الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقامة الصوفية
له [1]، حكى إنسان عين معرة النعمان [2] قال: سافرت إلى القدس الشريف، سفر متنكر، بعد التعريف، فاجتزت في الطريق بواد وقانا لفحة الرمضاء [3]، وقال: حكمت على الوادي الذي يروع حصاه حالية العذارى [4]، فقلنا: دائم الإمضاء، وإذا فيه عين كعين الخنساء [5] ، تجري على صخر [6]، ويقول ماؤها: أنا سيد مياه هذا الوادي ولا فخر، فرويت كبد صاد من تلك العين، ولكن نغّص [7] عليّ منظرها الحسن تذكر ظمأ الحسين [8] ، هذا وماؤها يجري على رأسه خدمة للورّاد، ويطوف بنفسه سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ
[9]
، فأسبغت منه وضوئي، إسباغ الدروع، وصليت ركعتين فوّقت فيهما سهام دعاء من قسيّ ركوع،/ وسألت الله سبحانه حسن منقلبي، ورجوت منه أن يعوضني عن تعبي، بصحبة من يدلني به عليه، ورؤية من يقربني منه إليه، فأجيبت دعوتي في الحال، والتفتّ فاذا عشرة رجال، ومن جملتهم شيخ كبير السن والقدر، وقد أحاطوا به إحاطة الهالة بالبدر، فقلت لهم مرحبا بحاضرة جلالتهم بادية، وسقيا لمن تلقيت صحبتهم من عين صافية، يا ذوي الجمال والزين، من أين؟ قالوا: منه وإليه، ثقة به وتوكلا عليه، ثم خاضوا في بحث يسرونه مني، ومناظرة يخفونها عني، بلفظ ألطف من النسيم، ومعنى مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ
[10]
، وأطالوا في الجدال، وأنا لا أعلم حقيقة الحال، فلحظهم الشيخ شزرا، ونظر
[1] له: أي لابن الوردي عمر بن المظفر وقد سبقت ترجمته في المقامة المنبجية، وهذه المقامة في ديوان ابن الوردي ص 18- 29.
[2]
معرة النعمان: مدينة كبيرة قديمة مشهورة، تقع بين حلب وحماة، ينسب إليها كثيرون، أشهرهم أبو العلاء المعري. (ياقوت: معرة النعمان)
[3]
يشير إلى بيت الشاعرة حمدونة الأندلسية: (نفح الطيب 6/24 تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ط دار الكتاب العربي، بيروت 1949) .
وقانا لفحة الرمضاء واد
…
سقاه مضاعف الغيث العميم
[4]
من قول حمدونة الأندلسية: (نفح الطيب 6/24) .
يروع حصاه حالية العذارى
…
فتلمس جانب العقد النظيم
[5]
الخنساء: تماضر بنت عمرو بن الشريد، شاعرة مخضرمة مشهورة، عرفت برثاء أخويها صخر ومعاوية، وقد قتلا في الجاهلية. (الشعر والشعراء 1/343 تحقيق أحمد شاكر ط دار المعار، مصر 1966) .
[6]
صخر: هو أخو الخنساء المذكور أعلاه.
[7]
في نسخة ب: نقّص عليّ.
[8]
الحسين بن علي بن أبي طالب: سبط الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قتل في كربلاء وهو ظمآن.
[9]
سورة الحج 25.
[10]
سورة المطففين 27. تسنيم: عين في الجنة.
إليهم تارة وإليّ أخرى، وقال: إما أن تكفوا عن حثكم، وإما أن تطلعوا أخاكم الآخر على أول بحثكم، فتنبهوا إليّ، وأقبلوا عليّ، وقالوا أيها الأخ، إن بحثنا الدقيق في طريق هي السر المكتوم، وغوصنا العميق، في منهاج هو مفتاح العلوم، وما ظنك بطريق جنيدها [1] أعظم من الملوك، وأدهمهما وابنه [2] غير مصروفين لنظمها في سلوك الحسن، بحسن السلوك، وأهلها هم أهل الكرم الصيّب، وذلها ينبت العز، وكل مكان ينبت العز طيب [3] :[الكامل]
ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى
…
والعيش بعد أولئك الأقوام [4]
فكم منكر صار فيها معروفا بالإيثار، وكم مالك [5] أصبح معروفا بحسنها عن دينار:[السريع]
كم أسد روّع بالشّبل
…
فيها وحاف فاق ذا نعل
وكم سريّ بحره زاخر
…
وكم فضيل فاز بالفضل
قلت: قد وعيت إلى رمزكم، وانتهيت إلى كنزكم، فزيدوني إيضاحا، زادكم الله صلاحا، قالوا: نحن- أيتها العصبة- لنا في التصوف رغبة، وجدالنا معاشر الرفقة في لفظة التصوف، ممّ هي مشتقة؟ وماذا شرط الصوفي المصافي؟ وإلى الآن ما تحرر لنا في ذلك جواب شاف.
قال الشيخ: على الخبير سقطتم، وبجهينة [6] الخبر أحطتم، ولكنكم ما التفتم أولا إليّ، ولا عولتم في ذلك عليّ، قالوا: مثلك لا يبخل بافادتنا، وأنت عودتنا المسامحة في المطارحة، فاصبر لعادتنا، قال: سمعا وطاعة، اعلموا أيتها الجماعة، أنّ اشتقاق التصوف عند أهل
[1] الجنيد: هو أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز القواريري، الزاهد المشهور، أصله من نهاوند، ومولده ومنشؤه في العراق، تفقه على أبي ثور صاحب الإمام الشافعي، توفي سنة 297 هـ. (وفيات الأعيان 1/373 تحقيق إحسان عباس ط بيروت 1968) .
[2]
أدهم: هو إبراهيم بن أدهم، أحد مشاهير العباد وأكابر الزهاد، أصله من بلخ، ثم سكن الشام ورابط في سبيل الله، وقيل: إنه كان ابن ملك من ملوك خراسان، فترك ملك أبيه وزهد، توفي سنة 162 هـ. (البداية والنهاية لابن كثير 10/135) .
[3]
عجز بيت للمتنبي، وتمامه:(ديوان المتنبي بشرح العكبري 1/183) .
وكل امرىء يولي الجميل محبب
…
وكل مكان ينبت العز طيب
[4]
البيت دون عزو في الدر الفريد 3/290.
[5]
مالك: هو مالك بن دينار البصري، راو ورع، كان يأكل من كسبه، ويكتب المصاحف بالأجرة، وله مناقب كثيرة، توفي في البصرة سنة 131 هـ. (وفيات الأعيان 4/139) .
[6]
جهينة: اسم قبيلة يضرب بها المثل، يقال: إن رجلا من جهينة قتل رجلا من بني كلاب اسمه حصين، وقال بعد أن قتله وسمع أخته صخرة تبكيه:(فصل المقال للبكري ص 295، وفرائد الآل في مجمع الأمثال للطرابلسي 2/3) .
تسائل عن حصين كل ركب
…
وعند جهينة الخبر اليقين
التعريف والتعرف من الصفا والوفا والفنا، هذا من حيث عبارة الناطق، وأما اشتقاقه من حيث الحقائق، فمن أحد أربعة أشياء، تحيي الأسرار، وتسر الأحياء:
الأول: من الصوفانة، وهي بقلة قصيرة ذات زغبة.
والثاني: من صوفة، وهي قبيلة كانت تجيز الحاج وتخدم الكعبة.
الثالث: من صوفة القفا، شعرات في قفا الإنسان./
الرابع: من الصوف الغني عن البيان.
وإذ قد أصغيتم لبياني، فسآتي بالبديع في شرح هذه المعاني، إن أخذ التصوف من الصوفانة التي هي البقلة، فلأن القوم اجتزؤوا في الجملة، فاقتصروا على ما يوجد الله تعالى بصنعه من رزقه، ومنّ به على عبّاد عباده من غير تكلف فيه من خلقه، فاكتفوا به عمّا فيه للبشر صنع، فلم يبسطهم إليهم عطاء، ولا قبضهم عنه منع، كما شاع عن المجاهدين من المهاجرين، ونبّه عليه سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم، وشرّف وكرّم.
وإن أخذ من الصوفة، وهي القبيلة المعروفة، فلأنّ الصوفي متزود من القربات والطاعات، محاسب نفسه على الدقائق والساعات، أحد أعلام الهدى، طاب خبره لطيب المبتدا.
وإن أخذ من صوفة القفا، فحسبكم بيانا وكفى، إن الصوفي معطوف به إلى الحق، مصروف به عن الخلق، لا يريد به بدلا، ولا يبغي عنه حولا [1] .
وإن أخذ من الصوف المعروف، فلأن الصوفي بلبسه موصوف، اختار في الدنيا لبسه، وكسر بذلّته وبذلته نفسه، نداء منه على لابس الحرير بالرعونة والبله، إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له./
هذا بيان الاشتقاق، وأما شرط الصوفي باستحقاق، فأن يتخلق بأخلاق الرسول، ويفوز من سؤل رياضاته بالشمول، ويتنكب عمّا عنه نكّب [2] ، ويأخذ بما إليه ندب، لا يتخذ محرّمه ربيعه، ولا يجري كالعاصي الذي يزيد إعراضه عن الشريعة، فقد صفا من الكدر، ونحّي عن الفكر، ونجّي من الغير، ومن عدل عن سمته ونهجه، وعوّل على حكم نفسه وهرجه، وسعى لبطنه وفرجه، كان من التصوف خاليا، وفي التجاهل ساعيا، ومن داخله في ذلك مرية، فقد عطّل عما ذكره الحافظ في الحلية [3] .
قال الحاكي: فلما سمعت ما قاله هذا الشيخ الجليل، أكبرته وبالغت في التبجيل،
[1] هو من قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا
الكهف 108.
[2]
في ب: عنه تنكّب.
[3]
يريد كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني المتوفى سنة 430 هـ.
وقلت: يا سيدي، لي زمان أحرص على مثلك، فما ظفرت به من قبلك، فتمّم العطا، واكشف لي الغطا، عن أشياء تعانيها متصوفة الوقت، وبيّن لي منها ما يستحق المقة من المقت [1]، قال: سل عمّا تريد، قلت: أول بيت في القصيد، لم حلقوا الرؤوس وقصروا الثياب؟ فقال: موافقة لما في الكتاب، وهم في ذلك كالمذكرين،/ أن من كان إلى العلى من المخلصين، فليعترف أنه من المقصرين. قلت: فلم تركوا النعال ولبسوا الجماجم؟ [2] قال: شىء إحدثته الأعاجم: [المتقارب]
وأقسم ما ذاك منهم سدى
…
فأفهامهم فوق أفهامنا
ولو قلت ما سرّ ذا أنشدوا
…
جماجمنا تحت أقدامنا
قلت: فلم تختّموا بالعقيق؟ قال: فيه منافع وخواص هو بها حقيق، فان خاتمه يسكن حدة الغضب، ولمنع النزيف هو سبب، ونحاتته [3] لتآكل الأسنان، ولوجع القلب، وقروح أمعاء الإنسان، ومما ذكر عنه وقيل: إن خاتمه لم يوجد في أصبع قتيل، وما أحسن استخدام بعضهم فيه:[الكامل]
عج بالعقيق فمدمعي يحكيه
قلت: فلم رقصوا في السماع؟ قال: فيه لذة واجتماع، ولهم فيه أسرار، لا يطلع عليها الأشرار، فهو كالفخيخ [4] ، أو كالشبكة في يد الشيخ المتصنع يصيد به القوت، والصادق يريد به الربوب، والمبادرة إلى تحريمه من الجمود والقصور، وهو رأي من لا له بالشعر شعور، ولا فهم المنظوم، ولا شمّ رائحة المنثور، ولقد رأينا المعتمدين من علماء الدين لا يطلقون القول فيه بمنع ولا جواز، ولا يحملون الفتوي [5] في عراق ولا حجاز،/ بل الفتوى المعتمدة التي القلب إليها ساكن، أن الأمر في السماع يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأماكن:[البسيط]
كانوا معاني المغاني حين ينشدهم
…
شاد يجاوبه حسن وإحسان
ما إنت حين تغنّي في منازلهم
…
إلا نسيم الصبا والقوم أغصان
قلت: فلم يجلسون الوارد على باب الرباط، ولا يتلقونه أولا بالرحب والانبساط؟
قال: لأنه بطاري السفر، قد تهجن طبعه ونفر، فأرادوا بذلك رياضة نفسه، ولينسى
[1] في نسخة ش: من المقيت.
[2]
الجمجم: المداس (المعجم الوسيط: جمجم) ، وهو ضرب بسيط من الأحذية.
[3]
نحاتته: أي مسحوقه.
[4]
الفخيخ: تصغير فخ، وهو ما يصاد به.
[5]
في ب، ل: الفنا.
عشرة غير أبناء جنسه، ويبني النفس كهؤلاء على الكسر، وينصره الله على شيطانه، وَمَا النَّصْرُ
[1]
، قلت: فلم شرطوا عليه هيئة السفر إلى الدخول؟ قال: لأنها هيئة مذكرة بالوصول: [مجزوء الرجز]
فيا لها من هيئة
…
تنسي الخلاف والطّرب
تفسيرها رياضة
…
تعرب عن أصل الأدب [2]
على أنها في هذا الوقوف، ينشد من قلب عزوف:[المتقارب]
وقوفي على بابهم رفعة
…
ويا طول طردي إن لم أقف
ولو لم تكن لي فرعيّة
…
إليهم بأصل لقالوا انصرف
قلت: فما معنى توجيه أباريقهم للقبلة؟ قال: هي صورة عبادة في الجملة، وفي المثل الغريب، أباريق الصوفية محاريب:[الكامل]
ساق يسوق إلى السباق محبة
…
ويرى شفاء حريقه برحيقه
السّكر كلّ السّكر في كاساته
…
والسرّ كلّ السّرّ في إبريقه
قلت: فلم وضع ساقيهم إبهام رجله اليمنى، على إبهام اليسرى؟ قال: فرقا بين خدمة الخالق والمخلوق وذكرى، ففي الصلاة يصفّ قدميه، وفي خدمة القوم يفعل ما أشرت إليه، وعلى الحقيقة فالصوفي لا إبهام لفضله، ولا سبّابة للوسطى من سيرة مثله.
قلت: فلم طوى الخادم للوارد إذا أتاه الطرف الأيسر الأدنى من مصلاه؟ قال:
ليدوس المطويّ بيمناه، وينقل إلى جانبها يسراه، ثم ينقل اليمنى نقلا، ويصفّ اليسرى معها في المصلى، فقد كرموا في هذه الهيئة اليمين، وتميز بها عنهم من يمين [3] ، واتقوا بلل الوضوء بالبطانة، تورية إلى أنّ الوجه أحقّ بالصيانة، وسأدلك على قاعدة يحصل بها من أفعالهم كمال الفائدة، كلما فارقوا فيه بقية الناس، من/ العوائد والسمت واللباس [4] ، فليمتازوا به عن سواهم، فتبارك الذي خلقهم فسوّاهم.
ثم إن الشيخ سالت عبرته، وتوالت حسرته، وغلبه الحال، فأنشد على الارتجال:[الرمل]
ذهب الصّدق وإخلاص العمل
…
ما بقي إلا رياء وكسل
غرّك التقصير من ثوبي فان
…
قصّر الثوب فقد طال الأمل
[1] أراد الآية: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
آل عمران 126، الأنفال 10، ولم يتمها.
[2]
كلمة (أصل) ساقطة من نسخة ب، في ع: تعرب عن أهل الأدب.
[3]
من يمين: من المين، أي الكذب.
[4]
في ب، ل: والصمت واللباس.
إن تأمّلت فقربي منهم
…
غير أنّ القلب مغناه طلل
إنما الصوفيّ صافي القلب من
…
كلّ غشّ فاذا قال فعل
رفع الكلّ عن الكلّ ومن
…
كلّ في الدنيا تحامى كلّ كل
ذلّ لله فعزّت نفسه
…
كلّ من عزّ بغير الله ذل
فهو إن يعل فبالله علا
…
وهو إن ينزل فبالحقّ نزل
كسر النفس فصحّت واتّقى
…
زخرف الدنيا وخيلا وخول
بذل الروح ولولا عزّ ما
…
رام ما هان عليه ما بذل
عرف المربوب بالربّ فلم
…
يخش إلا ربّه عز وجل
ليتني في جسم هذا شعرة
…
صغرت أو طعنة فيما انتعل
بل مرامي لحظة أو لفظة
…
من وليّ الله من قبل الأجل
هؤلاء القوم يا قوم مضوا
…
ما تبقى منهم إلا الأقل
فالى الله تعالى أشتكي
…
ما بقلبي من فتور وخبل
لو تثبّتّ أتى رزقي على
…
رغمه لكن خلقنا من عجل [1]
كم رياء كم مراء كم خطا
…
كم عدوّ كم حسود لا يمل
ليس يخلو المرء عن ضد ولو
…
حاول العزلة في رأس جبل
لا أرى الدنيا وإن طابت لمن
…
ذاقها إلا كسمّ في عسل [2]
أين كسرى وهرقل أين من
…
ملك الأرض وولّى وعزل
أين من شادوا وسادوا وبنوا
…
هلك الكلّ ولم تغن القلل
لو سألت الأرض عنهم أنشدت
…
أصبح الملعب قفرا والطّلل
قال الحاكي: فما زادني ما سمعت من فيه إلا إعظاما له وحبّا فيه، فازداد تألما، وأنشد مترنما:/ [مخلع البسيط]
يا صاح حقّ لك التحوّف
…
وقلّة السعي والتخوّف
لا تقربن بعدها رباطا
…
قد خرّقت خرقة التصوف
قلت: هيهات هيهات، هذا المحو عين الإثبات، وقد كانت الصوفية أحبّ الخلق إلى الرحمن، والأصل بقاء ما كان، على ما كان، وللعارف هضم نفسه، مخافة طرده وعكسه.
[1] تضمين للآية الكريمة: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ
الأنبياء 37.
[2]
في نسخة ب: وإن طالت لمن.
قال: بالله لقد صدقت في متصوفة العصر، ونصحتك في جمع ألسنتهم، تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ
[1]
، فان الصوفية اليوم، أصحاب أكل وشرب ونوم، يروون الأقوال ولا يتبعون الأفعال، وافقوا القوم ملبسا، وخالفوهم أنفسا، يدعون ما ليسوا من رجاله، ويخيرون الشخص بين عرضه وماله، يحبون الجاه والشهرة، ويؤملون برد النعيم على فترة:[مجزوء الرجز]
اعتزل الناس ومل
…
عنهم بنفس صادقه
صار الرباط كاسمه
…
والخانقاه الخانقه [2]
والناس قد تصنّعوا
…
وليس فيهم بارقه
إلا قليلا قال عن
…
دنياه أنت طالقه
قلت: إلى رؤية هذا القليل أميل، فيهم تبرد النار ويشفي الغليل، فليت طرفي قبل الموت المحتوم، اكتحل بنجومه الزاهرة، فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ
[3]
، قال الشيخ: ندفعك فلا تندفع، ونقطعك فلا تنقطع، الآن أعجبنا صدقك، ووجب علينا حقك:[الخفيف]
هكذا كن محبّة واحتفالا
…
واعص فينا الوشاة والعذّالا
لك منّا تكتّم واستتار
…
ولنا منك أن تطيل السؤالا
إنّ لله في الوجود وجوها
…
تركت حسنها له والجمالا
فاعلموا أنّ في الزوايا خبايا
…
وافهموا أنّ في السويدا رجالا [4]
أقحموا النفس في مهالك زهد
…
يفترسن الأرواح والأموالا
قصدوا هدم سورها فبنوه
…
وأتوا كي يقصروه فطالا [5]
أنفس أكرم النفوس على الل
…
هـ وأقوى حولا وأقوم حالا
فهي تمشي مشي العروس اختيالا
…
وتهادى على الزمان دلالا
نحن قوم يعيش من مات فينا
…
مستهاما ويبلغ الآمالا
عش على حبّنا ومت في هوانا
…
هكذا هكذا وإلا فلا لا
[1] المرسلات 32.
[2]
الخانقاه: رباط الصوفية، والكلمة فارسية تطلق على المباني التي تقام لإيواء الصوفية الذين يخلون فيها للعبادة، وسميت هذه المباني (تكايا) في العهد العثماني، وخصصت لإيواء الدراويش الذين ينقطعون للعبادة. (الموسوعة العربية الميسرة 1/750) .
[3]
سورة الصافات 88.
[4]
السويدا: قرية بحوران من نواحي دمشق. (معجم البلدان: السويداء) .
[5]
في ش: وأتوا أن يقصروه.
قال الحاكي: فأطربني هذا الكلام الطيب، وما ضمنه من شعر أبي الطيب، ثم صافحوني للوداع بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ
[1]
، تلك عشرة كاملة، فسلام الله على العشرة. آخرها [2] .
[تمت المقامة الصوفية] في مسند الإمام [3] أحمد، عن عبد الله بن الحارث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصف عبد الله وعبيد الله، وكثيرا من بني العباس، ثم يقول:(من سبق إليّ فله كذا وكذا)[4] فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيقبلهم ويلتزمهم.
في المستدرك عن أبي بكر بن شعيب بن الحبحاب، سمعت أشياخنا يقولون: كان نقش خاتم أسامة: (حب رسول الله) .
في معجم الصحابة للبغوي عن إبراهيم بن إسماعيل الكهيلي، قال: كان طول جرير بن عبد الله البجلي ستة أذرع. وفيه عن أبي عمرو الشيباني، قال: سئل جبلة بن حارثة، أخو زيد بن حارثة رضي الله عنهما: أنت أكبر أم زيد؟ قال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله.
روى الطبراني عن جرير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدمت الوفود عليه، دعاني فباهاهم بي./
في مسند أحمد، عن سفيان قال: حدثني ابن لجرير بن عبد الله، قال: كان نعل جرير بن عبد الله طوله ذراع.
روى أبو موسى المديني في معرفة الصحابة، من طريق أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عون بن سراقة، عن أخيه جعال بن سراقة الضمري، قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوجه إى أحد، إنه قيل لي: إنك تقتل [5] غدا، فقال:(أو ليس الدهر كله غدا)[6] .
البغوي في معجمه، عن إياد بن لقيط، قال، قال جعدة بن هبيرة لجلسائه: إني قد علمت ما لم تعلموا، وأدركت ما لم تدركوا، إنه سيجيء بعد هذا، يعني معاوية، أمراء ليس من رجاله، ولا من ضربائه، وليس فيهم إلا أصفر [7] أو أبتر حتى تقوم الساعة، هذا السلطان سلطان الله جعله، وليس أنتم تجعلونه.
[1] سورة عبس 18.
[2]
آخرها: أي آخر المقامة الصوفية، والكلمة ساقطة من نسخة ش.
[3]
الإمام، ساقطة من ش.
[4]
مسند أحمد 1/214، المعجم الكبير 19/188، مجمع الزوائد 5/163، 9/17، 285.
[5]
في ش: إنك تقتلني غدا.
[6]
طبقات ابن سعد 4/1/181 برواية: (أليس الدهر كله غدا) .
[7]
في ب، ل: أصغر.
قال ابن حجر في الإصابة: مات جعدة في خلافة معاوية، وأمه أم هاني بنت أبي طالب. ابن مندة عن جناب الكلبي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرجل ربعة إلي جانبه:
إن جبريل عن يميني،/ وميكائيل عن يساري، والملائكة قد أظلت عسكري، فخذ في هناتك، فأطرق الرجل شيئا ثم قال:[الكامل]
يا ركن معتمد وعصمة لائذ
…
وملاذ منتجع وجار مجاور
يا من تخيّره الإله لخلقه
…
فحباه بالخلق الزكيّ الطاهر
أنت النبيّ وخير عصمة آدم
…
يا من يجود كفيض بحر زاخر
ميكال معك وجبرئيل كلاهما
…
مدد لنصرك من عزيز قاهر
قلت: فمن الشاعر؟ قالوا حسان بن ثابت [1] .
قال ابن دريد، حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عبّاد، عن الشرقي، وعن مجاهد، عن الشعبي، قال: كنا عند ابن عباس، وهو في صفّة زمزم يفتي الناس، إذ قام إليه أعرابي، فقال: أفتيتهم، فأفتنا، قال: هات، قال: ما معنى قول الشاعر [2] : [الطويل]
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا
…
وما علّم الإنسان إلا ليعلما
فقال له ابن عباس: ذاك عمرو بن حممة الدوسي، قضى بين العرب ثلاث مائة سنة، فكبر وألزموه السابع أو التاسع من ولده،/ فكان إذا غفل قرع له العصا، فلما حضره الموت، اجتمع إليه قومه، فأوصاهم وصية حسنة، فيها حكم.
الخرائطي في مكارم الأخلاق، حدثنا علي بن داود القنطري، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني أسامة بن زيد: أنه سمع أبا حازم، وحفص بن عبد الله بن أنس، يقولان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحدث أصحابه عن أمر الآخرة، فاذا رآهم قد كلّوا وعرف ذلك فيهم، أخذ بهم في بعض أحاديث الدنيا، حتى إذا نشطوا وأقبلوا، أخذ بهم في حديث الآخرة.
وأخرج فيه عن قتادة قال: الكلام يشبع منه، كما يشبع من الطعام. وأخرج عن علي بن أبي طالب، قال: أجمّوا هذه القلوب، واطلبوا لها طرف الحكمة، فانّها تمل كما تملّ الأبدان.
وأخرج عن سليمان التيمي قال: إني لمن جليسي لفي شدة، إما أن يغتاب عندي صديقا، وإما أن يحمل عني شيئا لم أتكلم به.
حديث من رواية الجان، قال الخرائطي، حدثنا سعد بن أبي يزيد البزاز حدثنا أبو
[1] لم أجد الشعر في ديوان حسان.
[2]
البيت للمتلمس في البيان والتبيين 3/38.