الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا أراد حكام المسلمين الخير والراحة لهم ولشعوبهم وأممهم، فما عليهم إلا أن يقلعوا عما أوصلهم إلى هذا الاضطراب، وأن يعودوا إلى ما كان عليه سلفهم - الصالح - من التمسك بحبل الله الإسلام الذي اختاره لهم ربهم وارتضاه لهم دينا قيما، وأن يعملوا على تطبيقه في أحكامه وتشريعه المبني على الصدق والحق والنزاهة والطهر، فإذا عادوا إليه - عملا وتطبيقا وحماية ودفاعا - عاد إليهم مجدهم الضائع، ومنيتهم الحقة - لا المزيفة - وقوتهم، وهيبة عدوهم منهم، وكان الله معهم في كل وقت وحين، فإذا رجعوا إلى الدين ونبذوا الاشتراكية المزدكية، فقد سلكوا طريق الخلاص مما نزل بهم، والتوفيق من الله.
الفصل السابع: مأساة اليمن
.
في سبيل من هذه الخلافات بل الحروب المشؤومة التي يعاني منها ومن ويلاتها إخوتنا - في الإيمان - في بلد ما - كاليمن مثلا -؟؟؟ إنها في سبيل الاستيلاء على الحكم كما قلت هذا سابقا من قريب، لا أكثر ولا أقل، - ولعلها أيضا في سبيل الاشتراكية - فزعيم يطرد زعيما، وقائد يزيل قائدا ليحل مكانه، والشعب اليمني المسكين يعاني ما يعاني من تخريب وتهريب، وتشتيت لقواه، والأجانب عن الإسلام يضحكون ويسخرون - {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} - ويبيعون للإخوة أبناء الوطن الواحد، والدين الواحد، واللغة الواحدة آلات الدمار والفتك والتخريب، والشعب اليمني في حاجة إلى المدارس لتعليم أبنائه، والمصانع لسد حاجاته، والمستشفيات وتعبيد الطرق وغير ذلك مما يعود نفعه وفائدته إلى أبناء الشعب اليمني، فإذا تسلح فللأعداء لا إلى الأشقاء، فما كادت أقدام المستعمرين الإنكليز تزايل تراب الوطن حتى بدرت بوادر الخلافات السياسية تلوح من بعيد تنذر بالشر، وظهرت آثارها مكشوفة بعد أن كانت مستورة إلى حين بستار السياسة الملعونة، كل ذلك من أجل الكرسي.
فلو حكم المتنازعون الإسلام وقوانينه العادلة، وردوا أمرهم إلى الله ورسوله كما يأمرهم بذلك القرآن لنجوا مما هم فيه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
ذَلِكَ خَيْرٌ} (1)، لو فعلوا ذلك لاستراحوا من كل هذا العناء والتعب، ألم يقل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:((كل المسلم على المسلم حرام، ماله، وعرضه، ودمه، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) (2) فهذه هي الوحدة الحقيقية التي يجب أن تكون في قلب كل مسلم لا غيرها، وحدة تجعل المسلم يحترم حقوق أخيه المسلم، فلا يؤذيه ولا يعاديه، ولا يعين عدوه عليه، وأحرى فلا يقتله أو يعين على قتله، أو يظهر الشماتة بما يصيبه من مكروه، ألم يقل للمسلمين رسولهم محمد عليه الصلاة والسلام ((إذا التقى المسلمان بسيفهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه)) (3).
وبمناسبة الكلام على اليمن وما دار ويدور فيه بين الإخوة الأشقاء في العهد الأخير، تذكرت ما كان وقع بين الملكين العربيين المرحومين: الملك عبد العزيز آل سعود ملك الحجاز، والإمام يحيى حميد الدين إمام اليمن، عندما وقع بينهما نزاع على الحدود بعد استيلاء السعوديين على (الأحساء) أدى بهما ذلك النزاع إلى الحرب والقتال، وفعلا اشتعلت بين الإخوة الأشقاء نار حرب عمياء سنة (1352 هـ 1934 م) ابتدأها الإمام يحيى، فهجم على (نجران) واحتلها، كل ذلك من أجل قطعة رملية، ولم تخف عل المهتمين بالشؤون السياسية العربية اليد الأجنبية التي حركت الإمام يحيى إلى الهجوم على الأرض السعودية، وأصبح فيها المسلم - ولا أقول العربي - حاملا السلاح على أخيه المسلم، والأرواح تزهق، وأنات الجرحى تتصاعد من المستشفيات، شاكية إلى خالقها ظلم الملوك، وحب الاستيلاء والمطامع، فضج المسلمون وتألموا مما هو واقع بين الأخوين من أجل شيء تافه لا خير فيه، والتاريخ سجل أن الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله وقف موقف المسلم الشاعر بالمسؤولية، فتأنى ولم يعجل في الرد بالمثل، ولما يئس
(1) النساء الآية 59.
(2)
أخرجه أبو داوود وابن ماجه، في سننيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه الشيخان وأبو داوود والإمام أحمد وغيرهم عن أبي بكرة.
من كف خصمه عن القتال قام بالعمل المماثل ودحر خصمه وأرجعه إلى حدوده، ولما رآى زعماء المسلين ما سيؤول إليه أمر النزاع من تشعب وخسارة في ذلك الوقت الحرج الدقيق، تقدم أولئك الزعماء - باسم الإسلام والقرآن - رافعين - صوتيهما - داعين الملكين إلى التوقف - حينا - على القتال، تقدم إليهما الإسلام والقرآن راجين منهما أن يقبلا تحكيمهما، ويرضيا بحكمهما حسب النص القرآني في قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (1) وقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2) بهاتين الآيتين من القرآن تقدم زعماء المسلمين وعلماؤهم إلى الملكين العربيين المسلمين طالبين منهما العمل بهما وإلا كانت الخسارة على من أبى، لأنه هو الباغي.
تقدم - باسم الإسلام والقرآن إلى المتحاربين - إخوة مسلمون مؤمنون، أمرهم القرآن بالتقدم والوساطة بين المتحاربين، هؤلاء الإخوة المؤمنون كلهم ماتوا رحمهم الله ونعمهم - إلا واحدا لازال على قيد الحياة (3) فيما أذكر - أولئك هم المؤمنون الصادقون السادة: الأمير شكيب أرسلان اللبناني، ومحمد علي علوبة باشا المصري، وهاشم الأتاسي السوري، والحاج أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المؤتمر الإسلامي العام، وهو رئيس هذا الوفد الميمون - والمؤتمر الإسلامي العام في القدس هو الذي أمر بالسعي وكون الوفد - فأبرقوا إلى الملكين العربيين - بعد تأليف الوفد - طالبين منهما التوقف - حينا - عن القتال، وسيتولون الحكم بينهما بما حكم به الإسلام في مثل هذه الحال، ومن عصى هذا الأمر ولم يقبل تحكيم الإسلام وتمادى في الحرب حكم عليه الإسلام بالعدوان وعصيان القرآن، ويكون كل المسلمين عليه.
(1) سورة الحجرات الآية 9.
(2)
النساء الآية 59.
(3)
عنيت المفتي الشيخ أمين الحسيني الذي توفي هو الآخر في 14/ 6 / 1394 موافق 4 - 7 - 1974.
فبأي شيء رد الملكان؟ أجابا جواب المؤمن بربه وبدينه وبقرآنه، أجابا بالرضى بحكم القرآن، كما كان الرد مشعرا بالتوقف عن الحرب وانتظار لجنة التحكيم، فبادرت لجنة التحكيم والوساطة بالسفر إلى مكة فصنعاء، واستمعت إلى كل واحد منهما يدلي بحجته، وألف كل واحد منهما وفدا للتفاوض، فاجتمعت الوفود الثلاثة وهي: وفد لجنة الوساطة، وعلى رأسه المفتي الحاج أمين الحسيني، والوفد السعودي وعلى رأسه فؤاد حمزة، والوفد اليمني وعلى رأسه عبد الله الوزير، وبعد الاجتماع والاستماع وفهم الموضوع، أصدرت اللجنة حكمها الفاصل في القضية، فرضي به الطرفان المتنازعان، واطمأن به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وارتاحت له ضمائر المؤمنين في العالم الإسلامي كله، وهللت له واستبشرت به روح محمد صلى الله عليه وسلم هي عليائها - لبقاء هذه الروح الإسلامية في أمته - وهذا كما قال الله العلي القدير:{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} (1).
هذا هو الإسلام الذي يعالج الأمراض النفسانية والمشاكل العويصة الحل إذا وجد المؤمنين به حقا، فهو يسوي الخلافات بين أتباعه بالعدل، وحتى الحروب يوقفها وينهيها ويحل مشاكلها حلا عادلا يرضى به المتشاكسون المتخاصمون:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} .
فها هو اليمن - اليوم - ينقسم على نفسه - بعد استقلاله - إلى شطرين اثنين، شمالي وجنوبي، وتدخل اليد الأجنبية - دائما - بينهما ويشتد النزاع بين الإخوة أبناء الوطن الواحد، فشطره الشمالي تمسك بعروبته وإسلامه، وشطره الجنوبي انتحل الاشتراكية اليسارية دينا له ومذهبا يسير على مبادئه، وكان يحاول أن يضم إليه الشطر الشمالي، كما هي خطة هذه النحلة، مما أدى إلى الحرب بينهما.
والذي يعرفه الجميع أن النزاع الحالي بين قسمين اليمن: الشمالي والجنوبي قد لعبت فيه وفي توسيعه وتشعبه أغراض سياسية توسعية مذهبية، حتى أن بعض الدول العربية تدخلت فيه تدخلا سافرا مكشوفا، لا للصلح بين الإخوة الأشقاء بل لتوسيع شقة الخلاف ولتغليب قسم على قسم، ونصرة
(1) الآية 25 من سورة الأحزاب.
طائفة على طائفة للمبدئ السياسي المعروف، غير أنها أخذت صفعة قوية على وجهها أيقظتها من غفلتها عما يجب عليها وأرجعتها إلى رشدها خاسرة خاسئة مما هو معلوم.
لم تتدخل بينهما بالصلح مثلما فعلت لجنة المؤتمر الإسلامي العام - ونجحت - بل أرادت أن تحمل إلى القسم الشمالي منه مرض أو طاعون (الاشتراكية المزدكية) فخابت، ولازال هذا الطاعون يضعف القسم الجنوبي منه، وهنا رأينا كيف طغت عقيدة الاشتراكية المزدكية على العقيدة الإسلامية، كما رأينا تأثير العقيدة الإسلامية على النفوس المؤمنة والمشاعر الحسنة، وهذا هو سبب نجاح المسعى الأول، وخيبة المسعى الثاني.
وإذا تأملنا ودققنا النظر في تلك الحادثة التي وقعت بين الملكين العربيين، والتي لم يمض عليها طويل وقت - أربعون سنة فقط - توصلنا إلى عمل الإسلام في قلوب أتباعه، وعرفنا حقيقة زعماء المسلمين في الماضي والحاضر.
ومن جهة أخرى نقول: أين عمل تلك اللجنة الخيرية الصلحية، التي حملت في يدها المصحف ونادت بتحكيمه، فرضي به الخصمان حاكما بينهما، من عمل (جمعية الأمم المتحدة) الحية والميتة
…
؟؟؟ وما فيها من مجالس، كمجلس الأمن وغيره، فإنها لم تستطع حل مشكلة واحدة من المشاكل التي يعاني منها العالم ما يعاني من آلام ومتاعب، كما أنها لم تستطع أن توقف أية حرب، بالرغم من الألقاب الضخمة التي يحملها أعضاؤها، ورغم الأموال التي تبذل - بسخاء - لها، ولهم، ولهن.
إن للإسلام قوة وسيطرة على القلوب المؤمنة به لا توجد في غيره، فقوته روحية خالصة لا تضاهيها قوة الحديد والنار، في قوة كامنة في نفوس المؤمنين، بها تغلبوا على خصومهم - ويعمل الآن خصوم الإسلام على إضعاف هذه القوة في المسلمين وهم لا يشعرون - وإن كانوا أكثر منهم قوة، فالمسلمون كما قال - ليون روش - الجاسوس الفرنسي الذي تقدم ما قاله في الإسلام والمسلمين حيث قال:(ثم بحثت عن تأثير هذا الدين في نفوس المسلمين، فوجدته قد ملأها شجاعة، وشهامة، ووداعة، وجمالا، وكرما).
قد علمنا فشل جمعية الأمم المتحدة أمام المشاكل العالمية الحالية - التي وجدت بين أعضائها - بالرغم من وجود قوى العالم كلها وكله في إطاراتها، فقد خاب فيها الرجاء، وانقطع منها الأمل، فإذا قررت قرارات فإنها لا تنفذ، وتقضي جل أوقات السنة في البحث والجلسات، وأعضاؤها في شغل آخر عن مشاكل الأمم، والجلسات تتعاقب من غير نتيجة - تسمع جعجعة ولا ترى طحنا - كما جاء في المثل العربي - والواقع أكبر دليل على ذلك، وإلا فأين قرارها رقم 242 في شأن خروج اليهود الإسرائيليين من الأراضي العربية التي احتلوها في حرب جوان - حزيران - 1967، أين هو ذلك القرار المقرر في نفمبر من تلك السنة، واليهود ظالمون معتدون، ما لهم لم يخرجوا من أرض العرب النائمين الغافلين، من هنا ظهر عجز العصبة عن إنصاف المظلوم من ظالمه، فظهر أن وجودها لم ينفع أعضاءها فضلا عن غيرهم
…
؟؟؟
فليتأمل في هذا مرضى النفوس المخدوعون المغرورون بالمظاهر، المتنكرون لدينهم، الجاهلون لتاريخهم، الغافلون عن حضارتهم الزاهرة وآثارها الباقية، فليكن عملهم - إن كانوا يريدون أن يعملوا - على إعادتها، وإحياء الروح الدينية فيهم تلك الروح التي قضى عليها سيرهم في طريق الملاحدة، فإنهم سيشرفون بذلك، كما شرف به آباؤهم الأولون.
لو فكر - قليلا - عقلاء أو زعماء العرب في جمعية الأمم المتحدة وفي أعمالها تجاههم، وتجاهلها لهم، وسخريتها منهم، لخرجوا منها وتركوها لمن له فيها مصلحة، أما هم فلا مصلحة لهم فيها إلا خسارة الوقت والمال، ولكن أنى لهم هذا؟ وهم يعرفون أنها آلة مسخرة في يد أمريكا، فما يرضي أمريكا كان وما لا يرضيها فلا محاولة
…
وهذه كلمة أخرى أو شهادة عالم غير مسلم عما في الإسلام من قوى الخير والصلاح الكامنة فيه - وكلمات غير المسلمين في الإسلام كثيرة - قالها أحد الأجانب عنه اعترافا بفضائله، وتنبيها للغافلين أو الجاهلين ممن ينتسبون إليه.
وهذه الشهادة للعالم الدكتور - انستابو - الإيطالي، جاءت في كتابه "الإسلام وسياسة الحلفاء" الذي نشره سنة 1919 قال، (إن الكرم العلمي
والصدقة الفكرية، صفتان من صفات الإسلام، شأنهما أن تجعلا الأمة العاملة بهذا الدين أهلا لأن تبلغ من الحضارة ذروتها) (1).
والواقع الحالي يقول لهذا العالم: أن مسلمي هذا العصر أبعدوا الإسلام عنهم - إلا من قل - وأحلوا محله الاشتراكية المزدكية الملحدة، فخسروا بذلك دينهم وعزهم وحضارتهم.
(1) الجزء الخامس من الحديقة ص 162.