الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
الحمد لله الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، تفرد بالربوبية الحقيقية، وتقدس عن الشرك والشركية، الخالق المدبر لكل شيء وحده، لا شريك له ولا معين، المتصرف في خلقه بما جرت به حكمته، وفق إرادته ومشيئته، نحمده على ما أنعم به علينا مخلصين، ونشكره بكل جوارحنا صادقين، والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه محمد بن عبد الله أكرم رسله أجمعين، عليهم من ربنا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ورضوان الله عن صحابته الأبرار، وأهل بيته الأخيار، من المهاجرين والأنصار، {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وقفوا إلى جنبه وقفة صادقة، قضت على الشرك والضلال، واقتلعت جذور الوثنية والشر والفساد، ونشروا نور الهداية بين الأنام، وأوقفوا نفوسهم وباعوها لله وفي سبيل الله، وللدعوة للحق والهدي، فأعانوا على تثبيت قواعد الإسلام، بما بذلوه من نفوس أبية، وأموال زكية، وأوقات جليلة، كل ذلك بإيمان صادق، وعزم راسخ، لم يرجوا من وراء ذلك إلا الخير والسعادة لبني الإنسان - وخاصة - الذين:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} فجزاهم الله أحسن ما جازى به عباده العاملين آمين.
وبعد فيقول العبد المفتقر إلى رحمة الله الغني، عبد اللطيف بن علي بن أحمد ابن السلطاني القنطري، كان الله له وليا ونصيرا، وكان في عون العاملين المخلصين
على نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة - هاديا ودليلا: إن ما يطرأ في هذا العالم - بين الحين والآخر - من أحداث ومذاهب، قد يكون فيها الخير والشر، والصلاح والفساد، والرشد والغي، والنفع والضر، وقد يخفى شرها وفسادها وضرها وغيها على بعض الناس، ولا يفطن له إلا ذوو الأبصار والبصائر الحية، ومن أجل هذا رأينا الكثير من علماء المسلمين - في كل زمان ومكان - كانوا حراسا أمناء على هذا الدين، يقظين بالمرصاد لكل طارئ يطرأ، ممن يحاول العبث بدين الله، فنصحوا وبينوا، وكشفوا وأوضحوا، حتى لا يتجرأ مفتر زنديق على الأمانة التي هم مسؤولون عنها - أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام أمتهم - فيسلبها منهم - شأن اللصوص الماهرين - وهم ينظرون إليه صامتين، فواجبهم الديني أن يكونوا مع الدين: حاملين وعاملين، داعين ومناصرين ومدافعين، إن كانوا من العلماء النزهاء العدول، الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الأثر -:((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)) يقولون الحق لله وللحق، في غير مطمع ولا مطمح، في دنيا أو جاه فأولئك هم العلماء الرجال، الذين لا يرضون - أبدا - أن يهان الإسلام وهم ينظرون، أو تعطل أحكامه وآدابه وأخلاقه وهم ساكتون لاهون.
وقد ظهرت في هذا العصر - في غير بلاد المسلمين - مذاهب ونزعات - أو إن شئت فقل نزغات - تخالف شرائع الله التي جاء بها الرسل الكرام، عليهم من الله الصلاة والسلام، ظهرت في غير بلاد الإسلام، وتسربت فدخلت إلى أرض المسلمين، فأفسدت على الضعفاء عقيدتهم، وعلى المحاويج دينهم، بدعاوى شيطانية، وأطماع دنيوية، ووعود لماعة، وأماني خلابة، وما هي في الواقع والحقيقة إلا:{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .
من هذه النزعات - بل النزغات - الشيوعية الملحدة الكافرة بالخالق وبالأديان والأخلاق الفاضلة، التي تسترت بستار وشعار (الاشتراكية) لتخفي على البسطاء مقاصدها وأهدافها، فضربت لهم على النغم الذي يحبونه، ويخلب عقول الضعفاء - بالخصوص - مدعية أنها رحمة جاءت لترحم المحرومين، ونعمة سابغة للمضطهدين، وما هي في الحقيقة إلا سم ناقع، وداء قتال يقتل - فيمن ابتلي به - الشعور بالكرامة الإنسانية، لهذا لم يقبل عليها ويتقبلها إلا النادر
القليل - عن طواعية واختيار - وإن تبنتها وحمتها بعض الهيآت الحاكمة في بعض البلاد الإسلامية، واتخذتها منهاجا تسير عليه، فساء من أجل ذلك الحال، وانشرت الفوضى وسوء السلوك في الأعضاء الحساسة في هياكل الأمة - التي تسربت إليها - بالرغم من التمويه والتدليس على ضعفاء الأحلام، فقد فشلت ولم تنجح إلا في الضلال والتضليل، لهذا أخذت تتراجع عن أشياء كانت من مبادئها.
والدارس للتاريخ القديم يعلم - بالمقارنة - أن هذه (الشيوعية) أو (الاشتراكية) وليدة نزعة قديمة ظهرت في الأمه الفارسية قبل الإسلام، ظهرت من رجل اسمه: مزدق - أو مزدك - دعت الناس إلى ما تدعو إليه الاشتراكية الشيوعية اليوم، من إلحادية مضللة وإباحية فاجرة، فواجب على كل مسلم في دينه لرب العالمين، مؤمن بالله ألا يسكت عنها، فإن هدفها القضاء على الدين والأخلاق الكريمة، ويتأكد ذلك الواجب - بالخصوص - على علماء الدين الأحرار المخلصين، فهذا هو جهادهم المطالبون به، يتقدمون إلى ميدانه في شجاعة وصدق عزيمة ونزاهة، لا تأخذهم في قول الحق لومة لائم.
ومن المؤسف المحزن أننا رأينا بعض المنتسبين للعلم والذين كتبوا فيها، فمنهم الداعي والمؤيد لها، ومنهم المنتحل لها الأسباب الداعية إليها، وقليل منهم المنكرون لها، فبعضهم سماها إشتراكية الإسلام، وآخر أطلق عليها اشتراكية عمر بن الخطاب، ومنهم من سماها الاشتراكية العربية، ومنهم من نسبها إلى حزبه السياسي الخ كل ذلك ترضية للهيئة الحاكمة، أو طمعا في مال أو جاه أو منصب، وهنا ضاعت جوهرة الحقيقة في رمال الأطماع، وفي يوم الحساب يجد كل واحد جزاءه.
ومن العلماء - الصادقين - من كتب فيها بصدق وإخلاص ونزاهة وأمانة، فأظهر حقيقتها مكشوفة كما هي، فأدى الأمانة - أمانة العلم والدين - ونصح لله رب العالمين، غير راغب ولا راهب - من المخلوق شيئا - عملا بقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:((الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)) (1).
(1) رواه مسلم في صحيحه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه
وسأذكر في هذا الكتاب الذي أسميته ـ[المزدكية هي أصل الاشتراكية]ـ بحول الله وقوته أصل هذه النحلة القديمة - المزدكية - وأذكر أقوال المؤرخين النزهاء من المسلمين وغيرهم فيها، ثم أقابل ذلك - في مناقشة - بما شاع في وقتنا هذا وما هو جار في مجتمعنا الإسلامي - مما له صلة وثيقة بها - وبالمقارنة وذكر الأهداف والغايات يظهر لذوي العقول النيرة أن هذه الاشتراكية ما هي إلا فرع عن تلك المزدكية القديمة، فقد طلعت علينا بأحداث ووقائع كشفت عن المستور من النيات، والمخبوء من المقاصد والغايات.
والله المسؤول أن يوفقنا لما يحب ويرضى، ويسدد خطانا في سبيل الحق والصلاح، وهو من وراء القصد:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} .
القبة (الجزائر) في 3 جمادى الأولى عام 1393 هـ الموافق لـ 4 جوان سنة 1973 م.