الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من كتاب (مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام)
[1]
للإمام شمس الدين محمد بن موسى بن النعمان [2]، سمعت الشيخ أبا عبد الله محمد بن أبي الأنام يقول: كنت بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم، خلف محراب فاطمة، وكان الشريف مكثر القاسمي [3] نائما خلف المحراب المذكور، فانتبه فجاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فسلّم عليه، وجاء إلينا مبتسما، فقال له صواب خادم الضريح النبوي فيم تبسمت؟ فقال: كانت بي فاقة، فخرجت من بيتي، فأتيت بيت فاطمة، فاستغثت بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقلت: إني جائع، فنمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أعطاني قدح لبن، فشربت حتى رويت، وها هو فبصق اللبن من فيه./
وقال ابن الجلا [4] : دخلت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وبي فاقة، فتقدمت إلى القبر، وقلت:
ضيفك، فغفوت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطاني رغيفا، فأكلت نصفه، وانتبهت وبيدي النصف الآخر.
وقال الإمام أبو بكر بن المقري [5] : كنت أنا والطبراني [6] ، وأبو الشيخ [7] في حرم النبي صلى الله عليه وسلم، وكنا على حالة، وأثر فينا الجوع وواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء، حضرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، الجوع! الجوع! فقال الطبراني: اجلس، فاما أن يكون الرزق أو الموت، قال أبو بكر: فنمت أنا وأبو الشيخ، والطبراني جالس ينظر في شيء، فحضر الباب علوي، فدق الباب، ففتحنا له، فاذا معه غلامان، مع كل واحد منهما زنبيل، فيه شيء كثير، فجلسنا وأكلنا، وظننا أن الباقي يأخذه الغلام، فولي وترك عندنا الباقي، فلما فرغنا من الطعام، قال العلوي: أشكوتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فاني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم/ في المنام، فأمرني أن أحمل بشيء إليكم.
[1] هدية العارفين 2/134.
[2]
أبو عبد الله المراكشي الفاسي التلمساني الصوفي المالكي، توفي سنة 683 هـ. (هدية العارفين 2/134) .
[3]
مكثر بن عيسى بن فليتة بن قاسم الهاشمي الحسني: أحد أمراء مكة، توفي سنة 597 هـ. (مرآة الجنان 3/494، خلاصة الكلام ص 121- 23، صبح الأعشى 4/271) .
[4]
ابن الجلا: محمد بن الحسن بن أحمد الأنصاري الخزرجي، من أعيان غرناطة، توفي سنة 350 هـ. (الذيل والتكملة 6/159) .
[5]
ابن المقري: محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم الخازن الأصبهاني، أبو بكر عالم بالحديث، له مصنفات منها:(المعجم الكبير) في الحديث، توفي سنة 381 هـ. (شذرات الذهب 3/101، الأعلام 5/295) .
[6]
الطبراني: سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي، محدث كبير له معاجم في الحديث، توفي سنة 360 هـ.
(وفيات الأعيان 1/215، النجوم الزاهرة 4/59) .
[7]
أبو الشيخ: عبد الله بن محمد بن جعفر الأنصاري، مفسر ومحدث ثقة، توفي سنة 369 هـ. (تاريخ التراث العربي 11/404) .
وقال أبو الخير الأقطع: دخلت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا بفاقة، فأقمت خمسة أيام ما ذقت ذواقا، فتقدمت إلى القبر، وسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر وعمر، وقلت:
أنا ضيفك يا رسول الله، وتنحيت ونمت خلف المنبر، فرأيت في المنام النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن شماله، وعلي بن أبي طالب بين يديه، فحركني علي وقال:
قم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت إليه، وقبلت بين عينيه، فدفع إليّ رغيفا، فأكلت نصفه، وانتبهت، فاذا في يدي نصف رغيف.
وقال أحمد بن محمد الصوفي [1] : كنت في البادية ثلاثة أشهر، فانسلخ جلدي، فدخلت المدينة، وجئت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، وعلى صاحبيه، ثم نمت فرأيته [2] صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال: يا أحمد، جئت؟ قلت: نعم، وأنا جائع، وأنا في ضيافتك، فقال لي: افتح كفيك/ ففتحتهما، فملأها دراهم، فانتبهت وهي ملأى، وقمت فاشتريت لي خبزا حواري وفالوذجا [3] ، وأكلت وقمت للوقت ودخلت البادية.
لما كانت سنة ثلاث وأربع مئة، أخذ أهل الكوفة جدري، أعمى منهم ألفا وخمس مئة رجل، كلهم من نسل من حضر قتل الحسين رضي الله عنه، وهذا من أعجب ما سمع.
حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الفقيه الحنبلي، قال: اجتمع جماعة قاصدين إلى مكة، وكان أحدهم كثير الصلاة، فمات، وأهمّهم دفنه، فنظروا إلى بيت شعر في الصحراء، فقصدوه، فاذا فيه عجوز، وإذا في البيت قدوم، فسألوها أن تدفع القدوم إليهم، قالت:
فعاهدوا الله أنكم تردونه إليّ، فأعطوها ما أرادت، ثم أخذوا القدوم، فحفروا به قبرا، وواروا الرجل، ونسوا القدوم في القبر، وذكروا العهد، ودعتهم الضرورة إلى أن ينبشوا القبر، فاذا هو قد صار غلا في يد الميت إلى عنقه، فردوا عليه التراب، ورجعوا إلى العجوز، وخبروها الخبر، فقالت: لا إله إلا الله، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم/ في منامي فقال لي:
احتفظي بهذه القدوم، فانها غلّ رجل يسبّ أبا بكر وعمر، رضي الله عنهما.
سمعت السيد الشريف الفقيه الإمام العالم تقي الدين عبد الغني بن أبي بكر عبد الله الحسني الشافعي، يقول: بلغني عن بعض المتصدرين في القراءات بالجامع العتيق بمصر، أنه حلف بالطلاق الثلاث، أن لا يجيز أحدا يقرأ عليه مستحقا للإجازة إلا بعشرة دنانير، فاتفق أن جاء رجل فقير، فلما كمّل سأله الإجازة، فأخبره بيمينه، فتألم خاطره، واجتمع بأصحابه، فجمعوا له خمسة دنانير، فأتى بها إليه، فلم يأخذها، فخرج من عنده، فرأى
[1] هو أحمد بن محمد دوست دادا النيسابوري الصوفي الزاهد، شيخ الشيوخ، توفي سنة 479 هـ. (الوافي بالوفيات 8/14) .
[2]
في ب: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم.
[3]
الخبز الحواري: الأبيض، الفالوذج: من الحلواء، وهو الذي يؤكل ويسوى من حب الحنطة.
المحمل يدار به، فقال: والله لا أنفقت هذه إلا في الحج، فاشترى ما يحتاجه، وسار حتى وصل إلى مكة، فلما قضى إربه منها، رجع إلى المدينة، فلما وصل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قرأ عشرا جمع فيه الأئمة السبعة، وقال: هذه قراءتي على فلان، عن فلان، عنك، عن جبريل، عن الله تعالى، وقد سألت شيخي الإجازة فأبي إلا أن أعطيه عشرة دنانير [1] ، وقد استعنت بك يا رسول الله في/ تحصيلها، ثم نام، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: سلّم على شيخك، وقل له: الرسول يقول لك أجزني بلا شيء، فان لم يصدقك، فقل له بامارة:(زمرا، زمرا) ، فلما وصل الفقير إلى مصر، اجتمع بشيخه، وبلغه الرسالة عريّة عن الإمارة، فلم يصدقه، فقال له: بامارة: (زمرا، زمرا) ، فصاح الشيخ وخرّ مغشيا عليه، فلما أفاق قال له أصحابه: يا سيدنا، ما الخبر؟
فقال: كنت كثيرا ما أتلو القرآن، فمررت يوما على قوله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ
[2]
، فقلت: ليت شعري، من أي الأقسام أنا. ثم قلت: لست من الثاني ولا الثالث بيقين، فتعيّن أن أكون من القسم الأول، فنمت تلك الليلة حزينا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي:(بشّر قرّاء القرآن، إنهم يدخلون الجنة زمرا زمرا)، ثم أقبل على الفقير فقبّل وجهه وقال: أشهدكم على أنّي أجزته ليقرأ ويقرىء من شاء أنّى شاء.
وسمعت يوسف بن علي الزناتي، يحكي عن امرأة هاشمية كانت مجاورة بالمدينة، وكان بعض الخدام/ يؤذيها، قالت: فاستغثت بالنبي صلى الله عليه وسلم، فسمعت قائلا من الروضة يقول: أما لك فيّ أسوة؟ اصبري كما صبرت، أو نحو هذا، قالت: فزال عني ما كنت فيه، ومات الخدام الثلاثة الذين كانوا يؤذونني.
سمعت الشيخ الصالح أبا زكريا الاسكندراني وكان من أولياء الله يقول: سمعت سيدهم الرشيدي [3] يقول: كنت بحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاذا ظبية قد أقبلت من باب الرحمة، في وسط القائلة، حتى واجهت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فوقفت من بعيد، وهي تومىء برأسها، كالمسلّمة عليه، وذرفت عيناها بالدموع، ثم تأخرت على عجزها، حتى خرجت ولم تول ظهرها تعظيما وتوقيرا للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى خرجت من الحرم، ونحن نشاهد ذلك، قلت: ترى هذه الظبية من نسل تلك الظبية التي أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
[1] قوله: (إلا أن أعطيه عشرة دنانير) ساقطة من ب، ل.
[2]
فاطر 32.
[3]
الرشيدي: برهان الدين إبراهيم بن لاجين، المعروف بالرشيدي، نسبة والده إلى أمير بالقاهرة يسمى الرشيدي، كان فقيها عالما بالنحو وبالتفسير والقراءات، وطبيبا، تولى خطابة جامع الحسين، توفي بالقاهرة سنة 749 هـ شهيدا بالطاعون. (طبقات الشافعية للأسنوي 1/602- 603) .