الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في تاريخ الصلاح الصفدي
دخل الليث ابن المظفر على علي بن عيسى [1] ، وعنده رجل يقال له حماد، فجاءه رجل فقص رؤيا رآها لعلي بن عيسى، فهمّ حماد أن يعبرها، فقال الليث: كفّ، فلست هناك، فقال علي: يا أبا هشام: وتعبرها؟ قال: نعم، وكانت الرؤيا: كأن علي بن عيسى مات، وحمل على جنازة، وأهل خراسان/ يتبعونه، فانقض غراب من السماء ليحمله، فكسروا رجل الغراب، فقال الليث: أما الموت، فهو بقاء، وأما الجنازة فهي سرير وملك، وأما ما حملوك فهو ما علوتهم، وكنت على رقابهم، وأما الغراب فهو رسول، قال تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً
[2]
يقدم عليك فلا ينفذ أمره، فما مكثوا إلا يومين أو ثلاثة، حتى قدم رسول من عند الخليفة يحمل علي بن عيسى، فاجتمع قواد خراسان، وأثنوا عليه خيرا، ولم يتركوه يحمل وقالوا: نخشى انتقاض البلاد، فبقي.
وفي تاريخ الصفدي، قال أبو السعادات مجد الدين المبارك ابن الأثير صاحب جامع الأصول، والنهاية في غريب الحديث، وشرح مسند الشافعي، وغير ذلك [3] : كنت أشتغل بالأدب على ابن الدهان النحوي البغدادي [4] بالموصل، وكان يأمرني بقول الشعر، وأنا أمتنع من ذلك، فبينا أنا ذات ليلة نائم، رأيت الشيخ في نومي وهو يأمرني بقول الشعر، فقلت: ضع لي مثالا أعمل عليه، فقال:[البسيط]
جب الفلا مدمنا إن فاتك الظفر
…
وخدّ خدّ الثرى والليل معتكر
قال: فقلت أنا: [البسيط]
فالعزّ في صهوات الخيل مركبه
…
والمجد ينتجه الإسراء والسّهر
فقال لي: أحسنت، هكذا فقل، فاستيقظت فأتممت عليها نحو العشرين بيتا.
[1] علي بن عيسى بن ماهان: من كبار القادة في عصر الرشيد والأمين، ولاه الأمين إمارة الجبل وهمذان وقم، والتقى مع طاهر بن الحسين قائد المأمون، فقتل علي بن عيسى سنة 195 هـ. (الكامل لابن الأثير 6/79، البداية والنهاية 10/226، النجوم الزاهرة 2/149) .
[2]
المائدة 31.
[3]
توفي أبو السعادات سنة 606 هـ، ترجمته في: وفيات الأعيان 3/389، طبقات الشافعية 8/366.
[4]
ابن الدهان: سعيد بن المبارك بن علي الأنصاري، عالم بالأدب واللغة والحديث، انتقل من بغداد إلى الموصل، وقد عمي من أثر دخان بخور يبخره كتبه، له من الكتب: تفسير القرآن، وشرح الإيضاح لأبي علي الفارسي، والقرة في شرح اللمع لابن جني، توفي سنة 569 هـ. (بغية الوعاة 1/587، الوافي بالوفيات 15/250) .
قال كشاجم [1] يخاطب علي بن سليمان الأخفش [2] وقد اعتل: [الرمل]
يا عليّ بن سليمان ويا
…
معدن العلم وينبوع الأدب
بأبي أنت وأمي والذي
…
اشتهى من كلّ شىء وأحب
أنت لم تعتل لكنّ العلا
…
والندى اعتلا وذا شىء عجب
كسبت شكواك قلبي لوعة
…
ما أراه مثلها قطّ اكتسب
ولقد أخطأ قوم زعموا
…
أنها من فضل برد في العصب
هو داء الذهن أذكى ناره
…
والمزاج المفرط الحرّ التهب
ولقد قلت لإسحاق وإس
…
حاق بالأوجاع طب
كيف لا تخبر أعضاء فتى
…
كلّ عضو منه فيه ألف قلب
وقال أيضا يمدحه: [الهزج]
عليّ معدن النطق
…
والمجري دبابيجه
إذا الأخبار حاجته
…
تناهى وهي محجوجه
به تغدو من الشكّ
…
قلوب القوم مثلوجه
ويلقي طرق الحكم
…
ة للأفهام منهوجه
لكي يفرج عني الخط
…
ب لا أسطيع تفريجه
وكي يمنحني تأدي
…
به المحض وتخريجه
ومن أولى بتقريظي
…
ممّن كنت خرّيجه
قال أبو الحكم مالك بن المرحل، الأديب شاعر المغرب [3] :[البسيط]
يا راحلين ولي في قربهم أمل
…
لو أغنت الحالتان القول والعمل
سرتم فكان اشتياقي بعدكم مثلا
…
من دونه السائران الشعر والمثل
[1] سبقت ترجمته.
[2]
الأخفش الأصغر: علي بن سليمان بن الفضل النحوي، أبو الحسن، من نحاة القرن الرابع، كان ابن الرومي يكثر من هجائه، وكان يعيش ضيق الحال حتى أكل نبات الثلجم (السلجم) النىء، فقبض على قلبه فمات، له شرح سيبويه، والمهذب، توفي سنة 315 هـ. (بغية الوعاة 2/167) .
[3]
مالك بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن الفرج: أبو الحكم بن المرحل المالكي النحوي الأديب، شاعر رقيق مطبوع سريع البديهة، أخذ عن الشلوبين والدبّاج، ولي القضاء بجهات غرناطة، توفي سنة 699 هـ. (بغية الوعاة 2/271) .
قد ذقت وصلكم دهرا فلا وأبي
…
ما طاب لي الأسمران الخمر والعسل [1]
وقد هرمت أسى في حبّكم وجوى
…
وشبّ مني اثنتان: الحرص والأمل
غدرتم أو مللتم يا ذوي ثقتي
…
وبئست الخلتان الغدر والملل
عطفا علينا ولا تبغوا بنا بدلا
…
فما استوى التابعان العطف والبدل
قالوا كبرت ولم تبرح كذا غزلا
…
أودى بك الفاضحان الشيب والغزل
لم أنس يوم تدانوا للرحيل ضحى
…
وقرّب المركبان: الطّرف والجمل
وأشرقت بهواديهم هوادجهم
…
ولاحت الزينتان: الحلي والحلل
كم عفّروا بين أيدي العيس من بطل
…
أذابه المضنيان: الغنج والكحل
دارت عليهم كؤوس الحبّ مترعة
…
وإنما المسكران: الراح والمقل
وآخرون اشتفوا منهم بضمّهم
…
يا حبذا الشافيان: الضمّ والقبل
قال شرف الدين المبارك بن أحمد الإربلي المعروف بابن المستوفي [2] : عملت في نومي بيتين، وهما [3] :[المتقارب]
وبتنا جميعا وبات الغيور
…
يعضّ يديه علينا حنق [4]
نود غراما لو انّا نباع
…
سواد الدجى بسواد الحدق
ومن شعره، ما كتب به إلى مظفر الدين صاحب إربل [5] :[الكامل]
يا أيّها الملك الذي سطواته
…
من فعلها يتعجّب المريخ
آيات جودك محكم تنزيلها
…
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
ورثاه أبو العز يوسف بن النفيس الإربلي [6] بقوله: [الوافر]
[1] في ب: الخل والعسل.
[2]
ابن المستوفي: كان إماما في الحديث، ماهرا في فنون الأدب من النحو واللغة والعروض وعلم البيان وأشعار العرب وأخبارها وأمثالها، صنف تاريخ إربل، وشرح ديوان المتنبي وأبي تمام، توفي سنة 637 هـ. (بغية الوعاة 2/272، وفيات الأعيان 3/296) .
[3]
البيتان في وفيات الأعيان 3/296) .
[4]
في ب: (وتبنا جميعا وتاب الغيور) . وهو تصحيف من الناسخ.
[5]
مظفر الدين: الملك المعظم أبو سعيد كوكبوري بن أبي الحسن علي بن بكتكيتبن محمد، صاحب إربل، توفي سنة 630 هـ. (وفيات الأعيان 3/270) . البيتان من أربعة أبيات في وفيات الأعيان 3/296.
[6]
يوسف بن النفيس الإربلي: المعروف بشيطان الشام، ولد بإربل وتوفي بالموصل سنة 638 هـ. (وفيات الأعيان 3/296) . والبيتان فيه في الصفحة نفسها.
أبا البركات لو درت المنايا
…
بأنّك فرد عصرك لم تصبكا
كفى الإسلام رزءا فقد شخص
…
عليه بأعين الثّقلين يبكى
قال محارب بن محمد الوادي آشي [1]، يمدح القاضي عياض [2] :[الوافر]
غدا سلس القياد فما يراض
…
وعمّ جميع لمّته البياض
وأضحى القلب لا تصبيه هند
…
ولا سلمى ولا الحدق المراض
وإن غنّى الحمام بغصن أيك
…
فمن عضّ الزمان به عضاض
وقائلة أتكرع في ثماد
…
وقد لاحت لرائضها الحياض
إلى كم تقول لكلّ خطب
…
مقالة من ألمّ به المخاض
وتنقبض انقباض العيّ حتى
…
أضرّ بك السكون والانقباض
ووجد بني عياض بالمعالي
…
مدى الدنيا حديث مستفاض
إذا قصدوا أثاروا الحرب جودا
…
وسالوا بالمكارم ثم فاضوا
فقلت لها ومن منهم عياذي
…
فقالت ذاك سيدهم عياض
إمام زانه حلم وعلم
…
له بالخطة العليا انتهاض
يقارض من أساء بحسن صبر
…
وأمر الدين والدنيا قراض [3]
ففي الآداب جدول ماء مزن
…
وفي الآراء بحر لا يخاض
ويبرم ما يروم فليس يخشى
…
على أمر قد ابرمه انتقاض
يهيم بكلّ معلوة وفضل
…
كما قد هام بالعليا مضاض [4]
[1] محارب الوادي آشي: محمد بن محارب، من أهل وادي آش قرب غرناطة، كان فقيها أديبا، توفي بعد سنة 553 هـ. (تحفة القادم ص 44، التكملة 2/736، المقتضب ص 85) .
[2]
القاضي عياض: عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، كان إماما في الحديث وعلوم اللغة والنحو وأيام العرب وأنسابهم، له تآليف منها: ترتيب المدارك وتعريف المسالك، والشفا في تعريف حقوق المصطفى، تولى القضاء في سبتة وغرناطة، توفي بمراكش سنة 544 هـ. (بغية الملتمس ص 437، تاريخ قضاة الأندلس ص 101، وفيات الأعيان 3/483، وأزهار الرياض 5/83) . والأبيات في: تحفة القادم ص 44- 45، والمقتضب ص 85- 86، وأزهار الرياض 5/83.
[3]
في ب، ل: يعارض من أساء. والصواب: يقارض من القرض، أي المجازاة، ويعزز ذلك عجز البيت:
وأمر الدين والدنيا قراض.
[4]
مضاض: هو مضاض بن عمرو الجرهمي من ملوك العرب في الجاهلية، كان مقيما في الحجاز، تابعا لليمن، وقيل كان يحكم أعلى مكة ويأخذ العشور ممن يدخلها من تلك الجهة. (التيجان ص 178 و 180، أخبار ابن عبيد ص 315، تاج العروس 5/87، الأعلام 7/249) .
ومن تعلق حبال بني عياض
…
يداه فلا يضام ولا يهاض
قال الأديب شهاب الدين محاسن بن إسماعيل الحلبي المعروف بالشواء [1] : [مجزوء البسيط]
لنا صديق له خلال
…
تعرب عن أصله الأخسّ
أضحت له مثل حيث كفّ
…
وددت لو أنها كأمس
وقال [2] : [السريع]
هاتيك يا صاح ربا لعلع
…
ناشدتك الله فعرّج معي [3]
حتى نطيل اليوم وقفا على
…
الساكن أو عطفا على الموضع
وقال [4] : [الوافر]
وكنّا خمس عشرة في التئام
…
على رغم الحسود بغير آفه
فقد أصبحت تنوينا وأضحى
…
حبيبي لا تفارقه الإضافه
وقال [5] : [السريع]
ناديب وهو الشمس في شهرة
…
والجسم للخفية كألفيء
يا زاهيا أعرف من مضمر
…
صل واهيا أنكر من شيء
وقال [6] : [السريع]
أرسل فرعا ولوى هاجري
…
صدغا فأعيا بهما واصفه
فخلت ذا من خلفه حيّة
…
تسعى وهذا عقرب واقفه [7]
ذا ألف ليست لوصل وذا
…
واو ولكن ليست العاطفه
وقال في جارية زرقاء [8] : [السريع]
جارية قلت لها ألّا
…
رعيت في الحبّ لنا إلّا
[1] يوسف بن إسماعيل بن علي المعروف بالشواء: كوفي الأصل، حلبي المولد والمنشأ والوفاة، أديب فاضل، متقن لعلم العروض والقوافي، له ديوان شعر، توفي سنة 635 هـ. (وفيات الأعيان 6/230، مرآة الجنان 4/89) . والبيتان في وفيات الأعيان 6/230.
[2]
البيتان في المصدر السابق، وفيه ثلاثة أبيات.
[3]
لعلع: جبل، وقال أبو نصر: لعلع ماء في البادية وردته، وقيل: منزل بين البصرة والكوفة، واللعلع في اللغة: السراب. (ياقوت: لعلع) .
[4]
البيتان في وفيات الأعيان 6/232.
[5]
البيتان في وفيات الأعيان 6/232.
[6]
الأبيات في وفيات الأعيان 6/232.
[7]
في وفيات الأعيان: فخلت ذا في خده حية، وفي ب: وهذا عقربا واقفة..
[8]
زرقاء، ساقطة من ب.
وطرفك الأزرق ما باله
…
يحدث فينا لحظة القتلا
قالت ألا يفتك طرف حكى
…
لون سنان الرمح والشكلا
قد عملت (إنّ) على أنّها
…
حرف لأن أشبهت الفعلا
وقال: [الطويل]
خليليّ إن أبديت سرّ هواكما
…
لواش فلا متّعت منه بطائل
وقلت بأنّ العطف في النحو جائز
…
على المضمر المخفوض من غير عامل
وقال: [المتقارب]
أرى الصّفع ورّد منه القذالا
…
وأوسع في أخدعيه المجالا
وأسلاه عن حبّ ذات اللّمى
…
وإن هي راقت وفاقت جمالا
لئن كان قد حال ما بينه
…
وبين الحبيبة صفع توالى
فقد يحدث الظرف بين المضاف
…
وبين المضاف إليه انفصالا
وقال: وفيه ثمانية عشر فعل أمر: [الطويل]
وليت فوليت الغرام على الحشا
…
ملالا ووكلت السهاد على الغمض
وأضرمت في الأعراض نار حشاشتي
…
ويا حسنه إن كان في عشقك المحض
برادن اسخط ارض خف أخف ارع خلّ ادم
…
ضع اعل اضحك ابك أهو أبد أخف عش اقض
قال محمود بن الحسن الوراق [1] ، وهو من مشايخ أبي بكر بن أبي الدنيا، أكثر من الشعر الحسن في المواعظ والحكم، ومات في خلافة المعتصم، في حدود الثلاثين ومائتين:[المجتث]
ما إن بكيت زمانا
…
إلا بكيت عليه
ولا ذممت صديقا
…
إلا رجعت إليه
وقال [2] : [المتقارب]
أليس عجيبا بأنّ الفتى
…
يصاب ببعض الذي في يديه
[1] محمود بن الحسن الوراق: شاعر أكثر شعره في المواعظ والحكم، روى عنه ابن أبي الدنيا، وفي كامل المبرد نتف من شعره، توفي سنة 225 هـ. (كامل المبرد 4/104، 106، 5/75، 127، 138، حماسة ابن الشجري ص 141، فوات الوفيات 2/285) .
[2]
الأبيات في كامل المبرد 2/705 تحقيق الدالي، والبيان والتبيين 3/197.
فمن بين باك له موجع
…
وبين معزّ مغذّ إليه
ويسلبه الشيب شرخ الشباب
…
فليس يعزيه خلق عليه
وقال [1] : [الكامل]
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه
…
هذا محال في القياس بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته
…
إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
وقال: [الطويل]
تعزّ بحسن الصّبر عن كل هالك
…
ففي الصبر مسلاة الهموم اللوازم
إذا أنت لم تسل اصطبارا وحسبة
…
سلوت على الأيام مثل البهائم
وقال: [الطويل]
إذا كان شكري نعمة الله نعمة
…
عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف وقوع الشكر إلا بفضله
…
وإن طالت الأيام واتصل العمر
كان الماوردي [2] قد سلك طريقا في توريث ذوي الأرحام، فجاء إليه كبير من الشافعية، فقال له: اتّبع ولا تبتدع، فقال: بل أجتهد ولا أقلد، فانصرف عنه. قال محب الدين بن النجار: قرأت على أبي عبد الله محمد بن أبي سعيد الأديب بأصبهان، عن أبي طاهر بن أبي نصر التاجر، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن مندة إذنا، أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن عبد الله اللبّان الشيرازي، قال: سمعت أبا الحسين أحمد بن عبيد الله الهاشمي يقول: سمعت أبا القاسم الجنيد بن محمد الصوفي يقول في بغداد:/ ما زلت أطلب إلى الله في صلاتي خمس عشرة سنة أن يريني إبليس، فلما كان يوم نصف النهار في صيف، وأنا قاعد بين البابين أسبّح، إذ دقّ عليّ الباب، فقلت: من ذا؟ قال:
أنا، قلت الثاني: من ذا؟ قال: أنا، قلت الثالث: من أنت؟ قال: أنا، قلت: لا تكون إبليس؟ قال: نعم، فمضيت ففتحت له الباب، فدخل عليّ شيخ عليه برنس من الشعر، وعليه قميص من الصوف، وبيده عكازة، فجئت أقعد مكاني بين البابين، فقال لي: قم من مجلسي، فان بين البابين مجلسي، وخرجت، فقعد، فقلت: بم تستضل الناس؟
فأخرج لي رغيفا من كمّه، وقال لي: بهذا، فقلت: بم تحسّن لهم السيئة؟ فأخرج
[1] البيتان في كامل المبرد 2/513، وزهر الآداب ص 98.
[2]
الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، الفقيه الشافعي، أخذ الفقه عن أبي القاسم الصيمري، له من التصانيف: الحاوي، وتفسير القرآن الكريم، وأدب الدنيا والدين، والأحكام السلطانية، توفي ببغداد سنة 450 هـ. (وفيات الأعيان 2/444) .
مرآة، فقال: أريهم سيئاتهم حسنات بهذه المرآة، ثم قال لي: قل ما تريد، وأوجز في كلامك، فقلت: حيث أمرك [الله] بالسجود لآدم لم لم تسجد؟ [1] قال: غيرة مني عليه، أسجد لغيره، وغاض مني ولم أره.
قال أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان: [الخفيف]
إنّ للعنكبوت بيتا ومالي
…
برضى الجود والمكارم بيت
كيف يبني بشطّ دجلة من لي
…
س له للسراج بالليل زيت
الصاحب بن عباد [2] : [الطويل]
إذا جمعت بين امرأين صناعة
…
فأحببت أن تدري الذي هو أحذق
فلا تتأمل منهما غير ما جرت
…
به لهما الأرزاق حين تفرّق
فحيث يكون الجهل فالرزق واسع
…
وحيث يكون العلم فالرزق ضيّق
وقفت على كتاب (حكايات الصوفية) تأليف أبي عبد الله محمد بن باكويه الشيرازي، مات سنة 428، وهو مروي بالأسانيد، فانتقيت منه ما يصلح للمحاضرة، روي عن يحيى بن معاذ الرازي [3] قال: أهل الجنة يرفع عنهم كل شيء، ما خلا ثلاثة: الحب لله، والحب في الله، والحمد لله.
عن أبي عمرو الرقي: أنه سئل عن الفرق بين الفقر والتصوف، فقال: الفقر حال من أحوال التصوف. عن أبي بكر الدقاق قال: عجز العلماء عن الفرق بين المداراة والمداهنة.
عن أبي بكر بن يزدانيار [4]، قال: إن الله تعالى أحب ثلاثة، وأبغض ثلاثة، أحبّ الإيمان، والطاعة، والعلم، وأبغض الكفر، والمعصية، والجهل، فسلط الغزاة على الكفار، وسلط العلماء على الجهال، وسلط الأمراء على العصاة، وإلى القيامة على هذا يكون [5] .
[1] في ب، ل: لم لا تسجد.
[2]
مضت ترجمته.
[3]
يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي: أبو زكريا، واعظ زاهد، لم يكن له نظير في وقته، من أهل الريّ، وله كلمات سائرة:(هان عليك من احتاج إليك) و (من خان الله في السر، هتك الله ستره في العلانية) ، توفي سنة 285 هـ. (شذرات الذهب 2/138) .
[4]
ابن يزدانيار: الحسين بن علي من الصوفية، وله طريقة في التصوف وأقوال ذكر منها أبو نعيم الأصفهاني في الحلية، لم يذكر وفاته. (حلة الأولياء 10/363) .
[5]
في ب، ل: وإلى القيامة على ما يكون. في ش: وإلى القيامة هذا يكون.
عن فتح بن شخرف [1] قال: في التوراة، من قنع شبع، وفي الزبور: من اعتزل سلم، وفي الانجيل: من ترك الشهوات استراح، وفي الحديث: من صمت نجا.
سئل يحيى بن معاذ عن الشهقة ممّ تكون؟ فقال: الدارج ربما لاح له في الغيب درجة ليست هي له، فيرتاح فيشهق، قيل له: فهل يكون في ذلك صادقا؟ قال: لا، بل يكون سارقا، والصادق يصحّ له ذلك عن طريق الهيبة.
عن بشر بن الحارث [2] قال: حادثوا الآمال بقرب الآجال. عن يحيى بن معاذ قال: من أحبّ أن يعرف الزهد فلينظر في الحكمة، ومن أحبّ أن يعرف مكارم الأخلاق، فلينظر في فنون الآداب، ومن أحب أن يستوثق من أسباب المعاش، فليستكثر من الإخوان، ومن أحب أن لا يؤذى فلا يؤذينّ، ومن أحب رفعة الدنيا والآخرة فعليه بالتقوى.
عن الفضيل بن عياض [3] قال: من عشق الرئاسة لم يفلح، وطغى وبغى. عن سري السقطي [4] قال: السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، وأنفس العباد ثمرتها، وشهر رجب أيام توريقها، وشعبان أيام فروعها، ورمضان أيام قطفها، والمؤمنون قطافها. سئل الجنيد [5] عن الفرق بين الصالح والعارف، فقال: كلّ/ عارف صالح، وليس كل صالح عارفا. عن يحيى بن معاذ قال: لكل ملك وزير، والأبمان ملك ووزيره التفويض. عن إبراهيم الخواص [6] قال: الملك المعجّل سكون
[1] فتح بن شخرف بن مزاحم: أبو نصر الكسّي، نسبة إلى كس، أحد العباد السياحين، سكن بغداد وحدّث بها عن رجاء بن مرجي المروزي، كثير الحكايات، توفي بالجانب الغربي من بغداد سنة 273 هـ. (تاريخ بغداد 12/384- 388، حلية الأولياء 8/84- 140، شذرات الذهب 1/316) .
[2]
هو بشر الحافي، سبقت ترجمته.
[3]
الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي: أبو علي، شيخ الحرم المكي، ثقة في الحديث، ولد بسمرقند، ونشأ بأبيورد، ثم سكن مكة وتوفي بها سنة 87 هـ، ومن كلامه: من عرف الناس استراح.
(حلية الأولياء 8/84) .
[4]
سري بن المغلس السقطي: أبو الحسن، من كبار المتصوفة، بغدادي المولد والمنشأ والوفاة، وإمام البغداديين وشيخهم في وقته، وخال الجنيد وأستاذه كما يقول ابن الأهدل، توفي سنة 253 هـ. (تاريخ بغداد 9/187، حلية الأولياء 10/116) .
[5]
الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز: صوفي من العلماء، مولده ومنشؤه ووفاته ببغداد، عرف بالخزاز لأنه كان يعمل الخز، قال أحد معاصريه: ما رأت عيناي مثله، الكتبة يحضرون مجلسه لألفاظه، والشعراء لفصاحته، والمتكلمون لمعانيه، وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد، له رسائل، ومنها رسالة: دواء الأرواح، توفي سنة 297 هـ. (وفيات الأعيان 1/117، حلية الأولياء 10/255، صفة الصفوة 2/235، تاريخ بغداد 7/241) .
[6]
إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل: أبو إسحاق الخواص، صوفي كان أوحد المشايخ في وقته، من أقران الجنيد، ولد في سر من رأى، له كتب مصنفة، والخواص: بائع الخوص توفي في جامع الري سنة 291 هـ. (تاريخ بغداد 6/7، طبقات الشعراني 1/83، طبقات الصوفية، مخطوط، الأعلام 1/28) .
القلب، ودعة الجوارح.
عن الفضيل بن عياض قال: إن زهدت في الدنيا كلّ الزهد، لم ينقص رزقك شىء، وإن رغبت فيها كل الرغبة لم يزد في رزقك شىء. عن أبي علي الروزباري، قال: الظرف طهارة الضمائر، والخنا خبث السرائر.
عن أبي بكر الكتاني [1] قال: ما من عاقل إلا وله هفوة، وما من مستقيم إلا وله زلة، وما من مجتهد إلا وله عثرة. عن أبي محمد الجريري قال: الجلوس للمناصحة، فتح باب الفائدة، والجلوس للمناظرة غلق باب الفائدة.
عن سهل بن عبد الله [2] قال: احتفظوا بالسواد على البياض، فما أحد ترك الظاهر إلا تزندق. عن يحيى بن معاذ، قال: اتفق رأي سبعين صديقا أن حسن الخلق قلة الخلاف على الله تعالى./
عن أبي عبد الله بن خفيف [3] قال: ما سمعت شيئا من سنن النبي صلى الله عليه وسلم إلا استعملته، حتى الصلاة على أطراف الأصابع. عن سهل بن عبد الله قال: الناس كلهم نيام، إلا العلماء الذين آثروا الله على كل حال. وقال: لا يعرف الحق بالرجال، ولكن من عرف الحق عرف أهله. وقال: الفقر باب خصّ النبي صلى الله عليه وسلم به، فلما مات فتح باب الغنى، فلا يسدّ ذلك على أقوام خصهم الله به، يجيئون في آخر الزمان.
سمعت أبا يعقوب الخراط يقول: أحضر النّوري [4] بين يدي العباس بن الحسن [5] للمناظرة، فقال له العباس [6] : من أين تأكلون؟ فقال: لسنا نعرف الأسباب التي تستجلب
[1] أبو بكر الكتاني: محمد بن علي بن جعفر، أصله من بغداد، وصحب الجنيد وأبا سعيد الخزاز، وأبا الحسين النوري، أقام بمكة مجاورا لها، كان أحد الأئمة، حكي عن أبي محمد المرتعش أنه كان يقول:
الكتاني سراج الحرم، توفي سنة 322 هـ (حلية الأولياء 12/357، تاريخ بغداد 3/74، شذرات الذهب 2/296) .
[2]
سهل بن عبد الله بن يونس التستري: أبو محمد، أحد الأئمة الصوفية وعلمائهم، والمتكلمين في علوم الإخلاص والرياضيات وعيوب الأفعال، له كتاب في تفسير القرآن، وكتاب رقائق المحبين، وغير ذلك، توفي سنة 283 هـ. (طبقات الصوفية ص 206، حلية الأولياء 10/189، وفيات الأعيان 1/218) .
[3]
محمد بن خفيف بن اسفكشاذ الضبي: أبو عبد الله، المقيم بشيراز، أمه نيسابورية، عالم بعلوم الظواهر والحقائق، صحب رويما والجريري وأبا العباس بن عطاء، ولقي الحسين بن منصور، توفي سنة 371 هـ.
(حلية الأولياء 10/385- 387، شذرات الذهب 3/76) .
[4]
النوري: أحمد بن محمد أبو الحسين، بغدادي المولد والمنشأ، خراساني الأصل، عرف بابن البغوي، توفي سنة 295 هـ. (طبقات الصوفية ص 164) .
[5]
العباس بن الحسن بن أيوب الجرجرائي، من وزراء الدولة العباسية، كان أديبا بليغا، قتل سنة 692 هـ.
(الأعلام 3/259) .
[6]
طبقات الصوفية 4/32.
بها الأرزاق، نحن قوم مدبّرون، ولكن أخرف خرافة يخرج فيها الجواب، هل للسلطان فيلة؟ فقال: نعم، فقال: من أين يأكلون؟ قال: قد أقام لها السلطان الوكلاء، وأجرى عليهم الجرايات، قال: فأيما أكرم على الله، الفيلة أم الأولياء من بني آدم؟ فقال:
الأولياء من بني آدم، قال: فالله تعالى أقام لأخس الخلائق وكيلا، ولا يقيم لأوليائه وكيلا./
حدثني أبو الطيب محمد بن الفرّخان، حدثنا عباس بن يوسف الشكلي، حدثني أحمد بن موسى ابن الحكم، حدثني محمد بن أحمد النيسابوري، حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الكريم، عن الليث ابن سعد، عن نافع، عن شريح، قال: اشتريت دارا بمائتي دينار، وكتبت كتابا، وأشهدت عدولا، فبلغ ذلك عليّ بن أبي طالب، فقال لي:
يا شريح، بلغني أنك اشتريت دارا، وكتبت كتابا، وأشهدت عدولا، قلت: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، فقال: إنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسأل عن بيّنتك حتى يخرجك منها شاخصا، ويسلمك إلى قبرك، ولو كنت أتيتني، كتبت لك كتابا على هذه النسخة: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى عبد ذليل، من ميت قد أزعج بالرحيل، اشترى منه دارا تعرف بدار الغرور من الجانب الفاني، في عسكر الهالكين، ويجمع هذه الدار ويشتمل عليها حدود أربعة، الحد الأول ينتهي إلى دواعي البينات، والحد الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحد الثالث ينتهي إلى دواعي البليات، والحد الرابع ينتهي إلى دواعي النوى المردي، وإلى الشيطان المغوي، وفيه يشرع/ باب هذه الدار، اشترى هذا المغرور بالأمل، وهذا المزعوج بالأجل جميع هذه الدار، بالخروج من عز القنوع، والدخول في ذل الطمع، فما أدرك هذا المشتري فيما اشتراه من درك، فعلى مبلبل أجسام الملوك، وسالب نفوس الجبابرة، ومزيل ملك الفراعنة، ملك كسرى وتبّع وحمير، ومن بنى وشيّد، وزخرف ونجّد، وجمّع واعتقد، ونظر بزعمه للولد، شحا منهم إلى موقف العرض، إذا وضع الكرسي لفصل القضاء، وخسر هنالك المبطلون، وسمع مناديا ينادي في عرصاتها [1] :[الرجز]
ما أبين الحق لذي عينين
…
إن الرحيل آخر اليومين
تزودوا من صالح الأعمال
…
فقد دنا النقلة والزوال [2]
عن عبد الله بن سهل الرازي، قال: تآخى [3] نفسان في الله، فكتب يحيى بن معاذ
[1] الرواية والشعر في حلية الأولياء 3/101- 102.
[2]
في ب، ش، ل: تزودوا من صالح الأعمال للآجال، ولا يكون شعرا.
[3]
في ب، ش، ل: تواخى نفسان.
الرازي: هذا ما اشترى فلان بن فلان، من فلان بن فلان، اشتروا منه المودة الدائمة إلى الممات بكليتها، وبجميع حدودها كلها داخل فيها، وخارج منها بقلبه، وهو الثمن، وباعها منه فلان بن فلان، وسلمها وقبض الثمن/ كله تاما وافيا، وبرىء إليه منه أحد حدود هذه المودة ينتهي إلى الصفاء، والحد الثاني ينتهي إلى الوفاء، والحد الثالث ينتهي إلى المساعدة، والحد الرابع ينتهي إلى المنادمة، وعلى أن لا يقبل كل واحد منهما على صاحبه المبالغة، ولا يأخذه بالتهم والظنون، ولا يستبدل به ولا يخونه، على أن يدفع كل واحد منهما عن صاحبه السعايات، وعن تراض منهما، ورغبة صحيحة، انعقد الأمر بينهما عن تراض منهما، وجواز أمورهما لهما وعليهما طائعين غير مكرهين، شهد على إقرارهما بجميع ما في هذا الكتاب، السخاء بن الكرم، والمساعدة بن الرضا، والمحاطة بن الاتفاق، وحسن الخلق بن الاحتمال، وكتبوا شهادتهم على إقرارهما بجميع ما في هذا الكتاب.
حدثنا عبد الواحد بن بكر، حدثني محمد بن يوسف بن إبراهيم، حدثنا سعيد بن عمرو، حدثنا أبو شيبة بن أبي بكر، حدثنا بكر بن أبي عبد الرحمن، حدثنا عيسى بن المختار، عن محمد بن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن ابن عباس قال: كان عندنا رجل يصلي بالليل في بيته، فاذا افتتح الصلاة وكبّر، أتاه رجل عليه ثياب بيض، ويقوم معه يصلي، ويكون ركوعه وسجوده أحسن من ركوعه، وكان يعجبه ذلك، فذكر لبعض أصدقائه/ فجاء الرجل وسألني عن ذلك، هل يجوز أن يكون ذلك؟، فقلت له:
قل له حين تقرأ إذا جاء هذا الذي يصلي سورة البقرة، فان ثبت معه فهو ملك وطوباه، وإن هرب فهو شيطان، فأعاد على الرجل فاشتد عليه إفشاء سره، فلما أخذ في الصلاة وجاء الشخص ووقف معه أخذ يقرأ سورة البقرة، فأخذ الشيطان يضرط ويعدو.
سمعت أبا العباس الكرخي، قال: سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول: كنت بالبصرة مع جماعة من أصحابنا، فوقف علينا صاحب مرقعة، فقال: من منكم ابن خفيف؟ فأشاروا إليّ، فقال: تأذن لي أن أسألك مسألة؟ فقلت: لا، قال: ولم؟ فقلت: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وأيسره أن لا تسألني، ولا أحتاج أجيبك، فقال: لابد، فقلت: هذا غير ذلك، فقل الآن ما شئت.
أملى عليّ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن نظيف شرطا في شراء بستان من خاطره: هذا ما اشترى فلان بن فلان المريد من سكان المحبة، من فلان بن فلان العارف من أهل الصفوة، اشترى منه بستانا موضعه في صحراء الأنس/ محاطا عليه، فيه نخيل الإيمان، يثمر طلع الطاعات، وينضج بالإخلاص، وأشجار المعارف، تثمر الإلهام الصافي، ورياحين البر والتقوى، وورد ورد الذكر، وسواقي العلم في تربة الخلوة، ويسقى هذا البستان من نهر الوفاء، ولهذا البستان حدود أربعة؛ الحد الأول: ينتهي إلى حسن العهد،
والحد الثاني: ينتهي إلى صحراء المنّ وروضة الشكر، والحد الثالث: ينتهي إلى فرضة المتحابين بالجلال، والحد الرابع: ينتهي إلى طريق يؤخذ بها إلى الصدق، وإليه يشرع باب هذا البستان، اشترى منه جميع هذا البستان، بجميع ما سمّي، ووصف في هذا الكتاب ببذل مجهوده من نفسه وماله، والمقام على المحاب، فلا كاره منه عليه، واستفراغ الصدق من لبّه، وأن يحتمل كل واحد منهما عن صاحبه الأذى من نفسه، ومن كل أحد من قبلهما، وعلى أن لا يتذوق هذا المريد علوما من غير هذا العارف، ويعرض عليه جميع ما يخطر له، ويصبر معه على البلاء والفقر، ولا يتحيز منه الحظوظ، ويعوده إذا مرض هو مع مرضه، وإن خطر بباله منه شىء أخرجه من قلبه، ولا يتهمه على نفسه وماله، وما يصلحه/ ولا يقطع أمرا دونه، شهد على إقرارهما بجميع ما في هذا الكتاب في صحة منهما، وجواز أمرهما، شهد على ذلك المصافحة من المباذلة ورفع الحشمة من بينهما، واستعمال الأدب مع رفع الحشمة، وكون الإجلال.
أخبرنا أبو الربيع الصفار، أخبرنا أبو جعفر الخلدي، أخبرنا أبو العباس ابن مسروق [1]، قال: كنا جماعة من الفقراء في بعض الأسفار، فقام أصحابنا وطابوا، فاذا بديراني قد أقبل وقال: بالدين الحنيفية، ألا عرفتموني إن هذا مخصوص في دينكم أو معموم؟ قلنا:
مخصوص بشرط الزهد في الدنيا، فقال الديراني: قرأت في الإنجيل: إنّ خواصا من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، يتحركون عند السماع بشرط الزهد في الدنيا، لباسهم الصوف، يرضون من الدنيا بالبلغة والكسرة، أولئك خواص أمّة محمد، صلى الله عليه وسلم، فأسلم ومشى معنا.
أخبرني أبو الحسن القزويني، أخبرني أبو جعفر الخلدي، قال [2] : رأيت الجنيد في النوم، فقلت له: أليس كلام الأنبياء إشارات عن مشاهدة؟ فتبسم وقال: كلام الأنبياء بناء عن حضور، وكلام الصديقين إشارات عن مشاهدة.
أخبرني أبو الطيب ابن الفرّخان، قال: سمعت الجنيد/ يقول: نظرت في سائر العلوم، إلا فيما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نظرت في الكلام، إلا فيما لابد منه. وكان الجنيد لا يجيب عن ست مسائل، أحدها: الاسم والمسمّى، والثاني: اللفظ بالقرآن، مخلوق أم لا، والإيمان مخلوق أم لا. وفي قول مجاهد في جلوس محمد، صلى الله عليه وسلم، على العرش، وفي القدر. عن أبي يزيد، قال: انتهى الأمر إلى معرفة لا إله إلا الله، وانتهى الفهم إلى معرفة لا إله إلا الله. انتهى ما انتقيته من كتاب حكايات العارفين لابن باكويه.
[1] ابن مسروق: أحمد بن محمد بن مسروق، من أهل طوس، سكن بغداد وتوفي فيها سنة 299 هـ. (تاريخ بغداد 5/100، 103) .
[2]
طبقات الصوفية ص 24.