الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان الواجب على المسؤولين المسلمين أن يرجعوا - إن كانوا مسلمين - إلى قوانين دينهم فيطبقوها لا إلى إلغائها وتعويضها بقوانين بشرية وضعت لأمة غير مسلمة ولا مؤمنة.
إن الكمال البشري كما يكون في الرجال يكون في النساء، غير أنه فيهن قليل كما حكاه التاريخ الإنساني وهذا راجع إلى أصل الخلقة والتكوين، وقد ورد في الحديث الصحيح قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران الخ) بلا غرور أو تغرير.
والموضوع - موضوع المرأة - محرج كثيرا - حسبما نرى - ودقيق جدا، والخوض فيه قد يجعل للخائض فيه خصوما وأعداء - إذا تكلم فيه بالحقيقة - قد يفوقون في العدد المؤيدين والأنصار والأصدقاء - وإن كان على الحق - ذلك لاندفاع الناس وراء الشهوات والأغراض والأطماع حتى صاروا يشبهون المزدكيين - تماما - تاركين الشريعة الإسلامية وراء ظهورهم، متأثرين بما يذيعه بينهم إبليس وأعوانه بغوايته ووسوسته، حتى أنساهم ربهم ودينهم:
في كل شيء إذا ضيعته عوض
…
وليس في الله إن ضيعته عوض
الفصل الثالث: وصية الإسلام بالرفق بالضعفاء: اليتيم، والمملوك، والمرأة
.
إن الإسلام كان - ولن يزال - مصدر نور لبني آدم، بنوره يتجنبون الأخطار والمهالك، وبوصاياه يسعدون ويسعدون.
فالإسلام في تشريعه ووصاياه لم يظلم أحدا، لا المرأة ولا غيرها، بل نجده يوصي الأقوياء ويؤكد عليهم، يوصيهم بأن يعاملوا الضعفاء بالرفق والإحسان، والرحمة والحنان - بالنظر لضعفهم - ولا أضعف من هؤلاء الثلاثة: اليتيم، والعبد المملوك - أو الخادم -، والمرأة، من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((اتقوا الله في الضعيفين: المملوك والمرأة)) (1).
(1) أخرجه ابن عساكر عن ابن عمر.
1 -
أما اليتيم فقد أوصى الله به خيرا، فإن كان له مال أوصى بالمحافظة عليه، حتى لا يبدد ويذهب سدى، ويبقى له إلى أن يصير رشيدا يحسن التصرف، ويدرك واجباته، ولا يخفى علينا هذا الوعيد الشديد من الخالق العليم:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (1) وإن كان فقيرا فقد أوصى بالإحسان إليه، في تربيته، ورعايته، وكفالته، قال عليه الصلاة والسلام:((أنا وكافل اليتيم في الجنة)) (2) وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى كما فعل هذا راوي الحديث لمشاهدته فعل الرسول ذلك، وقال تعالى:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} والوصايا باليتيم كثيرة، كحديث المسح على رأسه وملاطفته وعدم إبكائه، ويبقى عطف المسلين عليه إلى أن يحتلم ويبلغ مبلغ الرجال، ويعتمد على نفسه عند ذلك يزول عنه لقب اليتيم، كما قال عليه الصلاة والسلام:((لا يتم بعد احتلام)) (3) فأي قوانين البشر توصي بمثل هذا؟ 2 - أما المملوك - أو الخادم - هو الآخر فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على أن تعامله المعاملة الحسنة، كما تعامل أولاد الصلب، تطعمه مما تأكل، وتلبسه مما تلبس، ولا يكلف بما لا طاقة له به، فإن كلف بما يشق عليه أعين عليه، قال عليه الصلاة والسلام:((إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم)) (4).
فهل في قوانين البشر ما يشبه هذا؟ لا نعلم شيئا من ذلك، خصوصا ونحن نعلم أن العبيد كانوا يعاملون قبل وقت مجيء الإسلام معاملة دون معاملة الحيوانات
…
والتاريخ شاهد عدل على هذا
…
فالخوف من مخالفة شرع الله - والله عالم بما يقع - والشعور بمراقبة الله فوق الخوف من القانون البشري.
(1) سورة النساء الآية 10.
(2)
أخرجه البخاري وغيره عن سهل بن سعد.
(3)
أخرجه أبو داوود عن علي.
(4)
أخرجه البخاري عن أبي ذر.
3 -
أما المرأة فقد رفع الإسلام قدرها، وأعلى منزلتها، في حدود وظيفتها، وأوصى بها خيرا، بالإحسان إليها كيفما كانت، أما، أو بنتا، أو زوجة، بعد أن كانت قبله محتقرة لا تذكر ولا تستشار في أي شيء حتى فيما يعود إليها شأنه، وقد خولها الإسلام ما تستحقه، فإن كانت أما فحقها على ولدها عظيم، فعليه رعايتها ونفقتها إذا كانت فقيرة، فلها عليه حقوق ثلاثة ولأبيه عليه حق واحد، كما نبه على هذا أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الشيخان - البخاري ومسلم - وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من.؟ قال ((أبوك))) وأعظم من هذا فإن رضى ربه موقوف على رضاها، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم:(الجنة تحت أقدام الأمهات)(1) كفاية.
وإن كانت بنتا فقد أوصى الإسلام أباها بتربيتها وتعليمها حتى تستقل بنفسها في بيتها، وسيرة السلف فيها الكثير من هذا الإرشاد الديني الذي جهله الخلف، فأصابه الانحراف والتلف.
أما إن كانت زوجا فالله جل وعلا أوصى الرجال بحسن معاشرة الزوجات، كما قال:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وفي هذا الأمر ما فيه من شتى الوصايا.
وفي حجة الوداع خطب الرسول صلى الله عليه وسلم خطبته المشهورة - في يوم عرفة - في المشهد الحافل، تلك الخطبة التي جمعت الشيء الكثير من حسن التوجيه وأصول الدين وفروعه، وهي في الحقيقة خطبة رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين كي يسيروا عليها، في هذه الوقفة المشهورة في التاريخ الإسلامي لم ينس الرسول الرحيم المرأة المسلمة، فاهتم بها، فقد أوصى واستوصى بالنساء خيرا، بل وحتى في اللحظة الأخيرة من حياته، وقبل مفارقته لهذا العالم، فقد أوصى بالصلاة وبالنساء خيرا.
(1) أخرجه القضاعي والخطيب في التاريخ.
(2)
الآية 19 من سورة النساء.