدئة خلاف ذلك؛ لأنه إن لم يصلح
يؤدّي إلى إبطاله بالكلية. قال في الإكليل: فل شَرَطَ الواقف أن يبدأ من غلّته بمنافع أهله ويترك إصلاح ما ينخرم منه بَطَلَ شَرْطُه اهـ، قال الدردير في أقرب المسالك: وبُدِئَ بإصلاحه والنفقة عليه من غلَّته وإن شرط خلافه وأُخرج ساكن موقوف علهي لسُّكنى إن لم يصلح لِتُكْرَى له أي أخرج لأجْل أن تُكْرَى للإصلاح بذلك الكِراء، فإذا أصلحت رجعت بعد مدة الإجارة للموقوف عليه، فإن أصلح ابتداء لم يخرج اهـ. قال ابن جزي: تبتني الرباع المحبسة من غلاّتها، فإ، لم تكن فَمِن بيت المال، فإن لم يكن تركت حتى تهلك ولا يلزم المحبس النفقة فيها اهـ.
قال رحمه اللهتعالى: "وإن شرط في الإجارة مدة لم تجز مجاوزتها، فإن لم يكن فليؤجر سنة فسنة" يعني ،عن اشترط الواقف على وَقْفِهِ في إجارة الموقوف مدة معيّنة وإ كَثُرَ لم تَجُزْ مجاوزة ما شَرَطَه لأن شَرْطَ الواقف كنصَّ الشارع، فإن لم يكن فيه شرط واحتاج الموقوف إلى عمارة أو ترميم فليؤجره الناظر سنة بعد سنة بقدر الحاجة والمصلحة فيه. قال الدردير: وأَكْرَى ناظرهُ السنة والسنتَيْن إن كان على معيّن وإلَاّ فكالأربعة، ولِمَن مرجعها له كالعشرة ولضرورة إصلاح كالأربعين. ولا يُفْسِخُ الكِراء لزيادةٍ إن وقع بأجْرة المِثْل اهـ. قوله ولضرورة إصلاح كالأربعين، أي سنة وأدخلت الكاف عشرة فالجملة خمسون لا أزيد فأرضش الزراعة لا تُكْرَى لأكثر من أربعة أعوام إن كانت على مسجد أو على غير معيَّن، إذ لا خراب يلحقها بخلاف نحو الدُّور فإنه قد يلحقها الخراب، فإن كانت على معيَّن فالسنتان، ومضى الأكثر إن كان نظرًا كما قال ابن القاسم وإلَاّ فُسخ. قال بعضهم: والمراد بالناظر هو الموقوف عليه، وأمَّا إذا كان غيره كالناظر على وَقْفِ الفقراء أو معيَّنين وليس هو منهم، فإنّ له أن يكون بأزْيَدَ ممَّا ذكر لأنَّه بموته لا تنفسخ الإجارة اهـ الدردير.
وإلى ما تقدَّم أشار رحمه الله تعالى بقوله: "وإذا آجر نظرًا، فجاء طالب بزيادة
لم تنفسخ، وتنفسخ بموت الآيل إليه لا المستأجر" يعني كما في الدردير فالمعنى أنه لا ينفسخ الكراء إذا وقع وجيبةً، أو نَقَدَ المُكْرَى كِراءً مدّة محدودة لزيادة طرأت من آخر إن وقع الكِراء الأوّل بأجْرة المِثْل وقت العقد، فإن كانت أقلَّ من أجْرة المِثْل قُبِلَتِ الزيادة وفُسِخَ الأول لها، ولو التزم الأوّلُ تلك الزيادة التي زيدت عليه لم يكن له ذلك إلَاّ أن يزيد على زيادة مَنْ زادَ إذا لم يبلغ مَنْ زاد أجرة المِثْل، فإن بلغها لم يلتفت لزيادة مَنْ زاد بَعْدَه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وشرط الموقوف أن يمكن الانتفاع به مع بقاء عَيْنِهِ" قال الحطاب عند قول خليل وفي وَقْفٍ كطعام تردُّد.
تنبيه. قال في الشرح الكبير في هذا التردُّ نظر، لأنك إن فرضت المسألة فيما إذا قصد بوقف الطعام ونحوه بقاء عينه فليس إلَاّ المنع لأنه تحجير من غير منفعة تعود على أحد، وذلك ممَّا يؤدّي إلى فساد الطعام المؤدّى إلى إضاعة المال، وإن كان على معنى أنه أوقفه للسَّلَف إن احتاج إليه محتاج ثم يردُّ عِوَضَه فقد عَلِمْتُ أن مذهب المدوَّنة وغيرها الجواز. والقول بالكراهة ضعيف، وأضعف منه قول ابن شاس إن حمل على ظاهره واللَّه أعلَم اهـ. وتقدَّم لنا الكلام في هذه المسألة في أركان الوقف وشروطه فراجِعْه إن شئت.
قال رحمه الله تعالى: "وينظر فيه من شرط الواقف نظره، فإن لم يكن فالحاكم والله أعلم" يعني أن المحبَّس إذا أقام ناظرًا وشرط له شرطًا فإنه يتبع شرطه ولا يجاوزه إلا أن يشترط ما لا يجوز كما تقدم، وإن لم يشترط شيئًا، أو لم يقم ناظرًا فالنظر للموقوف عليهم إن كانوا معيَّنين كبارًا مالكي أمر أنفسهم، وإلا فالنظر للحاكم والله أعلم. وقد عقد ابن جزي في القوانين فصلاً في بقية أحكام الحُبُس قال: منها أن المحبَّس إذا اشترط شيئًا وجب الوفاء بشرطه، والنظر في الأحباسإلى مَن قدَّمه المحبس، فغ، لم يقدم قدم الاضي ولا ينظر فيها المحبس، فإن فعل بَطَلَ التحبيس اهـ. ونَقَلَ
الحطاب عن سماع ابن القاسم أن الناظر على الحُبُس إذا كان سيَّ النظر غير مأمون فإن القاضي يعزله إلَاّ أن يكون المحبَّس عليه مالكًا أمر نفسه ويرضى به ويستمرّ. وقال أيضًا الناظر لا يوصي بالنظر عند موته، ولكن إن كان المحبَّس حيًا كان النظر له فيمن يقدَّمه، وإن مات فإن كان المحبَّس عليهم كباراً أهل رِضاً تولَّوْا حُبُسَهم بأنفسهم وإلَاّ قُدَّم السلطان بنظره، وإن كان للمحبَّس وَصِي كان النظر له إلَاّ أن يكون المحبَّس قال لِمَن ولاّه إذا حدث بك الموت فأسنده إلى مَنْ شئت فإنه يسنده لِمَن شاء، وإن أوصى وصيًّا على مالِهِ وعلى من كان في حَجْرِه كان له النظر في الحُبُس والله أعلَم اهـ.
ولما أنهى الكلام على ما يتعلَّق باحكام الوقف انتقل يتكلم على ما يتعلَّق باحكام الجنايات من القِصاص والجروح وغير ذلك ممَّا يتعلَّق بمسائل الدماء، فقال رحمه الله تعالى:
كتاب الجنايات
أي هذا الكتاب فيما يتعلَّق بأحكام الجنايات. قال في المصباح: جنى على قومه جناية أذنب ذنبًا يؤاخذ به. وغلبت الجناية في ألسنة الفقهاء على الجرح والقطع، والجمع جنايات وجنايا، مثل عطايا اهز قال ابن عرفة: نَقَلَ الأصوليون إجماع الملل على وجوب حفظ الأديان والنفوس والعقول والأعراض والأموال والأنساب، فإن ي القصاص حفظًا للدماء، وفي القطع للسرقة حفظ للأموال، وفي الحد للزنا حفظ الأنساب وفي الحد للشرب حفظ العقول، وفي الحد للقذف حفظ الأعراض، وفي القتل للردة حفظ الدين. والأصحُّ عند مالك أن الحدود جوابر أي كفارات. وقيل زواجر، وعليه الشافعي. وبدأ المصنف من تلك المذكورات بقتل النفس عمدًا لأنه أشد الذنوب وأعظمها بعد الكفر، للآيات، والأحاديث، وإجماع سائر المِلَل على حُرْمة قَتْلِ النفس بغير حق، فَمِن ذلك حديث:"لو أن أهل السماء والأرض، اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم اللهَّ في النار: وحديث: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" وحديث من اشترك في دم امرئ مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة بين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله حتى اختلف الصحابة ومن بعدهم في قبول توبة قاتل العمد. فآية الفرقان ظاهرها له التوبة، وظاهر آية النساء لا توبة له، وهو قول مالك؛ لأن شرط التوبة من مظالم العباد تحللهم منها ورد تبعاتهم، ولا سبيل للقاتل لذلك، إلا أن يدرك المقتول حيًا فيعفو عنه ويحلله من دمه، مع اتفاق أهل السنة ممن قال بتنفيذ الوعيد، وممن لم يقل به أنه لا يخلد في النار اهـ. النفراوي. ولا شكَّ أن قَتْلَ المسلم عَمْدًا عدوانًا كبيرة ليس بعد الكفر أعظم منها كما تقدم.
قال رحمه الله تعالى: "يجب بقتل العمد القاص عينًا غلا أن يصطلحا على
دية" يعني يجب القصاص بقتل العَمْد. قال صلى اله عليه وسلم: "مَنْ أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث: إمَّا أن يقتصَّ، وإمَّا أن يعفو، وإمَّا أن يأخذ الدَّيَة، فإن أراد الرابعة: فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فلَهُ عذاب أليم" لأبي داود مرفوعاً. وأمَّا أركان القصاص فثلاثة: الأول: القاتل وهو الجاني، وشرطه أن يكون مكلفًا معصومًا، وأن لا يكون أزيد من المجني عليه بإسلام أو حرية. الثاني: المجني عليه وشَرْطُه
أن يكون مكافئًا أي مماثلاً للجاني، أو أزيد عليه، لا أنقص منه. الثالث: القتل وهي الجناية، وشرطها أن تكون عمدًا عدوانًا، فإذا أكمل الأركان وشروطها وجب القصاص، إلَاّ تعيَّن القصاص لأنه مكتوب. قال الله تعالى في كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ والْعَبْدُ بِالْعَبْدِ والأُنثَى بِالأُنثَى [البقرة: 178] إلى غير ذلك من الآيات التي دلت على وجوب القصاص إن لم يصطلحا على الدية ولم يعفو مجانًا. وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: "كان في بني إسرائيل قصاص ولم يعفوا مجانًا. وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: " كان في بني إسرائيل قصاص ولم تكن فيهم دية، فقال الله تعالى لهذه الأمة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الآية". والعفو أن يقبل الدية في العمد، واتباع بالمعروف يتبع هذا بالمعروف، وأداء إليه بإحسان يؤدي هذا بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة مما كُتِبَ على مَنْ كان قبلكم، وإنَّما هو القصاص وليس الدَّية اهـ أخرجه البخاري والنسائي.
قال رحمه الله تعالى: "فيقاد منه بمثل ما قتل به، إلا اللواط والسحر فيقاد بالسيف ضربة" يعني يقتل القاتل قصاصًا بمثل ما قتل به، إلَاّ ما استثنى. قال الدردير: وقتل بما قتل ولو نارًا، أي على المشهور إلَاّ بخمر ولواط وسحر وما يطول فبالسيف، فالمعنى أنه يعتبر بما قتل به من الآلة والكيفية، فيقتل بمثل ذلك فيغرق إن أغرق أو
أطرح، ويخنق إن خنق، ويحجر إن قتله بالحجر، ويضرب بالعصى إن ضرب بعصا، ويطعن بالسكين إن طعن كذلك، وإن ضرب بالسيف فُعِلَ به مثل ما فعل، ويمكن مستحق من السيف اهـ بتوضيح. وعبارة ابن جزي في القوانين أنه قال: المسألة الرابعة: في صفة القصاص، ويُقْتَل القاتل بالقِتْلة التي قتل بها من ضربة بحديد أو حجر أو خنق أو غير ذلك. وقال أبو حنيفة: لا قصاص إلا بالحديد. واختلف هل يقتل بالنار أو بالسمّ إذا كان قد قَتَل بهما أم لا؟. وقد علمت ما تقدَّم من قول الدردير ولو نارًا أي علم على المشهور. وهذا إذا ثبت القتل ببينة أو اعتراف، وأمَّا إن كان بالقسامة فلا يُقْتَلُ القاتل إلَاّ بالسيف اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "إلا أن يمثل فيمثل به" قال في المصباح: ومثلت بالقتيل مثلاً إذا جدعته وظهر آثار فعلك عليه تنكيلأن والاسم المثلة اهز قوله فيمثل به أي كما فعل بالقتيل فُعِلَ به، والحرمات قصاص، فَمَن اعتدى عليكم
فاعتدوا عليه بمِثْل ما عتدى عليكم الآية. وعبارة خليل فيمَن قتل ومثَّل قال: فإن قصد مُثْلَةً ثم قَتَلَ فإنه يُقْتَصُ منه للطرف ثم يُقْتَل، وأمَّا طرف غير المقتول فيندرج ولو قصد مُثلة على الراجح اهـ بتوضيح من الدردير.
قال رحمه الله تعالى: "ويشترط فيه التكليف، ومماثلة المقتول دينًا وحرية، أو ينزل عنه، لا عكسه، ولا عتبار بالذكورة والأنوثة" يعني قد تقدم في أركان القصاص وشروطه أن يكون الجاني مكلفًّا، فلا قصاص على صبي أو مجنون، وأن يكون المجني عليه مماثلاً للجاني فلا يُقْتَلُ المسلم بالكافر، ولا الحر بالعبد، بخلاف
العكس قال مالك ليس بين الحر والعبد قود في شيئ من الجراح. والعبد يُقْتَلُ بالحرَّ إذا قَتَلَه عمدًا، ولا يُقْتَلُ الحر بالعبد وإن قتله عمدًا وهو أحسن ما سمعت اهـ. الموطأ. قال ابن جزي في القوانين في صفة المقتول: ولا يقتص له إلا إذا كان دَمُه مساويًا لدَم القاتل أو أعلى منه، ولا يُقْتَصُّ للأدنى من الأعلى، واعتبار ذلك بوصفين الإسلام والحرية، فأما الإسلام فيقتل المسلم بالمسلم، ويقتل الكافر بالكافر، سواء اتفقت أديانهما أو اختلفت، ويُقْتَل الكافر بالمسلم، ولا يُقْتَل المسلم بالكافر إلَاّ إن قُتِلَ الذمي قَتْلَ غِيلة. وأما الحرية فيُقْتَل الحر بالحر، ويُقتل العبد بالعبد، ولا يُقْتَل الحر بالعبد، ولكن يغرم قيمته ما بلغت، وإذا قتل العبد حُرًا فيسلمه سيده لأولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا أحيوه، فإن اختاروا إحياءه فسيده بالخيار إن شاء تركه يكون عَبْدًا لهم، وإن شاء افتكَّه منهم بدية المقتول اهـ بحذف.
قال رحمه الله تعالى: "والكفار أكفاء وإن اختلفت مللهم" يعني أن الكفار أكفاء بعضهم ببعض من كتابي يهودي أو نصراني حربي أو ذمَّي أو مؤمَّن فيُقْتَل اليهودي بالنصراني وبالمجوسي، وعكسه، والمؤمن بالذمي وعسكه.
قال رحمه الله تعالى مشبهًا في قتل البعض بالبعض بقوله: "كالأرقاء وإن تبعض أو كان فيه عقد حرية" يعني أن الأرقاء أكفاء بعضهم لبعض. قال الخرشي: فيقتص لبعضهم من بعض ولو كان بعضهم فيه شائبة حرية، ولا يقتص لهم من الحر المسلم لتقصهم عنه بالحرية اهـ انظر الحطاب.
قال رحمه الله تعالى: "ولا يسقط بإسلامه أو عتقه" يعني إذا وجب القصاص على الكافر ثم قبل القصاص أسلم فلا يسقط إسلامه ما وجب عليه من القصاص، وكذلك العبد إذا عُتِقَ بعد وجوب القِصاص عليه، فالعَتْقُ لا يُسْقِطُ عنه ذلك. قال النفراوي: لم يتكلم المصنَّ على حُكْم ما لو كان القاتل مكافئًا للمقتول حين القتل ثم زالت المساواة قبل
القِصاص، وأشار إليه خليل بقوله: ولا
يسقط القتل عند المساواة بزوالها يعتق أو إسلام، فإذا قتل كافر كافرصا ثم أسلم الكافر القاتل، أو عبد عبدًا ثم عُتِقَ القاتل فإنه يُقْتَل في الصورتين، لأن الشرط المساواة عند القتل وقد وجدت اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "ولا بمشاركة من لا يُقاد منه ويلزم به نصف الدية" يعني أنه لا يسقط القصاص عن شريك الصبي الذي لا قود عليه. قال خليل: وعلى شريك الصبي القصاص إنتمالاً على قتله. قال الموّاق من المدونة: إن قَتَلَ رجل صبي رجلاً عَمْدًا قُتِلَ الرجل، وعلى عاقله الصبي نِصْف الدية. قال ابن يونس: يريد إذا تعمدًا جميعًا قتله وتعاونًا عليه عليه اهـ. ولا قصاص على المخطئ، وعليه الدية، وإذا اشترك المخطئ والمجنون في قتل الرجل فنصف الدية في مال المخطئ، ونصفها على عاقلة المجنون. قال ابن الموّاز: وإن قَتَلَ رجلان رجلاً أحدهما عَمْدًا والآخر خطأ قُتل المعتمد، وعلى المخطئ نصف الدية اهـ. ومثله لابن جزي.
قال رحمه الله تعالى: "أو التجائه إلى الحرم" يعني لا يسقط القصاص عن الجاني بدخوله الحرم ملتجئًا، سواء في الحرم المكي أو المدني، ولو أحرم بحج أو عمرة فلا يؤخر لتمامه، بل تقام الحدود في الحرم، فيُقْتَل قاتل النفس في الحَرَم سواء حصل السبب فيه أو خارجه ولجأ إليه اهـ. قاله في جواهر الإكليل. وعبارة الخرشي عند قول خليل لا بدخول الحرم:" يعني وإذا لزم الجاني قصاص في نفس أو جرح ثم دخل الحَرَم فإنه لا يؤخر لأجل ذلك ويُقاوم عليه الحد في الحَرَ؛ لأنه أحق أن تُقام فيه حدود الله تعالى، فلو كان محرمًا بحج أو عمرة فإنه لا ينتظر إلى فراغ نُسُكِه، بل يُقْتَصُّ منه قبل فراغه، ونُبْهَ بذلك على خلاف أبي حنيفة القائل بأن القاتل إذا التجأ إلى الحَرَم فإنه لا يُقْتَل فيه، بل يضيق علهي فإذا خرج منه اقتُصَّ منه. والمراج بالحَرَم المحدَّد في باب الحج لا خصوص المسجد؛ لأن الأئمة حملوا قوله تعالى: "وَمَن دَخَلَهُ كَاَن ءامِنًا" [آل عمران: 97] على ما يحرم فيه الاصطياد اهـ.
وقال الموّاق: سمع القرينان: تُقام الحدود في الحَرَم، ويُقْتَل بقَتْل النفس في الحَرَم. قال ابن رشد: مثله لابن القاسم. ولا خِلاف فيه بين فُقَهَاء الأمصار. قال ابن عرفة: هذا خلاف ما نَقَلَ عبد الوهاب وغيره عن أبي حنيفة إن قَتَلَ في الحَرَم قُتِلَ فيه إجماعًا، وإن قَتَلَ في الحلأَّ ثم لجأ إلى الحَرَم لم يُقْتَلُ فيه ولم يخْرَج منه، ولكن يُهْجَر ولا يُبايَع ولا يُشارى حتى يُضطرَّ إلى الخروج فيُقْتَل اهـ.
وحاصل ما ذكره المفسرون في قوله تعالى: "وَمَن دَخَلَهُ كَانَءَامنًا" أي لا يتعرَّ إليه بقتل أو ظُلْم أو غير ذلك. وقال الصاوي على الجلالَيْن: قوله: بقتل أي ولو قِصاصًا. هذا ما كان في الجاهلية فكان الرجل يَقْتُل ويَدْخُلُه فلا يتعرَّ له
ما دام فيه، وأما بعد الإسلام فعند مالك والشافعي: إن قَتَلَ اقْتُصَّ منه فيه، وعند أبي حنيفة لا يُقْتَصُّ منه فيه ما دام فيه وإنما يضيق عليه حتى يخرج، وهذا هوالأمن في الدنيا وأما في الآخرة فبتكفير السيئات ومضاعفة الحسنات لمن دخله حاجًا أو معتمرًا أو من دخله مخلصًا في دخوله اهـ بطرف من بحر المحي
انظره إن شئت. قال رحمه الله تعالى: "والسكران كالصاحي" قال في الرسالة: والسكران إن قتل قُتِل. قال شارحها: حيث إنه شرب مُسْكِرًا حرامًا وكان بالغًا، ولا يُعْذَر بغيبوبة عقله؛ لأنه أدخله على نفسه، كما لا يُعْذَر بذلك إذا طلق أو قذف أو أعتق أو زنى ولو كان طافحًا، بخلاف ما لو أقرَّ أو باع أو اشترى فلا يلزمه، وأما لو سكر سكرًا غير حرام كشربه المُسْكِر يظنه لبنًا أو عسلاً أو غالطًا أو لغصة فلا يُقْتَل؛ لأنه في تلك الحالة كالمجنون وتكون الدية على العاقلة اهـ النفراوي بتوضيح.
قال رحمه الله تعالى: "والممسك غالمًا بإرادة قتله كالمباشر" يعني كما في الموطأ قال مالك في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه فيموت مكانه: إنه إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعً، وإن أمسكه وهو يرى أنه إنما يريد الضرب بما يضرب به الناس لا يرى أنه عمد لقتله فإنه يقتل القاتل ويعاقب الممسك أشد العقوبة ويسجن
سنة؛ لأنه أمسكه ولايكون عليه القتل اهـ. وعبارة ابن جزي أنه قال: ومن أمسك إنسانًا لآخر حتى قتله قتلا جميعًا. وقال الشافعي: يقتل القاتل وحده ويعزر الممسك اهـ. قال الدردير في أقرب المسالك مشبهًا بما يوجب القود جميعًا: وكالإمساك للقتل ولولاه ما قدر القاتل وإلا فالمباشر فقط، أي وإن لم يكن إمساكه للقتل فالقود على القاتل فقط اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "والأقارب كالأجانب" يعني يقتص بين الأقارب كما يقتص بين الأجانب. قال ابن جزي في القوانين الفرع الرابع يجري القصاص بين الأقارب كما يجري بين الأجانب اهـ./
قال رحمه الله تعالى: "والمأمور إن لزمه طاعة آمره قتلا وإلا قتل" يعني كما قال خليل عاطفًا على مَنْ يجب عليهما القصاص: والمتسبب مع المباشر كمُكْرِه ومُكْرَه وكأب أو معلم أمَرَ ولدًا صغيرًا وسيد أمَرَ عَبْدًا مطلقًا، فإن لم يخف المأمور اقتص منه فقط اهـ. انظر المواق لأنه أفاد بذكر جميع تلك الصورة.
قال رحمه الله تعالى: "والمشهور قتل الأب بابنه مع الشبهة كذبحه ومعها تلزم الدية في ماله مغلظة ومنع أشهب قتل والد" يعني كما في القوانين: فأما قتل الأب لابنه فإن كان على وجه العمد المحض مثل أن يذبحه أو يشق بطنه فيقتل له منه خلافًا لهم أي للأئمة الثلاثة، وإن كان على غير ذلك مما يحتمل الشبهة أو
التأديب وعدم العمد فلا قصاص فيه وعلهي الدية في ماله مغلظة ويجري مجرى الأب الأم والأجداد والجدات اهـ. قال في الرسالة: وإنما تغلظ الدية في الأب يرمي ابنه بحديدة فيقتله فلا يُقْتَلُ به. قال شارحها: لحُرْمَة الأبوة ولكن تغلظ عليه الدية بالتثليث. قال خليل: وثلث في الأب ولو مجوسيًا في عمد لم يقتل به، وذلك بألا يقصد إزهاق روحه بفعل ليس شأنه القتل لا إن قتله خطأ فتكون ديته مخمسة كغيره من الأجانب، ولا إن قصد قتله أو فعل به شيئًا شأنه القتل بأن ذبحه أو شق جوفه وإلا قتل به. والحاصل أن الأصل لا
يقتل بفرعه إلا إذا اعترف بقصد قتله أو فعل به فعلاً شأنه القتل بأن بأن ذبحه أو شق جوفه. وبين صفة التثليث بقوله: ويكون عليه ثلاثون جذعة حقة وأربعون خلفة في بطونها أولادها. والأرجح أن ذلك في ماله؛ لأن العاقلة لا تحمل العمد، والدليل على وجوب تثليثها ما في الموطأ أن رجلاً من بني مدلج يقال له قتادة حذف ابنه بالسيف فأصاب ساقه فنرى جرحه فمات فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال عمر: أعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم إليه عمر بن الخطاب أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ثم قال أين أخو المقتول؟ فقال: ها أنا ذا فقال: خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس لقاتل شيئ". وفي غير الموطأ دعا أم المقتول وأخاه فدفعها إليها ثم قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يرث القاتل شيئًا ممن قتل اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وتقتل الجماعةب الواحد وبالعكس" قال في الرسالة: وتقتل الجماعةب الواحد في الحرابة والغيلة وإن ولي القتل بعضهم اهـ. قال خليل: ويقتل الجمع بواحد وفي نسخة الجماعة وفي أخرى الجميع، والمعنى في الجميع: لو اجتمعوا على قتل شخص عمدًا عدوانًا فإنهم يُقْتَلون به وكذلك إذا تمالؤوا. قال خليل عاطفًا على قتل الجماعة بالواحد: والمتمالئون وإن بسوط سوط من كل واحد منهم حتى مات فيُقْتَلون به؛ لما في الموطأ عن عمر قتل نفرًا خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه غيلة. وقال عمر: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعًا اهـ. وأما إن ضربوه بلا تمالؤ قال الدردير في أقرب المسالك: وإن تعدد مباشر بلا تمالؤ وتميزت فمن كل بقدر ما فعلز قلت: هذا ف يالجراحات على تقدير تمييز الضربات أما إن لم تُميز فيقدم الأقوى إذا مات مكانه أو نفذت مقتله وحمل مغمورًا لم يأكل ولم يشرب حتى مات، أما لو عاش وأكل وشرب فلا بد من القسامة