الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
في القَسَامة
أي في بيان ما يتعلَّق بأحكام القَسَامة وشروطها ولوازمها المعتبرة التي لا تصحُّ إلَاّ بها. والقَسَامة جمع قِسْم وبالمعنى: الأيمان جمع يمين وهي الحِلفْ على الشيئ لغثبات الحق فيه وهي هنا خمسون يمينًا بالله الذي لا إله إلا هو لاستحقاق الدَّم، ولها شروط معتبرة.
قال رحمه الله تعالى: "شرط الحكم بالقسامة حرية المقتول وإسلامه والجهل بعين القاتل واتفاق الأولياء على القتل رجلين فصاعدًا" يعني قد ذكر الشيخ في هذه الجملة أن للقَسَامة شروطَا خمسة: الأول: أن يكون المقتول حرًا، فلا قسامة إذا كان المقتول عبدًا، الثاني: أن يكون مسلمصا ولا قسامة إذا كان كافرًا ولو ذميًا، الثالث: أن يكون عين القاتل مجهولأن الرابع: أن يتفق أولياء الدم في القتل، وإذا اختلفوا في أصل القتل أو شكوا فيه أو في عَمْدِه وخطئه فلا قسامة، الخامس: أني كون الذين حضروا لاقَسَامة من ولاة الدم رجلَيْن فصاعدًا. قال مالك: ولا يقسم في قَتْلِ العَمْد من المدَّعين إلَاّ اثنان فصاعدًا فتردُّ الأيمان عليهما حتى يخلِفا خمسين يمينًا ثم قد استحقا الدم وذلك الأمر عندنا اهـ الموطأ.
قال رحمه الله تعالى: "أو قيام اللوث وهو شهادة عدل بالقتل أو برؤية حامل السلاح بقرب المقتول أ، قول المقتول: فلان قتلني أو دمي عند فلان أو جماعة مجهولو العدالة" يعني أ، قيام اللوث من أسباب القسامة. قال في أقرب المسالك: وسبب القسامة قتل الحر المسلم بلوث كشاهدين على قول حر مسلم بالغ: قتلني أو جرحني أو ضربني فلان أو دمي عنده عمدًا أو خطأ. قال الشارح:
ذكر خمسة أمثلة للوث أولها
قوله: حر مسلم بالغ إلخ وشهد على إقراره - أنه قتله فلان - عدلان واستمر على إقراره وكان به جرح أو أثر ضرب أو سمّ. قال الصاوي: قوله أولها إلخ، وثانيها: شهادة عدلين على معاينة الضرب أو الجرح أو أثر الضرب، وثالثها: شهادة واحد على معاينة الجرح أو الضرب، ورابعها: شهادة واحد على معاينة القتل، وخامسها: أن يوجد القتيل وبقربه شخص عليه أثر القتل أهـ. قال الدردير ومثله في المختصر: وليس منه وجوده بقرية قوم أو دارهم ولو مسلمًا يوجد بقرية كفّار؛ لجواز أن يكون قتله غير أهل القرية والدار ورماه عندهم حيث كان يخالطهم غيرهم في الدار وإلَاّ كان لوثًا يوجب القسَامة كما جعل صلى الله عليه وسلم القسَامة لا بنَيْ عمْ عَبد الله بن سهل حيث وجد مقتولاً بخيبر؛ لأن خيبر مكان لا يخالط اليهود فيها غيرهم اهـ. وعبارة ابن جزي في القوانين أنه قال: المسألة الثالثة في شروط القسامة هي ثلاث: أن يكون المقتول مسلمصا وأن يكون حرًا، فلا قسامة في قتل الذمي ولا العبد، والثالث اللوث، ولا تكون القسامة إلا مع لوث، وهو أمارة على القتل غير قاطعة، وشهادة الشاهد العدل على القتل لوث، واختلف في شهادة غير العدل وفي شهادة الجماعة إذا لم يكونوا عُدُولاً. وفي شهادة النساء والعبيد وشهادة عدلين على الجرح لوث إذا عاش المجروح بعد الجرح وأكَلَ وشَرِبَ. واختلف في شهادة عدل واحد على الجرح وفي شهادته على إقرار القاتل هي يُقسم بذلك أم لا. ومن اللوث أن يوجد رجل بقرب المقتول معه سيف أو شيئ من آلة القتل أو متلطخًا بالدم، ومن اللوث أن يحصل المقتول في داره مع قوم فيقتل بينهم أو يكون في محله قوم أعداء له. ومن اللوث عند مالك وأصحابه التدمية في العمد وهو قول المقتول: فلان قتلني أو دَمِي عند فلان، سواء كان المدعي عدلاً أو مسخوطًا، ووافقه الليث بن سعد في القَسَامة بالتدمية وخالفهما سائر العلماء. واختلف في المذهب في كون التدمية في الخطأ لوثًا على قولين اهـ. وأما قوله: أو جماعة مجهولو العدالة أي دمي على هذه الجماعة أو تلك الجماعة، فالمعنى أنه إذا كان
المدعى عليهم بالقتل عمدًا جماعة مجهولي العدالة ولم يثبت عليهم جميعًا مباشرة قتله ولا التمالؤ على قتله فإن الأولياء يعينون واحدًا باختيارهم ويقسمون على عينة ويقولون في القسامة لمات من ضربه لا من ضربهم؛ ففي الموطأ لم تعلم قسامة إلا على واحد وذلك لضعفها؛ ولأنه لا يعلم هل قتله الكل أو البعض فالمحقق واحد، والذي يترك من هؤلاء الجماعة يضرب مائة ويحبس سنة. هذا هو المشهور من المذهب كما تقدم قاله النفراوي اهـ. وفي الرسالة: ولو ادعى القتل على جماعة خَلَفَ كلُّ واحد خمسين يمينًا ويخلِف من
الولاة في طلب الدم خمسون رجلاً خمسين يمينًا، وإن كانوا أقلَّ قُسِمَتْ عليهم الأيمان، ولا تحلف امرأة في العمد اهـ. وفي الخطاب قال ابن رشد في نوازله: إذا كان للوث شهود غير عدول أو تعرف جرحتهم أو تتوهم فيهم الجرحة فلا اختلاف في أنه لا يجب على المشهود عليهم بشهادتهم ضرب مائة سوط وسجدن عام. وإنما يجب عليهم بشهادتهم السجن الطويل رجاء أن توجد عليه بينة عادلة، وأما إن كانوا مجهولين لا يعرفون بجرحة ولا عدالة فيجب عليه الضرب والسجن إن عفى عنه قبل القسامة أو بعدها، على القول بوجوب القسامة في ذلك، ولا يجب عليه ضرب مائة وسجن عام، على القول بسقوط القسامة مع ذلك، وقد اختلف في ذلك قول مالك. انظره في الحطاب عند قول خليل: أو نكول المدعي على ذي اللوث وحلفه.
قال رحمه الله تعالى: "لا النساء وأثبتها ابن القاسم" يعني أ، شهادة النساء لا يثبت بها اللوث ولا توجب القسامة، وأثبتها ابن القاسم. قال الموّاق نقلاً عن ابن يونس: روى ابن وهب عن مالك: شهادة النساء لَوْث. وفي الفواكه للنفراوي: ومثل شهادة العضدْل شهادة المرأتين في كل ما يكفي فيه شهادة العدل. قال ابن جزي: شهادة العدل شهادة المرأتين في كل ما يكفي فيه شهادة العدل. قال ابن جزي: شهادة الشاهد العدل على القتل لوث. واختلف في شهادة غير العدل وفي شهادة الجماعة إذا لم يكونوا عدولاً وشهادة النساء والعبيد اهـ. وهذا كل يقتضي تأييد ما ذهب إليه ابن
القاسم من أن اللوث يثبت بشهادة النساء ويوجب بها القسامة، خلافًا لجمهور أهل المذهب. قال في الرسالة: ولا تحلف امرأة في العمد. قال شارحها: أي لا تحلف امراة في إثبات قتل العمد؛ لعدم صحة شهادة النساء فيه وإن انفردن. قال خليل: ولا يحلف في العمد أقل من رجلين عصبة وإلا فموالٍ، فإن لم يوجد للمقتول إلا عاصب فيلزمه الاستعانة بعاصبه الأجنبي من المقتول، كما إذا ثُتِلَتْ أُمّه فإن له الاستعانة بعمه فإن لم يستعن أو لم يجد من يستعين به فالأيمان تُرَدُّ على الجاني، فإن حَلَفَ بَرِئ وإ، نَكَلَ حُبِس، ولا يطلق ولو طال حَبْسُه، وعند انفراد النساء يصير المقتول بمنزلة مَنْ لا وارث له، فتُرَدُّ الأيمان على المدّعى عليه. والأصل في ذلك قوله تعالى: وَمَن قُتِلَ مَظلوُمَا فقَد جَعَلنا لِوَلِيِهِ سُلطَنًا" [الإسراء: 33] والوليّ رجل؛ لقوله علهي الصلاة والسلام: "لا نكاح إلا بولي" ولأنه عليه الصلاة والسلام خاطب الرجال بقوله: "أتحلف لكم يهود" في حديث حويصة ومحيصة المتقدم، ولم يسأل النساء. وأما الخطأ فيحلف فيه كل مَنْ يَرِثُ ولو امرأة، ولذا قال: وتحلف الورثة في الخطأ بقدر ما يرثون من الدية من رجل أوامرأة. قال خليل: ويحلفها في الخطأ من يرث وإن واحدًا أو امرأة.
* * *
وتحلف الأيمان كلها ولا تأخذ إلا فرضها، ومثلها الأخر للأم. وهذه الأدلة تقتضي عدم إثبات اللوث بشهادة النساء. قال مالك في الموطأ: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه لا يحلف في القسامة في العمد أحد من النساء، وإن لم يكن للمقتول ولاة إلا النساء فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفوَّ اهـ. وهذا نص في المسألة ومثله في المدونة، والقلب أميل إليه، والله أعلم بالصواب.
قال رحمه الله تعالى: "فيقسم الأولياء بعد ثبوت اللوث خمسين يمينًا رجلان فصاعدًا من العصبة تفض الأيمان في العمد على عددهم ويجبر الكسر على جميعهم فإن كانوا أكثر فقيل يحلف خمسون وقيل جميعهم" هذا ظاهر من أن أولياء
الدم لا يقسمون إلا بعد ثبوت اللوث وأنهم يقسمون بعد ثبوته خمسين يمينًا تمامًا، ولا يجزئ أقل من رجلين من العصبة في قتل العمد، وإذا كانوا خمسين رجلاً يحلف كل واحد منهم يمينًا، وإن كانوا أقل من ذلك فإنها تفض بينهم ما كانوا ولو رجلين. فإن كانوا أكثر من خمسين رجلاً يكتفي بأقل العدد المجزئ وهو اثنان، فيحلف كل واحد منهما خمسًا وعشرين يمينًا، فإن كانوا خمسة حلف كل واحد عشر أيمان فهكذا، وإن حصل انكسار أي انكسرت الأيمان عليهم فإنه يجب تكميل الكسور، بأن يحلفها أكثرهم نصيبًا كابن وبنت، فالمسألة من ثلاثة؛ لأن الذكر برأسين فيخُّصه من الخمسين ثلاث وثلاثون وثُلُث يمين، ويخص البنت ستُّ عشرة وثُلُثًا يمين، فتحلفها البنت؛ لأن الكسر من طرفها أكثر. قال خليل: وجُبِرَتِ اليمين على أكبر كَسَرها، وإلَاّ فعلى الجميع. ولا يأخذ أحد إلَاّ بعدها اهـ النفراوي بتوضيح.
قال رحمه الله تعالى: "فإن نكلوا إلا اثنين حلفا واستحقا نصيبهما من الدية وقيل بر ترد الأيمان كالواحد فيحلف المدعى عليه خمسين" يعني إذا حضر الأولياء في القسامة ونكلوا عن اليمين إلَاّ رجلَيْن فإنهما يحلفان خمسين يمينًا ويستحقا نصيبهما من الدَّيَة. قال ابن جزي في القوانين: المسألة الثانية في الحالف وهم أولياء المقتول، فإن كان في قَتْلِ العَمْد فلا يَحْلِفُ النساء ولا الصبيان ولا رجل واحد، وإنَّما يَحْلِفُ رجلان فأكثر، تُقْسَمُ الأيمان بينهم على عددهم فيستحقون القصاص، فإن نكلوا عن الأيمان رُدَّت الأيمان على المدّعى عليه، فيَحْلِفُ خمسين يمينًا أنه ما قَتَل، فإن نَكَلَ بعض الأولياء ففيها قولان، قيل: يَحْلِفُ مَنْ بقي منهم ويأخذ نصيبه من الدَّية؛ لأن القَوَد قد سقط بالنكول. وقيل: تُرَدُّ اليمين على المدَّعى عليه، فغ، نكل حُبِسَ حتى يَحْلِفَ، فإ، طال حَبْسُه تُرِكَ وعلهي جلد مائة وحَبْسُ عام اهـ. قوله: وقيل: بل تُرَدُّ الأيمان إلخ قال في الرسالة: وإذا نكل مدعو الدم الحلف المدّعى عليهم خمسين يمينًا.
فإن لم يجد مَنْ
يحلف من ولاته منه غير المُدعى عليه وحده حَلَفَ الخمسين: وقال شارحها: إذا حَلَفَ خمسين يمينًا برئ من القتل، وإن نكل حُبِسَ حتى يَحْلِفَ، ولا يُطْلَق ولو طال حَبْسُه كما تقدَّم.
قال رحمه الله تعالى: "ويُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةٍ كَمَا لَوْ عُفِيَ عَنْهُ فِي العَمْدِ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتّى يَحْلِفَ: يعني إذا ردّت الأيمان في القسامة بنكول أولياء الدم فَحَلَفَ المدَّعى علهي خمسين يمينًا برئ من القتل وأنه يُضْرَبُ مائة سوٍ ثم يُحبَسُ سنةّ كما لو عُفِيَ عنه في قَتْلِ العَمْد. وفي نسخة: كما لو عُفِيَ عنه في الحمل، والصواب ما أثبتناه، فإن نكل حُبِسَ حتى يَحْلِفَ أو يموت في الحُبْس. قال الدردير: ومن نكل على المدّعى عليه بالقتل حُبِسَ حتى يَحْلِفَ خمسين يمينًا أو يموت في السجن حيث كان متمرّدًا، وإلَاّ فبعد سنة يُضْرَب مائة ويُطْلَق كما في عّبْ البقاي، ولكن الذي ي التوضيح لا يُطْلَق حتى يحْلِفَ أو يموت مطلقًا ورجَّحَه الأشياخ اهـ. قال خليل: وعلهي مطلقاً جلدًا مائة ثم حبس سنة وإن بقتل مجسوسي أو عَبْده أو نكول المدّعي على ذي اللوث وحِلفِه. قال الشارح: يعني أ، الشخص الباغل رجلاص أو امرأة حرًّا كان أو عَبْدًا مسلِمًا كان أو ذميًا إذا قتل غيره عَمْدًا ولو مجوسيًّ أو عَبْدًا لغيره أو له يوجب عليه جَلْدُ مائة وحَبْسُ عام من غير تغريب أي يحث عُفِيَ عنه أو قتل مَنْ لا يكافئه، وكذلك يلزم المدَّعى عليه المقام عليه لَوْث بالقتل جَلْدُ مائة وحَبْسُ سنة إذا حَلَفَ خمسين يمينًا بعد نكون المدّعى رعيًا للوث اهـ الخرشي. قال النفراوي في الفواكه: قال خليل: وعليه أي القاتل مطلَقًا جلد مائة ثم حَبْسُ سنة وإن بقتل مجوسي أو عضبْد. ويستفاد من كلام اللاّمة خليل أن الضرب مقدَّم على الحَبْس، ولا فرقَ بين كون القاتل ذكرًا أو أنثى حرًّا أو عَبْدًا، وإنَّما يُشْتَرَط في تأديبه تكليفه؛ فإن عمل الصاحباة رضي الله عنهم، مضى على ذلك. وقد خرج الدارقطني أن رجلاً قَتَلَ عَبْدَه فجَلَدَه النبي صلى الله عليه وسلم مائة جلدة ونَفاه سنة ومحا سهمه
الدية. قال خليل: ولا إن قال بعض عمْدًا وبعض لا نَعْلَم أو نكلوا، بخلاف ذي الخطأ ف له الحلف وأخذ نصيبه. قال الموّاق من المدونة: إن قال بعضهم خطأ وقال الباقون لا علم لنا أو نكلوا عن اليمين حلف مدعو الخطأ وأخذوا حظهم من الدية ولا شيئ للآخرين. وفي الجلاب: لا يستحق مدعو الخطأ حظهم حتى يحلفوا خمسين يمينًا اهـ. قال خليل: وإن اختلفوا فيهماواستووا حلف كل، وللجميع دية الخطأ وبطل حق ذي العمد بنكول غيرهم. قوله: واستووا أي في الدرجة. قال الصاوي: وإن اختلفوا في العَمْد والخطأ واستَوَتْ درجتهم ولم يكن للجميع التكلُّم كبنات مع بنين فالعبرة بكلام البنين، كما أنه لا عبرة بكلام الأعمام مع البنين. أما لو اختلفوا في ذلك واختلفت مرتبتهم قُربًا وبُعدًا وكان الجميع له التكلم كبنات وأعمام فإن قالت العصبة عمدًا والبنات خطأ كان الدم هدرًا لا قسامة فيه ولا دية ولا قود، وإن قالت العصبة خطأ والبنات عمدًا حَلَفَتِ العصبة خمسين يمينًا وكان لهم نصيبهم من الدَّيَة. ولا عبرة بقول البنات؛ لأنه لا يحْلفُ في العَمْد أقلُّ من رجلَيْن عصبة، قال الدردير: فلو قال بعضهم خطأً وبعضهم عمدًا فإن استووا في الدرجة كالبنين أو الإخوة فيحلف الجميع على كل طبق دعواه على قدر إرثه ويقضي للجميع بدية الخطأ، فلو نكل مدعي الخطأ عن الحلف فلا شيئ للجميع، وإن نكل بعض مدعي الخطأ فللمدعي
* * *
العمد الدخول في حِصة مَنْ حَلَف اهـ. قال في المدونة: وإن قال بعضهم عَمْدًا وبعضهم خطأ فإن حَلَفوا كلّهم استحقوا دِيَة الخطأ وبُطِلَ القتل، وإن نكل مدَّعو الخطأ فليس لمدَّعي العمد أن يقسموا ولا دَمَ لهم ولا دِيَة. وقال أشهب: إن حَلَفَ جميعهم فلِمَنْ أقْسَمَ على الخطأ حظُّه على العاقلة ولمن أقْسَمَ على العَمْد حظُّه من مال القاتل قال اللخمي: وهذا أحسن أهـ. نَقَلَه الموّاق.
قال رحمه الله تعالى: "ويحلف في الخطأ الوارث ما كان ويأخذ الدية تفض على
قدر مواريثهم ويجبر الكسر على أكثرهم نصيبًا فإن نكل بعضهم حلف الباقون وأخذوا أنصباءهم" يعني أن الورثة ما كانوا يحلفون في قتل الخطأ ويأخذون أنصباءهم من الدية وتفض الأيمان على قدر مواريثهم كما تقدم، فإن نَكَلَ واحد منهم حَلَفَ الباقون وأخذوا نصيبهم. قال خليل: وهي خمسون يمينًا متوالية بتًا، وإن أعمى أو غائبًا يحلفها في الخطأ من يرث المقتول، وإن واحدًا أو امرأة وجُبِرَت اليمين على أكثر كَسَرَها، وإلا فعلى الجميع ولا يأخذ أحد إلَاّ بعدها ثم حَلَفَ مَنْ حَضَرَ حِصّته اهـ. ومثله في أقرب المسالك وفي الرسالة: وتحلف الورثة في الخطأ بقدر ما يرثون من الدية من رجل أو امرأة، وإن انكسرت يمين عليهم حَلَفَها أكثرهم نصيبًا منها، وإذا حضر بعض ورثة دية الخطأ لم يكن له بدٌّ أن يَحْلِفَ جميع الأيمان، ثم يضحْلِفَ من يأتي بعده بقدر نصيبه من الميراث اهـ. قال ابن جزي في القوانين: وإن كانت القَسَامةف ي الخطأ أو حيث لا يقتصُّ في العَمْد مثل أن يكون القاتل صغيرًا أو المقتول غير مكافئ للقاتل فيُقْسِمُ فيها الرجال والنساء، ويجزئ الرجل الواحد وتُقْسضم الأيمان بينهم على قدر مواريثهم، فإذا حَلَفوا استحقّوا الدَّيَة، وإ، نكلوا رُدَّ اليمين على عاقلة القاتل، وإن نكل واحد من الأولياء حَلَفَ باقيهم وأخذوا نصيبهم من الدَّيَة اهـ. قال مالك رحمه الله تعالى: القَسَامة في قَتْلِ الخطأ يُقْسِمُ الذين يدَّعون الدَّم ويستحقونه بقَسَامتهم، وَيَحْلِفون خمسين يمينًا تكون على قِسْم أي قدر مواريثهم من الدَّيَة، فغ، كان في الأيمان كسور إذا قُسِمَتْ بينهم نظر إلى الذي يكون عليه أكثر تلك الأيمان إذا قُسِمَتْ فتُجْبَر عليه تلك اليمين. فإن لم يكن للمقتول ورثةٌ إلَاّ النساء فإنّهن يَحْلِفْنَ ويأخُذُنَ الدَّيَة؛ فإ، لم يكن له وارث إلَاّ رجل واحد حلفَ خمسين يمينًا وأخذ الدَّيَة. وإنَّما يكون ذلك في قَتْلِ الخطأ ولا يكون في قَتْلِ العَمْد. قال العلامة أبو الوليد الحافظ الباجي في شرحه على الموطأ: وهذا على ما قال إنّ حُكْمَ القَسَامة في قَتْلِ الخطأ غير حُكْمِها في قَتْلِ العَمْد؛ لأنها لمَّا ختصّت القَسَامة
في الخطأ بالمال كان ذلك للورثة رجالاً كانوا أو نساء قلَّ عددهم أو كَثُر. ولا يَحْلِفُ في
ذلك إلَاّ وارث، وا/اقتل العمد فإن مقتضاه القصاص، وإنما يقول به العصبة من الرجال، فلذلك تعلقت الأيمان بهم دون النساء اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "ولا قَسَامَةَ فِي جِرَاح" يعني ،غنما لم تشرع القَسَامة في الجرح لأنه صلى الله عليه وسلم إنما حَكَمَ بها فيالنفس. وإذا قُلْنا بنَفْي القَسَامة في الجرح فتارة يكون عَمْدًا وتارة يكون خطأ، وفي كل إما إن يثبت بشاهدَيْن أو يوجد شاهد فقط، فإن ثبت بشاهدين فالديَة في الخطأ أو القصاص في العَمْد. وإن لم يشهد به إلَاّ واحد فإنه يَحْلِفُ مع الشاهد يمينًا واحدة ويأخذه الدَّيَة ي الخطأ ويقتصُّ منه في العَمْد، وهي إحد مستحسنات الإمام مالك رضي الله عنه. وإن تجرَّدت الدعوى عن الشاهد فقيل: يَحْلِفُ المدَّعَى عليه وقيل: لا يَحْلِفُ، وأنت خبير فيما ذكرناه من القصاص في العَمْد شارح للرسالة وقال فيها: ولا قَسَامة في جرح ولا في عَبْدٍ ولا بين أهل الكتاب ولا في قتيل بين الصفَّيْن أوْ وُجِدَ في محلة قوم اهـ.
قال رحمه اللَّه تعالى: "والقتيل بين فئتين من إحداهما ديته على الأخرى وإلا فعليهما إلا أن يثبت اللوث" يعني أنه أخبر بما إذا وُجدَ القتيل بين الفئتين ولم يُعْلَمْ قاتله فلزم دِيَتُه على إحدى الفئتَيْن أو عليهما معًا، إلا إذا حصل اللوث فتثبتُ على مَنِ ادُّعيَ عليه. قال زروق في شرحه على الرسالة: وأما القتيل بين الصفَّيْن فحكى الجلاب فيه روايتَيْن: إحداهما أنه لا قَوَد فيه، ودِيَتُه على الفئة التي نازعت إن كان من الفئة الأخرى، وإن كان من غيرها فدِيَتُه عليهما معًا. والرواية الأخرى إن وجد بينهما معًا فهو لَوْثٌ يوجب القَسَامة لِوُلاته، فيقسمون على من ادُّعِيَ عليه ويقتلونه. لكن هذه الرواية تخالف ما في الرسالة من قولها: ولا في قتيل بين الصفين أو وُجِدَ في محلة قوم، أي
لا قَسَامة في قتيل وُجِدَ بني الصفين أي من المسلمين الباغي كل منهما على الآخرن ويكون دَمُه هَدْرًا. ولو قال ذلك المقتول: دَمِي عند فلان. وهذا هو المعتمد من أقوال ثلاثة أشار إليهاخليل بقوله: وإن انفصلت بغاة عن قتلى ولم يُعْلَم القاتل فهل لا قَسَامة ولا قَودَ مطلقًا وإن تجرَّد عن تدمية وشاهد أو عن الشاهد فقطَ تأويلات اهـ. نَقَلَه النفراوي. انظر شرح خليل. ثم قال رحمه الله تعالى: "وَيُجْلَبُ فِي القَسَامَةِ إِلَى المَسِاجِدِ المعَظَّمَةِ مَنْ قَارَبَها وَاللَّه أَعْلَمُ" يعني كما في الرسالة وعبارتها ويحلفون في القَسَامة قِيامًا، ويُجْلَبُ إلى مكة والمدينة وبيت المقدس أهل أعماله للقسامة، ولا يُجْلَبُ في غيرها إلاّ من الأميال اليسيرة اهـ. قال النفراوي: وحاصل المعنى أنّ مَنْ توجَّهت عليه القَسَامة وهو من غير أهل أعمال الأماكن الثلاثة لا يُجْلَبُ من محلّه إِلى حلْفِها في مسجد أو غيره، إلَاّ إِذا كان لمسجد قريبًا من بلده، بأن كان بينه وبينه الأميال اليسيرة كلاثلاثة فيُجْلَبُ منها لذلك. والفرق بين تلك الأماكن وغيرها قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تعمل المطيّ إلَاّ إلى ثلاثة مساجد: مكة والمدينة وإيلياء" اهـ. قال زروق في شرحه على الرسالة: تُغَلَّظ اليمين في القَسَامة بالزمان والمكان والكيفية: والزمانُ كونه بعد العصر ويوم الجمعة، والمكان بأن يكون في الأمكان المعظَّمة، والهيئة أن يَحْلِفَ قائمًا لكونهاأردع للحالف وأهول، أي أخْوَف في حقَّه لعلّه يرجع للحقَّ إنكان مبطلاً اهـ. واللَّه أعْلَم. ولمَّا أنهى الكلام على ما تعلَّق بأحكام القَسَامة وشروطها انتقل يتكلم على مسائل الحدود وما يتعلَّ بها من الأحكام باقتراف الأجرام ممَّا سيأتي ذِكْرُه إن شاء الله تعالى فقال رحمه الله تعالى: