المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: الاشتراكية والمرأة - المزدكية هي أصل الاشتراكية

[عبد اللطيف سلطاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم:

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأول:ما هي المزدكية

- ‌الفصل الثاني: من ابتدعها

- ‌الفصل الثالث: أين نبتت شجرتها

- ‌الباب الثاني

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث: وقفة هاهنا للتأمل والاعتبار

- ‌الباب الثالث

- ‌الفصل الأول:الشرائع السماوية وسعادة البشرية

- ‌الفصل الثاني: ما نتج عن توريد المبادئ الأجنبية الهدامة

- ‌الفصل الثالث: الصحافة تنشر ما يساعد على بعث المزدكية

- ‌الفصل الرابع: الصحافة وحماة الدين

- ‌الباب الرابع

- ‌الفصل الأول:ما قدمته الأمة الجزائرية من ضحايا في سبيل الإسلام لا يتفق مع توريد بعض المذاهب الإلحادية

- ‌الفصل الثاني: كيف يكون الدفاع عن الإسلام

- ‌الفصل الثالث: مضار الخمر وغض النظر عنها

- ‌الفصل الرابع: النهي عن بيع العنب لمن يتخذه خمرا

- ‌الفصل الخامس: إنتهاك الحرمات الشرعية سببه من المبادئ الإلحادية

- ‌الفصل السادس: في الحلال عوض عن الحرام {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}

- ‌الباب الخامس

- ‌الفصل الأول:العلماء والتعصب

- ‌الفصل الثاني: من لا يتعصب لمبدئه فلا خير فيه

- ‌الفصل الثالث: الأحزاب السياسية والتعصب

- ‌الفصل الرابع: لمن هذه الأصوات…؟ وما شأنها

- ‌الفصل الخامس:جندي جيش التحرير الجزائري كان صاروخا بشريا صارخا

- ‌الفصل السادس: موقف العلماء من هؤلاء الساخرين

- ‌الفصل السابع:الاحتفال بالآثار الرومانية تعظيم للشرك والمشركين: ما هو الداعي إلى هذا

- ‌الفصل الثامن: الشريعة الإسلامية تنهى عن تعظيم المشركين وآثارهم

- ‌الفصل التاسع: افتخار أمراء المسلمين بإسلامهم، واعتزازهم بدينهم

- ‌الفصل العاشر: بين منبر الجمعة وكرسي الحكم

- ‌الباب السادس

- ‌الفصل الأول:المال في نظر (مزدك) واشتراكيته

- ‌الفصل الثاني: بالكد والعمل ندرك المآرب

- ‌الفصل الثالث: هل هذه بوادر المزدكية تلوح في الأفق

- ‌الفصل الرابع: من هو أبو ذر هذا

- ‌الفصل الخامس: من مكائد اليهود للإسلام، واغترار المسلمين بالمظاهر

- ‌الباب السابع

- ‌الفصل الأول:هل الإسلام قادر على حل جميع المشاكل

- ‌الفصل الثاني: حماية العمل والعمال في الشريعة الإسلامية

- ‌الباب الثامن

- ‌الفصل الأول:الاشتراكية والدين

- ‌الفصل الثاني: محاربة الاشتراكية الشيوعية للإسلام

- ‌الفصل الثالث: من التبشير المسيحي إلى التبشير الإلحادي

- ‌الفصل الرابع: الاستهتار بالقيم الروحية - وشهد شاهد من أهلها

- ‌الفصل الخامس: تمزيق المصحف، وإحراقه

- ‌الباب التاسع

- ‌الفصل الأول:الاشتراكية الشيوعية، والديموقراطية والحرية

- ‌الفصل الثاني: خداع العناوين

- ‌الفصل الثالث: من ذيول الاشتراكية تحديد النسل

- ‌الباب العاشر

- ‌الفصل الأول:مسؤولية حكومات الشعوب الإسلامية

- ‌الفصل الثاني: منزلة الحاكم في الشريعة الإسلامية

- ‌الفصل الثالث: من هو أبو مسلم الخولاني

- ‌الفصل الرابع: الإسلام دين ونظام حياة

- ‌الفصل الخامس: من هم المتهوكون

- ‌الفصل السادس:اعتراف جاسوس فرنسي، قال: "إن الإسلام دين المحامد والفضائل

- ‌الفصل السابع: مأساة اليمن

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌الفصل الأول:مفهوم المدنية والتمدن عند جيل هذا العصر

- ‌الفصل الثاني: الإنسان العصري المتمدن والإيمان بالغيب

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌الفصل الأول:هل في الاشتراكية خير للإنسانية؟ ازدياد عدد الفقراء فيها

- ‌الفصل الثاني: الاشتراكية والمرأة

- ‌الفصل الثالث: وصية الإسلام بالرفق بالضعفاء: اليتيم، والمملوك، والمرأة

- ‌الفصل الرابع: صون الإسلام للمرأة، وابتذال غيره لها

- ‌الفصل الخامس: مثال من حصافة رأي المرأة العربية المسلمة

- ‌كلمة ختامية:

الفصل: ‌الفصل الثاني: الاشتراكية والمرأة

فأبت ولم يكرهها على بيعها أو يأخذها منها بالقوة، وقالت له: أردت أن يتحدث الناس بعدلك في الرعية، وذلك خير لك وأولى بك من أن يتحدثوا بجمال قصرك وبهائه وعظمته، وهو موضوع على أساس من الظلم والجور، ولله در حسان بن ثابت رضي الله عنه في مدح العرب بعلو الهمة والشمم في قوله:

بيض الوجوه كريمة أحسابهم

شم الأنوف من الطراز الأول

هذا هو الرفق بالأمة الذي يتحلى به كبار المسؤولين في الدولة الإسلامية، وهؤلاء الحكام هم الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم:((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)) (1) وقال أيضا: ((يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) (2) وقال كذلك: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي عما سواه)) (3) وقال محببا الرفق لأمته: ((ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)) (4).

‌الفصل الثاني: الاشتراكية والمرأة

.

كل حركة محدثة تبحث - دائما - عن فئة تعتمد عليها وتتقوى بها، وتجعلها النواة الأولى لها، باسمها تتكلم، وعليها تدافع، ومن أجلها كانت ومن أجل حقوقها - الضائعة - تكونت، هذا شيء معروف في الدنيا كلها، يعرفه من له عقل نقي يتتبع به مما يحدث هنا وهنالك، والحركات المحدثة في حاجة إلى السند الذي يساندها ويقويها وينشرها، فإذا لم يكن موجودا هذا السند في الإبان أوجد من بعد لهذا الغرض فعلا، وصبغ بصبغة المظلوم المهان الذي يجب الدفاع عنه، وإعطاؤه ما يطلبه، ويتطلب تكوينه.

فكما اعتمدت الاشتراكية الماركسية على العمال والفلاحين، فكذلك

(1) رواه مسلم عن عائشة.

(2)

رواه الأئمة: مسلم، وأحمد، وأبو داوود، وابن ماجة، عن عائشة

(3)

رواه مسلم عنها.

(4)

أخرجه عبد ابن حميد والضياء المقدسي عن أنس رضى الله عنه.

ص: 272

اعتمدت الاشتراكية الحديثة على من ذكر، وزادت عنصرا جديدا فيها وهو عنصر المرأة، تلك الاشتراكية التي رأيناها تتسمى بأسماء مختلفة، حسب جو القطر الذي أحدثت فيه وطبقت على أهله، ففي الوطن العربي هناك عدة اشتراكيات

منها الاشتراكية العربية، واشتراكية عمر بن الخطاب، وفي البلد الذي يتمسك بإسلامه: الاشتراكية الإسلامية، وفي البلد الذي يسيطر عليه الحزب السياسي: إشتراكية الحزب الفلاني، إلى غير هذا من العناوين الكثيرة، فلا الإسلام يرضى بهذه النحلة الإلحادية التي أضيفت إليه، - لأنها مسخ له، ولأنه دين كامل في هيئته وتشريعه - ولا عمر بن الخطاب يرضى ويفرح بإضفاء الاشتراكية الإلحادية على عمله الإسلامي الخالص، وعلى شخصه الكريم وإيمانه القوي، وسيرته العادلة، إنما ذلك تمويه وتدليس على البسطاء من المؤمنين، حتى يقال لهم إن للاشتراكية الحديثة أصلا في الإسلام، وسندا في شريعة رب العالمين، التي أنتم بها مؤمنون، وأن الخليفة الثاني - عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عمر وما أدراكم من عمر؟ كان اشتراكيا، فلم لا نكون نحن على خطته وطريقته اشتراكيين مثله؟ أليس لكم قدوة به؟

نعم، إن كان للاشتراكية الحديثة سندا وأصلا فما هو إلا في - الاشتراكية المزدكية - فهي أصلها وسندها، وهذه فرع عنها وغصن من شجرتها، ولهذا أثمرت ثمرتها، وأعطت نتائجها، أما الإسلام فهو بعيد عنها بعد السماء عن الأرض، إذ هو شريعة الله جاء لها رسول الله صلى الله عليه رحمة للعالمين كما قال فيه مرسله:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1) أما الاشتراكية فهي من وضع اليهودي - كارل ماركس - فهي نحلة يهودية: واليهود لا يأتي منهم أي خير للإنسانية، فهم دائما يزيدون الإنسانية عذابا إلى عذابها، وشقاء إلى شقائها، كما أريد من ورائها الاستيلاء على السلطة والحكم، وجعل الناس في قبضتها.

اعتمدت الاشتراكية الحديثة - فيمن اعتمدت - على المرأة، والمرأة مخلوق ضعيف في الظاهر قوي في الباطن، له تأثير كبير في المجتمع وفي الفرد، وخاصة على الأشخاص البارزين فيه، من ملوك وأمراء ومن هو في طبقتهم - وهذا أمر معروف ومذكور في أسرار القصور - فقد تنقذ

(1) سورة الأنبياء الآية 107.

ص: 273

المرأة أنفسا بريئة من الموت والهلاك، وقد تهلك البرآء من الناس، والشواهد على هذا كثيرة ومتوفرة في التاريخ، منها قصة امرأة العزيز مع سيدنا يوسف عليه السلام والمكيدة التي دبرتها له، غير أن الله أبطل مكيدتها ونجاه من كيدها، فلولا عناية الله به لهلك بمكيدتها، وهذه (كاترين) زوجة بطرس (قيصر) روسيا فقد أنقذت حياة طائفة من الرجال المتهمين بمحاولة اغتيال قيصر - بعد أن حكمت عليهم المحكمة بالإعدام - دخلت مكتبه فوجدته يقرأ الأحكام التي صدرت من المحكمة التي حكمت عليهم بالموت شنقا، وأراد أن يصادق عليها بوضع إمضائه عليها بالموافقة لينفذ فيهم الحكم - وكانت امرأة عاقلة - فصاحت به قائلة: قف، ماذا تفعل .. فأعلمها بأن المحكمة حكمت على هؤلاء المجرمين بالموت وحكمها يتوقف تنفيذه على موافقته عليه بإمضائه تحت وثيقة الحكم، فأبت عليه أن يضع إمضاءه ليوافق به على وثائق الحكم الذي حكمت به المحكمة، فقال لها: ماذا أفعل والمحكمة قد حكمت؟ فقالت له: إن المحكمة أدت واجبها حسب القانون، ولكن بقي واجبك أنت، فقال لها: وما هو؟ قالت: العفو

وليس غير العفو، فقال لها: إنهم أرادوا قتلي، فقالت له: ولكنك لم تمت، إنك مثل الأب لجميع أبناء الشعب، وأظهرت له من حسن التدبير والإشارة ما أقنعه وجعله يعدل عن موافقة المحكمة في حكمها ويبدله بالعفو عنهم، وبهذا ازداد حبه في شعبه، حتى عند خصومه، لما ظهر به من سمو النفس والترفع عن سفك الدماء. ليت لنا مثلها - في عصرنا هذا - حتى لا يشنق العلماء والمفكرون وغيرهم من البرآء الذين يذهبون وتذهب أرواحهم هدرا نتيجة وشايات مغرضة ومكائد مدبرة، وسيلقى شانقوهم ربهم - غدا - بدماء المشنوقين، يطالبون به من شنقهم، بهما تطالب الموءودة وائدها. قال الله تعالى:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (1) وكما قال الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مع خصومه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (2).

وفي التاريخ البشري القديم قصص تدل على قوة تأثير المرأة، وفي القرآن

(1) سورة التكوير الآية 8 - 9.

(2)

الآيتان 30 - 31 من سورة الزمر.

ص: 274

مقارنة لطيفة بين كيد الشيطان وكيد المرأة، فوصف كيد الشيطان بالضعف ووصف كيد المرأة بالعظمة، وفي ذلك سر لا يخفى، قال الله تعالى في ذلك:{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (1) وقال في الآخر وفي التهمة التي حاولت امرأة عزيز مصر أن تلصقها بيوسف عليه السلام، فبرأه الله منها، حين خاطبها زوجها عزيز مصر بعد أن ظهر له من الشواهد الحسية براءته منها وكذبها هي:{إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} (2).

فالمرأة فيها من اللباقة وقوة التأثير على الرجل - بشتى وسائل التأثير - ما لا يوجد عند الرجل.

قيل للمرأة في الدول الاشتراكية الحديثة: إنك مستعبدة فطالبي بتحررك، وقيل لها: إنك مهانة فطالبي بعزك، وقيل لها: إنك سجينة البيت فتمردي واخرجي إلى الشارع، وفكي قيودك بيدك وحطمي السلاسل التي قيدتك، وقيل لها: إنك مظلومة فاعملي على رفع الظلم عنك، وقيل لها، وقيل لها الشيء الكثير وهي حيلة قصد بها الدعاية والتضليل، وبالتالي التأثير على المرأة، لتستغل حسب الظروف والأحوال فتأثرت المرأة بذلك، حتى أنه قال مسؤول كبير عندنا في سابق الأيام في خطاب له أمام جمع كبير من النساء على عادته في جمعه للنساء:(أخرجي إلى الشارع وخذي حقك بيدك، ولا تنتظري من الرجل أن يعطيه لك) ويقول لها آخر كذلك: (أخرجي بنفسك، ولا تنتظري منا أن نفتح لك الباب) فخرجت المرأة إلى الشارع متأثرة بما سمعته، لكن ماذا كانت النتيجة؟ كانت سيئة للغاية القصوى من السوء، كانت خراب البيت، كانت تشتيت العائلة، كانت تحطيم هيكل الأسرة، كانت في كثرة الطلاق والفراق التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإسلامي، وكان أيضا غير ذلك من كل أمر شنيع، مما نتج عنه فراق الكثيرات من النساء لأزواجهن وبيوتهن، كما كانت هروب الكثيرين من الأزواج عن نسائهم وأطفالهم، كل ذلك نتيجة لدعاية التغرير والخداع والتخريب، ولا يستطيع أحد نكران هذا وما ذكرته قليل من كثير.

(1) سورة النساء الآية 76.

(2)

الآية 28 من سورة يوسف.

ص: 275

قال أنصار هذا المبدأ ما قالوا للمرأة، من غير أن يفكروا في أخلاق المسلمين وتقاليدهم الحسنة، في صون المرأة وحفظها من العبث بها، وكيف يفكرون في هذا والكثير منهم لا يرعى للدين حرمة؟ مع تربيته في مدرسة المستعمر، وقد دربوا المرأة وجرأوها على الاستخفاف بالدين وبالأخلاق الإسلامية، حتى بلغ بطائفة منهن إلى أن ينكرن الأخبار الصحيحة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما قالته امرأة في الملتقى الخامس للتعرف على الفكر الإسلامي الذي تدعو إليه وتنظمه وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية الجزائرية، والذي انعقد في مدينة وهران من 27 جمادى الأولى إلى 10 جمادى الآخرة من سنة 1391 هـ، وقد نشرت كلمة هذه المرأة في سجل المحاضرات التي تعودت الوزارة المذكورة إصداره كل سنة.

هذه المرأة أعطي لها هذا الاسم واللقب (فاطمة الجامعي) وهي زوج الأستاذ الحبابي المغربي، وكلاهما أستاذ في جامعة الجزائر، وتقول إنها من الوفد المغربي، وكلمتها عنونتها بـ "المرأة المسلمة، حقوق وواجبات" ونشرت في السجل ابتداء من صفحة "302". قالت هذه المرأة فيما قالت، بعد أن أكثرت وأسرفت من تمجيد المرأة، وحشرت الكثير من الآيات الواردة في ذلك، وهكذا رأيناهم ورأيناهن لا يذكرون القرآن أو الدين الإسلامي إلا عند الاحتجاج والاحتياج إلى آياته ونصوصه، قالت:(وإن الزوجة - ولعلها تقصد المرأة - خلقت من نفس الطين الذي خلق منه الرجل، خلافا لما يروجه الخرافيون من أن المرأة خلقت من الضلع الأعوج، والحقيقة أن الرجل الذي يعتقد هذه الأسطورة - كذا - معوج المخ وكل الأضلع). وبعد أن نقلت الكثير من الآيات القرآنية الدالة على منزلة المرأة قالت: (إذا كانت هذه هي نظرة الإسلام إلى المرأة، لم يبق مجال للقول بأنها أقل قيمة من الرجل، وأنها - ناقصة عقل ودين - فالعقل مقسم بالتساوي بين النساء والرجال الخ

) وضربت على هذه النغمة الحلوة على الأسماع في كلمتها تلك، وسارت بعيدا في تمجيد المرأة، من غير أن تحض المرأة المسلمة على التمسك والعمل بالشريعة الإسلامية، التي رفعت منزلة المرأة بعد الحطة والهوان اللذين كانت تعاني منهما ما تعاني، فلم تأمرها بتقوى الله وعمل الصالحات والوقوف عند حدود الشريعة الإسلامية، لأن ما نالته المرأة المسلمة من عز ورفعة إنما نالته بشريعة الإسلام، فهي

ص: 276

التي رفعت عنها الحيف والجور، فوجب عليها أن تتبعها ولا تتبع المرأة الغربية فيما لا يليق بشرف المرأة المسلمة، وإلا فما ذلك التنويه إلا من باب الدعاية والاستغلال على حساب الإسلام، لأغراضها الشخصية.

إن هذه المرأة تقصد بقولها - حسب الألفاظ التي استدلت بها - الاعتراض أو الرد لما جاء في القرآن، وهو قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا الخ} الآية الأولى من سورة النساء، فماذا عساها أن تقول في قوله تعالى:{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ؟ يا سبحان الله كيف تجرأت المرأة هذه الجرأة الكبيرة!!!

وهكذا يفعل الجهل والغرور والتغرير بضعاف الأحلام، حتى يخرجهم أو يخرجهن من الإسلام.

ولما جاء في ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك أنها قالت:(خلافا لما يروجه الخرافيون من أن المرأة خلقت من الضلع الأعوج الخ) وبقولها: (لم يبق مجال للقول بأنها أقل قيمة من الرجل، وأنها ناقصة عقل ودين الخ

).

وهذا منها جرأة كبيرة، ثم على من تعترض يا ترى؟ وما هو قول الخرافيين هذا؟ ومن هم الخرافيون الذين تعنيهم؟ إن ما ذكرته حديث من أحاديث ثابتة نطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، والاعتراض عليه رد لقوله وعدم إيمان به، وهذا لا يقع إلا من غير المسلمين. وهذا هو نص الحديث. أخرج مسلم في صحيحه والترمذي وغيرهما عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن المرأة خلقت من ضلع لن تسقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها)) فهل في قول الرسول هذا خرافة؟ الواقع أنه وصية خير وإرشاد للمسلمين كي لا يسيئوا إلى زوجاتهم.

أما قولها: (لم يبق مجال للقول بأنها أقل قيمة من الرجل، وأنها ناقصة عقل ودين) فهو رد لآية قرآنية ولحديث نبوي صحيح. وبيان ذلك، أن الله تعالى عندما ذكر ضبط المال بالإشهاد عليه قال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ

ص: 277

مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} سورة البقرة الآية 282. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم مغزى هذا، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه. في باب (ترك الحائض الصوم) أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (جرح في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: ((يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار))، قلن: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن))، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل))؟ قلن: بلى، قال:((فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم))؟ قلن: بلى، قال:((فذلك من نقصان دينها)). رأينا من خلال جواب الرسول للنساء تلطفه معهن من غير تعنيف كعادته صلى الله عليه وسلم مع النساء وغيرهن، فهو لم يرد بذلك احتقارهن ولا التنقيص من شأنهن كما يدعي المغرضون، بل ما أراد إلا التنبيه لحالهن فقط، أما نقصان دين المرأة فواضح مما قاله الرسول، وأما نقصان العقل فهو إشارة إلى قول الله:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} وذلك في باب الشهادة، حيث أن المرأة الواحدة قد تنسى فتذكر إحداهما الأخرى كما جاء في الآية، قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: فسؤال النساء الرسول عن ذلك دليل على نقصان عقلهن، إذ الأمر معروف لا يحتاج إلى السؤال، فالسيدة المعترضة على هذا الحديث لم تفهمه، ولعلها لم تسمع به، وكثير من النساء مدحن المرأة فوق وأكثر من اللازم، لأغراض لا تخفى على أحد، والأعجب من ذلك أني لم أسمع واحدا من العلماء الحاضرين ردها عن خطئها ذلك لأني سمعت كلمتها تلك بواسطة التلفزة الجزائرية، والملاحظ الذي لا ينكر أن أصل خلقة المرأة وتكوينها أضعف من خلقة وتكوين الرجل، فهل تعترض المرأة على الخالق الذي اقتضت حكمته أن يخلقها هكذا؟

أو هل تنكر هذا أيضا؟ ومن أنكرته فلتتقدم إلى ميدان الرجل وتحمل

الأثقال مثل الرجل ولتكن حينئذ مثله أو فلتسكت عن شقشقة الكلام الفارغ

فقد أسرفت في قيمة نفسها بما لا يقبله العقل، بل وادعت أنها كل شيء

في هذه الحياة.

ص: 278

كونوا للمرأة - في كل البلاد الاشتراكية - اتحادا سموه "الإتحاد النسائي" ومنحوه من القوة ما لم يعط غيره من اتحادات الرجال، بل ما لم تنله أية هيئة، ولو كانت تربوية أخلاقية دينية أو غيرها، وأعطي من المال ما لم يعط غيره كذلك، وبهذه الامتيازات - أو التمييز العنصري إن شئت - صارت للمرأة قوة لا تضاهيها قوة الرجل، فالرجل - مهما علا - لا يساوي قلامة ظفر أمام المرأة - مهما نزلت - لغرض لا يخفى على أحد، فكلما تقدمت المرأة بشكوى ضد الرجل - رجل الحروب والكفاح والأعمال - إلا ونال ما نال من التعذيب والاحتقار والإهانة، وكم من رجل ترك داره وأولاده وفر هاربا بنفسه ودينه وشرفه مما يلقاه، هذا هو الواقع فعلا في كل بلد انتحل الاشتراكية المزدكية.

كما سخرت لها وسائل الإعلام، وجعلت تحت تصرفها، من صحافة، وإذاعة، وتلفزة، فللإتحاد أن ينشر ويذيع ما بدا له، وصارت المرأة المسلمة - وفي هذا الوصف نظر - (عضوة الإتحاد) تسافر وحدها بدون محرم لها يحميها - وهذا ما تنهى عنه الشريعة الإسلامية - تطوف أطراف العالم القريبة والبعيدة بدعوة من الإتحاد الفلاني الخ

وجعل للمرأة يوم خاص بها سموه - يوم المرأة - تقول فيه ما تريد، وتعطل فيه - وحدها - عن العمل، ولم يجعل للرجل مثله، فإذا قابلنا النوع بالنوع، وتفضيل صنف على صنف قلنا أليس هذا: هو - التمييز العنصري - الذي تنادي بإبطاله الحكومات والشعوب العالمية

؟؟؟

الجواب: أي وربي إنه لهو هو.

وإذا دققنا النظر في أصل الموضوع - موضوع المرأة - فإننا نجد أنفسنا - كمسلمين - قد أنزل الله كل واحد من الصنفين في منزلته، فالرجل له مقامه لا تغني عنه فيه المرأة، كما أن للمرأة منزلتها لا يغني عنها فيها الرجل فنحن في حاجة إلى تطبيق أحكام ديننا فقط، وإذا ظلم رجل مسلم امرأة مسلمة فليس معنى هذا أن الإسلام هو الذي ظلمها، فكم تظالم المسلمون - - وغيرهم - سواء في ذلك الرجال والنساء، كما قال الشاعر المشهور أبو الطيب المتنبي:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعلة لا يظلم

ص: 279