الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علمنا أن ما أذاعه خصوم الإسلام عن الإسلام إنما هو دسيسة ومكيدة ميتة، وإن ستروا وجهها بستار التقدم والرقي ومسايرة الوقت، وما هذه في الحقيقة إلا بقية من بقايا الحروب الصليبية، ولكنها بسلاح آخر، وبأسلوب مغاير لأساليب الحروب الصليبية القديمة المعروفة.
كل من عرف الإسلام يعرف أنه لم يمنع المسلمين من التقدم والرقي في حدود الحق والعدل والفضيلة، إنما يمنع الإسلام أتباعه من الظلم والجور والإباحية والرذيلة وجميع أنواع الشرور والمفاسد، والتاريخ شاهد عدل، فقد قص علينا أن الإسلام جعل المسلمين يسبقون غيرهم من الأمم مهما تقدمت هذه الأمم وارتقت.
الفصل الثالث: هل هذه بوادر المزدكية تلوح في الأفق
..... ؟؟؟؟
يتساءل ذوو الرأي المسلمون قائلين: هل ما نشاهده في بعض الأوطان الإسلامية بوادر تنذر بعودة المزدكية
…
؟ سؤال يفرض نفسه أما جوابه فيأتي من واقع حياة الحكام والشعوب الإسلامية في هذه الأزمنة الأخيرة، وخاصة بعد استقلال هذه الشعوب وتولي حكام تربوا في أحضان المستعمرين، والكثير منهم اغتصبوا الحكم إما بقوة الجند وإما بالاحتيال والخديعة، ففعلوا ما أرادوا وخنقوا حريات الشعوب ولم يتركوا لها حريتها لتعبر عما في ضمائرها عن نوع الحكم الذي تريده وترغب فيه، والذي ظهر من تصرفات هؤلاء الحكام أنذر برجوع المذهب المزدكي، وهو ظاهر لا خفاء فيه، وذلك بسعي حثيث من خصوم الإسلام، فهم يحاولون جادين تأييد المزدكية - العصرية - الملعونة، والتي عرفنا فيما سبق أهدافها وغاياتها من قبل النساء والأموال، ونزيد هنا هذا العنصر الأخير - المال - من عنصري المزدكية بيانا وتوضيحا.
تعمل المزدكية على انتزاع الأموال من أربابها الذين تعبوا في اكتسابها بوسائل شريفة ونزيهة وعادلة، وبطرق شرعية وقانونية، في حين أن الإسلام يقر الناس على ما اكتسبوه، ويترك لهم أموالهم ليتملكوها إذا أدوا ما عليهم من فروض، فالدين الإسلامي الخالد يأمر بالعدل وينهى عن الظلم، كما قال علام الغيوب: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (1). وقد حاول البعض أن يلبس المزدكية العمرية لباس الإسلام، ويجد لها في التشريع الإسلامي سندا، وكل ذلك تمويه وتضليل، فالإسلام في نظامه الخاص المستقل بريء منها ولا يأمر بها.
فإذا أرادوا بذلك تصرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأرض التي استولى عليها المسلمون في حربهم مع الفرس، وأبى عمر أن يوزعها بين المحاربين، ويملكها لهم كما هو الشأن فيما غنموه من الأموال، نقول لهم لم يوزعها عليهم ورأى أن يبقيها لجميع المسلمين نظرا لمن سيأتي من بعد، وهو اجتهاد من عمر رضي الله عنه، ظهرت فائدته فيما بعد.
وهنا ننبه إلى استغلال آراء بعض قادة المسلمين وعلمائهم، إذا وافقت في النفس هوى صاحب الدعوة، أما إذا خالفت الهوى فإنه لا التفات إليها.
قد سمعنا - كثيرا - بعض الحكام في البلدان الإسلامية يحتجون بعمل عمر هذا لأنه يتفق مع أهدافهم، وما لهم لا يعملون بأعمال عمر في غير هذا؟ ما لهم عن ورعه؟ وعدله؟ وزهده؟ وتقواه لربه؟ وسهره على راحة أمته؟ فهل أباح عمر الخمور والفجور والفسوق؟؟؟ وهل أخرج عمر الحرائر المقصورات في بيوتهن ورمى بهن في الشوارع مع الفسقة الفجرة؟؟؟ فليتدبروا قليلا في أقوالهم وأعمالهم، فإن للناس آذانا تسمع وعيونا تبصر، وعقولا تدرك، بل وليسوا من الغافلين.
كنا نسمع - كثيرا - من الإذاعة الجزائرية - قبل انقلاب "19" جوان 1963 - كلمة الصحابي الجليل الزاهد (أبي ذر الغفاري) رضي الله عنه وهي قوله: (يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار، تكوى بها جباههم وجنوبهم. الخ) وكانت تكرر من المذيع في غالب الأوقات، لتكون دليلا على الدعوى، ذلك أن أحد كبار الصحابة نادى بسوء عاقبة الذين يدخرون الأموال ولا يدفعونها للفقراء، ترى من هم هؤلاء الفقراء الذين تدفع إليهم هذه الأموال المدخرة في نظرهم؟ ومن هم المستحقون
(1) الآية 90 من سورة النحل.