المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقامة المنبجية للإمام زين الدين عمر بن الوردي - المحاضرات والمحاورات

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌جلال الدين السيوطي

- ‌حياته

- ‌مؤلفات السيوطي

- ‌من ألف في المحاضرات والمحاورات وما أشبهها:

- ‌معنى المحاضرة

- ‌كتاب المحاضرات والمحاورات

- ‌نسخ الكتاب المخطوطة

- ‌1- نسخة الأصل:

- ‌2- نسخة ب:

- ‌3- نسخة ش:

- ‌4- نسخة ع:

- ‌5- نسخة ل:

- ‌6- نسخة ط:

- ‌من إنشاء الشهاب المراغي [3] في ذكر العلم

- ‌ذكر مستحسنات انتقيتها من طبقات ابن سعد

- ‌ذكر مراثي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مستحسنات انتقيتها من كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

- ‌في تاريخ ابن عساكر [4]

- ‌منتقى من المصنف لابن أبي شيبة مما يحسن في المحاضرات

- ‌في تاريخ الصلاح الصفدي

- ‌ذكر مستحسنات انتقيتها من كتاب الغرر من الأخبار

- ‌ذكر مستحسنات انتقيتها من مصنف عبد الرزاق

- ‌أحاديث إعطائه صلى الله عليه وسلم القصاص من نفسه

- ‌من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أسن منه

- ‌[في العزلة]

- ‌في حياة الحيوان للكمال الدميري

- ‌[من تاريخ من دخل مصر للمنذري]

- ‌في كتاب البسملة لأبي شامة

- ‌في التذكرة المسماة كنوز الفوائد ومعادن الفرائد

- ‌في كتاب العشق والعشاق تأليف عبد العزيز بن عبد الرحمن بن مهذب

- ‌ذكر المسبحي [1] في تاريخه

- ‌[المختار من تذكرة ابن مكتوم]

- ‌في النهاية لابن الأثير

- ‌وفي تذكرة الوداعي

- ‌ذكر الأصل في المفاخرات

- ‌مفاخرة السيف والقلم

- ‌مقامة تسمى الحرقة للخرقة

- ‌قال وكيع في الغرر

- ‌في كتاب الأشراف لابن أبي الدنيا

- ‌أخرج ابن عساكر في تاريخه

- ‌في تاريخ الصلاح الصفدي

- ‌في كتاب الفرق الإسلامية لابن أبي الدم

- ‌من وضعيات شرف بن أسد المصري

- ‌في تذكرة الوداعي

- ‌في تذكرة ابن مكتوم

- ‌في تاريخ الصلاح الصفدي

- ‌في شرح البخاري للكرماني [1]

- ‌في تاريخ ابن عساكر

- ‌البخاري في التاريخ

- ‌قال البغوي [1] في معجم الصحابة

- ‌المقامة اللازوردية في موت الأولاد

- ‌المقامة المنبجية للإمام زين الدين عمر بن الوردي

- ‌المقامة الصوفية

- ‌منتقى من كتاب التدوين في أخبار قزوين

- ‌ذكر الشيخ أبو منصور الثعالبي في اليتيمة

- ‌رسالة السكين

- ‌قال البغوي في معجم الصحابة

- ‌وقال ابن عبد البر في كتاب العلم

- ‌[حديث أم زرع]

- ‌في التنوير لابن دحية

- ‌المغرب في أخبار المغرب

- ‌في كتاب نزهة المذاكرة وأنس المحاضرة

- ‌في تذكرة الإمام محيي الدين عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي

- ‌من كتاب (اللطائف واللطف) [1] لأبي منصور الثعالبي

- ‌من كتاب (لطائف المعارف) للقاضي أبي بكر النيسابوري

- ‌من كتاب (مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام)

- ‌في تذكرة المقريزي

- ‌حكاية القاضي واللص

- ‌في تاريخ المدينة الشريفة للحافظ جمال الدين المطري [2]

- ‌قال القاضي تاج الدين السبكي [1] في الطبقات الكبرى:

- ‌في تاريخ ابن عساكر

- ‌[الفهارس]

- ‌فهارس الكتاب

- ‌1- فهرس الآيات القرآنية الكريمة

- ‌2- فهرس الأحاديث النبوية

- ‌3- فهرس الشعر

- ‌4- فهرس الأعلام

- ‌5- فهرس القبائل والأمم والشعوب والجماعات

- ‌6- فهرس المواضع والبلدان

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌المقامة المنبجية للإمام زين الدين عمر بن الوردي

‌المقامة المنبجية للإمام زين الدين عمر بن الوردي

[1]

حدث عين إنسان معرة النعمان، قال: دخلت منبج [2] في بعض الأسفار، فرأيت مصرا كأمصار، ولكن قد صغّر [3] تصريف الدهر اسمها، وأبهم على المتكلمين حدها ورسمها، فمساجدها بالدثور [4] ساجدة، ومشاهدها بحزنها على من غاب عنها شاهدة، ورباطاتها محلولة القوى وللأنس فاقدة، ومدارسها دارسة إلا واحدة، فازددت بحديثها القديم حبّا، وغدا قلبي فيها كلفا، ودمعي فيها صبّا، وحسدت غرابها على النواح وسواد الثياب، وتلوت: يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ

[5]

، وعجبت لسورها المديد، وقصرها المشيد، ونبهت على قبر ملكها حسان [6] بعد أن دثر، وقرأت البيتين المكتوبين عليه نقرا في الحجر [7] :[الوافر]

لقد غفلت صروف الدهر عنّي

وبتّ من الحوادث في أمان

وكدت أنال في الشرف الثّريّا

وها أنا في التراب كما تراني

[1] ابن الوردي: عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس، زين الدين المعري الكندي، شاعر أديب مؤرخ، ولد بمعرة النعمان وولي القضاء بمنبج له مؤلفات منها: ديوان شعر، وتاريخ ابن الوردي وهو ذيل لتاريخ أبي الفداء وخلاصة له، واللباب في الإعراب، وشرح ألفية ابن مالك، وشرح ألفية ابن معطي، ومقامات، ومنطق الطير، منظومة في التصوف، وغير ذلك، وكانت بينه وبين صلاح الدين الصفدي مناقضات شعرية طريفة وردت في مخطوطة ألحان السواجع، توفي بحلب سنة 738 هـ. (بغية الوعاة ص 365، النجوم الزاهرة 10/240، فوات الوفيات 2/116، أعلام النبلاء 5/3، الدرر الكامنة 3/195) . وجاءت المقامة المنبجية في ديوان ابن الوردي ص 35- 57، وقد أفدنا من ملاحظات محقق الديوان الدكتور أحمد فوزي الهيب.

[2]

منبج: بلد قديم قيل إنه رومي، وقيل إن أول من بنى مدينة منبج كسرى لما غلب على الشام، والرشيد أول من أفرد العواصم، وجعل مدينتها منبج، وأسكنها عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، وهي مدينة كبيرة واسعة، ذات خيرات كثيرة، وأرزاق واسعة في فضاء من الأرض، كان عليها سور مبني بالحجارة محكم، بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ، ومن منبج إلى حلب يومان، ومنها إلى ملطية أربعة أيام، وإلى الفرات يوم واحد، وشربهم من قنيّ تسيح على وجه الأرض، وفي دورهم آبار أكثر شربهم منها لأنها عذبة صحيحة، ومنها البحتري وله فيها أملاك، وهي بلد أبي فراس. (ياقوت: منبج)

[3]

في ب، ش: قد صفر، بالفاء.

[4]

في ب، ل: بالمنثور.

[5]

من سورة المائدة 31.

[6]

لم أجد ترجمته.

[7]

البيتان من ديوان ابن الوردي ص 36 بتحقيق أحمد فوزي الهيب، ط دار القلم، الكويت 1986 م، ولم يردا في نسخ المحاضرات لدي.

ص: 337

ورايت قبر البحتري بها، وشهدت بهجة مشهد النور، ودعوت عند المستجاب، وفي سفح المصلى خارج السور [1] ، وزرت بقصور مادحيها، وتمثلت مادحي قصورها، وزرت قبور صالحيها، وتوسلت بصالحي قبورها، وأمسيت نزيلا لنزيلها الجليل، ولي الله الشيخ عقيل [2] الطيار في الهواء، الغواص في الماء، شيخ شيوخ الإسلام، وأول من دخل بالخرقة العمرية إلى الشام، جامع الوحوش في البر والبحر أفواجا، وجاعل النجارة باذن الله ذهبا وهاجا، المتصرف بعد وفاته [3] ، كتصرفه في حال حياته، الذي أعدى عديّا [4] ، في حلبات الرهان، وأرسل رسالة سره إلى رسلان [5] ، وما زال الزولي [6] /له مريدا، ورزق بن مرزوق الرسّي [7] به جدا سعيدا، وسعدا جديدا، وبعد أن فعلت ما فعلت، تذكرت ما كنت قلت:[السريع]

خالط أولي العلم تكن عالما

فربّنا قد رفع الوحيا [8]

واقتد بالموتى على أنه

لا بدّ للحيّ من الأحيا

فاخلصت النيّة، وقصدت مدرستها النورية، فاذا مدرسها القاضي، وقد استقبل أمر الدرس بفعل ماض، فاحتقرته لحداثة سنّه، وعزمت على تخجيله بفنّ، لعله غير

[1] قوله: (ورأيت قبر البحترب بها

خارج السور) جاء في ديوان ابن الوردي بيتي شعر، وهو نثر لأنه يخلو من الوزن، وهو من وهم الناسخ.

[2]

الشيخ عقيل: شيخ شيوخ الشام في وقته، تخرج بصحبته جمع من الأكابر، وسمّي الطيار، لأنه عند ما أراد الانتقال من قريته ببلاد الشرق صعد إلى منازتها، ونادى أهلها، فلما اجتمعوا طار في الهواء والناس ينظرون إليه، فجاؤوا فوجدوه في منبج. (الطبقات الكبرى المسماة: لواقح الأنوار في طبقات الأخيار 1/136 لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني، ط البابي الحلبي مصر 1373 هـ) .

[3]

في نسخة ش: بعد مماته.

[4]

في ب، ش، ل: أعدى عليا، وفي ديوان ابن الوردي: عديا. وعدي: هو عدي بن مسافر الأموي تلميذ الشيخ عقيل، وأوحد أركان الطريقة، وأعلى العلماء بها، أثنى عليه الشيخ عبد القادر، ربى المريدين، وقصده الناس زائرين، سكن جبل الهكار، واستوطن بالس، على نهر الفرات جانب قلعة جعبر، توفي سنة 558 هـ. (الطبقات الكبرى 1/137) .

[5]

رسلان: هو رسلان الدمشقي، من أكابر مشايخ الشام وأعيان العارفين، صاحب الكرامات، انتهت إليه تربية المريدين بالشام، واجله العلماء والمشايخ، سكن دمشق وتوفي بها سنة 699 هـ. (الطبقات الكبرى 1/153) .

[6]

الزولي: هو الشيخ موسى بن ماهين الزولي، من أئمة المتصوفة، له هيبة في القلوب، وأثنى عليه الشيخ عبد القادر، استوطن ماردين، وتوفي بها. (الطبقات الكبرى 1/139) .

[7]

في الأصل: الرسي، وفي الديوان: القرشي، وفي الطبقات الكبرى 1/150: عثمان بن مرزوق، من أكابر مشايخ مصر، وصدور العارفين، وأعيان العلماء، صاحب الكرامات الظاهرة، انتهت إليه تربية المريدين، وتوفي في مصر سنة 564 هـ.

[8]

في ع: خاط ذوي العلم.

ص: 338

فنّه [1] ، فانّ المتصدر قبل أوانه سفيه، وربّ فقيه لا أدب فيه، فلما أتم درسه، وبسط لي أنسه، وسألني عن حالتي، فقلت في لجاجتي: نحن عشرة ذوو نسب، وألو علم وأدب، وقد أنشد كلّ منا بيتي شعر، سامهما بأغلى سعر، وأقام وزنهما، وقال: إنهما وإنهما، وأنا رسول أصحابي إليك، لتنصف بيننا فقد دللت عليك، فقال: قل ما أردت أن تقول، وابدأ بنفسك ثم بمن تعول، ثم أصاخ إليّ، فأنشدت بيتيّ، وهما:[السريع]

زائرة زارت بلا موعد

أفدي بما أملكه سيرها

فقلت ماذا وقته فارجعي

وعاوديني ليلة غيرها

فقال: هذا سوء الأدب بالأدب، والدليل على ضعف الطلب، أتزورك متفضلة، وترجع خجلة، سأنشدك بيتين لا مطعن عليهما، ولم أسبق إليهما [2] :[السريع]

جبرت يا عائدتي بالصله

فتممي الإحسان تنفي الوله

وهذه قد حسبت زورة

لم أنت يا لعبة مستعجله

ثم قال: هكذا المعاني، فأنشدته قول الثاني:[السريع]

يا من أعار الليث حسن اللقا

وكم أعار السحب الهطلا

بعضك في الجود ككلّ الورى

فاعجب لبعض يعدل الكلّا

فقال: لقد أشبهك في بيتيك، لا بل أربى في سوء الأدب عليك، فمن أعار الليث لقاه، فبماذا يلقى عداه؟ ومن أعار السحب الهطل، فقد خلت عن الهطل يداه، ولو أبدل أعار ب (علّم) ، واحترز من خطر عموم البيت الثاني، كان أسلم، إذ يلزمه أن يكون بعض هذا الممدوح، مساويا في الجود للورى حتى للكليم والروح، لقد أخطأ وأحال، ويا ليته قال:[مخلع البسيط]

علّمت ليث الشرى وثوبا

والسحب علّمتهنّ هطلا

حاشاك ذمّ وكلّ ضدّ

فصحّ قولي حاشا وكلّا

ثم قال: قد أريتك المباحث، فأنشدته قول الثالث:[السريع]

لو كنت محتاجا إلى درهم

لكان بالمدّاح لي أسوه

وكان من لا يعطني أهجه

فالحمد لله على الثروه

[1] قوله: (فاحتقرته لحداثة سنه.... غير فنه) ساقطة من نسخة ب.

[2]

البيتان في فوات الوفيات 3/158 تحقيق إحسان عباس ط بيروت 1968، مع خلاف يسير في الرواية، والبيتان في أعلام النبلاء 5/7، وتتمة المختصر في أخبار البشر لابن الوردي، 1/285، تحقيق رفعة البدراوي، ط بيروت 1950 م.

ص: 339

فقال: هذا نظم على الفتوح، فهو كجسد بلا روح، وتقدير ضمير الشأن، بعد قوله (وكان) يحيا به الميت، وإلا خرب البيت، وشاهد هذه النفيسة:«إن من يدخل الكنيسة» [1] ، فتنبّه إليّ، وانظر كيف أخذت هذا المعنى بكلتا يدي، فقلت:[مجزوء الرمل]

أنا لو كنت مقلا

ما اصطلى الناس بناري

خلص العالم جمعا

من يميني ويساري

ثم قال: قد جئتك ببدائع، فأنشدته قول الرابع:[السريع]

له قباء خلت تطريزه

لحسنه تطريز خدّيه

ملتفت نحوي كظبي النقا

لا ما لظبي غنج عينيه [2]

فقال: لا معنى بديع، ولا لفظ صنيع، قنع قائله بالوزن والقافية، وجمع بين ثقل (لا) و (ما) النافية، فلو رآه سقراط، أعرض عن حبه بغضا ولم يعرج، وقال: إن لم يكن معلما وإلا فدحرج، فاسمع في المعنى تضميني الثمين الذي أردفت جيش حسنه [3] بكمين، فقلت:[مجزوء الرجز]

طرز قباء محنتي

كخدّه ورقمه

ما أعوزت منه الظبا

إلا طراز كمّه

ثم قال: هكذا النفائس، فأنشدته قول الخامس:[الكامل]

بأبي مخيّلة إذا رقصت

رقص الفواد ونقّط الدمع

رفعت نقاب الحسن ثم شدت

فافتنّ فيها الطّرف والسّمع

فقال: لقد بالغ في ثلبها ونقصها بقوله: (رقص الفؤاد ونقّط الدمع) لرقصها، فهي إذن معزية لا مهنّئة، ونائحة لا مغنّية، وفي قوله:(رفعت نقاب الحسن) كلام، وفي قوله:

(افتن) عسر، والسلام، فدع فساد المخيلة، واسمع ما قلته في مخيّلة:[السريع]

جاءتك في طيف خيال حكت

طيف خيال هزّ أعطافه

مصرية في نور شامية

يا حين ذي الشمعة طوّافه [4]

[1] يشير لقول الأخطل: (مغني اللبيب 1/37، خزانة الأدب 1/309، ولم يرد البيت في ديوانه ط بيروت 1994) .

إنّ من يدخل الكنيسة يوما

يلق فيها جآذرا وظباء

[2]

في ع: ملتفتا نحوي.

[3]

في ب، ل: جنس حسنه.

[4]

في ع: يا حسن ذي الشمعة.

ص: 340

ثم قال: كذا من وجهين تجلى العرائس، فأنشدته قول السادس:[المنسرح]

لي أغيد لو بذلت نفسي

في قبلة منه لم أنلها

قلت له بين عاشقيه

أتاجر أنت قال: بالها

فقال: هذا رجل صرف (أغيد) ضرورة، وجعل (الهاء)[1] الممدودة مقصورة،/ وكان يقال: الجمع بين ضرتين، ولا الجمع بين ضرورتين، وبالجملة فما وفق لفصيح إعراب، ولا جاء بمعنى ذي إغراب، فاسمع ما قلت في تاجر، فملأت عينه بالجواهر:[السريع]

وتاجر شاهدت عشّاقه

والحرب فيما بينهم ثائر

قال علام اقتتلوا هكذا

قلت: على عينيك يا تاجر

ثم قال: هذا البرق اللامع، فأنشدته قول السابع:[مجزوء الرمل]

قيل لي: ماذا يحاكي

قدّ سعدى، قلت صعده [2]

قيل لي فالريق منها

أيّ شيء؟ قلت: شهده

فقال: تعمّق هذا القائل، وزعم لطف الشمائل، ووجّه لقدّ سعدى رفعا ونصبا، وجاء في سعدى وصعدة بتجنيس سميناه مليحا غصبا، وخفي عنه أنه لحن حقيقة، بتأخير (أي شيء) عن (الريقة) ، فالخبر إذا تضمن استفهاما وجب تصديره. وسأنشد في المعنى ما يعذب استرقاقه، ويملح تحريره، وهو:[السريع]

قال حكت قامتها صعدة

فقلت لم تجرح تعديلها [3]

قال فهل ريقتها شهدة

فقلت كم تقصد نفسي لها

ثم قال في (تعسيلها) ثلاث محاسن، فأنشدته قول الثامن:[السريع]

أحسن ما كانت كؤوس الطّلا

سوادحا يبدو بها الخافي [4]

فالنقش نقص ومن الرأي أن

يرتشف الصافي من الصافي

فقال: أحسن هذا بعض الإحسان في شعره، حيث قال:(يبدو بها الخافي) تورية بسره وجهره، وجانس بين النقش والنقص، فغدت كل ربوة تشتهي الرقص، ثم جاء أمرا بدعا، وأساء الأدب شرعا، إذ تسهّل في الأمر، وجعل من الرأي إرتشاف كأس الخمر، إلا أن يريد رأي السقاة [5] ، ولا يريد رأي الثقات، فيحسن إذن له الخلاص، وإلا

[1] أي الهاء في آخر البيت في كلمة (بالها) .

[2]

الصعدة: الرمح.

[3]

في ب، ش، ل: قد حكت قامتها.

[4]

في ب، ش، ل: سوادجا، بالجيم المعجمة، والسوادح: السحب الشديدة، واحدتها سادحة.

[5]

في ش: رأي الشقاة.

ص: 341

ف لاتَ حِينَ مَناصٍ

[1]

، ثم قال: اسمع في المعنى أسدّ القولين، وانظر إلى بردتي كيف حوكت على نولين، وأنشد:[مجزوء المتقارب]

دع الكأس من نقشها

فصاف بصاف أحب [2]

إذا ذهبت بالطلا

فقد طليت بالذهب

ثم قال: بساط الأدب واسع، فأنشدته قول التاسع:[مخلع البسيط]

دعه ونتف العذار إذ ما

يسّر وصلي حتى تعذّر

بالنتف ثم النبات يبقى

عذاره السّكّر المكرّر

فقال قوله: (دعه ونتف العذار) ، يحتمل التوبة عنه والإصرار، وفي قوله:(يسر وصلي حتى تعذر) ثقل، لا يعرف منعه من أهل العروض إلا الأقل، فان هذا القائل غير محيط بخطابه في مخلع البسيط، فان قيل أحسن في تورية تعذّر، ولطافة النبات، وحلاوة المكرر، قلت: على وجه التشنيع، كما قال البديع [3] :[المنسرح][4]

حتى وحتى، حتى

تنقطع الحا والتا

وأيضا فحسن اللفظ مطلوب، ولله قولي على هذا الأسلوب:[السريع]

معذّر عشت بتقبيله

فمتّ من عشقي ومن عاش مات

فثغره والشعر في خدّه

هذا سنينات وهذا نبات

ثم قال: ما كل شاعر فقيه، ولا كلّ فقيه شاعر، فأنشدته قول العاشر:[مجزوء الرمل]

حبذا وجدي بباد

ورقيبي فيه حاضر

أنا في بحر هواه

واقع والقلب طائر

فقال: شغله البادي والحاضر، والواقع والطائر، فوالى بين أربع دالات، حتى كأنه راهن على هذه الثقالات، وكأنه ما وقف على على ما فعله الوهراني بالكندي في مثله، ولا علم ما جرى على المتنبي من بيتي العظام [5] ، والقلاقل [6] من قبله، فلله اعتمادي في وصف

[1] من سورة ص آية 3.

[2]

في ع: فكأس بكأس أحب.

[3]

البديع: هو بديع الزمان أحمد بن الحسين الهمذاني صاحب المقامات المتوفى سنة 398 هـ. وجاء قول البديع في نسخة ش، والديوان نثرا، وهو شعر.

[4]

من العروض الثالثة المنهوكة المكشوفة.

[5]

يريد بيت المتنبي: (ديوان المتنبي بشرح العكبري 4/109) .

وإني لمن قوم كأن نفوسنا بها

أنف أن تسكن اللحم والدما

[6]

يريد بيت المتنبي: (الديوان 3/175) .

فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا

قلاقل عيس كلهن قلاقل

ص: 342

مليح بادي، فلقد أفرغت الجبن في قالب الحسن، فقلت [1] :[الرمل]

جاءنا ملتثما مكتتما

فدعوناه لأكل وعجبنا

مدّ في السفرة كفّا ترفا

فحسبنا أنّ في السفرة جبنا

قال الحاكي: فلما أتم القاضي قوله، أطلت شكره، وشكرت طوله، وقلت: بان أن مقاطيعنا العشرة خاملة، وإن عشرتك تلك عشرة كاملة/، ثم استغفرت ربي من احتقاري له بقلبي، وعوّذت بالله ذهنه، أن يرضى بمنبج وهي كليلة ودمنة [2]، فقال:

اسمع أيها المتعصب لكبر الفضيلة على صغر المنصب، أنشد:[الكامل]

وإذا رأت عيناي عالي رتبة

بلغ المعالي وهو غير مهذّب

قالت لي النفس العزوف بفضلها

ما كان أولاني بهذا المنصب

فأقول يا نفس ارجعي وتأدّبي

وثقي فما الحسد الذميم بمذهبي

هي سنّة الدنيا فكم من فاضل

في الخاملين وكم ترفّع من غبي

وكفاني تأدبا ما قلت في الصّبا: [مجزوء الرمل]

قل لمن لام لكوني

في مكان غير طائل

هكذا الفاضل مثلي

عند قسم الرزق فاضل

قال الحاكي، فقلت: أيها القاضي لقد أعجبتني برضاك وأدبك، فلئن يعاب الزمان فيك، خير من أن يعاب بك، ثم سألته الصفح عما قدمت، وودعته للرحلة وآليت بآي الكتاب، أن لا أزري بعدها بشاب، فسبحان من يؤتي الحكم من يشاء صبيا [3] ، ويخص بعض البقاع بمسك ضائع وإن كان ذكيا./

[تمت المقامة المنبجية]

[1] البيتان في تتمة المختصر 2/267، وأعلام النبلاء 5/7.

[2]

كليلة ودمنة: الكتاب المشهور في التهذيب والأخلاق على ألسنة الحيوان، أهله هندي ثم ترجم إلى الفارسية، ثم ترجمه ابن المقفع إلى العربية. (كشف الظنون لحاجي خليفة 2/1507 ط استانبول 1945 م) .

[3]

هو من قوله تعالى: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا

سورة مريم 12.

ص: 343