الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حد ما - شعور المسلمين وعقائدهم لفائدته، كما كان واقفا بالمرصاد في وجه الشيوعية الخاسرة، ولا يسمح لها ببث دعايتها إلا بمقدار.
الفصل الخامس: تمزيق المصحف، وإحراقه
.
هذه سورة حادثة من حوادث ثلاث وقعت، وسأذكرها كما بلغتني وذكرها من وقعت أمامه، وصورتها:
1 -
كان أحد الرجال الكبار الطاعنين في السن جالسا في أحد مقاعد الحديقة العامة - حديقة الحرية - الكائنة في أعلى شارع "مراد ديدوش" في عاصمة الجزائر، وكان ذلك في شهر دسمبر من سنة 1967 م؛ فبينما كان ذلك الأشيب جالسا تقدم إليه شبان ثلاثة، من هؤلاء الشبان الذين ضللتهم الدعاية الشيوعية الإلحادية المخربة للعقائد والفضائل، والتي يدعونها بالأفكار التحررية - كما يزعمون - تحرروا من الذوق السليم، والمجاملة واحترام الشعور وكرامة الفرد والمجتمع، ولما اقتربوا من الشيخ المسن أخرج أحدهم مصحفا من جيبه وقال للشيخ: ما هذا؟ فأجابه الرجل: قرآن، فقال له الشاب: هذا هو الذي أخركم وجعلكم في آخر الأمم!!! ثم مزقه - مزق الله لحمه - حسب الرواية وألقاه على الأرض متبوعا بالبزاق والدوس بالأقدام والإهانة شأن الأشياء الحقيرة، ثم مضوا في حالهم آمنين، وحارس الحديقة قريب منهم، ففزع إليه الأشيب وأبلغه الحادثة كما وقعت من هؤلاء الطائشين، مستنجدا به عله يقبضهم فيعاقبوا على ما ارتكبوه، فلم تتحرك من الحارس شعرة واحدة تدل على إيمانه وغيرته على المصحف المهان، بل هز كتفيه وقال للشيخ مثل قول الشبان الطائشين الأغرار.
هذه الحادثة التي ذكرتها كما وقعت وحسبما بلغتني هي نتيجة غض النظر عن دعاية الملاحدة في بلادنا، والتضييق على المدافعين عن الإسلام وعقيدته، وقد رأيت المصحف الممزق بعيني في منديل من حرير.
وعندما يرفع الأمر إلى المسؤولين على المحافظة عن الأمن وغيره يكون الجواب: لا تجزعوا من هذه الأعمال، فإنها صدرت من شبان طائشين!!! يقولون هذا - ظاهرا - ولعلهم راضون به باطنا، حتى يستمر الاستهزاء بالدين ومقدسات المسلمين.
ولما نقل خبر المصحف الممزق، والمصحف نفسه إلى المسؤول - قانونا -
وهو وزير الأوقاف آنذاك - العربي سعدوني - عن حماية الدين ورعايته، لم يفعل شيئا ذا بال - بل لم يعمل شيئا أصلا - إنما أنكر ذلك العمل الطائش بالقول فقط ماذا عمل؟؟ - والحادثة ليست بالأمر الهين - قام وقعد، وأبرق وأرعد، وأزبد وهدد - حسبما بلغنا عنه - وقلنا سينتصر للمصحف المهان بعد ما توعد المجرمين بأشد العقاب
…
ثم هدأ غضبه وجلس - مرتاحا - على كرسيه الوثير ولسان حاله يردد المثل الشعبي - يا ناس ما عليكم باس - ولعله أمر بالسكوت؟؟؟ ثم سلط غضبه على بعض أئمة المساجد.
2 -
الحادثة الثانية من نوع الأولى وتتلخص فيما يلي: دخل - في نفس السنة 1967 - بعض الشبان المفتونون بالأفكار التحررية - كما يقولون - إلى الجامع الأعظم بعاصمة الجزائر، وقصد خزانة المصاحف القرآنية، وتناول واحدا منها وفتحه ورسم على إحدى صفحاته الصليب المعقوف - رمز هتلر النازي - يشير بهذا الصنع إلى أن القرآن فشيستي - حسب الدعاية الشيوعية - وكما هي أقوالهم فيه، فعل هذا وانصرف من غير أن يراه أو يفطن إليه أحد، لأن الملحدين يترددون دائما على خزانة المصاحف للتلاوة، فمن رآه لم يظن فيه غير ما ذكر، وإن تعجب من هذا الصنيع فالعجيب أن الصليب وضع - مصادفة - فوق آية تحث على طاعة الله الحي القيوم والخضوع للقوي العزيز الجبار، وتخبر بخيبة الظالمين، وما درى هذا الجهول معنى الآية التي رسم عليها الصليب المعقوف، إنها آية تشير إلى إجرامه في عمله، والآية هي قوله تعالى جل جلاله {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} (1) قد رأيت - أيضا - هذا المصحف المرسوم عليه الصليب النازي.
إن المسؤول في الهيئة التي تتزعم - وتحتكر لنفسها - الدفاع عن الإسلام والدعاية له في المحافل الدولية لما بلغه هذا النبأ المزعج كان في شغل شاغل عن تتبع المجرمين - إن كانوا في نظر القانون المدني مجرمين - الذين اعتدوا على أعظم ما يعظمه المسلمون، وله ألف حق في تتبعهم - قانونيا - لو أراد ذلك.
3 -
الحادثة الثالثة - حادثة إحراق المصحف - وقعت في مساء الأحد أول أفريل سنة 1973 م في مسجد جامعة الجزائر، حيث عمدت شرذمة ممن لقنوا المبادئ الهدامة ودخلت إلى مسجد الجامعة، في يوم عطلة الأسبوع، وبعد
(1) الآية 111 من سورة طه.
أن خرج الطلبة إلى شؤونهم الخاصة، دخلت هذه الشرذمة إلى الجامع، وجمعت عددا من المصاحف القرآنية وأشعلت فيها النار، ولما رآى بعض الطلبة الدخان خارجا من نوافذ بيت الصلاة أسرعوا إليها، فوجدوا البعض منها قد احترق والبعض الآخر لا زالت منه بقية، فأطفأوا النار وأنقذوا البقية الباقية من الحريق هذه هي الحادثة ذكرتها كما وقعت حسب رواية الطلبة، وهي ترمز إلى أمور ثلاثة هامة في النظر المصيب.
1 -
أولها: ما شعر به الملاحدة من خيبة في مسعاهم الحقير، لهذا صبوا جام غضبهم على المصحف الشريف، وهذا هو عمل الجبناء، يشعرون بالقوة في الظلام، وفي غيبة الأبطال - الشباب الإسلامي - وهؤلاء المجرمون لم يرتكبوا جريمتهم المنكرة لو لم يكونوا مدفوعين إليها بأيد خفية، وبدافع قوى خارج عن نطاقهم الضيق الأفق، ومن غير شك أن يكون المحرض لهم على ما فعلوا خارجا عن وسط الطلاب الجامعي، وقد أذيعت الحادثة وانتشرت بواسطة الطلبة الأبطال - رغم الأوامر التي صدرت بكتمانها وإسدال الستار عنها كأنها أمر تافه لا يستحق الاهتمام والذيوع - انتشرت في جميع الأحياء والمدن والقرى الجزائرية، وتناولها الخطباء في خطبة الجمعة، ولم نسمع عن المسؤول الكبير عن الجامعة أنه فعل شيئا - وقد بلغه خبر الحادثة - كما لم نسمع أنه قام ولو ببحث بسيط عرف به نوع ومصدر هذه الحادثة المفجعة والمفزعة، أو الإهانة التي ألحقت بالمصحف في بيت الصلاة، وفي حرم الجامعة - كما يقولون - بل كأنه لم يقع أي شيء يستحق الاهتمام به، ولم يظهر الجاني - فضلا عن عقابه - حتى يعرف المحرك له من هو .... ؟؟؟؟
2 -
الأمر الثاني، أو المغزى الثاني مما يستنتج من هذه الحادثة هو حنق الملاحدة وغضبهم عن الشباب الجزائري المسلم - عقيدة وعملا - فقد اغتاظ الملاحدة إلى حد كبير من أن يروا جماعة مهمة من طلبة الجامعة يؤمون المسجد للصلاة أو لتلاوة القرآن - وهذا أمر لا يعجب إبليس وأعوانه - فقد تعود هؤلاء الطلبة الأبرار على ترددهم على الجامع، وخاصة يوم الجمعة، حيث يؤمهم إما أحد الأساتذة - متطوعا بالصلاة - في صلاة الجمعة، أو أحد نجباء الطلبة القادرين على الخطبة والصلاة، هذا هو الذي أدخل الحقد إلى قلوب الملاحدة فعملوا ما عملوا، لأن المعروف أن الطلبة أو الشباب الجامعي يتلقون تعليمهم عن معلمين - عفوا - بل دكاترة، يرون أن الدين رجعي وعلامة على
التأخر، و - فكرة - كما يقول خصوم الإسلام، وقد سمعت مرة أحد الدكاترة - الجدد - خصص لتوجيه الشباب بواسطة الإذاعة والتلفزة، وقد سأله المذيع في الندوة عن العصبية عند العرب، فكان جوابه: إن العرب كانوا يتعصبون للقبيلة، ولما جاءهم الإسلام - والإسلام فكرة!!! - تعصبوا له
…
هذا قول الدكتور عبد الماركسية، وهذا نفس القول الذي يقوله خصوم الإسلام من مبشرين وغيرهم في محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الإسلام فكرة فكر فيها محمد ثم قدمها للعرب - وهذا الدكتور الذي يقول في الإسلام إنه فكرة كأنه قرأ في مدارس المبشرين ومن معينهم أخذ معلوماته، ألم يعلم أو يتعلم هذا الدكتور أن الإسلام شريعة سماوية نزلت من السماء على رسول من رسل الله وهو محمد عليه الصلاة والسلام؟ إذا كان هذا هو قول أستاذ الجامعة فما هو قول التلميذ الذي كثيرا ما يتأثر برأي أستاذه؟ وهو نسخة منه إذن فكيف يتخيل مثقف جامعي أن يرى الطلبة الجزائريين يصلون ويقرأون القرآن ويصومون رمضان، هذا - في نظرهم - شيء لا يكون، ونسوا التربية الإسلامية المنزلة، وأن هؤلاء الطلبة آباؤهم مسلمون وأمهاتهم مسلمات، والشاب الجزائري - مسلم بطبعه وفطرته - لو لم يصب بطاعون الملاحدة، فلا غرابة إذا قام بشعائره الدينية، بل رأينا هذا الشباب - الجامعي - المسلم، قد تحدى الملاحدة، وأقام بعد أيام قليلة من إحراق المصاحف، وبمناسبة ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم أقام أسبوعا أو ملتقى أسماه - أسبوع القرآن - ردا على عمل الملاحدة، وقد انقضى أسبوع القرآن هذا في الدروس الدينية والمحاضرات التوجيهية، مما زاد في قيمة القرآن، وفي حب الدين الإسلامي عند شبابنا المسلم الواعي.
3 -
ثالث الأمور هو إرخاء العنان للعابثين بالقيم الإسلامية، يفعلون ما يشاؤون من غير أن ينالهم أدنى عقاب على ما فعلوا، ولو عوقب السابقون لكف اللاحقون، ولماذا أوجد قانون العقوبات إذن وعمن يطبق
…
؟؟
رأينا في دساتير الحكومات والدول العصرية مادة من مواد الدستور تنص على احترام شخص رئيس الدولة أو الحكومة سواء كان ملكا أو رئيسا، لأنه الرمز لسيادة البلاد، واحترامه واجب على كل المواطنين، وقانون البلاد يعاقب كل من مد لسانه أو قلمه أو يده واعتدى على كرامته أو شخصه أو منصبه، فقد أحيط رئيس الدولة بسياج محكم من التقديس والاحترام - لتبقى هيبته
في نفوس الرعية - وهو العبد المخلوق، أما الخالق الواحد الذي تجب طاعته واحترامه على كل العباد، ودينه، وقرآنه المحكم فلا حرج ولا عقاب على من تطاول إلى مقامه العالي في نظر ضعاف الإيمان والعقول العصفورية، وهذا هو الضلال البشري.
إن شعور المسؤول - الموظف - بالتبعات والمسؤوليات يجعله لا يفرط في أدنى جزء من الواجب الملقى عليه، فعليه أن يعمل حسب منصبه ومركزه، فإذا لم يلق التأييد من السلطة العليا على إحقاق الحق وإبطال الباطل، فواجب كرامة النفس يحتم عليه الانسحاب من كرسي لا تسمع كلمة الجالس عليه، فإنه أفضل وأليق بالكرامة الشخصية من البقاء على كرسي حقير لا قيمة للجالس عليه.
فلنفكر معاشر المؤمنين في هذا الإعتداء على كرامة وقدسية القرآن وعلى شعور المسلمين، والشعور الذي استعملته كثيرا هنا المراد به الشعور بمعنى الإحساس، لا الشعور - الجمع - المتدلية على أكناف فتياننا البواسل المتشبهين بالفتيات، فإنه لا يليق بنا - كمسلمين - أن نمر بهذه الحوادث مر الكرام أو مر اللئام، فإن لها ما بعدها من الآثار السيئة، كما كان يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحادثة تقع:(هذا يوم له ما بعده) كذلك نقولهما نحن هنا.
لو فرضا - جدلا - أن هذه الإهانة التي لحقت كتابنا المقدس كتاب الله - القرآن - المعظم عند المسلمين أصابت كتاب العهد القديم - التوراة - أو أصابت كتاب العهد الجديد - الإنجيل - المعظمين عند اليهود والنصارى، لو حدث ذلك لعمل أهلهما ما يوجبه عليهم احترامهم لكتابيهم، ولهب رجال الدين منهم يطالبون بإنزال أشد العقوبات وأقصاها على المعتدين الآثمين، إذ من المعروف لدى الجميع أن المسيحي يشتري كتابه (الإنجيل) ويحله في المكان اللائق به من الاحترام والتقدير، ومثله اليهودي مع كتابه (التوراة) يحب كتابه ويعتز به، فهل المسلمون أقل احتراما لكتابهم - السالم من التحريف - من الطائفتين المذكورتين؟؟؟ ما سمعنا أن ملحدا مستخفا بدينه - سواء أكان من اليهود أو النصارى أو من المجوس - مزق أو أحرق كتاب قومه وأهانه أمام الناس، ولو كان هو لا يؤمن به، كما أهين قرآننا ومصحفنا!!!
فالمسألة خطيرة جدا، وإن حاول البعض تهوينها أو إظهار تفاهتها وجعلها حادثة بسيطة وقعت من شبان طائشين، فقائل هذا القول يعتبر شريكا ونصيرا للمجرمين ومؤيدا لهم على ما ارتكبوه، كما يعد تشجيعا لغيرهم وإغراء للسفهاء بأنه لا خوف عليهم من العقاب، فليمضوا في سبيل ما يريدون، ما داموا لم ينالوا من رمز سلطة وسيادة البلاد شيئا.
فالواجب يقضي بتتبع المجرمين حتى يعرف المحركون لهم والدافعون بهم إلى ارتكاب مثل هذا العمل الجنوني، وليعلموا أن المسلمين منهم بالمرصاد، لا تخفى عليهم أعمالهم التخريبية، ولو فرضنا أن هذه الإهانة أصابت موظفا يعتز بنفسه وشرف مركزه، فمزق أحد السفهاء ثوبه - لا لحمه - أو كسوته لسارع إلى الانتقام لنفسه وشرفه المهان - وله الحق في ذلك - ممن لم يعرف له قدره وفضله وشرفه ومركزه، وإذا عجز عن الانتقام لنفسه استعان بسلطة الدولة.
وهكذا تنتهك حرمة الدين جهارا نهارا من غير أن ينال المنتهكين العقاب الرادع الزاجر لهم ولأمثالهم من المستخفين بالمقدسات الدينية والطائشين، ولعل هذا السكوت نتيجة لأوامر صدرت بإخفاء القضية وإسدال الستار عنها، لعل!!!
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله)(1) وقوله: (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)(2)
والسبب الحقيقي الباعث لهؤلاء الطائشين على فعل ما فعلوه هو ذلك التوجيه اللا إسلامي الإلحادي الذي يتلقاه التلامذة والطلبة من معلمين جيء بهم من الخارج - لحاجة الجزائر إليهم - يحملون العداوة للدين الإسلامي بالخصوص، مع غض النظر عن أعمال المفسدين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقد أغضب هؤلاء ما رأوه من إقبال الشباب الجامعي على الدين، فجن جنونهم.
(1) رواه الإمام أحمد والحاكم كلاهما عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ذكره أبو أيوب لمروان بن الحكم عامل المدينة في قصة.
(2)
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه.