الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول:
هل في الاشتراكية خير للإنسانية؟ ازدياد عدد الفقراء فيها
.
أكثر دعاة - الاشتراكية - من الدعاية لها والترغيب فيها حتى أسرفوا في ذلك، وكادوا يقولون للناس: إن الوطن الذي لا إشتراكية فيه وطن شقي لا سعادة لأهله، وجذبوا إليهم حتى من لا يؤمن بها، ولكنه اندفع معها ومعم ومعهن لأغراض خاصة، فهو قد وجد فيها ما تصبو إليه نفسه، وما لا يجده فيما سواها ....
قالو أن الاشتراكية رحمة للضعيف - العامل والفلاح - ولطف به، وقالوا: إنها تنقذ العامل - أو العالم - من سيطرة طبقة معينة عليه، وأنها تجلب الخير والراحة له ولأطفاله وعائلته، وإنها، وإنها، والواقع المحسوس أنها بخلاف ذلك تماما، فقد سيطرت - وتسلطت - بواسطتها طبقة معينة على كل شيء واستغلت ذلك لمصالحها الخاصة بها، قد جلبت النفع المادي وغيره إلى طبقة السادة المشرفين عليها والمسيرين لسفينتها، وتركت العامل والفلاح في شقائهما وتعاستهما، بل ما زادت الفقراء إلا فقرا، ومن خفي عليه هذا فعليه بالبحث والتعمق في داخلها، ولا يكتفي بالظاهر، وسيرى ويسمع ما يقنعه، فبعض الأغنياء اتخذوها ستارا أخفوا وراءه مطمعهم ومطامحهم، فصاروا اشتراكيين ظاهرا أكثر من الاشتراكيين باطنا، كل هذا ليخفوا ما عندهم من نيات مبيتة وهروبا مما يتوقع لهم.
إن الإيمان - الشرعي - لا يعتبر إيمانا يعتد به إلا إذا وافق الظاهر العقيدة والباطن، أما إذا لم يوافق الباطن الظاهر فهو النفاق.
حقيقة - لا شك فيها - لم تجعل الاشتراكية الفقراء أغنياء كما يتوهم ذلك بعض البسطاء في التفكير، بل صيرت الأغنياء فقراء، فلم ترفع الفقراء إلى مستوى الأغنياء لتريحهم من ألم الفقر والحاجة، بل نزلت بالأغنياء إلى درك الفقراء - وهذا من أهم مقاصدها وأهدافها - مساواة لأولئك بهؤلاء، وقد صرح بهذا وزير سابق عندنا - هو الآن يعيش خارج تراب الوطن، فارا بعد أن ملأ حقائبه من عرق ودموع العمال والفلاحين - صرح بهذا لبعض العمال والفلاحين والتجار الصغار لما زاروه في مكتبه وقدموا له ملتمسا فيه بعض ما يشكون منه، وقد رجوه لرفع الحيف عنهم، وإنصافهم ممن ظلمهم، فأجابهم على ملتمسهم قائلا: - حسبما قيل لنا - إننا على علم من معالمكم وظالميكم، أولئك الظالمون الذين تركوكم تمشون حفاة بدون أحذية، وإني أعدكم بأننا سننزلهم إليكم - هكذا قال - ونتركهم يمشون حفاة بدون أحذية مثلكم!!!! هذا ما أفصح به هذا الوزير - وزير الشغل في السابق - فقد أبرز مما في ضميره، وكان العمال المساكين يرجون منه أن يرفعهم إلى منازل الأغنياء حتى تصير لهم أحذية، كما للأغنياء أحذية، فإذا بالأمر يظهر على خلاف ما كان يظن، وهو بقاؤهم أو إبقاؤهم في فقرهم كما كانوا، بل سيزاد إليهم فقراء آخرون، وهم من كان عندهم نصيب من المال يتمعشون منه، ويستعملونه في حركة فيها عمال يعملون، ومنها يتمعشون، فمعنى هذا أيضا تجريدهم مما كان عندهم وحشرهم في زمرة الفقراء والعمال الذين هم - دائما - في حاجة إلى طلب العمل للمعيشة، لتبقى الميادين خالية للحذاق الماهرين في تصريف الأمور (حدث ما قلته في سنة 1964) والعمال والفلاحون غافلون ساهون يعيشون بالأماني الحلوة كـ (الكمون) الذي قيل إنه يمنى بالسقي كلما عطش، حتى لا ييبس، كما جاء في المثل:(عش بالمنى يا كمون)، فهناك فئة تعيش عيشة البذخ والترف - وهي إشتراكية طبعا - تبدد الأموال - بلا حساب - وكل أفراد الأمة يرون ذلك بأعينهم، وتتنقل على ما ارتفع ثمنه من أفخم وأضخم ما أحدثته مصانع السيارات - وهي إشتراكية طبعا أيضا - وتنزل منازل ذوي الثراء الواسع، سواء في الداخل أو في الخارج - باسم الاشتراكية - إلى جانب فئة تعيش عيشة الفقر والحرمان، وهي صابرة، عاملة، ناصبة،
تسقى من عين آنية، ولكنها لم تفقد أملها في المستقبل وسترى
…
هذه الحقيقة شاهدة في جميع البلدان التي انتحلت (الاشتراكية) مذهبا لها.
ومن أهداف الاشتراكية - أيضا - التأميم، وهو انتزاع الشيء - عقار أو مصنع، أو غيرهما - من مالكه الأصلي، وجعله تحت تصرف الحكومة - النائبة عن الأمة - وهو سلاح يلتجأ إليه وقت الحاجة، فقد رأينا بعض الناس لم يكونوا محل رضى عند بعض الدوائر الحكومية - بل وحتى عند لعض الأشخاص - مع هؤلاء يلتجأ إلى استعمال هذا السلاح - التأميم - فينتزع ما يراد انتزاعه، لأسباب توجد في ذلك الوقت، من غير نظر إلى ماضي هذا الشخص المؤمم رزقه، وكم من ضحية ذهب رزقه لمنافع خاصة وأغراض شخصية دنيئة
…
؟؟ بقي لنا أن نسأل بصفتنا مسلمين: هل في تاريخ الدولة الإسلامية أنها انتزعت الأراضي أو غيرها من أيدي أصحابها المالكين لها ملكا شرعيا قانونيا، من غير أن يصدر منهم شيء يعاقبون عليه؟ ذلك ما لم يكن - فيما أعلم - وإن كان - على قلته - فلربما كان عقوبة، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المشرع بعد الله - مفصح بذلك، روى ابن ماجة في سننه - في باب المزارعة - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كانت لرجال منا فضول أرضين يؤجرونه على الثلث والربع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((من كانت له فضول أرضين فليزرعها، أو ليزرعها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه)) الحديث رقم 2451. ومثل رواية جابر رواية أبي هريرة رضي الله عنه في نفس الكتاب والباب، وذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك، أرضه)) الحديث رقم 2452. فالرسول "وهو المشرع للمسلمين بعد الله" لم ينتزع ما فضل من الأرض عن أصحابها من أصحابها، إنما أمرهم بالتراحم بينهم والعطف على بعضهم بعضا، إذ أمرهم بأن لا يؤاجروها - يكروها - بل يمنحوها منحة لإخوانهم ينتفعون بها مدة ثم تعود لأصحابها وهذا هو العدل الإسلامي، ذلك العدل الذي تحدث عنه التاريخ بإسهاب.
وفي قصة عدل - كسرى أنوشروان - التي تقدم الكلام عليها عند الكلام على قضائه على المزدكية وعدله بين رعيته ما يكون موعظة للغافلين، ومثل قصته قصة نقلت عن خليفة عباسي ضايقته في قصره بيت لامرأة عجور، وكم حاولها على بيعها له وبذل لها في مقابلة ذلك المال الكثير