الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت الزيارة للزمان إضاعة
…
وإذا مضى وقت فما يتعوض
إن كان لي يوما إليهم حاجة
…
فبقدر ما ضمن القضاء تقيّض
ذكر المسبحي [1] في تاريخه
عن أبي بكر المحلي قال: كان كافور الاخشيدي [2] له في كل عيد أضحى عادة [3] ، وهو أن يسلم إليّ بغلا محملا ذهبا وورقا، تتضمن أسماء قوم، ويمضي معي صاحب الشرطة، ونقيب يعرف المنازل، حتى أسلم ذلك إلى من جعل له، فأطرق منزل كلّ إنسان ما بين رجل وامرأة، وأقول: الأستاذ أبو المسك كافور يهنئك بعيدك، ويقول لك: اصرف هذا في منفعتك، فلما كان في عيد، جريت على العادة، وزادني في الجريدة الشيخ أبا عبد الله بن جابار [4] مائة دينار، فصرفت/ المال لأربابه، ولم يبق إلا الصرة فجعلتها في كمّي وسرت مع النقيب حتى أتينا منزله بظاهر القرافة، فطرقت الباب، فنزل وقال: ما حاجتك؟ قلت:
الأستاذ أبو المسك كافور يخص الشيخ بالسلام، فقال: والي بلدنا؟ [5]، قلت: نعم، قال:
حفظه الله، الله يعلم أنني أدعو له في الخلوات وأدبار الصلوات، قلت: وقد أنفذ معي هذه الصرّة، وهو يسألك قبولها لتصرف في مؤونة هذا العيد المبارك، فقال: نحن رعيته، ونحبه في الله، وما نأخذ شيئا، فراجعته القول، فتبيّن في وجهه الضجر والقلق، فتركته وانصرفت إلى كافور، فأخبرته بدعاء الناس له، فقال: الحمد لله الذي جعلني سببا [6] لإيصال الراحة إلى عياله، ثم أخبرته بامتناع ابن جابار، فقال: نعم، هو جديد لم تجر بيننا وبينه معاملة قبل اليوم، عد إليه واطرق الباب، فاذا نزل إليك فاستفتح، واقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى
[7]
إلى/ قوله: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما
[1] المسبحي: الأمير المختار عز الملك محمد بن أبي القسيم عبيد الله بن أحمد الكاتب الحراني الأصل، المصري المولد، صاحب التاريخ المشهور وهو: أخبار مصر ومن حلها من الولاة والأمراء والأئمة والخلفاء، توفي سنة 420 هـ. (وفيات الأعيان 4/379) .
[2]
كافور بن عبد الله الاخشيدي: أبو المسك الأمير المشهور، صاحب المتنبي، كان عبدا حبشيا، اشتراه الاخشيد ملك مصر سنة 312 هـ فنسب إليه، ملك مصر سنة 355 هـ، وكان فطنا ذكيا شجاعا حسن السياسة، توفي سنة 357 هـ. (الولاة والقضاة ص 297 وفيات الأعيان 1/431، النجوم الزاهرة 4/1- 10، دول الإسلام 1/173) .
[3]
الرواية في وفيات الأعيان 4/379.
[4]
ابن جابار: الشيخ عبد الله بن جابار، من كبار المشايخ، وهو شيخ صوفي زاهد، شيخ البقاعي (وفيات الأعيان 4/380) .
[5]
كلمة (بلدنا) في الأصل مطموسة، وفي ب، ل: ساقطة.
[6]
في ب، ل، ط: الذي كنت سبا.
[7]
سورة طه آية 2.
بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى
[1]
، يا ابن جابار، يقول لك كافور، ومن كافور، العبد الأسود، ومن مولاه، ومن الخلق بقي لأحد مع الله ملك، تلاشى الخلق كلهم، تدري من معطيك، وعلى من رددت، أنت ما سألت، هو أرسل إليك، يا ابن جابار، ما تفرق بين السبب والمسبب، قال أبو بكر: فركبت وسرت، فطرقت منزله، فنزل إليّ، فقرأت عليه الآية، وقلت ما قال كافور، فبكى ابن جابار، وقال: أين ما حملت؟ فأخرجت له الصرة، فأخذها وقال: علّمنا كافور كيف يكون التصوف، قل له: أحسن الله جزاك، فعدلت إليه فأخبرته، فسرّ بذلك، ثم سجد لله شكرا وقال: الحمد لله الذي جعلني سببا لإيصال الراحة إلى عباده.
وبالإسناد عن محمد بن أبي ليلى قال [2] : كنت في مجلس القضاء، وردت عليّ عجوز ومعها شابة، فذهبت العجوز تتكلم فقالت الشابة: أصلح الله القاضي، مرها فلتسكت حتى أتكلم بحجتي وحجتها، وسفرت عن وجه، والله ما ظننت أن يكون مثله إلا في الجنة، قالت: أصلح الله القاضي، هذه عمتي مات أبي وتركني/ يتيمة في حجرها [3] .
أنشدني الشيخ الفاضل عماد الدين أبو المناقب حسام بن غزّي بن يونس المحلي، قال:
أنشدني رضي الدين أبو الحسين بن سالم بن المفرج بن أبي الفتح بن أبي حصينة لنفسه وقد قصد الإفرنج مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ليأخذوه، فبعث السلطان حسام الدين لؤلؤ الحاجب في طلبهم فظفر بهم، وضرب رقابهم، من قصيدة يخاطب بها الملك:[البسيط]
علومكم لؤلؤ والبحر مسكنه
…
والدرّ في البحر لا يخشى من الغير [4]
فأمر حسامك أن يحظى بنحرهم
…
فالدرّ مذ كان منسوب إلى النحر
قال مؤيد الدين محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم الأنباري [5] كاتب ديوان الإنشاء في أيام المقتفي [6] : [الكامل]
[1] طه 6. وفي ط: إلا تذكرة لمن يخشى.
[2]
ابن أبي ليلى: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، ويقال داود بن بلال بن أحيحة بن الجلاح الأنصاري الكوفي، تولى القضاء بالكوفة، جده أبو ليلى من الصحابة، توفي سنة 148 هـ. (وفيات الأعيان 4/179) .
[3]
الرواية من قوله: وبالإسناد عن محمد بن أبي ليلى.... إلى قوله: في حجرها. في الأصل فقط ولم ترد في النسخ الأخرى، والرواية ناقصة.
[4]
في ع: عدوكم لؤلؤ. وهو تحريف.
[5]
محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم الشيباني: سديد الدولة ابن الأنباري، كاتب الإنشاء بديوان الخلافة ببغداد خمسين سنة، كان فاضلا أديبا، بينه وبين الحريري (صاحب المقامات) مراسلات مدونة، وله شعر، توفي سنة 558 هـ. (الوافي بالوفيات 3/278، الميزان 5/263) .
[6]
المقتفي لأمر الله: محمد بن أحمد ابن المستظهر، من الخلفاء العباسيين، كان حازما انفرد بتدبير الملك بعد أن كانت بأيدي السلاجقة، توفي سنة 555 هـ. (ابن الأثير 11/16، 96، النبراس ص 156، مفرج الكروب 1/131- 133) .