الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولمَّا أنهى الكلام على ماتعلَّق بأحكام القذف انتقل يتكلم على ما يتعلق بأحكام شارب الخمر فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في الخمر وأحكامها
أي في بيان ما يتعلَّق بالخمر وما يجبُ على شاربها من الحدّ وهي أمّ الخبائث.
قال الشعراني في الميزان: أجمع الأئمة الأربعة على تحريم الخمر ونجاستها، وأنّ شرب الخمر قليلها وكثيرهاموجب للحدّ، وأن مَنِ استحل شُرْبَها حُكِمَ بكفره اهـ. وعن ابن عمر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل مُسْكِر خمرٌ وكل مُسْكِر حرام". أخرجه مسلم. وفي رواية أن رسول الله صلى الهعليه وسلم قال: "ما اسكر كثيره فقليله حرام". أخرجه الموطَّأ عن جابر. قال مالك: والسنّة عندنا أنّ كُلَّ من شرب شرابًا مُسكرًا فسكرَ أو لم يسكَر فقد وَجَبَ علهي الحدُّ ولذا قال رحمه الله تعالى: "إِذَا شَرِبَ مُسْلِمٌ شَيْئًا مِنْ مُسْكِر وَإِنٌ قَلَّ وَإِنْ لم يُسْكِرْ حُدَّ كَالْقَذْفِ" يعني يحدُّ ثمانين جَلْدَة كحد القَذْف. قال في الرسالة: ومَنْ شرب خمرًا أو نبيذاً مسكراً حُدَّ ثماني، سَكرَ أو لم يسكر، ولا سجْنَ عليه، يريد إذا كان حرًا مسلمًا. قال ابن جزي في شروط الحدَّ: وهي ثمانية: الأول: أن يكون الشارب عاقلأن الثاني: أن يكون بالغًا، الثالث: أن يكون مسلِمًا، فلا حدّ على الكافر في شُرْبِ الخمر، ولا يُمْنَع منه؛ الرابع: أن يكون غير مُكْرَه، الخامس: ألَاّ يضطر إلى شُرْبِها لِغصّة، السادس: أن يَعْلَم أنه خمر، فإن شربه وهو يظنه شرابًا آخر فلا حدّ عليه، السابع: أن يكون قد عَلِمَ أن الخمر محرَّمة، فإن ادَّعى أنه لا يَعْلَم ذلك فاختُلِفَ هل يُقْبَل قوله أم لا؟ الثامن: أن يكون مذهبه تحريم ما شرب، فغ، شرب النبيذ مَنْ يرى أنه حلال فاختُلِف هل عليه حدٌّ أم لا؟ ثم قال في مقدار الحدّ: وهو ثمانون جَلْدة، وأربعون للعبد، خلافاً للشاعفي. والدليل على مذهب ما في الموطَّأ
أن عمر بن الخطاب استشارَ في الخمر يشربها الرجل فقال له عَلِيُّ بن أبي طالب: نَرى أن تَجلِدَه ثمانين فإنه إذا شرِبَ سَكِرَ وإذا سكرَ هَذَى وإذا هذَى افتَرَى، أو كما قال فجَلَدَ عُمَرُ في الخمر ثماني. هذا في الحرّ، وأمّا فيالعبد فقد روى مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن حدّ العبد في الخمر فقال: بلغني أن عليه نِصْفَ حدَّ الحرَّ في الخمر، وأنّ عمر بن الخطاب وعثمانَ بنَ عفانَ وعبدَ الله بنَ عمرَ قد جَلَدُوا عبيدًا لهم نِصْفَ حدَّ الحرَّ في الخمر اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "إِذَا صَحَا" يعني أنه لا يُحَدُّ الشارب في حال سُكْرِه حتى يزول عنه سُكْرُه فحينئذ يُقام عليه الحَدُّ. قال الخرشي: لانعقاد إجماع الصحابة على ذلك بعد عثمان، فلو جَلَدَه الإمام قبل صَحْوِه فإن الحدَّ يُعاد عليه ثانيًا؛ لعدم فائدة الحدَّ وهو التألُّم والإحساس، وهو منتفٍ في حالة سُكْرِه اهـ. ثم ذكر ما يثبت به الحدُّ وهو ثلاثة أشياء: إمّا الإقرار وهو الاعتراف، وإمّا الشهادة، او وجود الرائحة.
قال رحمه الله تعالى: "اعترف أو شهد عدلان بشربه أو استنكهاه فوجدا ريحه" يعني يجب الحدّ على مَنِ اعترف على نفسه أو شهد عليه عدلان بشربها، أو وجدّا ريحه عنده. قال ابن جزي في القوانين فيما يثبت به الحدُ: وهو الاعتراف، أو شهاد رجلَيْن على الشُّرْب، ويُلْحَق بذلك أن تُشَمَّ عليه رائحة الشراب خلافًا لهما، ويشهد بذلك مَنْ يعرفها، ويكفي في استنكاه الرائحة شاهد واحد؛ لأنه من باب الخبر اهـ. وكان عمر بن الخطاب وجد ريح مُسْكِر عند رجل فسأل عنه فقالوا: إنه مُسْكِر فجَلَدَهُ عمر الحدّ تامَّا اهـ. الموطَّأ بمعناه.
قال رحمه الله تعالى: "فإن شرب وقذف تداخل ما لم يُحد لأحدهما" يعني فلو شرب وقذف فلا يتعدّد الحدُّ لذلك؛ لأن حدَّ أحدهما يندرج في آخر ما لم يحدَّ في أحدهما ثم فعل آخر فيحدّ ثانيًا كما تقدَّم. وفي الموطأ عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن