المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول:الاشتراكية والدين - المزدكية هي أصل الاشتراكية

[عبد اللطيف سلطاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم:

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأول:ما هي المزدكية

- ‌الفصل الثاني: من ابتدعها

- ‌الفصل الثالث: أين نبتت شجرتها

- ‌الباب الثاني

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث: وقفة هاهنا للتأمل والاعتبار

- ‌الباب الثالث

- ‌الفصل الأول:الشرائع السماوية وسعادة البشرية

- ‌الفصل الثاني: ما نتج عن توريد المبادئ الأجنبية الهدامة

- ‌الفصل الثالث: الصحافة تنشر ما يساعد على بعث المزدكية

- ‌الفصل الرابع: الصحافة وحماة الدين

- ‌الباب الرابع

- ‌الفصل الأول:ما قدمته الأمة الجزائرية من ضحايا في سبيل الإسلام لا يتفق مع توريد بعض المذاهب الإلحادية

- ‌الفصل الثاني: كيف يكون الدفاع عن الإسلام

- ‌الفصل الثالث: مضار الخمر وغض النظر عنها

- ‌الفصل الرابع: النهي عن بيع العنب لمن يتخذه خمرا

- ‌الفصل الخامس: إنتهاك الحرمات الشرعية سببه من المبادئ الإلحادية

- ‌الفصل السادس: في الحلال عوض عن الحرام {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}

- ‌الباب الخامس

- ‌الفصل الأول:العلماء والتعصب

- ‌الفصل الثاني: من لا يتعصب لمبدئه فلا خير فيه

- ‌الفصل الثالث: الأحزاب السياسية والتعصب

- ‌الفصل الرابع: لمن هذه الأصوات…؟ وما شأنها

- ‌الفصل الخامس:جندي جيش التحرير الجزائري كان صاروخا بشريا صارخا

- ‌الفصل السادس: موقف العلماء من هؤلاء الساخرين

- ‌الفصل السابع:الاحتفال بالآثار الرومانية تعظيم للشرك والمشركين: ما هو الداعي إلى هذا

- ‌الفصل الثامن: الشريعة الإسلامية تنهى عن تعظيم المشركين وآثارهم

- ‌الفصل التاسع: افتخار أمراء المسلمين بإسلامهم، واعتزازهم بدينهم

- ‌الفصل العاشر: بين منبر الجمعة وكرسي الحكم

- ‌الباب السادس

- ‌الفصل الأول:المال في نظر (مزدك) واشتراكيته

- ‌الفصل الثاني: بالكد والعمل ندرك المآرب

- ‌الفصل الثالث: هل هذه بوادر المزدكية تلوح في الأفق

- ‌الفصل الرابع: من هو أبو ذر هذا

- ‌الفصل الخامس: من مكائد اليهود للإسلام، واغترار المسلمين بالمظاهر

- ‌الباب السابع

- ‌الفصل الأول:هل الإسلام قادر على حل جميع المشاكل

- ‌الفصل الثاني: حماية العمل والعمال في الشريعة الإسلامية

- ‌الباب الثامن

- ‌الفصل الأول:الاشتراكية والدين

- ‌الفصل الثاني: محاربة الاشتراكية الشيوعية للإسلام

- ‌الفصل الثالث: من التبشير المسيحي إلى التبشير الإلحادي

- ‌الفصل الرابع: الاستهتار بالقيم الروحية - وشهد شاهد من أهلها

- ‌الفصل الخامس: تمزيق المصحف، وإحراقه

- ‌الباب التاسع

- ‌الفصل الأول:الاشتراكية الشيوعية، والديموقراطية والحرية

- ‌الفصل الثاني: خداع العناوين

- ‌الفصل الثالث: من ذيول الاشتراكية تحديد النسل

- ‌الباب العاشر

- ‌الفصل الأول:مسؤولية حكومات الشعوب الإسلامية

- ‌الفصل الثاني: منزلة الحاكم في الشريعة الإسلامية

- ‌الفصل الثالث: من هو أبو مسلم الخولاني

- ‌الفصل الرابع: الإسلام دين ونظام حياة

- ‌الفصل الخامس: من هم المتهوكون

- ‌الفصل السادس:اعتراف جاسوس فرنسي، قال: "إن الإسلام دين المحامد والفضائل

- ‌الفصل السابع: مأساة اليمن

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌الفصل الأول:مفهوم المدنية والتمدن عند جيل هذا العصر

- ‌الفصل الثاني: الإنسان العصري المتمدن والإيمان بالغيب

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌الفصل الأول:هل في الاشتراكية خير للإنسانية؟ ازدياد عدد الفقراء فيها

- ‌الفصل الثاني: الاشتراكية والمرأة

- ‌الفصل الثالث: وصية الإسلام بالرفق بالضعفاء: اليتيم، والمملوك، والمرأة

- ‌الفصل الرابع: صون الإسلام للمرأة، وابتذال غيره لها

- ‌الفصل الخامس: مثال من حصافة رأي المرأة العربية المسلمة

- ‌كلمة ختامية:

الفصل: ‌الفصل الأول:الاشتراكية والدين

‌الفصل الأول:

الاشتراكية والدين

.

إن كل من درس أصل الاشتراكية - وهي الشيوعية - أدرك ما تبيته للدين - وخاصة للإسلام - وعقيدته من نيات سيئة، فهي ترى أن الذي يقف في طريق انتشارها وإقبال الناس عليها إنما هو الدين - وبالخصوص الإسلام وعقيدته - لهذا نراها في كل بلد وجدت فيه لا تهتم بأمر الدين - وهو رأس مال الإنسان - ولا توليه - وهو هو - أية عناية، فهو عندها من الأمور الزائدة، هذا إن لم تحاربه، وتصد الناس عنه كما سنعرفه - إن شاء الله - فيما بعد، وأظهر ما يظهر ذلك في بعض المظاهر الإسلامية:

1 -

المظهر الأول من مظاهر الإسلام التي عملت الاشتراكية على أن لا يظهر فيها الإسلام وشريعته: إبعاده عن كل عمل أو ميدان يخدم فيه الشعب خدمة مباشرة، تطهره من أدناس البشرية الضالة، وجعله مقصورا ومحبوسا ومحصورا بين جدران المساجد، بدعوى أنه عاجز عن العمل في المجتمع، وإذا أريد له الظهور - في بعض المناسبات - ففي المقابر وبين الأموات بالدعوات ورفع الأكف - التقليدي - إلى السماوات، وهل يجيب الله دعاء قوم لا يعتقدون فيه - الدعاء -؟ فلإجابة الدعاء شروط وعلامات، منها التغذي بالحلال والطهر، كما ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، إلى أن قال: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟)). فظهر من متن الحديث أن أكل الحلال هو السر الأكبر في إجابة الدعاء، وأن الله طاهر لا يقبل إلا الطاهرين،

ص: 133

ففي هذا الحديث تنبيه للغافلين، وتقريع للمتغافلين، الذين يرفعون أيديهم بالدعاء وهم على ما هم عليه.

2 -

المظهر الثاني من مظاهر الإسلام: القضاء الشرعي - وما أدراك ما القضاء الشرعي؟ - تعمل الكثير من حكومات الشعوب الإسلامية - الاشتراكية - على إلغاء القضاء الشرعي وتعويضه بالقضاء المدني.

والقضاء الشرعي مظهر من مظاهر سلطة الإسلام التي تنشر الأمن والرحمة والعدل بين العباد، فيكون المسلمون على صلة بربهم، فأحكامه مستمدة من نصوص الآيات القرآنية أو من أحاديث ثابتة عن صاحب الشريعة فيكون الحكم معتمدا على نص في كتاب الله، أو في سنة رسول الله، بخلاف القضاء المدني، فإن أحكامه تدعم بفصل كذا من قانون كذا المؤرخ بكذا، ومصدرا: باسم الشعب الفلاني حكمت محكمة كذا - لا باسم الله - على فلان بكذا الخ

وللقضاء الشرعي في الإسلام مرتبة رفيعة عالية تلي مرتبة الخلافة، أو الإمارة، وله من الحرمة والاعتبار ما جعل أمراء المسلمين والخلفاء يختارون له من اجتمعت فيهم الصفات العالية: كالعلم الواسع، والفهم الصائب، - والورع الحقيقي لا المزيف الكاذب الخادع، والشجاعة في الحق، وألا تأخذ القاضي في سبيل العدل لومة لائم، والمساواة بين الخصمين أو الخصوم في كل شيء، حتى في النظر والاستماع إلى آخر ما في ذلك من السمو والرفعة، وكانت محاكم الشرع الإسلامي - فيما مضى من الزمن - عندنا في الكثير من مدن الجزائر متصلة البنيان بالمساجد، بل هي جزء منها، فإذا حضر وقت الصلاة خرج القاضي من المحكمة إلى المسجد لأداء فرض الصلاة، وكان الأمراء المسلمون يحترمون القضاة الشرعيين ويهابونهم، ويتركونهم أحرارا في أحكامهم، بعد أن يفوضوا لهم الحكم في النوازل حسب النصوص الشرعية، وقد يكون ابن الخليفة، أو أخوه - مثلا - أو هو نفسه متهما - وفي تاريخ الأمراء والقضاة الكثير من هذا - فيأتي إلى المحكمة، ويقف أمام القاضي مع خصمه.

ولا يخفى علينا موقف القاضي العادل - سلطان العلماء - عز الدين ابن عبد السلام المتوفى عام 660 هـ رحمه الله، من الأمراء المماليك في مصر عندما أراد بيعهم في السوق وقال لهم: إنكم مملوكون للأمة، ولستم

ص: 134

بأحرار حتى تنالوا الإمارة والسيادة على الأحرار، وقد غضب عليه السلطان من أجل موقفه هذا، ولكنه فضل رحمه الله رضى خالقه عن رضى السلطان، وهكذا ينبغي أن يكون علماء الإسلام، كما قال القائل فيهم:

إن الأكابر يحكمون على الورى

وعلى الأكابر يحكم العلماء

فالقضاء سنة محكمة كما جاء في رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، وقد ذكر فيها من أصول الأحكام ما لا يوجد في غيرها من مواد القانون المدني في الوقت الحاضر.

فالقضاء الشرعي يحسم مادة الخلاف من أصلها، ويمحو الخصومات من أساسها إذا تولاه رجال أكفاء قادرون على تحمل مسؤوليته الثقيلة، رجال أطهار - لا نساء كما هو في الوقت الحاضر - ملئت قلوبهم بالإيمان بربهم والنزاهة والخوف من عقابه الذي ينتظرهم إذا هم جاروا عن علم، أو حكموا عن جهل أو هوى، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث:((القضاة ثلاثة - اثنان في النار وواحد في الجنة - رجل علم الحق فقضى به، فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار)) (1).

والقضاء في الإسلام من الوظائف والمناصب الخاصة بالرجال، نلاحظ هذا في الحديث المتقدم وفي غيره، فإنه لم يقل فيه - امرأة عرفت الحق - وقال أيضا:((إن الله تعالى مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تبرأ منه وألزمه الشيطان)) (2) وقال أيضا: (لا يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها من قويها حقه)(3)، وفي رواية عن جابر رضي الله عنه:((لا قدس الله أمة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم غير متعتع)) (4) كما ورد هذا المعنى للحديث المتقدم بلفظ: ((لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ولا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع)) (5). أي من غير أن

(1) رواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم عن بريدة.

(2)

رواه الحاكم والبيهقي في السنن عن ابن أبي أوفى.

(3)

وراه في مسند الفردوس.

(4)

ذكره العجلوني في كشف الخفاء.

(5)

أخرجه الطبراني عن معاوية رضي الله عنه.

ص: 135

يصيبه أذى يقلقه ويزعجه. والأحاديث وأقضية الصحابة كثيرة متعددة في هذا الباب.

أما القضاء المدني فإنه يشعب النوازل ويطيل أيام الخصام، ولربما نمى النوازل وزاد في مشاكلها، وقد يصعب حلها من بعد.

هذا وقد جرد القضاء الشرعي من التدخل في الأمور المهمة المتعلقة بحياة المسلمين، وحصر نظره في الأحوال الشخصية لا غير، وهذه الأخيرة هي أيضا في طريق الزوال.

فنجد - مثلا - أن عقد الزواج حسب القانون المدني الجديد يجوز إيقاعه لدى القاضي المدني الذي أبدل لقبه بـ "الموثق" أو لدى رئيس البلدية، وهذا الأخير كثيرا ما يكون جاهلا بالأحكام الشرعية، فإذا حضر أمامه الزوجان - ولا بد من حضورهما معا - عملا بقانون استعماري سنه المستعمر وقت الثورة المسلحة، وأطلق عليه اسم - عانس - تدعى (سيد قارة) كانت نائبة وقت حرب التحرير في البرلمان الفرنسي، وبقي قانونها معمولا به إلى ما بعد الاستقلال، وإلى يومنا هذا، قلنا لا بد من حضور الزوجة في البلدية أو المحكمة - كالأروبيين - إلا إذا كان القاضي يحمل الروح الإسلامية، فإنه لا يرضى بحضور الزوجة لما في ذلك من الفضيحة، فإنه يكتفي بالولي، فإذا حضر الزوجان أمام رئيس البلدية أو أمام الموثق، سأل الزوجة أولا: - كالأروبيين - هل أنت راضية بالزواج من هذا الرجل؟

فتجيب بنعم، ثم يسأل الزوج: وهل أنت راض بالزواج من هذه؟

فيقول: نعم. بعد هذا يقدم لهما السجل - سجل الحالة المدنية - ليضعا عليه إمضاءيهما ثم، ينصرفان، هذا ما هو واقع الآن، وفي هذا الإجراء ما هو مخالف للنصوص الشرعية من عدة وجوه، منها أن فيه عزلا للولي الشرعي وإبعادا له عن رعاية مصلحة من هو مسؤول عنها، وصحة العقد الشرعي تتوقف عليه لحديث:((لا نكاح إلا بولي)) (1) ولحديث: ((أيما امرأة زوجت نفسها فهي زانية)) (2) ولحديث ((أيما امرأة نكحت - تزوجت - بعير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها

(1) رواه ابن ماجه عن ابن عباس وأبي موسى.

(2)

رواه الخطيب عن معاذ.

ص: 136

باطل الخ

) (1) ومنها أنه لا يجوز - شرعا - للمرأة أن تتولى بنفسها عقد نكاحها، والذي يتولاه - شرعا - إنما هو وليها للحديث الشريف:

((لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها (2).

من أجل هذه المخالفات الظاهرة والكثيرة لما شرعه الإسلام للمسلمين في بناء الأسرة على قواعد سليمة من كل تدخلات إبليس، رأينا في هذه السنوات الأخيرة ما هال المفكرين وحيرهم على مستقبل الأسرة المسلمة، وذلك من كثرة الطلاق وانحلال رابطة الزوجية، وقد كثر وتفاحش إلى حد كبير جدا جدا، وما ذلك إلا من عدم اتباع سبيل الشرع العزيز الذي أرسى قواعد الأسرة المسلمة على أسس ثابتة متينة، فالمرأة المسلمة غرر بها أعوان الشيطان، فوقعت في الهاوية، فهي مهما كانت حريصة على اختيار زوجها فإن هناك جوانب في الرجل قد تخفى عليها، ومما زاد في كثرة الطلاق خروج المرأة سافرة متبرجة - وقد عد هذا من التقدم وحسنات العصر - فقد يتزوج الرجل اليوم وبعد أسبوع أو أسبوعين يرى امرأة أخرى تعجبه فلا يفكر إلا في فراق الأولى ليتزوج من الثانية، وهكذا، فصار زواج المسلم والمسلمة كزواج الأمريكي والأمريكية، فقد يتزاوجان المرتين والثلاثة في الشهر الواحد، فالمرأة - العصرية - أدخلت في حسابها أنها كسبت شيئا كبيرا بخروجها سافرة مبدية مفاتنها، متبرجة تبرج الجاهلية - الأخيرة لا الأولى - كما قيل لها أنك كسبت حريتك بخروجك من سجن المنزل إلى حرية العمل والاجتماع بمن ترغبين، غير أن الحقيقة الملموسة - لا المتخيلة - أظهرت خلاف ذلك، وهي أن المرأة العصرية خسرت كل شيء في هذه الحياة له وزنه وقيمته، خسرت قيمتها الغالية، وخربت بيتها برجلها لا بيدها.

نعود إلى قضية القضاء الشرعي ونتساءل: كيف يكون حال أمة مسلمة أماتت القضاء الشرعي وألغت أحكام الإسلام وعوضتها بالقانون المدني المأخوذ من قوانين الأمم التي لا تؤمن بخالقها، هل لا زالت في حظيرة

(1) رواه أحمد، وأبو داوود، والترمذي وابن ماجه والحاكم عن عائشة.

(2)

رواه ابن ماجه عن أبي هريرة.

ص: 137

الإسلام؟ سؤال يجيب عنه الواقع، وكفى به، والله يقول:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (1).

3 -

المظهر الثالث من مظاهر الإسلام التي تعمل الاشتراكية الشيوعية على إبطالها وإلغائها الأوقاف والأحباس الإسلامية، التي هي حسنة من حسنات الإسلام والمسلمين، ففي بعض الأوطان الإسلامية التي دخلتها نحلة الاشتراكية المزدكية عمدت حكوماتها إلى حل وإبطال جميع أوقاف المسلمين الأولين أولي الخير والصلاح - وهي في المكان العالي من الدين - واستولت عليها بحجج واهية، وهو أمر مخالف لما رغب فيه الإسلام وحببه إلى المسلمين وحثهم عليه، وذلك بوقف وتحبيس أملاك وعقارات على سبل الخير ومنافع المسلمين، ومنها ينتفع محاويج المسلمين، وتنتعش بها مراكز إشعاع نور الإسلام، من مساجد ودور العجزة وغيرهما، ويعظم بها الأجر والثواب للمسلمين المحبسين، فكم أفادت هذه الأوقاف الخيرية المسلمين وأبقت نور الإسلام يشع لينير الطريق للسالكين، فإبطالها وإلغاؤها تعطيل لما حواه الحديث النبوي الشريف، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:((إذا مات اب، آدم - وفي رواية الإنسان - انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) (2).

فالمسلم طبعه الإسلام بطابع حب الخير وتحصيله، أما مقاصد المحبسين فكثيرة، وقد ذكر العلماء منها أنواعا تظهر فيها رغبة المسلم في إعانة إخوانه في الدين بما يوقفه عليهم، من عقارات وغيرها يرجع ريعها وفائدتها عليهم، إذ للواقفين والمحبسين مقاصد خيرية يرجون من ورائها الأجر والمثوبة والنفع في الدنيا والآخرة، كعمارة المساجد بالدروس العلمية والقرآن وإنارتها وفرشها وغير ذلك، ومما يلفت النظر إلى مقاصد المحسبين نياتهم في التحبيس، منها - وهو الأهم والأغلب - عمارة المساجد وإصلاحها الخ، ومنها إعانة العجزة والأرامل، وإعانة البنات الفقيرات أو اليتيمات على تزويجهن حتى لا يرغب عنهن الراغبون، ومن المقاصد الإنسانية وقف كان بعنوان (مؤنس العليل) سببه أن رجلا غنيا أصيب بعلة ومرض فبات ساهرا يتململ من علته، فنام أهله

(1) الآية 44 من سورة المائدة.

(2)

رواه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن إلا ابن ماجه عن أبي هريرة.

ص: 138

واستوحش في ليله، فلم يأنس إلا بالمؤذن الذي شرع في تلاوة القرآن والأدعية من أعلى صومعة الجامع في آخر الليل وقبل طلوع الفجر، فلما شفاه الله من علته تلك أوقف وقفا لمؤذن خاص يصعد كل ليلة - بعد رقاد الناس - إلى الصومعة لتلاوة القرآن والأذكار والقصائد بصوت حنون، إذ لعل هناك من هو عليل أصابه الأرق فيأنس بما يسمع من صوت المؤذن من أعلى الصومعة، وهذا كله من أثر العقيدة الإسلامية، ورعاية حقوق الأخوة الإسلامية بمكان.

ومن ذلك وقف يأخذ منه الفقير أجرة الوضوء - الغسل - في الحمام حتى لا تفوته صلاة الصبح عن وقتها وهذا من الإعانة على العبادة في وقتها، ومنها ما هو معد للفقراء وأبناء السيل، الخ فأوجه البر كثيرة، والأهم من ذلك كله ما هو معد للمساجد من إصلاح وعمارة وغير ما ذكر.

4 -

المظهر الرابع من مظاهر الإسلام المناصب الدينية، فقد صارت تسند إلى رجال غير أكفاء لها، وليس لهم - إلا القليل - من ماضي حياتهم ما يجعلهم ينالون ما أسند إليهم عن جدارة وأهلية، لضعف بضاعتهم فيما أسند إليهم، وعدم تمكن الدين من نفوسهم حتى يدافعوا عنه ويحموه ممن يتربص به الدوائر ويتحين الفرص له لينفذ مرغوبه فيه.

والدافع الذي يدفع المسؤولين إلى إسناد المناصب الدينية إلى من ذكرنا ما يعرفونه فيهم من ضعف، لأنهم سيكونون أطوع لهم من غيرهم الذين لا يتساهلون في التفريط ولو بجزء يسير منه. أو تضييع أي جزء ولو كان مقدار قلامة ظفر، فهم إن لم يكونوا قوة له فلا يكونون عونا على القضاء عليه.

ويولونهم - أيضا - بدعوى أن فيهم مرونة - والإسلام مرن كما يقولون وأنهم يسايرون ركب الاشتراكية، بل ويجعلون الإسلام اشتراكيا - إذا اقتضى الحال - كل ذلك ليرضى عنهم زعماؤها المتحمسون لها، فيكثرون الكلام - كما سمعنا ذلك منهم المرات العديدة - على موافقة الإسلام للاشتراكية - وهم كاذبون - فهم يعملون على تعويض الإسلام بالاشتراكية - وهذا ما يرمي إليه خصومه - ومحو آثاره شيئا فشيئا إلى أن يزول - لا قدر الله ذلك - ويمحى من الوجود، ولا تبقى إلا الاشتراكية، وهذا هو المقصود، فيكون محوه بأيدي من ينتسبون إليه.

فالإسلام دين سماوي قائم بذاته، مستقل بنفسه، وشريعته كاملة لا نقص

ص: 139

فيها حتى تكملها قوانين الملاحدة، فمن ادعى أن الإسلام ناقص، أو لا قدرة له على حل مشكل الوقت الحاضر كما يقولون - من ادعى ذلك فهو كاذب ومكذب ومرتد كافر برب العالمين، منزل القرآن الذي جعله دستور المسلمين، كما هو خائن لأمانة العلم وعهد الدين، فإذا قالوا أن في الإسلام بعض أهداف الاشتراكية، أو نزعة تشبه الاشتراكية، فهذا نعم، وأما أن يكون هو هي فلا

فالإسلام ليس بالشيوعية في نظامها، ولا بالرأسمالية في أهدافها، فهو وسط بينهما ولعل هذه الآية تتحمل هذا المعنى وهي قوله، تعالى وتقدس:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (1) فالأمة الإسلامية أمة وسط في حياتها، فليست بالمتغالية في كسب المادة كالرأسماليين، ولا بالمفرطة كالذين يتظاهرون بأنهم ليسوا من عباد المال وأربابه، لهذا فالاشتراكية لا تتفق - أبدا - مع الإسلام مهما حاول بائعو دينهم ذلك، فتعاليمه وتعاليمها متغايران متناقضان ومتضادان، فكيف يمكن الجمع بين هذه المتناقضات، كالجمع بين النور والظلمة، أو بين الليل والنهار، وذلك أمر مستحيل، فهو دين إلهي أساسه الإقرار بوجود الله وتوحيده والإيمان به وطاعته، وهو موجود موجد لكل شيء، أما هي فإنها من وضع البشر، تحمل فيما تحمل ما يناقض الدين فلا إيمان فيها لا بالإله ولا بالدين ولا بطاعة الخالق العليم، إذ من الأصول التي بنت عليها دعوتها (لا إله والحياة مادة) فمن ذا الذي يدعي أنه لا تنافي بين الإسلام وبين الاشتراكية؟ وأمرهما ما يعرف الجميع، وتثبيتا لهذا المبدأ الاشتراكي فإننا لم نر - الاشتراكيين - يقومون بأداء الفروض الدينية كما يقوم بها غيرهم ممن ليسوا على مذهبهم، فلا يقصدون المساجد إلا في المناسبات كالأعياد، إذ كيف يفعلون شيئا يرونه خلاف مذهبهم،؟ فإذا تظاهر واحد منهم بالتدين فإنه لحاجة في النفس لا غير، وقد سمعنا رئيس الجمهورية الجزائرية السابق أحمد ابن بلة يصرح في حفلة أقيمت في قاعة سينما الماجستيك سنة 196 بما يلي، إذ قال وهو يتكلم عن الدولة الجزائرية:(تأخذ مكانها في البناء الاشتراكي، تأخذ مكانها الطبيعي) وهل طبيعة الأمة الجزائرية ودولتها هي الاشتراكية

؟؟ ومن المعلوم في النظم الدولية أن المسؤولين الكبار كالملوك والرؤساء إذا تكلموا أوجزوا فيقلون الكلام بلا ثرثرة، وفي مناسبات خاصة،

(1) الآية 143 من سورة البقرة.

ص: 140

ولكلامهم مفاصل ومواقع، وهكذا فقد ساقه الغرور إلى أن يرمي الإسلام والقائمين عليه بما لا يتفق والواقع فقال فيما قال:(نندد بالأفكار البالية، طائفة باسم الدين، هذاك الدين البالي - حسب تعبيره - تخلينا - يقصد تتركنا - في حالة ركود) هكذا قال، فقد تجرأ على أن رمى الإسلام بالبلى، فقد ظن أن الإسلام كالثوب البالي القديم الممزق، وتجاهل أنه ما أحله ذلك المحل إلا الإسلام، وهو الدين القوي الصحيح لا البالي الخلق، فلا ينكر أحد دور الإسلام الفعال وعقيدته الحية في تحرير الجزائر من الاستعمار، فإن هذه الكلمات التي كانت مستعملة إبان الثورة المسلحة - ولا زالت - كلمات إسلامية وهي، الجهاد، والمجاهدون، والشهيد، والشهداء، وفي سبيل الله الخ، وبعد أن قال ما قال في الإسلام أخذ يرمي العلماء بما لا يليق، ويتهكم بهم، في نفس الوقت، فقال في نفس المناسبة:(أهل الرزز - يقصد أصحاب العمائم - الذين أشبعوا بطونهم، هذوك - يريد أولئك - الناس الذين يتغنون بالدين ماشفناهمش - يعني ما رأيناهم - في أيام "لاكوست") - حاكم الجزائر وقت الحرب التحريرية - بهذا صرح رئيس الدولة الجزائرية الأولى، وهو مسؤول عن كل ما قال في جمع حاشد أكثره - بل أكثرهن - من النساء كما هي العادة في كل اجتماعاته.

فأصحاب العمائم - الذين قصدهم بالكلام - قاموا بواجبهم نحو الثورة والوطن، ففيهم من انضم إلى ثورة التحرير في وقتها، فكان في صفوفها، أو داعيا لها في الخلف أو في المساجد، وغير ذلك من أوجه النشاط، ففيهم الشهداء، والمعذبون، والسجناء والمعتقلون الخ، ولم يمنوا على أمتهم بما نالهم من المستعمر وجنده كما من عليها غيرهم، فكيف يتجاهل اليوم متجاهل أو جاهل ما قدمه العلماء - وهم الذين هيأوا الشعب لذلك بالعلم - لتحرير الجزائر من ضحايا في شتى الميادين، وكان فيهم الهالكون والناجون كباقي أفراد أمتهم، ولكن أنى له أن يعرفهم أو يعرف أعمالهم وهو في وقت الثورة المسلحة كان يعيش خارج الجزائر

؟؟؟

وفي أصحاب الرزز - العمائم - من كان ضد ثورة التحرير، وفي صفوف الجيش الفرنسي، عملوا كثيرا على تحطيم الثورة المسلحة - وكنا نظن أن الثورة ستعاقبهم بالشنق بعد الاستقلال - غير أننا رأيناهم جالسين إلى جنبه في الحفلات الرسمية - ولا زالوا إلى الآن - وهم يتبوؤون أعلى المناصب، وكان من هذا النوع

ص: 141

الأخير الأئمة الممتازون - هكذا الممتازون - يا ابن بلة، ولكنه العداء السياسي والحزبي القديم يعمي صاحبه عن رؤية الأمور على حقيقتها، وياليته استثنى البعض، فلو استثنى البعض ولم يعمم لقلنا أنه أراد بكلامه الذين كانوا في صفوف الجيش الاستعماري، وهذا النوع - منهم - بالطبع صفق - ولا زال يصفق - للاشتراكية ونادى بها في الدولة الجديدة، فهم مع كل من حضر وقته وليس لهم مبدأ - شأن الأحرار - فهم أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، كما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكما قال الشاعر القديم:

وإذا تكون كريهة أدعى لها

وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

جرنا إلى هذا الحديث ما قلناه سابقا من أن الإسلام والاشتراكية لا يلتقيان، لهذا يعادي دعاة وأنصار الاشتراكية العلماء الذين لا يجارونهم فيما ذهبوا إليه.

وهنا يجمل بنا أن نوجه هذا السؤال الذي تتفرع عنه أسئلة أخرى والتي تفرض نفسها علينا - ليزداد الموضوع وضوحا، وهي موجهة إلى حكام المسلمين الذين عوضوا الشريعة الإسلامية بالاشتراكية الشيوعية، والسؤال هو: هل الإسلام أفضل وأكمل وأوفى بالحاجات الإنسانية أو الاشتراكية؟ أو هو مساو له؟ أو هو دونها وأقل منها؟ والجواب لا يخلو عن واحد من ثلاثة:

1 -

فإن أجابوا بأن الإسلام أفضل وأكمل وأوفى بالحاجات الإنسانية - وهذا لا يرجى منهم - قلنا لهم: لماذا - إذن - استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير؟

2 -

وإن قالوا: الإسلام والاشتراكية متساويان، قلنا لهم - أيضا - ولماذا عوضتم الإسلام بمساويه؟ وهذا لا يفعله عاقل.

3 -

وإن أجابوا بأن الاشتراكية أفضل وأكمل منه وأحسن للبشرية - ولهذا عوضناها به - قلنا لهم هذا ردة وكفر - عياذا بالله - فاجهروا بهذا الرأي حتى تعرفه شعوبكم، وانظروا هل ترضى بتكفيرها أو لا.؟

5 -

المظهر الخامس من مظاهر الإسلام عدم الاهتمام بالدين وترك أهل الشر والفساد يفسدون في الأرض ولا يصلحون، من غير أن ينالهم العقاب، وفي هذا إغراء وتشجيع لغيرهم باتباع سبيلهم، وبالعمل مثلهم، وفي الناس الصالح والطالح والخير والشرير - ومعظم النار من مستصغر الشرر - والحكومة

ص: 142