الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدل على سوء القصد، وفي الوقت نفسه هو - أي التعصب - إخلاص للمبدأ والدين الذي ندين الله به، لأن من دافع اللصوص الذين أرادوا أن يسرقوا ماله لا يعد في نظر العقل السليم متعصبا، لأنه قام بواجب، ودافع عن ماله، والدفاع عن الدين والمال واجب مشروع، إذ هو من الواجبات المنصوص عليها، وهي المجموعة في قول القائل:
وحفظ دين، ثم نفس، مال، نسب
…
ومثلها عقل، وعرض، قد وجب
هذه هي الواجبات الستة التي يجب على المسلم أن يصونها ويحافظ عليها ويحفظها من كل من يريد أن يصل إليها بأذى، فعلى هذا الرأي الفاسد - التهمة بالتعصب - أما أن تدع اللصوص يأخذون مالك - وأنت تنظر - وأما أن تعد متعصبا فيما إذا عارضت اللصوص ودافعتهم عن أخذ مالك، هذا مثل الذين يرمون العلماء بالتعصب عند ما هبوا ليدافعوا اللصوص المهاجمين فمن يدافع عن مكاسبه لا يعتبر متعصبا، كمن يدخل يده في جيبك ليأخذ منك محفظة نقودك، فإذا فطنت له ومنعته مما أراد، قال لك: لماذا منك هذا؟ أنت رجل متعصب، إنها من العجائب والله.
كل إنسان له مبدأ ارتضاه، أو عقيدة آمن بها، إلا والمبدأ يحتم عليه ويطالبه ويتقاضاه، أن يدافع عنه - ما استطاع - ولا لوم ولا عتاب عليه، لأنه آمن بمبدئه فدافع عليه، وكدليل على ذلك نقول:
الفصل الثالث: الأحزاب السياسية والتعصب
.
إننا لمسنا في الأحزاب السياسية - وهي من وضع البشر الذي يخطئ ويصيب - ورأيناها توصي أتباعها والمنخرطين فيها والمنتفعين من هياكلها - بالمحافظة على مبادئها، وسمعتها، والدفاع عنها في كل وقت وحين، والوقوف في وجه من يحاول التنقيص من قيمتها، هذا مشاهد لا ينكره أحد، بل يذهب التعصب ببعض أصحابها إلى محاولة القضاء على كل ما خالف حزبه من بقية الأحزاب، حتى يصفو الجو لحزبه فقط، ويزول كل حزب سياسي - في الوجود - من الوجود، وأظهر ما يظهر هذا في الحزب الشيوعي - مثلا - فهو يعمل - جاهدا - ليسود العالم كله والدنيا بأجمعها، ويقضي على جميع الأحزاب السياسية الأخرى، فمن خالفه ولم يقبله وينخرط فيه فهو رجعي،
متأخر، إمبريالي، عميل، رأسمالي، إلى غير هذا من الألفاظ التي نسمعها تتكرر على آذاننا في كل يوم والنعوت التي تمنح لكل من لم يكن شيوعيا، في حين خلعوا على أنفسهم خلعة - التقدميين والتحرريين - هذا رأيكم ودعايتهم فليقولوا في أنفسهم وفي غيرهم ما شاؤوا، ذلك أن الحقيقة لا تخفى على أحد وهي أن التعصب الموجود في الحزب الشيوعي غير موجود في أي حزب سياسي آخر سواه، وقد رأينا كيف أن الشيوعيين لا يتساهلون مع مخالفيهم في الحزبية أبدا - ويرونهم أقل شأنا وفهما واعتبارا منهم هم، ومن مبادئ الحزب الشيوعي إظهار عيوب ونقائص غير الشيوعي حتى يقضي عليه، ليخلو الميدان لهم وحدهم، فهل هذا من الشيوعيين تعصب لحزبهم أم ماذا يسمى
…
؟؟
فمحاولة القضاء على المخالف في الرأي - رأي غير سديد - لأن حرية التفكير والرأي من الأمور الضرورية اللازمة لحياة الفرد والمجتمع، كالهواء للتنفس والغذاء والماء لحياة الجسم وسلامته، فالذي يحاول أن يحجر ويمنع الأفكار من التفكير إلا كما يفكر هو يكون على جانب من الخطأ كبير - كما تفعل ذلك الشيوعية والاشتراكية - فللإنسان أن يفكر، وله أن يختار ما يحلو له من الآراء، إذا كان صاحب رأي وتفكير.
هذه تربية الإسلام للمسلمين ليتعودوا استعمال عقولهم عند الحاجة - من غير تعطيل لها - وهي ظاهرة في بعض الآيات القرآنية، كقول الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم:{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (1) وكقوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (2) هذا دين الله الذي يجب أن تخضع له النفوس، وتؤمن به القلوب - ولا حق لها في اتباع غيره - ومع هذا فقد ترك للرأي حريته وحكمه وقوله، وللإقناع سبيله، لم يمنع المخالف له من الاحتفاظ برأيه ولو خالف الحق والواقع والجمهور.
فهذه الماركسية الشيوعية - مثلا - تحارب الدين وتمنع أتباعها من الإيمان بالله الخالق لكل شيء وهذا مخالف لفطرة البشر، كما تمنع من الإيمان بالرسل والعمل بالشرائع السماوية، وفي مقابل الإيمان بالله والرسل والعمل بالشرائع تأمر أتباع مذهبها بالإيمان بالماركسية الشيوعية في نظامها ليكون ذلك عقيدة
(1) سورة يونس الآية 99.
(2)
الآية 256 من سورة البقرة.