الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كرسيه وهو ذليل، وتحكم وتنفذ حكمها - تماما - كالملوك العادلين في أحكامهم، وقديما لقبت بـ (صاحبة الجلالة) - وكفى - فهل يعرف هذا - أيضا هؤلاء الصحافيون الأغرار المحترفون .. ؟؟
إن الصحفي الحر النزيه لا يرضى أن يكون أجيرا لأحد، وأكثر صحافيينا أجراء لإدارة الصحيفة، فهم لا يكتبون إلا ما يرضي إدارة الصحيفة ومن كان وراءها.
وإني أذكر - هنا وبهذه المناسبة - كلمة كان قالها زعيم مصر العظيم المرحوم سعد زغلول - يوم كانت الصحافة حرة ونزيهة، وكانت الصحافة المصرية - فيما أذكر - تكتبها - فيما مضى من الزمن - بحروف بارزة تحت اسم الصحيفة كشعار لها ولمهمتها العظيمة، وهذه الكلمة هي:(الصحافة حرة، تقول في حدود القانون ما تشاء وتنتقد من تريد، فليس من الرأي أن نسألها: لم تنتقدنا؟ بل الواجب أن نسأل أنفسنا لم نفعل ما تنتقدنا عليه؟).
هذه كلمة مسؤول عظيم، وزعيم كبير، قالها يوم كانت الصحافة حرة يملكها الأفراد - لا الحكومات - ينورون بواسطتها الرأي العام والحكومات، حتى يكون الجميع على علم بما يجري فوق تراب الوطن، وفي العالم كله، هذه هي الحقيقة التي يجب ألا تخفى على من وضع نفسه موضع من تقدمت صفته من ذوي الرأي الناضج، والفكر النير، وإلا كانوا كمن قال فيهم القائل القديم:
أما لخيام فإنها كخيامهم
…
وأرى (1) رجال الحي غير رجاله
أو قوله الآخر:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها
…
كلاها وحتى سامها كل مفلس
الفصل الرابع: الصحافة وحماة الدين
.
إذا ما هب حماة الإسلام والأخلاق الكريمة ينكرون الإلحاد الذي رفع رأسه وصوته، ويدافعون عن العقيدة والفضيلة المهانة، والكرامة المداسة،
(1) وفي بعض الروايات: وأرى نساء الحي غير نسائها.
قام - إخوان مزدك - من أبناء هذا العصر وأشياعه وقعدوا رافعين أصواتهم بواسطة أبواقهم وأقلامهم الرخيصة، منكرين على المنكرين - أنصار الإسلام - دفاعهم عن الفضيلة وعن خلق الحياء الذي قضت عليه - ولم يبق إلا في قلة من المؤمنين - هذه العقائد الزائغة والزائفة الواردة علينا من شعوب لا تدين بديننا ولا تتخلق بأخلاقنا.
فقد كتبت بعض الصحف تنعت المدافعين عن الإسلام وأخلاق الإسلام بما لا يتفق والحقيقة، فكتبت تحت عنوان:(المراؤون)(1)، والعنوان لرواية - هزلية مسرحية - للكاتب الفرنسي (موليير)، وسبب ذلك أني تكلمت في خطة الجمعة، وفي جامع "كتشاوة" يوم الجمعة 5 نوفمبر 1965 م لما شاهدت العرض الذي جرى في الجزائر يوم أول نوفمبر 1965 بمناسبة ذكرى ثورة نوفمبر 1954، ذلك العرض الذي شاهدناه بواسطة التلفزة والذي لا ننكر ما شاهدناه فيه من قوة الجيش ونظامه ووفرة السلاح، وأعجبنا به كثير الإعجاب - وقد نوهت بهذا في نفس الخطبة - ولكن الذي أنكرناه - ودعونا إلى إبطاله - هو زج الفتيات وسط ذلك العرض بثياب فاضحة - لا تغطي من الجسم إلا قليلا - فالفتاة التي تلبس (التبان)(2) وتظهر به أمام حشود وافرة جاءت من جميع الأوطان لتمثل دولها في هذا الحفل الوطني، أمر لا ينبغي السكوت عنه والرضى به وبفعله، فهل يتوجه اللوم هنا على منكر المنكر؟ لا، بل اللوم كل اللوم يوجه أولا وقبل كل اعتبار على من جلبها - الفتاة - وزج بها وسط جيش عرمرم من الشبان وأمام النظارة، كما يلام وليها الذي رضي بكشف جسد ابنته، والسير بها شبه عارية أمام النظارة - والمصورون من شركات السينما والتلفزة الأجنبية يصورون - فهل يلام الخطيب الواعظ إذا أنكر منكرا رآه ونبه المسلمين المصلين إلى قبحه وخطره على الدين والأخلاق الإسلامية؟؟؟؟
(1) صحيفة "الشعب الجزائرية" عدد 904 الصادرة بتاريخ 13 نفمبر سنة 1965، وصحيفة "المجاهد" الصادرة بالفرنسية في نفس التاريخ.
(2)
التبان سراويل صغير لا يستر إلا العورة المغلظة (سليب).
لا ينكر على الخطيب الواعظ إلا جاهل مغرور أو صاحب نية سيئة نحو الدين والفضيلة والوطن.
الحقيقة أن البعض من ولاة المسلمين تنقصهم التربية الدينية الإسلامية حتى يكونوا في مستوى أمتهم، وقد لاحظنا - فيما لاحظناه - أن البعض من حكام المسلمين الذين يتولون مناصب عليا في دولهم يداخلهم الغرور بالنفس والكبرياء على الناس، ولعلهم يظنون أنفسهم أنهم صاروا ملوكا مستبدين، لا يرد عليهم قول ولا يوجه إليهم لوم، أو لعلهم صاروا أكثر من الملوك، وهذا ناتج عن انعدام التربية الإسلامية الصحيحة، ولو عرفوا حقيقة أنفسهم لما جاوزوا بها درجتها، إذ هم من الشعب الذي يتولونه، وكم نحن في حاجة إلى التربية الإسلامية التي تأمر حكام المسلمين بالتواضع وخفض الجناح لعامة أفراد الأمة، ولنذكر هنا مثالا من التربية الإسلامية:
ذكروا أن سلمان الفارسي كتب إلى أبي الدرداء رضي الله عنهما لما ولي هذا الأخير القضاء من قبل معاوية رضي الله عنه: (بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي، فإن كنت تبرئ فنعما، وإن كنت متطببا فانظر أن تقتل إنسانا فتدخل النار). فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا نظر إليهما ثم قال: (ارجعا إلي أعيدا علي قضيتكما متطبب - والله -). فما كتب به سلمان الفارسي إلى أخيه أبي الدرداء - وهما صحابيان جليلان آخى بينهما الرسول صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهما يعد من باب النصيحة للوالي، فلا غضاضة فيها عليه، لهذا تقبلها أبو الدرداء بالرضى والاعتبار، وعمل بها العالم الفقيه الورع.
فأين نحن الآن من هذه التربية الإعلامية الرفيعة الغالية، إلى التربية الإلحادية التي تدخل الغرور والصلف والكبرياء على الحكام منا، حتى ظن البعض منهم أن الأمة ملك لهم يتصرفون فيها حسب رغباتهم وشهواتهم، لا ينازعهم فيها وفي توجيهها أحد سواهم، حتى صاروا كالأوثان تعبد من دون الله، تطاع ويعصى الله، ترضى ولا بأس بغضب الله.
فاللهم رفقا بعبادك المسلمين، ممن:{لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} قرابة ولا عهدا.
نرجع إلى الموضوع من هذا الاستطراد الذي دفعت إليه الحاجة فنقول:
لما قرأت ما كتب في الصحيفة بأمر المسؤول عن الأخبار في ذلك الوقت 1965 - الوزير بومعزة - قلت: سبحان الله!!! يا للعجب العجيب!!!
إنهم لم يفهموا حتى ما يكتبون أو يقرأون، خصوصا وكاتب الرد علي في الصحيفة الفرنسية اللسان امرأة فرنسية الجنسية والعقيدة - فيما بلغني - نسأل: أي داع لإقحام امرأة فرنسية في الرد على واعظ في خطبة الجمعة؟؟
ألكون الموضوع يتصل بالمرأة وكفى؟ والموضوع يتصل بالمرأة الجزائرية المسلمة، وعنوان الرد - أيضا - أصله لكاتب فرنسي كما أشرت إليه سابقا، وهو (المراؤون) أيضا، فما هو الرياء الذي يرمي به الخطيب الواعظ؟ وكانوا يدركون الحقائق من غير تحريف؟ إنهم لم يفهموه، ولو فهموه لما كتبوا ذلك الهراء الركيك.
والحقيقة التي يعرفها العقلاء: أن من قام يدافع عن حق رآه ضائعا لا يقال في دفاعه - حسب إيمانه به - أنه رياء، وما تكلم إلا ليراه الناس - والكلام يسمع ولا يرى - ويقال عنه ما يقال، ومما لا ريب فيه أن الصدمة كانت عنيفة وغير منتظرة على أعوان مزدك، فلم يقووا على تحملها، خصوصا وخطبة الجمعة تلك كانت قد أذيعت من المسجد بواسطة الإذاعة الجزائرية، فرفعوا أقلامهم لتدافع عن الرذيلة والخلق المشؤوم.
نقول لهؤلاء: إن الشعب الجزائري - مثلا - لما قام في ثورته، وحمل السلاح للدفاع عن كرامته المهانة ووطنه السليب، قاصدا من وراء حمل السلاح إرجاع كرامته ووطنه، فهل يقول له عاقل: إنك مراء أيها الشعب الجزائري؟ فإنك ما حملت السلاح إلا من أجل أن تراك الشعوب والأمم فقط، وتسمع ببطولتك ومواقفك، وما ادعيته لنفسك من دعوى إرجاع حريتك وكرامتك ووطنك دعوى باطلة وبهتان، لا يقول أحد من الناس في الشعب الجزائري مثل هذا القول إلا اتهمه العقلاء بالجنون، أو بالجهل بالمقاصد، أو بالغباوة، أو بالغرور والتغرير، أو بالخداع.
فقد سقط في يد الموحي بالفكرة، ولم يجد حجة ودليلا يبرر به فعله فأخذ يتهم المدافعين عن الدين والفضيلة والوطن بالباطل والتزوير والبهتان، وكل دفاع بالباطل مصيره الفشل والخسران.