الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في تاريخ ابن عساكر
عن هند بنت المهلب بن أبي صفرة، قالت: شيئان لا تؤمن المرأة عليهما؛ الرجال والطّيب. وعنها: أنها كانت تسبح بالؤلؤ، فاذا فرغت من تسبيحها ألقته إلى الحاضرات، فقالت: اقتسمنه بينكنّ. وفيه، عن زياد بن عبد الله القرشي [1]، قال: دخلت على هند بنت المهلب بن أبي صفرة، امرأة الحجاج بن يوسف، فرأيت في يدها مغزلا فقلت: أتغزلين/ وأنت امرأة أمير؟ فقالت: سمعت أبي يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:(أطولكنّ طاقة أعظمكنّ أجرا، وهو يطرد الشيطان ويذهب بحديث النفس)[2] .
وفيه عن الزبير بن بكار، قال: رأت عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية في المنام قائلا يقول: [الكامل]
أين الشباب وأين عيشتنا التي
…
كنّا بها زمنا نسرّ ونجذل
ذهبت بشاشته وأصبح ذكره
…
حربا يعلّ به الفؤاد وينهل
قال: فأوّل الناس ذلك من رؤيا عاتكة زوال ملك بني أمية، فكان كما قالوا.
قال بعضهم: [الخفيف]
ربّ نهر رأيت في جوف خرج
…
يترامى بموجه الزخّار
ونهار رأيت منتصف اللي
…
ل وليل رأيت نصف النهار
يعني بالخرج: الوادي الذي لا منفذ له، والنهار: فرخ الحبارى، والليل: فرخ الكروان.
وقال ابن حزم الظاهري [3] : [الوافر]
لئن أصبحت مرتحلا بشخصي
…
فروحي عندكم أبدا مقيم
ولكن للعيان لطيف معنى
…
له سأل المعاينة الكليم [4]
وقال أيضا [5] : [الوافر]
يقول أخي: شجاك نحول جسم
…
وروحك ماله عنّا رحيل [6]
[1] زياد بن عبد الله القرشي: أبو محمد السفياني، الملقب بالبيطار، لأنه صاحب صيد. (معجم بني أمية صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت د. ت. ص 42) .
[2]
مجمع الزوائد للهيثمي 4/13، 93.
[3]
البيتان في المغرب في حلى المغرب ص 356، ونفح الطيب 2/287.
[4]
في نسخة ب: وكيف للعيان.
[5]
المغرب في حلى المغرب ص 356.
[6]
في ع: ودمعك ما له عنا رحيل.
فقلت له المعاين مطمئنّ
…
لذا طلب المعاينة الخليل [1]
ومنه قول بعضهم [2] : [الوافر]
أقول لذات حسن قد توارت
…
مخافة كاشح في الحي فاتن
أريني وجهك الوضاح قالت
…
ألم تؤمن فقلت بلى ولكن
وقال علي بن أحمد الفنجكردي [3] : [مخلع البسيط]
زماننا ذا زمان سوء
…
لا خير فيه ولا صلاحا
هل يبصر المبلسون فيه
…
لليل أحزانهم صباحا
فكلهم فيه في عناء
…
طوبى لمن مات فاستراحا
من تاريخ ابن عساكر: قال أبو اليقظان: مات لأنس بن مالك في الجارف [4] ثمانون ابنا [5]، ويقال: سبعون، سنة تسع وستين. قال أحمد بن صالح العجلي: لم يبتل أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلا رجلين؛ معيقيب، كان به هذا الداء الجذام، وأنس بن مالك كان به وضح.
عن علقمة بن مرثد، قال: انتهى الزهد إلى ثمانية نفر من التابعين؛ عامر بن عبد الله القيسي [6] ، وأويس القرني [7] ، وهرم بن حيان العبدي [8] ، والربيع بن خثيم
[1] في ع: لذا سأل المعاينة الخليل.
[2]
انفردت نسخة ش بهذين البيتين.
[3]
علي بن أحمد الفنجكردي: من قرى نيسابور، قرأ اللغة على يعقوب بن أحمد الأديب وأحكمها، مات سنة 513 هـ. (بغية الوعاة 2/148) ، والأبيات في المصدر المذكور.
[4]
الجارف: موضع، وقيل هو ساحل تهامة. (ياقوت: الجارف) .
[5]
عامر بن عبد الله: المعروف بابن عبد قيس العنبري، تابعي، وأول من عرف بالنسك، ومن العباد المشهورين بالبصرة، أخذ القرآن عن أبي موسى الأشعري حين قدم البصرة، وهو من أقران أويس وأبي مسلم الخولاني، مات ببيت المقدس في خلافة معاوية سنة 55 هـ. (حلية الأولياء 2/87، تهذيب التهذيب 5/77، جامع كرامات الأولياء 2/51، العقد الفريد 3/414) .
[6]
في تهذيب تاريخ دمشق 3/146- 147، أن أنسا قال: حدثتني ابنتي أنه خرج من صلبي إلى مخرج الحجاج ثلاثة وعشرون ومائة ولد، وقد بلغت من السن مائة سنة وسبع سنين، وما بالبصرة أنصاري أكثر مالا مني. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا له بقوله:(اللهم أكثر ماله وولده) .
[7]
أويس القرني: أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني، من بني قرن، أحد النساك العبّاد المتقدمين، وسيد من سادات التابعين أصله من اليمن، ثم سكن القفار والرمال، أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وفد على عمر بن الخطاب، ثم سكن الكوفة، وشهد صفين مع علي بن أبي طالب، وقيل قتل في صفين سنة 37 هـ.
(طبقات ابن سعد 6/111، ابن عساكر 3/157، حلية الأولياء 2/79، ميزان الاعتدال ص 129، مسالك الأبصار 1/122) .
[8]
هرم بن حيان العبدي الأزدي: من بني عبد القيس، قائد فاتح، من كبار النساك، من التابعين، وكان من
الثوري [1] ، وأبي مسلم الخولاني [2] ، والأسود بن يزيد [3] ، ومسروق بن الأجدع [4] ، والحسن بن أبي الحسن البصري [5] ./
رأي الطفيل الدوسي [6] يوم مسيلمة، أن امرأة لقيته ففتحت له فرجها فدخله، وطلب ابنه وحبس عنه، فقال: أوّلت رؤياي أن أقتل، وأن المرأة التي أدخلتني في فرجها الأرض، وأن ابني ستصيبه جراحة، ويوشك أن يلحقني، فكان كذلك.
سكان البصرة، عده ابن أبي حاتم في الزهاد الثمانية، وسماه الجاحظ في النساك الزهاد من أهل البيان، مات في إحدى غزواته بعد سنة 26 هـ. (أسد الغابة 5/75، طبقات ابن سعد 7/95، تاريخ الإسلام 3/211، صفة الصفوة 3/137، البيان والتبيين 1/363) .
[1]
الربيع بن خثيم الثوري: من بني ثعلبة بن عامر بن ملكان، يكنى أبا يزيد، من شيوخ الزهد عاش زمن معاوية، وله أقوال كثيرة في الزهد، توفي بالكوفة في ولاية عبيد الله بن زياد. (طبقات ابن سعد 6/219- 227) .
[2]
أبو مسلم الخولاني: عبد الله بن ثوب الخولاني، تابعي فقيه عابد زاهد، نعته الذهبي بريحانة الشام، أصله من اليمن، أدرك الجاهلية، وأسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، فقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وهاجر إلى الشام، وكان يقال: أبو مسلم حكيم هذه الأمة، توفي بدمشق، وقبره بداريا، وفاته سنة 26 هـ. (تهذيب التهذيب 12/235، حلية الأولياء 2/122، تذكرة الحفاظ 1/46، تاريخ داريا ص 103، دول الإسلام 1/32، تهذيب ابن عساكر 7/314) .
[3]
الأسود بن يزيد بن قيس النخعي: تابعي فقيه من الحفاظ، كان عالم الكوفة في عصره، توفي سنة 75 هـ.
(حلية الأولياء 2/102، تذكرة الحفاظ 1/48) .
[4]
مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوداعي: أبو عائشة، تابعي ثقة من أهل اليمن، قدم المدينة في أيام أبي بكر، وسكن الكوفة، وشهد حروب علي، وكان أعلم بالفتيا من شريح، وشريح أبصر منه بالقضاء، توفي سنة 63 هـ. (التهذيب 10/109، الإصابة ت 8408، الإكليل 10/77، طبقات الخواص ص 155) .
[5]
الحسن بن يسار البصري: أبو سعيد، تابعي، كان إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه، وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك، كان أبوه من أهل ميسان، مولى لبعض الأنصار، وشب الحسن في كنف علي بن أبي طالب، سكن البصرة وعظمت هيبته في القلوب، فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم، لا يخاف في الحق لومة لائم، وله مع الحجاج مواقف، وقد سلم من أذاه، كان غاية في الفصاحة، له كلمات سائرة، وله كتاب في (فضائل مكة) توفي بالبصرة سنة 110 هـ. (حلية الأولياء 2/131، ميزان الاعتدال 1/254، ذيل المذيل ص 93، أمالي المرتضى 1/106) .
[6]
الطفيل الدوسي: الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص الدوسي الأزدي، صحابي من الأشراف، في الجاهلية والإسلام، كان شاعرا غنيا، كثير الضيافة، مطاعا في قومه، استشهد في يوم اليمامة سنة 11 هـ.
(صفة الصفوة 1/245، حسن الصحابة ص 291، سمط اللآلي ص 251، تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 580) .
قال أحمد العجلي: إياس بن معاوية بن قرة [1] بصري ثقة، وكان على قضاء البصرة، وأبوه تابعي، وجده قرّة صحابي [2] ، دخل عليه ثلاث نسوة، فقال: أما هذه فمرضع، والأخرى بكر، والأخرى ثيّب، فقيل له: بم علمت؟ قال: فأما المرضع، فلما قعدت أمسكت ثديها بيدها، وأما البكر، فلما دخلت فلم تلتفت إلى أحد، وأما الثيّب، فلما دخلت نظرت ورمت بعينها.
قال حمّاد بن سلمة: سمعت إياس بن معاوية يقول [3] : أذكر الليلة التي ولدت فيها، وضعت أمّي على رأسي جفنة. قال المدائني: قال إياس بن معاوية لأمه [4] : ما شىء سمعته، وأنا صغير، وله جلبة شديدة، قالت: تلك يا بني طست سقطت من فوق الدار إلى أسفل ففزعت، فولدتك تلك الليلة.
قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، قال إياس بن معاوية [5] : كنت في مكتب بالشام، وكنت صبيا، فاجتمع النصارى/ يضحكون من المسلمين، وقالوا: إنهم يزعمون أنه لا يكون ثفل الطعام في الجنة، قلت: يا معلم [6]، أليس تزعم أن أكثر الطعام يذهب في البدن؟ فقال: بلى، قلت: فما تنكر أن يكون الباقي يذهبه الله في البدن كله؟ فقال:
أنت شيطان.
قال أبو قتيبة سلم بن قتيبة، قال: حدثنا محمد بن عبد الله، قال [7] : قدم إياس بن معاوية الشام، فناظره غيلان [8] في القدر، فقال له إياس: إن شئت أخبرت بقول أهل الجنة وأهل النار والملائكة والشيطان، وقول العرب في أشعارها، قال له غيلان: أخبرني بها، قال، قال أهل الجنة حين دخلوا:
[1] إياس بن معاوية بن قرة المزني: أبو واثلة، قاضي البصرة وأحد أعاجيب الدهر في الفطنة والذكاء، يضرب المثل بذكائه، قال الجاحظ: إياس من مفاخر مضر ومن مقدمي القضاة، كان صادق الحدس، نقابا، عجيب الفراسة، ملهما وجيها عند الخلفاء، توفي سنة 122 هـ. (وفيات الأعيان 1/81، البيان والتبيين 1/56، ثمار القلوب ص 72، حلية الأولياء 3/123، ميزان الاعتدال 1/131) .
[2]
ينظر فيه: تهذيب ابن عساكر 3/176.
[3]
الخبر في تهذيب تاريخ ابن عساكر 3/176.
[4]
الخبر في تهذيب ابن عساكر 1/177.
[5]
مجالس ثعلب 1/15 تحقيق عبد السلام هارون ط دار المعارف، مصر 1948.
[6]
في ب: يا مسلم.
[7]
تهذيب تاريخ ابن عساكر 3/177.
[8]
غيلان بن مسلم الدمشقي: كاتب من البلغاء، تنسب إليه فرقة (الغيلانية) من القدرية، وهو ثاني من تكلم بالقدر ودعا إليه، ولم يسبقه سوى معبد الجهني، قتله هشام بن عبد الملك بدمشق بعد أن ناظره الأوزاعي سنة 105 هـ. (عيون الأخبار 2/345- 346، الملل والنحل 1/227، لسان الميزان 4/424، الحيوان للجاحظ 1/295) .
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا، وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ
[1]
، وقال أهل النار حين دخلوها: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا
[2]
، وقالت الملائكة: لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا
[3]
، وقال الشيطان: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي
[4]
، وقالت العرب في أشعارها [5] :[الطويل]
لا يمنع عنك الطير شيئا أردته
…
فقد خطّ بالأقلام ما أنت لاقيا
قال رجل لإياس بن معاوية [6] : حتى متى يتوالد الناس ويموتون؟ فقال: لجلسائه/ أجيبوه، فلم يكن عندهم جواب، فقال إياس: حتى تتكامل العدّتان؛ عدة أهل النار، وعدة أهل الجنة. عن إياس بن معاوية قال [7] : إياك والشاذ من العلم، فان أقلّ ما يصيب صاحبه الذلة.
قال روح القيسي [8] : استودع رجل رجلا مالا، وخرج إلى مكة، فلما رجع طلبه فجحده، فأتى إياس بن معاوية، فأخبره، فقال له إياس: أعلم أنّك أتيتني؟ قال: لا، قال: فنازعته عند أحد؟ قال: لا، قال: فانصرف واكتم أمرك، ثم عد إليّ بعد يومين، فمضى الرجل، فدعا إياس ذلك الرجل، قال: قد حضر مال كثير أريد أن أصيّره إليك، أفحصين منزلك؟ قال: نعم، قال: فأعد موضعا للمال، وعاد الرجل إلى إياس، فقال له: انطلق إليه، فاطلب مالك، فان أعطاك فذاك، وإن جحدك فقل له: إني أخبر القاضي، فأتى الرجل صاحبه، فقال: مالي، وإلا أتيت القاضي وشكوت إليه، فدفع إليه ماله، فرجع الرجل إلى إياس، فقال: قد أعطاني المال، وجاء ذلك الرجل إلى إياس لموعده، فزبره وانتهره، وقال: لا تقربني يا خائن.
عن عبد الله بن مصعب [9] : استودع رجل رجلا كيسا فيه دنانير، وغاب الرجل، فلما طال الأمر، فتق المستودع/ الكيس من أسفله، وأخذ الدنانير، وجعل في الكيس
[1] الأعراف 43.
[2]
المؤمنون 106.
[3]
البقرة 32.
[4]
الحجر 39.
[5]
تهذيب ابن عساكر 3/177.
[6]
السابق 3/178.
[7]
تهذيب ابن عساكر 3/179.
[8]
روح القيسي: روح بن عبادة بن العلاء القيسي، أبو محمد، محدّث ثقة من أهل البصرة، كثير الحديث، صنّف كتبا في السنن والأحكام، وجمع تفسيرا، روى عنه أئمة منهم أحمد بن حنبل، توفي سنة 205 هـ.
(تهذيب التهذيب 3/293، تاريخ بغداد 8/401) ، والرواية في تهذيب ابن عساكر 3/182.
[9]
عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير: أبو بكر القرشي، من أهل العدل والشعر، ولد بالمدينة وولي اليمامة، وتوفي بالرقة سنة 481 هـ. (تاريخ بغداد 10/173، البداية والنهاية 10/185، مجالس ثعلب 1/81) ، والرواية في تهذيب ابن عساكر 3/182.
دراهم، وخيطه، والخاتم على حاله [1] ، فقدم صاحب المال بعد خمس عشرة سنة، فطلب ماله، فدفع إليه الكيس بخاتمه، فلم يقبله، فقال: هذه دراهم، ومالي دنانير، قال: هذا كيسك بخاتمه، فرفعه إلى عمر بن هبيرة، قال لإياس بن معاوية: انظر في أمر هذين، فقال إياس للطالب: ما تقول؟ قال: أعطيته كيسا فيه دنانير، قال: منذكم؟ قال: منذ خمس عشرة سنة، ففضّوا الخاتم ونثروا الدراهم، فوجدوا ضرب عشر سنين، وخمس سنين، وأقل وأكثر، قال: أقررت أنه عندك منذ خمس عشرة سنة، وفي الكيس ضرب عشر سنين، وخمس سنين، فأقرّ بالدنانير، فألزمه إياها.
قيل لإياس لما ولي القضاء [2] : إنك تعجل بالقضاء، قال إياس: كم لكفّك من إصبع؟
قال: خمسة، قال إياس: عجلت بالجواب، قال: لم يعجل من استيقن علما، فقال إياس: هذا جوابي.
دخل إياس بن معاوية الشام [3] ، وهو غلام، فقدّم خصما له إلى قاض، وكان/ خصمه شيخا صديقا للقاضي، فقال له القاضي: يا غلام، أما تستحي تقدّم شيخا كبيرا؟ قال إياس: الحق أكبر منه، قال القاضي: اسكت، قال: فمن ينطق بحجتي إذا سكتّ؟ قال: ما أحسبك تقول حقا حتى تقوم من مجلسي، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: ما أظنك إلا ظالما، قال: ما على ظن القاضي خرجت من منزلي.
قال عثمان بن أبي شيبة في الأوائل: حدثنا محمد بن فضل [4] عن عاصم الأحول عن الشعبي قال: أتاني عامري وأسدي وقد أخذ العامري بيد الأسدي فهو لا يفارقه، قال: فقلت له يا أخا بني عامر، إنه قد كانت لبني أسد ست خصال لا أعلمها كانت لحي من العرب، كانت منهم امرأة زوجها الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم، والسفير بينهما جبريل، أفكانت هذه لقومك؟ وكان أول لواء عقد في الإسلام لواء عبد الله بن جحش الأسدي [5] ، أفكانت هذه لقومك، وكان أول مغنم قسّم في الإسلام، مغنم عبد الله بن جحش، أفكانت هذه لقومك؟ وكان منهم رجل يمشي بين الناس مقنعا
[1] قوله: (وجعل في الكيس دراهم، وخيطه والخاتم على حاله) ، ساقطة من نسخة ب.
[2]
تهذيب ابن عساكر 3/181.
[3]
الرواية بتفصيل أكثر في تهذيب ابن عساكر 3/176.
[4]
الرواية في تهذيب ابن عساكر 3/187، والإصابة في ترجمة أبي سنان، باب الكنى.
[5]
عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي، صحابي قديم الإسلام، هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وكان من أمراء السرايا، وهو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخو زينب بنت جحش أم المؤمنين، قتل يوم أحد، فدفن هو وحمزة في قبر واحد سنة 3 هـ. (حلية الأولياء 1/108، 5/120، امتاع الأسماع 1/55، الإصابة ت 4574) .
وهو من أهل الجنة، عكاشة بن محصن الأسدي [1] ، أفكانت هذه لقومك؟ وكان/ أول من بايع بيعة الرضوان أبو سنان عبد الله بن وهب [2]، فقال: يا رسول الله، ابسط يدك أبايعك، قال: على ماذا؟ قال: على ما في نفسك، قال: وما في نفسي؟ قال: فتح أو شهادة، قال: نعم، فبايعه، قال: فجعل الناس يبايعونه ويقولون: على بيعة أبي سنان، على بيعة أبي سنان، أفكانت هذه لقومك؟ وكانوا سبع المهاجرين.
عن الشعبي أن عبد الملك بن مروان [3] قال لأيمن بن خريم [4] : ألا تخرج فتقاتل معنا؟
قال: لا، إن أبي وعمّي شهدا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعهدا إليّ أن لا أقاتل رجلا يشهد أن لا إله إلا الله، فان أتيتني ببراءة من النار، فأنا معك، قال: اذهب، فلا حاجة لنا فيك، فقال [5] :[الوافر]
ولست بقاتل رجلا يصلي
…
على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعليّ إثمي
…
معاذ الله من جهل وطيش
أأقتل مسلما من غير شىء
…
فلست بنافعي ما عشت عيشي
أحمد بن أبي الحواري، حدثنا أيوب بن أبي عائشة، حدثنا أبو هبيرة: أن رجلا ضاف بأعمى فعشاه، فلما كان من الليل، قام فتوضأ، فصلى ما شاء/ الله أن يصلي، ثم دعا فقال: اللهم رب الأرواح الفانية، ورب الأجساد البالية، أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها، وبطاعة الأجساد البالية إلى عروقها، وأسألك بدعوتك الصادقة فيهم وكلمة الحق [6] بينهم، وبشدة سلطانك، ينتظرون قضاءك، ويرجون رحمتك،
[1] عكاشة بن محصن الأسدي: يكنى أبا محصن، شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل في حرب الردة ببزاخة بأرض نجد، قتله طليحة بن خويلد الأسدي، سنة 12 هـ. (حلية الأولياء 2/12، الروض الأنف 2/73، الإصابة ت 5634، طبقات ابن سعد 3/92) .
[2]
أبو سنان عبد الله بن وهب: ويقال وهب بن عبيد الله الأسدي، قال الشعبي: كان أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، أبو سنان بن وهب، وقيل توفي بحصار بني قريظة. (الإصابة 7/162- 163 ط دار الكتب العلمية بيروت 1995) وفي الإصابة الرواية المذكورة.
[3]
في الأصل: عبد الملك بن مروان، وفي ب: أن مروان قال، وفي ش: عن الشعبي قال لأيمن بن خريم.
[4]
أيمن بن خريم بن فاتك: من بني أسد شاعر، كان من ذوي المكانة عند عبد العزيز بن مروان بمصر، ثم تحول عنه إلى أخيه بشر بن مروان بالعراق، وكان يشارك في الغزو، عرض عليه عبد الملك بن مروان مالا ليذهب إلى الحجاز ويقاتل ابن الزبير، فأبي، توفي سنة 80 هـ. (تهذيب ابن عساكر 3/187، الإصابة 2/109، الشعر والشعراء ص 214، الأغاني 1/30، 328- 331 ط الدار) .
[5]
الرواية والشعر في الشعر والشعراء ص 346 ط ليدن، وتهذيب ابن عساكر 3/188، والعقد الفريد 5/150 ط بيروت 1997، وفيه بيتان الأول والثاني.
[6]
في ش: وحكمة الحق.
ويخافون عذابك، أسألك أن تجعل النور في بصري، والإخلاص في عملي، والشكر في قلبي أبدا ما أبقيتني، فحفظ الأعمى هذا الدعاء، فلما كان في القابلة، توضأ وصلى ما شاء الله أن يصلي، ثم رفع يديه فدعا بهذا الدعاء، فلما بلغ: أن تجعل النور في بصري، أبصر، ورد الله إليه بصره [1] .
إبراهيم بن جابر الفقيه قال: قيل لبشر الحارث [2] ، يقولون إنك لا تحفظ الحديث، فقال: أنا أحفظ حديثا واحدا، إذا عملت به فقد حفظت الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه)[3] ، حتى أفعل هذا وأحفظ الحديث.
عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: بلغني أن بشر الحافي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: يا بشر، تدري لم رفعك الله من بين أقرانك؟ قلت: لا، يا رسول الله، قال:
باتباعك لسنتي وخدمتك الصالحين، ونصيحتك لإخوانك،/ ومحبتك لأصحابي وأهل بيتي [4] .
محمد بن منصور الطوسي قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: لو أن الروم بأسرهم جاءوا إلى باب الأنبار، فخرج إليهم رجل بسيف حتى ردهم إلى الموضع الذي جاءوا منه، ثم تنقّص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقدار خرم إبرة ما نفعه ذلك [5] .
وقال بشر بن الحارث: بادر بادر، فان ساعات الليل والنهار تذهب الأعمار [6] . وقال بشر بن الحارث: العداوة في القرابة، والحسد في الجيران، والمنفعة في الإخوان.
عن الجاحظ قال: سأل الحجاج ابن القريّة [7] عن أضيع الأشياء، فقال: سراج في شمس، ومطر في سبخة، وبكر تزف إلى عنين، وطعام يهيأ لشبعان، ومعروف عند غير أهله./
[1] تهذيب ابن عساكر 3/208- 209.
[2]
هو بشر الحافي الزاهد، سبقت ترجمته.
[3]
صحيح البخاري: كتاب الإيمان 1/9.
[4]
تهذيب ابن عساكر 3/233.
[5]
السابق والصفحة.
[6]
قوله: (وقال بشر بن الحارث: بادر بادر فان ساعات الليل والنهار تذهب الأعمار) ، ساقطة من نسخة ب.
[7]
ابن القرية: أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة الهلالي، أحد البلغاء، خطيب يضرب به المثل، يقال: أبلغ من ابن القرية، والقرية أمه، وقيل: إحدى جداته، كان أعرابيا أميا يتردد إلى عين التمر (غربي الكوفة) فاتصل بالحجاج فأعجب بمنطقه، ولما ثار ابن الأشعث، بعثه الحجاج إليه رسولا، فالتحق به وشهد معه وقعة دير الجماجم، فلما انهزم ابن الأشعث، سيق ابن القرية إلى الحجاج فقتله سنة 84 هـ. (الطبري 8/37، وابن الأثير حوادث سنة 84، تاريخ الإسلام 3/234، ابن خلكان 1/84، الأغاني 1/163، وقد أنكر الأصفهاني وجود ابن القرية ومجنون ليلى وابن أبي العقب) .
قال بشر الحافي: يجب عليكم يا أصحاب الحديث فيها زكاة، كما يجب على أحدكم إذا ملك مائتي درهم، خمسة دراهم، فكذلك يجب على أحدكم إذا سمع مائتي حديث أن يعمل منها بخمسة أحاديث، وإلا فانظروا إيش يكون عليكم هذا غدا. قال البيهقي: لعله أراد من الأحاديث التي وردت في الترغيب في النوافل، وأما في الواجبات فيجب العمل بجميعها.
عن محمد بن المثنى السمسار، قال: كنا عند بشر بن الحارث، وعنده العباس بن عبد العظيم العنبري، فقال له: يا أبا نصر، أنت رجل قد قرأت القرآن، وكتبت الحديث، فلم لا تتعلم من العربية ما تعرف به اللحن؟ قال: ومن يعلمني يا أبا الفضل؟ قال: أنا يا أبا نصر، قال: فافعل، قال، قل: ضرب زيد عمرا، فقال له بشر: يا أخي ولم ضربه؟ قال: يا أبا نصر، ما ضربه، وإنما هذا تخيل وضع، فقال بشر: هذا أوله كذب، لا حاجة لي فيه.
قال أبو حارث الأولاسي: من علم أنه يعين الله استحى أن يراه يرجو سواه، ومن أيقن بنظر الله إليه أسقط اختيار نفسه، ومن علم أن الله [1] هو الضار النافع، أسقط مخاوف المخلوقين.
إبراهيم بن أبي عبلة [2]، قال: ما رأيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن عمر، وعبد الله بن أم حزام، وواثلة بن الأسقع، وأنس بن مالك، يلبسون البرانس، ويقصون شواربهم، ولا يحفون حتى ترى الجلدة، ولكن قصا حسنا، يكشفون الشفة، ويصفّرون بالورس، ويخضبون بالحناء والكتم. وقال: من حمل شاذّ العلماء، حمل شرا كثيرا.
محمد بن زياد أبو مسعود، من أهل دمشق، سمعت إبراهيم بن أبي عبلة يقول لمن جاء من الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر، فما فعلتم/ في الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب.
أبو شيبة، عن الحكم بن مقسم، عن ابن عباس، قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى حنظلة الراهب، وحمزة بن عبد المطلب، تغسلهما الملائكة.
محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي، قال: كتب المعتصم إليّ: بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي إسحاق ابن أمير المؤمنين الرشيد، إلى محمد بن يحيى بن حمزة، سلام عليك، فاني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله، أما بعد، فاني كتبت إلى إسحاق بن يحيى، فيما كتب إليّ به أمير المؤمنين أعزه الله تعالى، يعني المأمون من امتحان القضاة في عملي، عما يقولون في القرآن، فان قالوا إنه مخلوق، أقررتهم على أعمالهم،
[1] في ش: أن الله تعالى.
[2]
إبراهيم بن أبي عبلة: شمر بن يقظان بن عبد الله المرتحل، أبو إسماعيل الرملي، وقيل: الدمشقي، أرسل عن عتبة بن غزوان، وروى عن أبي أبيّ ابن أم حرام ابن امرأة عبادة، وأنس بن مالك، وغيرهم، قال ابن المديني كان أحد الثقات، مات سنة 151 هـ. (تهذيب التهذيب 1/142- 143) .