الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخلق الكريم، فقد أعان المستهترين بهما وسهل عليهم تناول الخمور المحرمة شرعا وإدخالها للشعوب الإسلامية.
إن تحريم الخمر - شربا، وصناعة، وتجارة - معلوم من الدين بالضرورة - كما يقول علماؤنا - بنص القرآن والحديث، فمن أنكر التحريم فهو مرتد كافر، فلا يحسب في عداد المسلمين، ولو كان اسمه مما اشتهر استعماله بين المسلمين إذ كيف يعد في المسلمين من أنكر أمرا معلوما، الله حرمه بقوله في آية المائدة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة في هذا الموضوع منها ما أخرجه أبو داوود في سننه وبسنده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه)) وفي بعض طرق الحديث زيادة ((وآ كل ثمنها)) فهؤلاء العشرة لعنهم الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عقوبة أشد من اللعن لمن عرف - مدلوله ومعناه.
الفصل الرابع: النهي عن بيع العنب لمن يتخذه خمرا
.
بما أن الخمر سبب في ارتكاب كثير من الشرور والآثام والجرائم، فقد ورد النهي من الرسول على الله عليه وسلم عن بيع العنب لمن يتخذ منه خمرا، فقد خرج الحافظ ابن حجر في كتابه "بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام" نقلا عن الطبراني في الأوسط - بإسناد حسن - عن بريدة بن الحصيب عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار على بصيرة)) (2) قال شارحه الإمام الصنعاني: وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان من حديث بريدة بزيادة ((حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار على بصيرة)) قال شارحه المذكور: والحديث دليل على تحريم
(1) الآية 90 من سورة المائدة.
(2)
ج 3 من بلوغ المرام الحديث 37، تقحم النار رمى بنفسه إلى النار على علم.
بيع العنب ممن يتخذه خمرا لوعيد البائع بالنار، وهو مع القصد محرم إجماعا، فما حرمه الله ورسوله فهو حرام ليس لأحد من الناس أن يحله، ومن تعمد المخالفة فقد رضي لنفسه بالدخول إلى نار جهنم واقتحامها عن عمد وإصرار، فالممنوع ممنوع تعاطيه إلا لضرورة ملحة خشية أن تذهب معها روحه، أما الأعذار الأخرى ككونها مادة وموردا ذا بال في ميزانية الدولة، أو كون المستعمرين هم الذين غرسوا شجرتها وأنتجت وقلعها الآن يؤدى إلى خسارة في المال إلى غير هذا من الأعذار فهي كلها باطلة، لا ينسخ الشرع بها، وتوقف أحكامه بسببها.
التداوي بالخمر - وهل يجوز للمسلم أن يستعمل دواء فيه خمر؟
ذلك ما ورد النهي فيه عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج مسلم في صحيحه وأبو داوود في سننه، أن طارق بن سويد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر يصنعها للدواء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنها ليست بدواء ولكنها داء)) (1) وفي هذا المعنى ما أخرجه البيهقي عن أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)) (2) وجاء في بعض الروايات بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بين فيه أن الخمر لا منفعة فيها بعد أن حرمها الله فقد جاء في هذه الرواية قوله: ((إن الله تعالى لما حرم الخمر سلبها المنافع)) (3) وهذا كأنه رد على من يعتمد على ظاهر الآية القرآنية وحدها، وهي قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (4) فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله نزع من الخمر جميع المنافع بعد أن حرمها على المسلمين، فلا منفعة فيها لا للتداوي ولا لغيره.
وأخرج الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أهدى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر (5) فقال له رسول
(1) بلوغ المرام ج 4 الحديث 12 في باب حد الشارب وبيان المسكر.
(2)
نفس المصدر ج 4 الحديث 11.
(3)
المصدر نفسه أسنده الثعلبي وغيره.
(4)
الآية 219 من سورة البقرة.
(5)
الراوية - القربة.