الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
في التدبير والمدبر
أي في بيان ما يتعلق بأحكام التدبير والمدبر، والتدبير لغة: النظر في عاقبة الأمر والتفكير فيه، وعرفًا: تعليق السيد المكلف الرشيد عتق رقيقه على موته، كأن يقول لعبده: إذا أقبلت على الله وأدبرت عن الدنيا فأنت حر، وحكمه أنه مستحب، دل على مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى:{وافعلوا الخير} [الحج: 77] ونحوه، وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم:((لا يباع المدبر ولا يوهب وهو حر من الثلث))، وأما الإجماع فقد انعقد إجماع الأمة على أنه قربة، فقال رحمه الله تعالى:(من قال لعبده: أنت مدبر أو دبرتك أو أنت حر عن دبر مني عتق بموته من ثلثه أو محمله)، يعني أي مكلف رشيد مالك وإن زوجة قال لعبده أو لأمته: أنت مدبر أو أنت حر عن دبر مني أو دبرتك فإنه يعتق بمجرد موته من ثلث ماله أو ما حمله الثلث، فإن لم يحمل الثلث إلا بعضه عتق قدر ما حمله ورق الباقي. قال الدردير: لأن التدبير إنما يخرج من الثلث، فإذا كانت قيمته
خمسة وترك سيده خمسة ولا دين على سيده فثلث التركة ثلاثة وثلث هي قيمة ثلثي المدبر فيعتق ثلثاه ويرق ثلثه. اهـ. قال في الرسالة: والتدبير أن يقول الرجل لعبده: أنت مدبر أو أنت حر عن دبر مني، ثم لا يجوز له بيعه، وله خدمته وله انتزاع ماله ما لم يمرض، وله وطؤها إن كانت أمة. اهـ.
قال رحمه الله تعالى: (فإن لم يترك غيره عتق ثلثه)، يعني أن السيد إذا دبر عبده وليس له مال غيره، فإذا مات عتق ثلث العبد، قال مالك في رجل دبر غلامًا له فهلك السيد ولا مال له إلا العبد المدبر وللعبد مال قال: يعتق ثلث المدبر، ويوقف ماله بيديه. اهـ.
قال رحمه الله تعالى: (فلو بعضه سرى في جميعه)، يعني لو دبر بعض العبد فإن
التدبير يسري في جميعه. قال في الرسالة: ومن أعتق بعض عبده استتم عليه، أي لأن العتق يسري في جميع العبد المعتوق كما يسري في المدبر وغيره. قال شارحها: يعني أن من أعتق جزءًا ولو يدًا أو رجلاً من عبده الذي يملك جميعه، فإن الباقي يعتق عليه بالحكم. ويشمل القن المحض والمدبر والمعتق إلى أجل وأم الولد والمكاتب؛ لأنه عبد ما بقي عليه درهم كما تقدم، وإنما يلزم ذلك إذا كان المعتق مسلمًا مكلفًا رشيدًا لا دين عليه يرد العبد أو بعضه. وأما لو أعتق الكافر عبده الكافر فله الرجوع فيه إلا أن يسلم أحدهما أو يبين العبد عن سيده. اهـ. النفراوي بتوضيح.
قال رحمه الله تعالى: (ولو كان مشتركًا خير الشريك بين التقويم والمقاومة، فإن صار له رق وإن صار للمدبر سرى)، يعني كما قال مالك في الموطأ والمدونة في العبد يكون بين الرجلين فيدبر أحدهما حصته: إنهما يتقاومانه فإن اشتراه الذي دبره كان مدبرًا كله، وإن لم يشتره انتقض تدبيره، إلا أن يشاء الذي بقي له فيه الرق أن يعطيه شريكه الذي دبره بقيمته، فإن أعطاه إياه بقيمته لزمه ذلك وكان مدبرًا كله. اهـ. راجع شرح الباجي عليه.
قال رحمه الله تعالى: (وليس له نقضه إلا أن يستغرقه أو بعضه دين فيباع منه ما يقابله)، يعني ليس للسيد نقض التدبر إذا دبر عبده، إلا أن يستغرق الدين قيمة المدبر فيباع له. قال في القوانين: وليس للسيد الرجوع في التدبير، بخلاف الوصية بالعتق فله الرجوع فيها. ثم قال في آخر الباب: ويبطل التدبير بقتل المدبر لسيده عمدًا أو باستغراق الدين له وللتركة. اهـ. ومثله في أقرب المسالك تبعًا لما في المختصر، وقال شارحه الخرشي: يعني أن المدبر إذا قتل سيده عمدًا عدوانًا لا في باغية فإن تدبيره يبطل إن استحياه الورثة، أما لو قتل سيده خطأ، فإن تدبيره لا
يبطل، ويعتق في مال سيده الذي تركه، ولم يعتق في الدية وهي دين عليه ليس على العاقلة منها شيء؛ لأنه إنما صنع ذلك وهو مملوك ولا تحمل على عاقلته. وكذلك يبطل التدبير أيضًا
باستغراق الدين للمدبر وللتركة، كما لو ترك السيد عشرة مثلاً وقيمة المدبر خمسة وعليه دين خمسة عشر فقط استغرق الدين للمدبر وللتركة؛ لأن الدين مقدم على ما يخرج من الثلث، وظاهره سواء كان الدين سابقًا على التدبير أو لاحقًا له، وهو واضح إذا قام الغرماء بعد موته السيد، وأما إن قاموا في حياته فإن كان الدين سابقًا على التدبير فإنه يباع للغرماء، وإلا فلا كما في المدونة. وكذلك يبطل بعض التدبير بسبب مجاوزته لثلث السيد، كما لو ترك السيد عشرة وقيمة المدبر عشرة فثلث التركة ستة وثلثان هي قيمة ثلثي المدبر فيعتق ثلثاه ويرق ثلثه. اهـ.
قال رحمه الله تعالى: (وله مقاطعته ومكاتبته، فإن أدى تعجل عتقه وإلا بقي مدبرًا. وله استخدامه وانتزاع ماله ما لم يمرض مرض الموت ويتبع الحامل ولدها)، يعني للسيد أن يقاطع المدبر بشيء معلوم يتعجل أداءه حالاً أو يتأخر به، فإن عجله عتق وإلا بقي كما هو مدبرًا. وأيضًا للسيد أن يكاتب المدبر إن علم فيه خيرًا وقدر على أداء النجوم كما تقدم، وله استخدامه. قال ابن جزي: ويجوز له وطء مدبرته عند الجمهور، بخلاف المكاتبة، وله أن يستخدم المدبر والمكاتب ويؤاجرهما. وقال أي ابن جزي في مال المدبر: أما في حياة سيده فهو لسيده وله انتزاعه منه ما لم تحضر الوفاة أو يفلس، وليس لغرمائه أخذ ماله، وأما بعد وفاة السيد فيقوم ماله معه كأنه جزء منه، ويسمى مجموع قيمته وما له من الثلث حسبما تقدم، فيأخذ منه ماله مقدار ما يعتق من رقبته حسبما ذكرنا. اهـ. القوانين.
قال رحمه الله تعالى: (ويؤجر مدبر الذمي يسلم من مسلم وقيل يباع)، يعني كما قال مالك في الموطأ في رجل نصراني دبر عبدًا له نصرانيًا فأسلم العبد قال مالك: يحال بينه وبين العبد ويخارج على سيده النصراني ولا يباع عليه حتى يتبين أمره فإن هلك النصراني وعليه دين قضى دينه من ثمن المدبر إلا أن يكون في ماله ما يحمل الدين