الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المرأة الغربية العاملة)
قال: (لقد انحلت الأسرة باستخدام المرأة في الأعمال العامة، وتبين أن كثرة الجرائم في - أمريكا - وسبب الأزمات العائلية فيها، هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة، فزاد الدخل، ولكن انخفض مستوى الخلق. كما أن انطلاق المرأة نحو العمل أورث الحضارة الغربية مشكلات عميقة، وأفقد المرأة نفسها الكثير مما اختصت به، فقد أنهكتها المهنة، وتدبير المنزل والأطفال. وأصبحت مخلوقا جديدا، لا هو رجل ولا هو امرأة
…
)
الفصل الخامس: مثال من حصافة رأي المرأة العربية المسلمة
.
ومثلما فهمته تلك السيدة الأروبية من حياة المرأة، وكذلك ما أدركه الفيلسوف الإنكليزي "بيرتراند راسل" في كلمتيهما السابقتين، مثل ذلك أرشد إليه الإسلام في تشريعه، ونبه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه، وقد أجاب به سيدة عربية مسلمة - مبعوثة - النساء إليه، حين جاءته موفدة من قبل النساء الصحابيات رضوان الله عليهن.
وردت قصة هذه المرأة الموفدة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث والسير، قالوا: ان (أسماء بنت يزيد بن السكن الأشهلية الأنصارية) جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم موفدة إليه من جماعة النساء يسألنه عن الأعمال التي يقوم بها أزواجهن خارج البيت، وعن الأعمال التي تؤديها زوجاتهم داخل البيت، فهل بين عمل الزوج وزوجته صلة وارتباط واشتراك أو لا؟ وهل الجميع شركاء فيه؟
وأسماء هذه من العربيات المسلمات المبايعات للرسول صلى الله عليه وسلم، الوارد خبرهن في الآية الكريمة، وهي قوله تعالى وتقدس: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ
بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1).
كانت هذه السيدة الفاضلة - أسماء بنت يزيد - تلقب بـ "خطيبة النساء" ويكفي دليلا على تصديق هذا اللقب فيها هذه الأسئلة العجيبة التي تقدمت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما دل على حصافة رأيها وجيد عقلها، وفصاحة لسانها وشجاعتها في الموقف الذي وقفته بين يدي الرسول وهو مع أصحابه، وقد أعجب بها وبفصاحة لسانها، حتى لفت أنظار وانتباه أصحابه إلى بلاغتها في عرض ما جاءت من أجله عليه.
وهذه قصتها وأسئلتها، وهي عبرة للمعتبرين والمعتبرات منا، قالوا: (إن أسماء أتت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بين أصحابه فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك، وإنا - معشر النساء - محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم - معاشر الرجال - فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وأن أحدكم إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مجاهدا، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفنشارككم في هذا الأجر والخير
…
؟؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال لهم:((هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه ..))؟؟ فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا
…
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها فقال: ((افهمي أيتها المرأة واعلمي من خلفك من النساء، أن حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله)) (2).
فانصرفت المرأة - عائدة - من لدن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بعدما سمعت منه هذا الإرشاد النبوي الكريم، والتوجيه القويم، وبعدما اسمعته رغبات النساء اللائي بعثن بها إليه، انصرفت مسرورة مستبشرة وهي
(1) الآية 12 من سورة الممتحنة.
(2)
أسد الغابة لابن الأثير ج 3 ص 398 - 399.
تهلل، ورجعت إلى جماعة النسوة تحمل معها إجابة رغباتهن، عادت إليهن وهي تحمل معها فوق وأكثر ما كانت المرأة تتخيله في خيالها، فهي مأجورة - من الله - بأجر يعادل ويماثل أجر زوجها الرجل في الجهاد، وفي الصلاة، وفي الحج، وفي العمرة الخ، وهي شريكة للرجل في أجر جهاده، وحجه وصلاته، وعيادة المريض، وغير هذا بشرط أن تحسن عشرته - ليتفرغ لأعماله المذكورة - وتعمل من أجل مرضاته، وأن تكون له زوجة صالحة، وفية، أمينة، تعمل على موافقته، وأن تتجنب معاكسته ومخالفته، وهذا هو حسن التبعل.
فبمثل ما ذكر تحصل السعادة الزوجية الحقيقية، فتكون بتقسيم الأعمال، فنظام الأسرة شبيه بنظام الحكومة، فوزير الخارجية في الحكومة مكلف بالاتصالات الخارجية - وهو هنا الزوج - ووزير الداخلية مكلف بتنظيم البلد وأمنه ورفاهيته ونظافته إلى آخر ما يتطلبه وظيفه ومركزه - ويمثل وزير الداخلية هنا الزوجة - فإذا لم يقم كل وزير بما أنيط بعهدته ساء الحال، وتراكمت الأعمال، وتطرق الخلل إلى أجهزة الحكومة، وهذا ما يكون سببا في ضعفها وانقضاء أيامها.
فماضي المرأة المسلمة القديمة ماض مشرق نير، وحاضرها حاضر مظلم، مملوء بالمتناقضات والمخازي، بالرغم مما حف به من هالة التمجيد والتعظيم المزور ليزداد غرورها وخداعها، والحقيقة تكذب دعاة الشيطان ورسله، وأنصار الرذيلة وحماتها.
فالمرأة المسلمة في هذا الوقت تركت مهمتها التي خلقت لها - ولها فقط خلقت - وأرادت أن تترجل - أو أريد لها ذلك - لتكون ألعوبة وملهاة - كلعب الصبيان - في يد إبليس - بعد أن أنقذها الله منه بالإسلام - فضاعت المهمة التي كانت لها، فخربت البيت التي كانت عامرة بها، وانتشرت الفوضى في المجتمع الإسلامي - وهو المجتمع المنظم بنظام الإسلام - فكثر بسبب ذلك الطلاق بين الأزواج كثرة مهولة، وعم النزاع والخلاف، واستحكم بينهما، وساءت العشرة، وذهبت الثقة بينهما بسبب كثرة الخيانة منهما - إلا من قل - والسبب ظاهر غير خاف، فالمرأة تركت مركزها في البيت وإدارتها في الأسرة، ومصنعها في وسط العائلة، إلى إدارة غريبة عنها وعن تكوينها، إلى إدارة أو مصنع لا قدرة لها عليهما، فاستحوذت