الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدافعة إلى الأمام، إذ أن هذه القوة لا تعرف الرجوع إلى الوراء، فأخرجت العدو المستعمر من أرضها، وتحررت من عبودية العدو الغاشم، بالإسلام ودفعته إلى ما وراء البحار:{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1).
إذا، فأين هذه الصواريخ البشرية النافعة - بالمقارنة - من تلك الصواريخ الجهنمية المدمرة التي تفخر وتفاخر بها - يا كاتب ياسين؟ - فتعدها شيئا عظيما، وما هي في واقع أمرها إلا آلات أعدت للتخريب والتعذيب، واكتشفت لتزيد الطغاة طغيانا، والظلمة ظلما وعتوا وفسادا في الأرض، كما زادت وتزيد الضعفاء تعاسة ومهانة وتشريدا في الأرض.
ليفهم هذه المعاني الحقيقية - التي لا خيال فيها - من لا يزال لم يفهم، ليفهم من أراد أن يفهم سر الإيمان وما يتركه الدين من أثر طيب صالح نافع في نفوس أتباعه، فالشعب الجزائري حارب عدوه المستعمر بروح إسلامية، فكلمات: شهيد، وشهداء، وجهاد، ومجاهدين، وفي سبيل الله كل هذه الكلمات التي كانت مستعملة إبان المعركة كلمات دينية إسلامية أحب من أحب وكره من كره، لأن مدلول الكلمات لا يتغير بتغير الأفكار والأشخاص ولا زالت هذه الكلمات مستعملة إلى الآن، ولا يزال يعيش في ظلها أناس لم يكونوا من أهلها.
الفصل السادس: موقف العلماء من هؤلاء الساخرين
.
وهكذا نشاهد في كل وقت اعتداآت تصدر ممن لا يقدر أحاسيس الأمة الجزائرية المسلمة، نشاهدها تتكرر بين الحين والآخر، وهنا قد يخطر على البال سؤال يوجه إلى العلماء وهو: لماذا أنتم ساكتون عن هذا الهذيان أو الأباطيل من هؤلاء المحمومين؟ وما لكم لا تردون عليهم بهتانهم، وتقنعونهم إن كانوا يريدون الاقتناع بأن آراءهم خاطئة؟ وأفكارهم مسمومة بسم الإلحاد والملاحدة، والاستعمار والمستعمرين، وكل هؤلاء خصوم وأعداء للإسلام والمسلمين، يعملون بكل طاقاتهم على محو الإسلام وآثاره من هذه الأرض
…
؟
(1) سورة الأنعام الآية 45.
نجيب بأن العلماء على علم من هذا وأمثاله، غير أنه لم يسمح لهم، بنشر الردود على افتراآت المفترين، وكم من رد أرسلوه للصحف لينشر فأهمل، وقد كانت "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"(المؤسسة عام 1931) بالمرصاد - في أيامها - لكل من يتهجم على الإسلام - سواء ممن ينتسبون إليه أم من خصومه - ترد عليه بما يليق به وبأمثاله، وأعمالها ومواقفها معلومة غير مجهولة، غير أن ظروف الجزائر الحالية - وبعد الاستقلال طبعا - قضت على كل مؤسسة كانت قبل الاستقلال بالتعطيل، لذلك اجتمع جماعة من العلماء وأنصار العلم والدين، وأسسوا جمعية دينية - حسبما يسمح به الدستور الجزائري - باسم (جمعية القيم الإسلامية) سنة 1963م، وأصدرت الجمعية مجلة لها تحمل اسم "مجلة التهذيب الإسلامي" وعملت الجمعية مدة ثلاث سنوات - في دائرة محدودة - غير أن كل ما له مساس بالدين لم يرق في أعين من كانت نياتهم سيئة بالنسبة للدين الإسلامي - بالخصوص - لما فيه من الروح والحيوية، فترصدوا لها المراصد علهم يجدون لها سببا يقضون به عليها، فكانت محنة محاكمة العلماء في مصر سنة "1966" وعلى رأسهم الشهيد (سيد قطب) فأرسلت الجمعية برقية التماس لرئيس مصر الراحل جمال عبد الناصر، ترجوه فيها أن يتدخل في القضية بأن يخفف على من حكمت عليهم المحكمة بالإعدام، والذي قامت به الجمعية أمر يقتضيه واجب التراحم والأخوة الإسلامية، فظهر أن هذا السعي الإسلامي لم يعجب الملاحدة، سواء من كان منهم في الداخل أو في الخارج، إذ المكيدة كانت مدبرة من قبل الملاحدة - كما كشف عنها النقاب من بعد - وما الاتهامات والمحاكمات إلا شيء صوري لا غير.
والمعروف عند جميع الدول والشعوب أن عملا مثل هذا العمل الذي قامت به جمعية (القيم الإسلامية) شيء معروف ومستعمل، فهل في إرسال الجمعية لبرقية الالتماس شيء مخالف للقوانين والأعراف الدولية؟ وهل يعد مثل هذا تدخلا في شؤون الغير؟ - والإسلام جعل المسلمين كلهم إخوة - فقاموا للبرقية - تلك - وقعدوا ولم يجدوا لها غير صلاح واحد، وهو حل جمعية (القيم الإسلامية)، وتعطيل المجلة، وبذلك وقف نشاطها - كجمعية - وتعطلت عن أداء مهمتها، وهذا هو النظام الاشتراكي في كل بلد، فإنه لا يسمح بتأسيس أية هيئة أو تشكيلة - كيفما كانت - إلا إذا كانت تخدم مبادئه وتحمد أفعاله وتؤيدها.