الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما يأتي قول المصنف: وإن تأخر مايمكن استناد الموت إلى غيره فبالقسامة، ولا يقْسَم في العَمْد إلَاّ على واحد معيَّن لها، ولا يُقْتَل مع القَسَامة أكثر من رجل واحد ويُعاقب الباقي اهـ
ويُعاقب الباقي اهـ من شراح المختصر بتوضيح. قال ابن جزي: وكذلك يُقْتَلُ الواحد بالواحد كما تُقْتَلُ الجماعة بالجماعة وتُقْتَلُ الجماعة بالواحد خلافًا للظاهرية اهـ. ولمَّا أنهى الكلام على ما تعلق بالجنايات على النفس انتقل يتكلم على حقيقة لقِصاص في الأعضاء وغيرها فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في بيان قِصاص الأطراف
أي في بيان ما يتعلَّ بالقِصاص في الأطراف من الجراحات وغيرها كالنفس وأصل القصاص المماثلة كما تقدم.
قال رحمه الله تعالى: "والقصاص في الأعضاء كالنفس" يعني كما في قوله تعالى: " وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والْعَيْنَ بِالْعَيْنِ والأَنفَ بِالأَنفِ والأُذُنَ بِالأُذُنِ والسِّنَّ بِالسِّنِّ والْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة: 45] يعني والهل أعلَم أن هذه الأعضاء كالنفس فَرَضَ الله تعالى بها لاقصاص كما هو ثابت فيالتوراة وهذا الحُكمْ وإن كُتِبَ على من قَبْلِنا فهو مقرَّر في شَرْعِنا فيجب القصاص فيها إذا أمكن كاليد باليد والرَّجْل بالرَّجْل وغيرهما من سائر الأعضاء التي يمكن فيها القصاص، وأمَّا التي لا يمكن فيها فإن وَرَدَ فيها نص من الشارع عُمِل به فيجري الحُكْمُ عليها في ذلك، فإن لم يرد فيها منه شيئ فالقياس على ما وَرَدَ أو يوكَل ذلك إلى أولي الأمر وهم أهل الاجتهاد كالحُكّام، فالقصاص واجب إلَاّ لعدم الإمكان، وإليه أشار رحمه الله بقوله: "إلا لتعذر المماثلة كذهاب بعض البصر او السمع أو الكلام أو يخاف سرايته إلى النفس غالبًا كَكَسْر العُنُقِ والترْقُوَةِ والصُّلْبِ والْفَخِذِ فيجب فيه من الدية في مال الجاني: يعني إذا
تعذر القصاص كعدم المماثلة في النفس أو العضو أو ما يخاف الهلاك بالقصاص فيه غالبًا فإنه يرجع إلى ما نصَّ الشارع في تلك النازلة، وذلك كَكسْرِ العُنُق أو الترقُوَة أو الصُّلْب أو الفَخِذ أو رضّ الأنثيين أو الجائفة أو المأمومة أو غيرها ممَّا لا يمكن القصاص فيها فتلك الأشياء كلها يرجع فيها إلى نص الشارع. قال في الرسالة: وفي اليدين الدية أي الكاملة وكذلك في الرَّجْلَيْن أو العينَيْن وفي كل واحدة منهما نِصْفُها، وفي الأنف يُقْطَعُ مارنُهُ الدية وفي السمع الدية وفي العقل الدية وفي الصلب يكسر الدية وفي الأنثيين الدية وفي الحشفة الدية وفي اللسان الدية وفيما منع منه الكلام الدية وفي ثديي المرأة الدية وفي عين الأعور الدية وفي الموضحة خمسة من الإبل وفي السن خمسة وفي كل أصبع عشرة وفي الأنملة ثلاثة وثُلُث وفي كل أنملة من الإبهامين خمسة من الإبل وفي المِنْقَلَة عشرة ونصف عشرة. والموضحة ما أوضح العظم والمنقلة ما طار فراشها من العظم ولم تصل إلى الدماغ وماوصل إليه فهي المأمومة ففيها ثُلُث الدَّيَة وكذلك الجائفة،
وليس فيما دون الموضحة إلا الاجتهاد وكذلك جراح الجسد اهـ. وعبارة بن جزي في القوانين في قطع الأعضاء أن قال: فإن كان عمدًا ففيه القصاص إلا أن يُخاف منه التلف وإن كان خطأ ففيه الدية وهي تختلف، ففي كل زوج من البدن دية كاملة وفي الفرد نصف الدية وذلك العينان والأذنان والشفتانواليدانوالرجلان والأُنثيان والأليتان وثدْيَا المرأة، وفي الأنف واللسان وفي الذكر دية كاملة، وفي السنّ خمسة من الإبل، وفي كل أصبع عشرة من الإبل، وتجب الدية كاملة في إزالة العمل وفي إزالة السمع وفي إزالة البصر وفي إزالة الشمّ وفي إزالة النطق وفي إزالة الصوت وفي إزالة الذوق وفي إزالة قوة الجماع وفي إزالة القدرة على القيام والجلوس، فإن أزال بعض هذه المنافع فعَلَيْه بحساب ما نقص، فإن أزال سمع الأذن الواحدة أو بصر العين الواحد فعليه نصف الدية، وفي عين الأعور دية كاملة، وقال الشافعي وأبو حنيفة: نصف الدية اهـ بحروفه. ومَنْ أرادالوقوف على الدليل فيما
ذكرناه فليراجع كتاب العقول من الموطأ والمدونة وغيرهما من كُتُب المذهب، فهناك ما يكفي الغليل ويشفي العليل من الأحكام والسنّة النبوية إن شاء الله تعالى.
ثم قال رحمه الله تعالى: "وتتعين المماثلة فلا يؤخذ عضو بغير مماثله وفي عدمه يُعْدَل إِلَى الدية إلا الأعور يقلع عينًا ففي المماثلة يُخير بين القود وألف دينار وفي غيرها ديتها" يعني تتعين في قصاص الأعضاء المماثلة فلا يؤخذ عضو بغير مماثلة، أمَّا في المماثلة فيتعين ولو كان عضو الجاني أقوى من المُجْنَى عليه. قال الدردير: ويؤخذ عضو قوي بضعيف: فإذا جنى صاحب عين سليمة على دعين ضعيفة الإبصار خلقة أو من كبر صاحبها فإن السليمة تؤخذ بالضعيفة اهـ. انظر شراح خليل. قوله: وفي عدمه يعدل إلى الدية إلخ قال الدردير أيضًا متأسيًا بقول خليل: وإن فقأ سالم عين أعور فله القود أو أخذ دية كاملة من ماله، وإن فقأ أعور من سالم مماثلته فله القصاص أو دية ما ترك وغيرها فنصف دية فقط في ماله، وإن فقأهما فالقود ونصف الدية، أي وإن فقأ الأعور عيني السالم عمدًا في مرة أو مرتين فالقود حُق للمَجْني عليه بأن يفقأ المماثلة من الجاني فيصيره أعمى لبقاء سالمته، ونصف الدية يأخذه المجني عليه من الجاني بدل ما ليس لها مماثلة، لم يُخير سالم العينين في المماثلة بحيث يكون له القصاص أو أخذ الدية لئلا يلزم عليه أخذ دية ونصف دية، وهو خلاف ما وَرَدَ عن الشارع صلى الله عليه وسلم اهـ. قال مالك: الأمر عندنا أن الرجل إذا أصيب من أطرافه أكثر من ديته فذلك له إذا أصيب يداه ورجلاه وعيناه فَلَهُ ثلاث دِيَات قال مالِك في عين الأعْوَر الصحيحة: إذا فُقِئَتْ خطأ إن فيها الدية كاملة اهـ الموطأ.
قال رحمه الله تعالى: "ولا يقتص لجرح ولا يعقل حتى يندمل فإن سرى إلى النفس قتل ولم يجرح" لما في الحديث عن جابر بن عبد الله قال إن رجلاً جرح رجلاص فأراد الذي جرح أن يستفيد فَنَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتثل من الجارح حتى
يبرأ المجروح اهـ كتاب الديات. فالمعنى إذا وَجَبَ القِصاص في الجرح أو وَجبتِ الدَّيَة فإنه يلزم التأخير في ذلك حتى يبرا الجرح، فإن سَرَى إلى موت المجروح قُتِلَ الجارح وسَقَطَ قِصاص الجرح. قال ابن جزي: ولا يقتص من الجارح حتى يندمل الجرح لئلاً ينتهي إلى النفس فيحصل القِصاص بالنفس لا بالجراح خلافًا للشافعي اهـ. قال في الرسالة: ولا يعقل جرح إلَاّ بعد البرء وما برئ على غير شين ممَّا دون الموضحة فلا شيئ فيه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وإن تأخر ما يمكن استناد الموت إلى غيره فبالقسامة" يعني أنه لو عاش المقتول بأن أكل وشرب ثم مات فلابد حينئذ من القسامة كما تقدم. قال في الرسالة: وإنما تجب القسامة بقول الميت دَمِي عند فلان أو بشاهد على القتل أو بشاهدين على الجرح ثم يعيش بعد ذلك ويأكل ويشرب اهـ. قال خليل: والقسامة سببها قتل الحر المسلم في محل اللوث، كأن يقول بالغ حر مسلم: قتلني فلان ولو خطأ أو مسخوطًا على ورع أو ولد علىوالده أنه ذبحه أو زوجة على زوجها إن كان جرح إلى أن قال: وكشاهدَيْن بجرح أو ضرب مطلقًا بإقرار المقتول عَمْدًا أو خطأ ثم يتأخر الموت يقسم لِمَن ضربه مات. هذا معنى قول المصنّّف: وإن تأخَّر ما يمكن استناد الموت إلى غيره فبالقسامة قال النفراوي. وهذا ليس بقيد كما في خليل وإنما المراد بتأخر موته؛ إذ لوو مات سريعًا بعد جرحه أو ضربه أو أنفد مقتل من مقاتله بالجرح أو الضرب لثبت القتل من غير توقف على قَسَامة، ويلزم الأولياء القِصاص في العَمْد والدَّيَة في الخطأ قال خليل: ولا قَسَامة إن أنفذ مقتله بشيئ أو مات مغمورًا إلخ.
قال رحمه الله تعالى: فإن سرى إلى زياد اقتص بأصله فإن سرى إلى مثلها فهو به وإن زاد فهدر وإن نقص وجب أرش النقص" يعني كما في الموطأ قال مالك في قصاص الجراح: ولا يُقاد من أحد حتى تبرأ جراح صاحبه فيُقَاد منه، فإن جاء جرح المستقاد منه مثل جرح الأول حين يصحُّ فهو القَوَد، وإن زاد جرح المستفاد منه أو مات
فليس على المجروح الأول المستقيد شيئ، وإن برئ جرح المستقاد منه وشُلَّ المجروح الأول أو برئت جراحه وبها عيب أو نقص أو تمثل فإن المستقاد منه لا يكسر الثانية ولا يُقَاد بجرحه قال: ولكنه يُعْقَل له بقدر ما نَقَص؛ من يد الأول أو فسد منها والجِرَاحُ في الجسد على مثل ذلك اهـ. انظر شرحه للباجي المُسَمّى المنْتَقَى فيه كفاية للطالب وتذكرة للمستقصي.
قال رحمه الله تعالى: "ويؤخر لشدة الحر والبرد والحامل للوضع فإن وجد من يرضعه وإلا فإلى الفصال" يعني إذا وجب القصاص على الجاني في وقت شدة الحر أو شدة البرد أو المرض وخُشِيَ عليه الموت بالقصاص في تلك الأوقات لزم التأخير إلى زوال تلك الأوقات التي فيهاخطر على الجاني لئلا يلزم تقتل نفس فيما دونها. قال الدردير في أقرب المسالك: وأُخر لعُذْرٍ كَبردٍ كعقل الخطأ وأحد حديثن لم يقدر عليهما وقدم الأشد إن لم يخف منه اهـ. قال الخري: قوله وأخر لبرد أو حر إلخ يعني أن الجاني إذا جنى جناية فيما دون النفس توجب القصاص فإنه يؤخر عنه القصاص لأجْل البرد المفرط أو لأجل الحر المفرط خوف الهلاك على الجاني فيؤدي إلى أخذ نفس فيما دونها، وأما إذا جنى حناية على نفس فلا يؤخر لما ذُكر وهو واضح وكذا لا يؤخر إذا كان الجاني محاربًا واختير قطعة من خلال فلا يؤخر لحر ولا لبرد؛ لأنه إن مات هو أحد حدوده، وكذلك يؤخر القود فيما دون النفس إلى أن يبرأ الجاني إن كان مريضًا وتبرأ أطراف المجني عليه؛ لاحتمال أن يأتي على النفس فيستحق تلك النفس بقسامة كما يؤخر العقل في الجرح إلى البرء خوف السريان إلى النفس فتؤخذ الدية كاملة، فإن برئ على غير شين فلا عقل فيه ولا أدب إذا لم يتعمد، وإن برئ على شين فحكومة، وكذلك يلزم التأخير فيما لا يُستطاع القَوَد فيه إن كان عمدًا كَكَسْر عظام الصدر والصُّلْب وما أشبه ذلك، فغ، برئ على شين فحكمة وإلا فلأن والتأخير للعقل مطلوب ولو كان الجرح فيه شيئ
مقدر من الشارع كالجائفة والآمة والموضحة خوف السريان إلى النفس أو إلى ما تحمله العاقلة اهـ. انظر فيه مسألتي الحامل والمُرْضع في وجوب التأخير عن قصاصهما حتى تَتَعَ الحامِل وتُفْطِمَ المُرْضِع.
قال رحمه الله تعالى: "وأولياء الدم العصبات فيسقط بعقو بعضهم" قال الحطاب: يعني أنه إذا أسقط بعض من له العفو حقه وعفا عن القاتل فإن القود يسقط ويتعين للباقين نصيبهم من دية عمد ويدخل في ذلك بقية الورثة، فإذا عفا جميع الأولياء فلا شيئ للبنات. قال في المدونة في آخر كتاب الديات: وإذا قامت بينة بالقتل عمدًا فللمقتول بنون وبنات فعفو البنين جائز على البنات ولا أثر لهن مع البنين في عفو ولا قيام، إن عَفَوْا على الدَّيَة دخل فيها النساء وكانت على فرائض الله تعالى وقضى منها دينه، وإن عفا واحد من البنين سقطت حِصَّته من الدَّيَة وكان بقيَّتها بين حقَّ من بقي على الفرائض، وتدخهل في ذلك الزوجة وغيرها وكذلك إذا وجب الدم بقسامة ولو أنه عفا على الدية كانت له ولسائر الورثة على المواريث، وإذا عفا جميع البنين فلا شيئ للنساء من الدية وإنما لهن إذا عفا بعض
البنين. والإخوة والأخوات إذا استووا فهم كالبنين والبنات فيما ذكرنا اهـ. وفي الرسالة: وإن عفا أحد البنين فلا قتل ولمن بقي نصيبهم من الدية، ولا عفو للبنات مع البنين: قال شارحها: والمعنى أن القتل إذا كان عَمْدًا وعفا عن القصاص بعض المستحقين المستوين في الدرجة بعد ترتب الدم وثبوته ببينة أو إقرار أو قسامة فإن القود يسقط. ولمن لم يعف نصيبه من دية عمد، ومقتضى قوله: فلمن بقي إلخ أن العافي لا شيئ له إلا أن يكون قد عفا عليها صريحًا أو يظهر منه إرادتها. قال خليل: ولا دية لعافٍ مطلق إلا أن تظهر منه إرادتها فيحلف ويبقى على حقه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "ويُخَيَّرُ في العَبْدِ بَيْنَ قَتْلِهِ وَاسْتِرْقضاقِهِ فَإِنِ اسْتَحْيَاهُ خُيرَ سَيَّدُهُ في افْتِكَاكِهِ بالدية وإسلامه" يعني كما تقدم أنه إذا قتل العبد حرًا يسلمه سيده لأولياء المقتول