المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حديث أم زرع] - المحاضرات والمحاورات

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌جلال الدين السيوطي

- ‌حياته

- ‌مؤلفات السيوطي

- ‌من ألف في المحاضرات والمحاورات وما أشبهها:

- ‌معنى المحاضرة

- ‌كتاب المحاضرات والمحاورات

- ‌نسخ الكتاب المخطوطة

- ‌1- نسخة الأصل:

- ‌2- نسخة ب:

- ‌3- نسخة ش:

- ‌4- نسخة ع:

- ‌5- نسخة ل:

- ‌6- نسخة ط:

- ‌من إنشاء الشهاب المراغي [3] في ذكر العلم

- ‌ذكر مستحسنات انتقيتها من طبقات ابن سعد

- ‌ذكر مراثي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مستحسنات انتقيتها من كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

- ‌في تاريخ ابن عساكر [4]

- ‌منتقى من المصنف لابن أبي شيبة مما يحسن في المحاضرات

- ‌في تاريخ الصلاح الصفدي

- ‌ذكر مستحسنات انتقيتها من كتاب الغرر من الأخبار

- ‌ذكر مستحسنات انتقيتها من مصنف عبد الرزاق

- ‌أحاديث إعطائه صلى الله عليه وسلم القصاص من نفسه

- ‌من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أسن منه

- ‌[في العزلة]

- ‌في حياة الحيوان للكمال الدميري

- ‌[من تاريخ من دخل مصر للمنذري]

- ‌في كتاب البسملة لأبي شامة

- ‌في التذكرة المسماة كنوز الفوائد ومعادن الفرائد

- ‌في كتاب العشق والعشاق تأليف عبد العزيز بن عبد الرحمن بن مهذب

- ‌ذكر المسبحي [1] في تاريخه

- ‌[المختار من تذكرة ابن مكتوم]

- ‌في النهاية لابن الأثير

- ‌وفي تذكرة الوداعي

- ‌ذكر الأصل في المفاخرات

- ‌مفاخرة السيف والقلم

- ‌مقامة تسمى الحرقة للخرقة

- ‌قال وكيع في الغرر

- ‌في كتاب الأشراف لابن أبي الدنيا

- ‌أخرج ابن عساكر في تاريخه

- ‌في تاريخ الصلاح الصفدي

- ‌في كتاب الفرق الإسلامية لابن أبي الدم

- ‌من وضعيات شرف بن أسد المصري

- ‌في تذكرة الوداعي

- ‌في تذكرة ابن مكتوم

- ‌في تاريخ الصلاح الصفدي

- ‌في شرح البخاري للكرماني [1]

- ‌في تاريخ ابن عساكر

- ‌البخاري في التاريخ

- ‌قال البغوي [1] في معجم الصحابة

- ‌المقامة اللازوردية في موت الأولاد

- ‌المقامة المنبجية للإمام زين الدين عمر بن الوردي

- ‌المقامة الصوفية

- ‌منتقى من كتاب التدوين في أخبار قزوين

- ‌ذكر الشيخ أبو منصور الثعالبي في اليتيمة

- ‌رسالة السكين

- ‌قال البغوي في معجم الصحابة

- ‌وقال ابن عبد البر في كتاب العلم

- ‌[حديث أم زرع]

- ‌في التنوير لابن دحية

- ‌المغرب في أخبار المغرب

- ‌في كتاب نزهة المذاكرة وأنس المحاضرة

- ‌في تذكرة الإمام محيي الدين عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي

- ‌من كتاب (اللطائف واللطف) [1] لأبي منصور الثعالبي

- ‌من كتاب (لطائف المعارف) للقاضي أبي بكر النيسابوري

- ‌من كتاب (مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام)

- ‌في تذكرة المقريزي

- ‌حكاية القاضي واللص

- ‌في تاريخ المدينة الشريفة للحافظ جمال الدين المطري [2]

- ‌قال القاضي تاج الدين السبكي [1] في الطبقات الكبرى:

- ‌في تاريخ ابن عساكر

- ‌[الفهارس]

- ‌فهارس الكتاب

- ‌1- فهرس الآيات القرآنية الكريمة

- ‌2- فهرس الأحاديث النبوية

- ‌3- فهرس الشعر

- ‌4- فهرس الأعلام

- ‌5- فهرس القبائل والأمم والشعوب والجماعات

- ‌6- فهرس المواضع والبلدان

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[حديث أم زرع]

تنكحها كلما أردت فلا

يضجرها منك ذلك العمل

تحبل في ليلها فان تركت

إلى غد زال ذلك الحبل

وهي إن فتّشت فلا دبر

توطأ فيه ولا لها قبل

ففسّر الآن ما رمزت ولا

تطمع بخرعوبة لها كفل [1]

في النهر: [مجزوء الكامل]

انظر إلى النهر الذي

زالت بمنظره الهموم

والشمس تصقل ثوبه

لمّا يفرّقه النسيم [2]

بعضهم: [الرمل]

ادفع الهمّ إذا ما طرقك

وكل الأمر إلى من خلقك

وإذا أمّل قوم أحدا

فإلى ربّك فامدد عنقك

[حديث أم زرع]

قال الأستاذ العارف بالله أبو الحسن علي بن وفا الشاذلي [3]، نفعنا الله به [4] :

بسم الله الرحمن الرحيم، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل، جالست ليلة قرّة عين القوم، ومن لا تأخذ جليسه سنة ولا نوم، روح الأمر القرآني، وجامع السبع المثاني، فآنسني في غربة السلوب، بما كشف لي من حقائق الإمكان والوجوب، وسامرني بقصص الأبد والأزل [5] ، فأتاني بالعجب العجاب فيما نقل، وكان فيما تلا من المعاني بلسان بيانه الرحماني، تلويح صاحب الشرع، بما في حديث أم زرع، فقال وهو الثقة فيما ذكر، والمخبر عن العيان لا عن الخبر: إن النفوس الممنوحة بالتمكين، فرش العقول المجردة، عن غلبات التكوين، وهي ست كالجهات لصور التجليات في الحضرات العليات، والنفوس المحجوبات عن رؤية الغيب بحجاب

[1] الخرعوبة: الشابة الحسنة القوام، وقيل: هي الجسيمة اللحيمة. (اللسان والصحاح: خرعب) .

[2]

في ب، ش، ل: لما يفركه النسيم.

[3]

الشاذلي: لعله محمد (الملقب بوفاء) بن محمد (النجم) بن محمد السكندري أبو الفضل، المعروف بالسيد محمد وفا الشاذلي، رأس (الوفائية) ووالدهم بمصر، مغربي الأصل، ولد ونشأ بالاسكندرية وسلك طريق الشيخ أبي الحسن الشاذلي، ونبغ في النظم، فأنشأ قصائد على طريقة ابن الفارض، كان واعظا، لكلامه تأثير في القلوب، له مؤلفات منها:(ديوان شعر) ، و (نفائس العرفان من أنفاس الرحمن) ، و (الأزل) ، و (شعائر العرفان في ألواح الكتمان) ، و (المقامات السنية المخصوص بها السادة الصوفية) ، وغيرها، توفي سنة 765 هـ. (شذرات الذهب 6/206، الدرر الكامنة 4/279، جامع كرامات الأولياء 1/142) .

[4]

قوله: (نفعنا الله به) ساقطة من نسخة ش.

[5]

الأبد: الدهر، والأزل: القدم، وما لا أول له.

ص: 382

التعيّن الموقوفة عن النفوذ، من أقطار الكيان في رحلة التلون، فرش العقول [1] النظرية المعقولة بالقيود الجبرية، والحدود الفكرية، وقد حجبت عن شهود حقائق القدس، بقياس الغيوب على شواهد الحس، وهن على عدد الحواس الخمس، وقد أشار إلى الكل بلسان الشرع، بما في حديث أم زرع [2] ، فهن إحدى عشرة امرأة، امرأة نفسانية، لأرواح العقول الإنسانية، جلسن في حضرة الكشف المطلع على عوالم النور، فتعاهدن بأيدي الظهور، وتعاقدن بكشف الستور، أن لا يكتمن عن بصيرته الناقدة، من أخبار أزواجهن شيئا في ذكره فائدة.

الأولى: هي النفس المستكبرة، المصروفة المنكرة، التي غلبت بوهمها/ على همّة قوم، فجاؤوا ظلما وزورا، واستكبروا في أنفسهم، وعتوا عتوّا كبيرا، وهذه أصعب النفوس المتلونة قيادا، وأبعدها حضورا، وأعظمها عنادا، وأشدها نفورا، تصول صولة أهل الدولة والرياش، وتتهافت على الرذائل تهافت الفراش، وتقول بلسان الدعاوي: أنا الشمس والقمر، فاذا بدا ما عندها من المساوئ، عسعس الغيهب واعتكر، فشتان بين سوء المخبر، وحسن الخبر، وتتشبه بزخارف الأقوال لأحوال أهل المشاهد، وريش الطواويس، لا يلتبس بشوك القنافذ، وصاحب هذه النفس، إذا لوحظ بعين الامداد، وجذبته العناية بأزمة السداد، أهزل من أنفتها ما كان سمينا، وحقّر من افتخارها [3] ما كان ثمينا، وأفردها من الرياضة في جبل صعب المسالك، بعيد الذرى والمدارك [4] ، ليس لعشاق الرياسة له من سبيل، ولا للهمم الدنية عليه تعويل، فاذا ذلت نفسه لعزّ الحق ودالت، كان كما أخبرت وقالت:

«زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعث» [5] ، قد أهزل حمل أعباء التواضع شحم كبره، وذاب فخ عظم تعاظمه بنور ذكره، وسكن من جبل الرياضة والخمول، في ذروة يصعب إليها الوصول، لا الجبل سهل فيرتقى، ولا اللحم سمين فينتقى.

الثانية: هي النفس المدسوسة المتلونة في الأخلاق المعكوسة، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها

[6]

، وتركها منقلبة في مهاوي هواها، ولدتها عوائد الأوضاع، في مشئمة الطباع، ووأدتها الأكيان والأشكال، ودسّتها في متربة الوهم والخيال، فلا حياة إلا برضاع ثدي

[1] في ب: فرش العقور.

[2]

حديث أم زرع مع النساء الإحدى عشرة في بلوغ الأرب 2/33- 44، وهن نساء من خثعم من قبائل عرب اليمن في الجاهلية، واتفقن أن تصف كل واحدة زوجها، وكانت الأخيرة هي أم زرع، وكانت أبلغهن وصفا لزوجها، والشاذلي هنا يصوغ بأسلوبه مضمون كلامهن بعيدا عن لفظهن.

[3]

في ش: من احتقارها.

[4]

في ب: بعيد الدر والمدارك.

[5]

بلوغ الأرب 2/36، واسم الأولى مهدد بنت أبي هزومة.

[6]

من سورة الشمس 10: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها.

ص: 383

الذّكر والاعتزال، والعظائم عن خلط أهل المراء، وخبط أهل الجدال، حتى تعود إليها روح الفطرة، وتذهب عنها فترة الغمرة، فحينئذ إن سئلت عن أحوال العامل على نفخ روح الفتح فيها، المانع لها من مسرح دعاويها، المراعي لها في جميع مراعيها،/ فتى رعت في سميّاتها المزهرة، روّعتها أشد الروع وأقهره، قالت: زوجي لا أبثّ بلسان الرياء، والسمعة خبره، إني أخاف من سطوة محاسبته [1] ، وتمكن همّته أن لا أذره، أن أذكره بلسان شكوى التقصير، أذكر عجره وبجره [2] ، فهو بذلك يحبّ أن أذكره.

الثالثة [3] : نفس أمّارة، منفعلة للخواطر المارّة، وهي مسقط رأس القرنين، ومجمع جيوش الوصل والبين، إن تغلّب عليها القرين الجاني، وهو الهوى الشهواني، غرس فيها رذائل الأخلاق أشجار الزقوم [4] ، وأجرى لها من نقائص الأعمال بحار اليحموم، وألبسها من المجانسة الخلقية [5] ، تارة جلد كلب، وتارة جلد حمار، وبنى قصور تقصيرها من هاوية الهوى على جرف هار،/ وإن تبوأها القرين الروحاني، وهو نور البيان الإنساني، أرغد غذاء قلبها من طيب ثمر المعاني، وروّق شراب أغصانها من العمل الرضواني، وألبسها من نسج الفضائل الخلقية حللا سندسية وإستبرقية، وجعلها حرما آمنا لمن فزع من جهله وذنوبه، وتجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدن علّام غيوبه [6] ، فأشجار كلماته الطيبة لا تخبط ولا تقطع، وطائر وارداته لا ينفّر ولا يروّع، وصاحب هذه إن رحم سلك علوّ منهاج الحذر من غوائلها، وتذرّع باليقظة من سهام دسائسها، أن يقع في مقاتلها [7] ، كلما أحسن رأى أنه مقصر، فكيف إذا وجب عليه أن يستغفر، نفسه تحت طول همّته مقهورة بالتأييد، فخواطرها الخاطفة من سطوة مراقبته لا تبدي معه ولا تعيد، هو العشق الذي طالت قامة استقامته [8] العبدانية، واتسعت أقطار صورته

[1] ش: من نطق محاسبته.

[2]

يقال: ذكر عجره وبجره، أي عيوبه وأمره كله، ما أخفى منه وما أبدى، وفي حديث عليّ:(إلى الله أشكو عجري وبجري)، وجاء بالعجر والبجر: بكذب أو أمر عظيم. (المعجم الوسيط: عجر)

[3]

في بلوغ الأرب 2/37: قالت الثالثة وهي كبشة بنت الأرقم: (زوجي العشنق، إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق) العشنق الطويل المذموم الطول، قال الأصمعي: أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بغير نفع.

[4]

الزقوم: شجرة مرة كريهة الرائحة، ثمرها طعام أهل النار، وفي التنزيل العزيز: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ

. (اللسان: زقم) .

[5]

في ب: المجانسة الخليقة.

[6]

يفيد المؤلف من قوله تعالى: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا

(القصص 57) .

[7]

في ب: في مقالتها.

[8]

في ب: الذي طالت استقامته.

ص: 384

الروحانية، وإن نطقت ألسن شهوات/ نفسه طلّقها، وإن سكنت نواطق همّتها علّقها، وإذا أنفق ذخائر قوته في العبادة وفرقها، شكى إلى الله شحّ نفسه، فانه ما أنفقها، وهو الذي قالت عنه:«زوجي العشنّق، إن أنطق بلسان الشهوة أطلّق، أو أسكت سكوت فترة أعلّق» .

الرابعة [1] : نفس مطمئنة، مؤيدة بالرضا، ممنوحة بالمنة، راسخة القدم في مشاهد القدم، قد رفعت حجاب الكشائف الخلقية، حتى شهدت اللطائف الحفيّة، وعرفت سرائر أسرار الربوبية، في مظاهر أطوار العبودية، فرجعت في كل حال إلى الله، وتلقت كل واقعة من الله فهي راضية في كل مشهد، بالله مرضية في كل حضرة لله، وصاحب هذه هو عارف الوقت، المحفوظ من السلب بالقبول في الوقت، وقد أخمد ببرد الرضا حرارة الانتقام، وبلوغه الشوق نفى قرّ المهابة والإحجام، وبمحض التسليم، أمن قواطع القرب، وبسلامة الذوق فارق الملل من الشرب، فهو كما/ قالت:«زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ، ولا مخافة ولا سآمة، والغيث غيث غمامة» .

الخامسة: نفس مشتراة من المملكة البشرية، محفوفة بالمكنة من المملكة السريّة، قيل في شأنها بلسان المنة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ

[2]

، نفس جاهدت فغنمت، شاهدت فنعمت، وقتلت بصفاء الزهد شيطانها، وقبلت بوفاء العهد سلطانها، وصاحب هذه إمام وصل الفتح لواحي سياداته [3] بسوابق إراداته، وقطع العزم علائق الحسيّة بسيف الحزم في مجاهداته، فاستبشر عند محق الخيال من حقائق الجمال بأكمل لذّاته، وأتاه مدد السمع والبصر والروح بانجاز عداته، ووجد ما وعد من صدق الكليم، والحي والشهيد حقا/ في مشاهداته، فهو كما قالت: حظيرة حضراته السنية، زوجي إن دخل حضرة المشاهدة العلمية فهو بتنادم الأنية، وإن خرج لميدان فرسان المجاهدة العملية أسد باخلاص العزم والنية، ولا تسأل عمّا عهد من حسن فعله وقوله، لصدق تبرّيه من قوته وحوله.

السادسة: نفس لوّامة متلونة على صور الحظوظ اللامّة، لا يزال شأنها الملل في كل علم وعمل، كلما حصلت على مطلوب نشأ لها حظ وأمل، فهي أبدا في شكاية ووجل، وكآبة أنشأتها الرغبة في الغاية والضجر مما حصل، فصاحب هذه إن وقف على باب مولاه، حتى فتح له وآواه، وأحضرته حضرة مناجاته، أو منحه رؤياه، وأجلسه على موائد/ مدده

[1] في بلوغ الأرب 2/38: قالت الرابعة: (زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة، والغيث غيث غمامة) .

[2]

التوبة 110.

[3]

في ش: لواحق سياداته. واللواحي: كل ما لمع بشيء وأظهره، ومنه قول الشاعر:(اللسان لوح) :

فامّا ترى رأسي تغيّر لونه

ولاحت لواحي الشيب في كل مفرق

ص: 385

وهواه، وأورده مشاهد رضاه وتقواه، صار كما قالت:«زوجي إن أكل من ثمرات شكره لفّ، وإن شرب من كأس سكره اشتفّ، وإن اضطجع على فراش المؤانسة التفّ، بالحياء والأدب احتفّ، ولا يدخل في جيب نفسه كف الترخص في المعاملات، ليعلم ما عندها من البثّ على فوات الشهوات» [1] .

السابعة: النفس السوّالة، ذات الدسائس القتّالة، تزخرف المهالك الفواتك، بحلى الفضائل والمناسك، فتسقي نديمها السمّ في العسل، كما سوّلت للسامري [2] فعله الذي فعل، هي مستدرجة بعلوم النظر، محجوبة عن المؤثر بالأثر، محبوسة السمع والبصر، في سجن القياس والفكر، لا دواء لدائها العياياء، إلا إذلالها بين معظميها من البرايا، وتنقيصها وإن أتت بكل المزايا، فاذا تحلّى صاحبها بحلى المستضعفين حتى كسر قواها، وطبق بقدم الصدق على منافس هواها، ورأى به جميع الأدواء من معايبها وبلاها، فأوسع بذلك تبكيتها وجفاها، وشجّ رأس رياستها بالذل والخمول، وفك مواسك إفكها بالردّ وعدم القبول، تململت منه تململ الملوك في البلوى،/ وقالت في مجالس النجوى، بلسان الخضوع والشكوى:«زوجي عياياء [3] بداء العضال، طباقاء عليّ بكلكل أدواء الأعمال، وكل داء له دواء، فهو يتعاطى أنواع الدواء، ومتى أبيت الشراب، أو سئمت الحمية كعادة المصاب، شجك أو فلّك أو جمع كلالك» .

الثامنة: نفس زاكية بمكنة تقواها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها

[4]

، قد أشرقت شمس حقيقتها الفعلية، فغدا نور فاعلها ضحاها، وتلألأ قمر قبولها الفطري، فتمّت كلمتها بظهور معناها، وهجم نهار توحيدها على ظلم صور الأسباب فجلاها، وسكنت إلى الله تعالى بخمود حركات الحظوظ، فلم تزل آمنات الإيجاد بمحو المنازعة تغشاها، وصاحب هذه ملهم البصيرة، طاهر الظاهر والسريرة، رفع عن المصور حجاب الصورة، فشهد الله في كل مشهد مولاه ونصيره،/ قد أنعم بالتفويض والسكينة خشونة الطباع والأخلاق، وامتزج مزاجه بنفحات الرحمة، فطابت بأنفاس معارفه وعوارفه جميع الآفات، فلو مسست بيد التأييد ديباجة وسمه الوسيم، وتنشقت نسمات أوراده وداراته، بادراك

[1] في بلوغ الأرب 2/39: تقول السادسة: (زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكف، ليعلم البث) .

[2]

السامري: أحد بني إسرائيل، من قبيلة السامرة، أضل قومه في غياب موسى، صنع العجل وعبده، ودعا قومه إلى عبادته، برغم تحذير هارون لهم، وجاء ذكره في القرآن الكريم: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ

(سورة طه 88، وانظر تفسير ابن كثير 4/534) .

[3]

في بلوغ الأرب 2/40، قالت السابعة:(زوجي غياياء طباقاء، كل داء له دواء، شجّك أو فلّك، أو جمع كلا لك) . الغياياء الطباقاء: الأحمق الذي ينطبق عليه أمره.

[4]

سورة الشمس 9.

ص: 386

القلب السليم، لوجدته كما قالت حليلة وجهه الفهيم:«زوجي المسّ مسّ أرنب، والريح ريح زرنب» [1] .

التاسعة: نفس ذاكرة، بلسان شهود المسمّى في معرفة أسمائه الشريفة، ولم تترك مكنة التجلي تنادي صاحبها في كل لطيفة، وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً

[2]

، فهي من بيوت، أذن الله أن ترفع عن ملابسة الحوادث، ويذكر فيها اسمه، من غير ثان ولا ثالث، ونفس حررت ميزان خوفها ورجاها، وجاوزت الأطراف، ففازت من الوسيطة بمنتهاها، شهدت معناها فرامت بلوغ مناها، وعلمت أن لا حول ولا قوة إلا بمولاها، فخرجت عن تحيل حولها وقواها، وخشعت حوادث نواهيها، فوعت كلام مناجيها، وحميت من هواها، كما حفظت من مهاويها، فنشقت أنفاس الرحمة من جميع نواحيها، وصاحب هذه هو الذاكر على الحقيقة والعيان، المحفوظ من الغفلة والنسيان، الموهوب أفضل ما يعطى السائلون من الأماني والأمان، ظاهره بالجلال في الشرع مضبوط، وباطنه بالجمال في الجمع مبسوط، ثبت أصل شجرته، وطال فرع سدرته، كلما هزت فكرته بيد الرياضة جذع عبرته،/ تساقط من روض الرضا جني ثمرته، واستغرقته لذة ذوقه عن زهارة زهر حضرته، ولم يدع له استقبال قبلة القبول أربا دون محبوبه يرتضيه، ولا طلبا غيره يفرح بتقاضيه، فلا صدق توجهه التوحيدي في كل مقام بلسان الدهش والاصطلام، تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ

[3]

، فمتى سئلت حليلته عن نعته قالت بلسان حفظ كمال وقته [4] : «زوجي رفيع عماد التوحيد والعلل، طويل نجاد الهمّة المقدسة عن الملل، عظيم رماد الأحشاء المحترقة بالشوق لمن بين يديه لم يزل، قريب بيت الفتوة من النادي، سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ

» [5] ./

العاشرة: هي نفس مملوكة بأصل الوضع، ذات المكنة في عوالم السمع، هي التي اصطنعت للنفس العلمية، وصنعت على عينها الحكمية، تولدت عن قوة التلقي والإلهام، وعلى صورة ما تجلّى به عليها ذو الجلال والإكرام، فلما شبّت على صورة الأصل، قيل لقوامها من خلف حجاب الوصل، لا تخف نجوت من الفصل، ولما دعيت لكشف القناع من حضرة السماع، فدس من خشاش الشواغل واديها، وخلع قدم صدقها نعل

[1] بلوغ الأرب 2/40، وصفته بأنه لين الجسد ناعمه، والأرنب دويبة لينة المس ناعمة الوبر جدا، والزرنب بوزن الأرنب، وهو نبت طيب الريح.

[2]

الأعراف 502.

[3]

الرحمن 78.

[4]

في بلوغ الأرب 2/41: قالت التاسعة وهي كبشة: «زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد، لا يشبع ليلة يضاف، ولا ينام ليلة يخاف» .

[5]

من سورة الحج 25، وتمام الآية: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ.

ص: 387

الكيف والأين عند طروق ناديها، تنزيها وإجلالا، لمقعد صدق مناجيها، وسترت ببرقع الصعق والدك وجوه الغيرية وناديها، فقال لها: قد بلغت المنى، إني أنا، وقيل لصاحبها إني اصطفيتك، فخذ ما أتيتك، حين جاهد في الله حقّ جهاده، بخروجه لمراد الله عن مراده، وأناله الله منالا فوق الأمل، وأقامه مقاما لا يبلغ بالعمل،/ فكلّ أيامه طيب وطرب، وسائر لياليه قرب وقرب، وجميع أحواله دنوّ وأدب، متى طلب منه شكران شهوده القدسي، قال بلسان التجريد عن العالم الحسي: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي

[1]

، فهو في عجزه معروف بالقوة الباهرة، وفي فقره موصوف باسباغ النعم الباطنة والظاهرة، كما قالت العاشرة:«زوجي مالك الروحانيات، فما مالك الجسمانيات، من هو مالك للملكات الفواتك، هو خير من ذلك، له إبل ملاحظات تحمل المنقطعين إلى مراتب، ما كان لهم أن يبلغوها ألا بشقّ النفوس، قليلات المسارح في العالم المحسوس، كثيرات المبارك من البصائر النافذة بها إلى الملك القدوس، إذا سمعن صوت مزهر أبي أنا قد اقترب، أيقن أنهن هوالك من الطرب» [2] .

الحادية عشرة [3] : النفس العلمية أم زرع الكمالات، وكتاب التفصيل والإجمالات، صحيفة المعاني اللاهوتية، المحمولة على عروش الناسوتية،/ وهي التي تعرّت جلابيب النسب والإضافات، وألبسته خلع أسرار الصفات العلميات، وكشف دونها حجاب حضرة الذات، فتحجبت بنور عزة الوحدة، عن غواشي أعين الشتات، وصاحب هذه في كل زمان، واحد الأعيان، وروح الأكوان، وميسر البيان، عن علم الرحمن، هو الفؤاد الذي رأي ما لا يرى، ليس في ذلك شك ولا مرى، المضروب في الإنجيل مثل ذرية الروحانيين في عالم الطباع، كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ

[4]

، وهذه النفس لا تألف غيره، ولا تعرف سواه، ولا تعشق على كل حال إلا إياه، فهو ريحانة روحها، وحبّة قلبها، وقرّة عينها، ومنبت لبّها، والممنوح منها يصدق حبها، في حين بعدها، وحال قربها، متى استوصفه منها عقل سليم،/ قالت بلسان الخلق العظيم: «زوجي أبو زرع، حبة حبات القلوب، فما أبو زرع إلا

[1] المائدة 25، وتمام الآية: قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي.

[2]

في بلوغ الأرب 2/42: قالت العاشرة وهي حبى بنت كعب: (زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك) .

[3]

في بلوغ الأرب 2/43: قالت الحادية عشر وهي عاتكة: (زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟ أناس من حلّي أذنيّ، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إليّ نفسي، ووجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنّضح،، أم أبي زرع، فما أم أبي زرع

) .

[4]

الفتح 29.

ص: 388

حضرة علام الغيوب، أناس من حلي الوحي الذاتي أذنيّ وهي القوة العلمية، وملأ من شحم التأييد الصفات عضديّ، وهو القوة العملية، ويحجبني بالمحبة، فتحجب به إلى نفسي، وهي صورتي الكلية، وجدني في غنيمة أهل الآثار، بشق الاستدلال، فجعلني في صهيل السبق، وأطيط [1] الاستواء ودايس التلاع، ومنقى الكمال، فعنده أقول بالقول الصادع، فلا أقبح بالرد، وأرقد رقدة الرضا، فأتصبح بالأمان من الصد، وآكل من جنى ثمرات الكمال، فأتمنح [2] لمن تقرب واستعد، وأشرب من رؤية العين بالعين، فأتقمّح [3] عن صور المشاهدة، بما من الغيب أشهد.

أم أبي زرع، كلمة ذات العليم الفتاح، فما أم أبي زرع إلا روح الأقلام، وحياة الألواح، عكومها رداح، وهي قوابلها الملآنة بقوت الأرواح، وبيتها فساح، وهو صدر للحقائق ذو انشراح، حيث يسكن لرحمته أهل الصلاح، ويستجير بشفاعته أهل الجناح، ولا جناح، ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع، هو الذوق السليم المتولد عن فكره الواضح الحكيم، وعقله الواسع العليم، مضجعه من الفهم الماضي، كمسلّ شطبه، لرقة حواشيه، بمجالسة الأحبة، وتشبعه ذراع الجفرة، لوجود مطلوبه في كل ذرّة، وترويه فيقة اليعرة [4] ، لرضاه من اتباعه بالتسليم لأول مرة، بنت أبي زرع زوج تحلت بحلاه، فما بنت أبي زرع إلا محل جنابه وولاه، لم تزل بالتسليم والإرشاد، والتغذية من لطائف الأشهاد،/ وحسن النظر في حفظ نضارتها طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع، وهي القوة البشرية الخادمة للقوة الآمرية، لا تبث حديثنا بالدعاوى تثبيتا، ولا إيتاء الحكمة لغير أهلها، تنقث ميرتنا تنقيثا [5] ، ولا من العوارض الحسية تملأ بيتنا الفكري تعشيشا.

خرج أبو زرع من حكم الناسوت ليلة الإسراء، إلى أن كان من كل لاهوت، بحيث يسمع ويرى، وأوطأت المشاهد تمخض بيد البيان، لتخرج له من درّ العلم زبدة العيان، فلقي امرأة، وهي حالة السلوب، الواجبة في حضرة الوجوب، معها ولدان لها كالفهدين، هما الطمأنينة والسكينة، اللذين يلعبان من تحت خصر التوسط، في الحلم والتجريد،

[1] الأطيط: صوت الإبل من شدة ثقل أحمالها. (اللسان: أطط) .

[2]

التمنّح: إطعام الغير من مال أو طعام. (اللسان: منح) .

[3]

التقمّح: كراهية الشراب، بسبب الإكثار منه، والقامح: الكاره للشيء. (اللسان: قمح) .

[4]

اليعرة أو اليعر: الشاة أو الجدي أو العناق، يشد ويربط عند زبية الأسد أو الذئب ونحوهما، ويغطى رأسه، فاذا سمع السبع صوته جاء في طلبه، فوقع في الزبية، فأخذ، واليعر: الشاة أو الجدي ربط أم لم يربط (المعجم الوسيط: يعر) .

[5]

نقث عن الشيء: حفر عنه ليستخرجه، والعظم: استخرج مخه

ص: 389