الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول:
الاشتراكية الشيوعية، والديموقراطية والحرية
.
تدعي النحلة الاشتراكية أنها ديموقراطية، في تكوينها، وفي مبادئها، وفي تسييرها، وفي حياتها إلى آخر ما تملأ به فراغ صحفها وإذاعاتها، غير أن الواقع الذي يشاهده الناس لا يوافقها على هذه الدعوى، لأن العمل الذي يصدر عن زعمائها وحكامها غير موافق للدعوى، فالواقع يظهرها بمظهر المتصرف الجبار المطلق التصرف في تصرفه الديكتاتوري، الذي لا يرحم، فهي تتخذ جميع الوسائل والطرق لفرض مبادئها في أوساط العمال والفلاحين والطلبة الذين لا تفكير لهم، يتحصنون به من الانخداع لأقوال المغررين المغرورين.
فالاشتراكية الشيوعية توجه النقد الساخر إلى الأديان الإلهية لأن مبدأها الأول - لا دين ولا رب الدين - لا إله والحياة مادة - وتحاول أن تجعل تأخر البشرية وفقرها وظلم حكامها يرجع أولا وقبل كل اعتبار إلى التمسك بالدين والعمل بالشرائع السماوية.
والذي يفكر قليلا في هذه الدعوى يهتدي بفطرته السليمة، وبقليل من التدبر إلى بطلان هذه الفرية المتعمدة، فنحن - كمسلمين - نعلم من ديننا ومبادئه وأهدافه ما لا نغتر ولا ننخدع بحيل الماركسية الملحدة، وإذا وجد في المسلمين من اعتنق النحلة الشيوعية الاشتراكية فهو واحد من اثنين:
إما جاهل بدينه - وإن ادعى أنه يعلمه - وهذا هو الأعم والأغلب فيهم، لم يتمكن الدين من قلبه، فإسلامه ورثه عن آبائه بدون فهم - كما هو في الكثير من المسلمين - ولا وعي، وإما مذبذب لا مبدأ له، ولا عقيدة فيه تحفظه، فهو يمشي إلى أين يجد منفعته وفائدته الخاصة به، ولو كان
ذلك بالتنكر إلى ما كان عليه أسلافه، فهو قد اعتنق المذهب الاشتراكي الشيوعي ويدعو إليه لا حبا فيه، ولا إيمانا به، وإنما لقصاء مآربه، فيتظاهر به، وينادي إليه على حد قول المثل:(إذا وجدت قوما يعبدون حمارا فعليك بتقديم الحشيش) فالذي يقدم الحشيش للحمار المعبود غير مؤمن بألوهيته، إنما فعل ذلك ليزداد تقربا إلى عابدي الحمار حتى يرضوا عنه.
فالاشتراكية - وكلها شيوعية - ولا أستثني منها بلدا دون بلد للواقع المكشوف - توجه نقدها واعتراضها إلى الأديان السماوية، محاولة بذلك أن تظهرها بمظهر العاجزة عن حل مشاكل العباد - والحياة كلها مشاكل - القصيرة النظر عما يحدث للبشر من مشاكل وأتعاب، والحقيقة التي لا تخفى على أحد هي أن مشاكل العباد إنما نشأت عن إهمال العباد لوصايا الأديان السماوية، وعدم العمل بما جاءت به قوانينها، لا من الأديان نفسها، فهذه هي الحقيقة، وإن حاول طمسها المغرضون، إن الشيوعية تدعي لنفسها - والواقع لا يصدقها - أن فيها كل أنواع العلاج لجميع مشاكل البشرية، ولهذا فهي تستطيع أن تقضي على ما أخر البشرية - في زعمها - أزمانا ودهورا
…
فهي قد تحل بعض المشاكل - حسبما تدعي - ولكن بقوة الحديد والنار والقهر والقوة.
إن الواقع كشف عن إفلاسها في كل ميادين الحياة، وإن لم تعترف هي بذلك، ولولا فرضها نفسها بالقوة والخداع على بعض الشعوب الضعيفة لما بقي لها ذكر، وقد ظهر عجزها أخيرا في تقربها لأمريكا الرأسمالية.
وبناء على جرأتها في نقدها واعتراضها على الأديان، واستهزائها بها - كما مرت الإشارة إليه سابقا - فهل في صدر الاشتراكية سعة لتلقي النقد الصحيح والصريح من لدن من لا يؤمن بها - لأنها خرافة -؟ وهل تتقبل ذلك بصدر رحب .. ؟ وقد يجيء النقد والاعتراض حتى من الذين يؤمنون بها
…
وهل تفتح أذنيها لتسمع أقوال غير الشيوعيين، مظهرين عجزها في تشريعها وفي حلها للمشاكل، بل هي صاحبة المشاكل؟ لعلها تقبل ذلك إذا تجردت من جبروتها وغطرستها - وهذا ما لا يكون منها - فيوجه إليها النقد كما توجه هي اعتراضها ونقدها للأديان الإلهية، وإظهارها بمظهر العاجز، بل ونعتها بكل أنواع النعوت الحقيرة، المنفرة منها
…
؟
هذا غير موجود ولا مسموح به في بلد الاشتراكية والديموقراطية كما تدعي، فإن الأخبار تتوارد بين الحين والآخر بتسليط أشد أنواع العقاب على من ينتقد نظامها، وما جزاؤه إلا السجن والتعذيب.
وإليك أحد الأمثلة على ذلك، وهي كثيرة:
وقع في سنة (1966) أن وجه كاتبان روسيان (1) نقدا إلى النظام الشيوعي وأظهرا ما فيه من عيوب ونقائص، فهل اتسعت صدور حكام روسيا - الاشتراكيين الديموقراطيين - لقبول هذا النقد؟ وهو منهم وإليهم، وهل أحلوه محله اللائق به؟ وناقشوا آراء الكاتبين فلعلهما مصيبان فيما قالا؟ وهل يحترمون أفكار الناس وآراءهم؟ لم يستطيعوا حتى سماعه - فضلا عن مناقشته - شأنهم في هذا الشأن شأن كل الحكام الاشتراكيين ولو كانوا من المتطفلين على الاشتراكية، بل عمدوا إلى القوة - كعادتهم - والانتقام، فحوكم الكاتبان على أفكارهما - التحررية كما هي العادة - وحكم عليهما بالسجن، كم يا ترى؟ عشر سنين - فقط - من أجل مقال في صحيفة - لا من أجل قتل نفس بشرية - والحادثة هذه هز صداها العالم كله، وأذيعت في الإذاعات العالمية، كما نشرتها الصحافة أيضا وعلقت عيها على ما تراه حسب منهاجها، هذه هي الحرية والديموقراطية التحررية التي يتغنى بها زعماء الاشتراكية وإلا فلا، هذه حادثة واحدة من أمثالها، وهي كثيرة، فضيق صدور الحكام الاشتراكيين لا يتسع للنقد والتوجيه، ولعلهم يعتقدون أنهم - دائما - على الصواب لا يخطئون وهذا نفس الخطإ، وفي المثل المعروف:(من كان بيته من زجاج فلا يرم الناس بالحجارة).
كلنا يعرف أن من خصائص الدول الاشتراكية خنق حريات الشعوب التي تتحكم فيها، فلا حق لذوي الرأي في إبداء آرائهم وإظهار عواطفهم، لا بالكلام وحرية القول ولا بالسماح بإصدار الصحف لتعبر عن رغبات وعواطف الأمة، ولا بطبع الكتب إلا برخصة خاصة من وزارة الأخبار والثقافة، كأن الناس في حالة حرب يجب أن تفرض عليهم الرقابة، كما أنه لا يسمح أيضا بتأسيس الجمعيات لخدمة الأمة، إلا إذا كانت لخدمة مصلحة الاشتراكية والواقع أوضح دليل على ذلك، فأنى للحاكم أن يعرف
(1) هما الكاتبان: دانيال ورفيقه.
الصواب من الخطإ إذا لم يقبل التنبيه على ذلك؟ ولعل حكام الاشتراكية يضفون على ذواتهم المحترمة صفة العصمة من الخطإ، لهذا فهم في غنى عن النصائح وعمن يرشدهم إلى خطإهم.
وقد مضى ذلك الزمان الذي كان الحكام يقبلون فيه النصيحة والإرشاد، ويرون ذلك علامه على حيوية الأمة ويقظتها واهتمامها بما يقع فوق ترابها، فهي لا تسكت عن الخطإ أو الظلم ولو كان مصدره رمز سيادتها، وأذكر بهذه المناسبة أن حاكم تركيا (مصطفى كمال) لما استولى على الحكم بعد أن طرد الخليفة العثماني - السلطان عبد المجيد - وألغى الخلافة الإسلامية سنة (1924) وأسس حزبه - حزب الشعب - وأسس البرلمان بنوابه، طلب من المعارضة - ولا بد من وجود معارضة في كل بلد - أن تؤسس حزبا لمعارضة الحكومة وانتقادها إذا انحرفت عن الطريق السوي، وتم ذلك، وأصبحت المعارضة - بنوابها - تناقش الحكومة في كل شيء، وبوجود المعارضة يظهر الخطأ من الصواب، أما النظام الاشتراكي وما يدور في فلكه فإنه لا يسمح بتأسيس أي حزب أو هيئة، ولو كانت دينية توجيهية، وما وجد منها فهو معرض للتعطيل بأدنى سبب، وهذا ما يطلق عليه بـ (نظام الحزب الواحد) فهل هذا من الحرية والديموقراطية التي تدعيها الاشتراكية؟ الجواب عند الواقع وكفى.
اذ من المعلوم - بناء على هذا - أن كل قرار يصدر يفرض على الشعب فرضا، ولا يحق لأي أحد أن يبدي رأيه فيه، بل ما عليه إلا الرضى والقبول - سلم تسلم - وهي الكلمة التي كان يقولها الطرقيون، وإن عارض معارض أو انتقد منتقد فعاقبته السجن والتعذيب والإبعاد إلى البقاع القاصية القاسية، ثم الطرد من منصبه والتنكيل به، وهلم جرا، ويحرم من حقوقه - كمواطن - وللمواطن في كل دولة حقه الطبيعي، فإذا طلبه مكن منه إلا في النظام الاشتراكي، فإذا طلبه - أي حق المواطن - من وسم بسمة المعارضة للنظام الاشتراكي فإنه لا يمكن منه، وما هنالك إلا ما قاله الحزب الحاكم، فهو إذن حكم استبدادي لا شورى فيه، ولا مناقشة فيما يقرر بل يفرض على الشعب فرضا لأن مجلس نواب الأمة - لا نواب الحزب - معطل وملغى، وفي المناسبات يصرح المسؤولون بأن الشعب هو الذي اختار النظام الاشتراكي، والشعب المسكين بريء من ذلك.
هذه هي الحقيقة تتبعنها في كل بلد انتحل الاشتراكية مبدأ وسياسة له.
وما يذاع وينشر عن لقاءات وجلسات أعمال بدعوى التشاور وأخذ الآراء، فإنما هو تمويه وتغطية للواقع، إذ لا يسمح بالمناقشة إلا لمن حاز الرضى، وهو بالطبع لا يقول - لا - ولا يقول ما يثير الغضب والانزعاج كما هو الحال في الانتخابات وغيرها، إذ لا يسمح بالترشيح لأحد إلا لمن رشحه الحزب ورضي عنه، ولو كان لا يساوى شيئا عند الأمة وعقلائها ومفكريها، ثم يقال بعد ذلك إن الانتخابات قد جرت بسورة حرة وديموقراطية، وأن المرشح الفلاني أحرز على أغلبية: 99% ولربما بزيادة فاصل كل هذا زيادة في التحري.
وكمثال على الديموقراطية الاشتراكية - حسب المزاعم - نقول:
إن ألمانيا - مثلا - مقسمة إلى قسمين، أحدهما وهو القسم الشرقي، هو تحت الحكم الاشتراكي الروسي، والآخر وهو القسم الغربي، وهو تحت حكم أمريكا وحلفائها وفي أيهما تسود الحرية والديموقراطية يا ترى .. ؟؟
أفي القسم الشرقي أين يوجد الحكم الاشتراكي الشيوعي؟ أم في القسم الغربي أين يسود النظام الأمريكي وما معه؟
الواقع الذي لا شك فيه أننا نسمع - باستمرار - وبدون انقطاع هروب الألمان من القسم الشرقي - بالرغم من الجدار الحديدي الفاصل بين القسمين - إلى القسم الغربي عن رضى واختيار من أنفسهم - مع الحراسة الشديدة وقلة وسائل الهروب، ولم نسمع بهروب أحد من القسم الغربي إلى القسم الشرقي. فأي القسمين الألمانيين أفضل من الآخر يا ترى؟
مما لا ريب فيه أن الناس لا يفرون مما فيه الخير والراحة إلى ما فيه الشر والشقاء، ولا من الحرية إلى العبودية، فالألمانيون أعرف وأدرى من غيرهم بمصالحهم، إنما هذه ملاحظة فقط أبديتها في هذا المكان بمناسبة الكلام عن الحرية والديموقراطية، التي يتبجح بها النظام الاشتراكي الشيوعي، ولكن الحق يقال على كل حال.
وأنا - كمسلم يعتز ويفخر بإسلامه - لا أدافع عن أمريكا ولا عن غيرها ولست عميلا لها - حسب الاصطلاح الاشتراكي الذي يطلق كلمة العميل على كل من لا يؤيد النظام الاشتراكي - أقول إن أمريكا - في نظري -
هي العدو الأول للإسلام والمسلمين، فهي مستغلة الشعوب الضعيفة، وهي التي تمتص دماءها، وفوق كل شيء وقبل كل اعتبار هي ناصرة اليهود، ونصيرة الصهيونيين اللؤماء على العرب الأحرار الكرماء، فواجب على كل مسلم يؤمن بربه ويعتز بإسلامه ألا يحمل لها في قلبه أي احترام فضلا عن أن يكون عميلا وصنيعة لها.
إن الذين يعرفون ما يجري داخل البلاد الاشتراكية الروسية يذكرون أن الناس لو وجدوا السبيل أمامهم مفتوحا للخروج من الوطن الاشتراكي لخرجوا، ولما بقي منهم خمسة في المائة، وهذا من علامات الخير، وهكذا العمل في كل البلاد الاشتراكية، فإنها تضيق أشد التضييق على الناس في الخروج من وطنهم حتى لا يروا ما يتمتع به الناس من الحريات في غير البلدان الاشتراكية.
إن بعض الحكومات - مسلمة وغير مسلمة - ارتمت في أحضان الاشتراكية الشيوعية راجية منها تخليص شعوبها من محنها، فشرعت في تطبيق النظام الاشتراكي الشيوعي في بلادها - ترضية لروسيا - وخاصة ضد الدين والعقيدة الدينية، فهي قد استبدلت استعمارا باستعمار أشد من الأول، وقد كشف الواقع عن حقيقة النظام الاشتراكي الشيوعي وخيبته، وأنه لا يستطيع أن يواجه المشاكل المتجددة في كل وقت وحين إلا بالقوة - والقوة لا تحل المشاكل - وفعلا فقد أصاب هذا النظام الفشل الذريع - بل الإفلاس - الظاهر الذي لا يخفى على كل ذي عقل نقي، فهو نظام لا يأتي إلا بالفقر وضنك العيش وقلة الموارد والنتائج ولو كان في أغنى بقاع العالم، ولا يستفيد منه إلا المسيرون له والقائمون عليه، فإنهم أغنوا منه غناء لا مثيل له على حساب الطبقة الفقيرة الكادحة، ولا يستطيع أحد أن ينكر الواقع، لهذا أخذت بعض الشعوب المطبقة له تستفيق من نومها، وتزول عنها غفلتها كما فعل أخيرا الاشتراكي الشيوعي المتحمس لها (فيدال كاسترو زعيم كوبا) فقد أذاع من أيام قريبة تركه للنظام الاشتراكي، وقال: إنه خيال لا يمكن تطبيقه، وأظهر عيوبه، كما أظهر أنه تسرع أولا في تطبيقه، واستدل على عدم صلاحيته بقلة الإنتاج وبكثرة اليد العاملة فيه، وهذا شيء طبيعي في البشر، لأنهم - العمال - يرون أنفسهم يشقون بأجر زهيد وغيرهم ينعم في رغد من العيش بسبب كدهم وسعيهم المتواصل.