المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع: افتخار أمراء المسلمين بإسلامهم، واعتزازهم بدينهم - المزدكية هي أصل الاشتراكية

[عبد اللطيف سلطاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم:

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأول:ما هي المزدكية

- ‌الفصل الثاني: من ابتدعها

- ‌الفصل الثالث: أين نبتت شجرتها

- ‌الباب الثاني

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث: وقفة هاهنا للتأمل والاعتبار

- ‌الباب الثالث

- ‌الفصل الأول:الشرائع السماوية وسعادة البشرية

- ‌الفصل الثاني: ما نتج عن توريد المبادئ الأجنبية الهدامة

- ‌الفصل الثالث: الصحافة تنشر ما يساعد على بعث المزدكية

- ‌الفصل الرابع: الصحافة وحماة الدين

- ‌الباب الرابع

- ‌الفصل الأول:ما قدمته الأمة الجزائرية من ضحايا في سبيل الإسلام لا يتفق مع توريد بعض المذاهب الإلحادية

- ‌الفصل الثاني: كيف يكون الدفاع عن الإسلام

- ‌الفصل الثالث: مضار الخمر وغض النظر عنها

- ‌الفصل الرابع: النهي عن بيع العنب لمن يتخذه خمرا

- ‌الفصل الخامس: إنتهاك الحرمات الشرعية سببه من المبادئ الإلحادية

- ‌الفصل السادس: في الحلال عوض عن الحرام {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}

- ‌الباب الخامس

- ‌الفصل الأول:العلماء والتعصب

- ‌الفصل الثاني: من لا يتعصب لمبدئه فلا خير فيه

- ‌الفصل الثالث: الأحزاب السياسية والتعصب

- ‌الفصل الرابع: لمن هذه الأصوات…؟ وما شأنها

- ‌الفصل الخامس:جندي جيش التحرير الجزائري كان صاروخا بشريا صارخا

- ‌الفصل السادس: موقف العلماء من هؤلاء الساخرين

- ‌الفصل السابع:الاحتفال بالآثار الرومانية تعظيم للشرك والمشركين: ما هو الداعي إلى هذا

- ‌الفصل الثامن: الشريعة الإسلامية تنهى عن تعظيم المشركين وآثارهم

- ‌الفصل التاسع: افتخار أمراء المسلمين بإسلامهم، واعتزازهم بدينهم

- ‌الفصل العاشر: بين منبر الجمعة وكرسي الحكم

- ‌الباب السادس

- ‌الفصل الأول:المال في نظر (مزدك) واشتراكيته

- ‌الفصل الثاني: بالكد والعمل ندرك المآرب

- ‌الفصل الثالث: هل هذه بوادر المزدكية تلوح في الأفق

- ‌الفصل الرابع: من هو أبو ذر هذا

- ‌الفصل الخامس: من مكائد اليهود للإسلام، واغترار المسلمين بالمظاهر

- ‌الباب السابع

- ‌الفصل الأول:هل الإسلام قادر على حل جميع المشاكل

- ‌الفصل الثاني: حماية العمل والعمال في الشريعة الإسلامية

- ‌الباب الثامن

- ‌الفصل الأول:الاشتراكية والدين

- ‌الفصل الثاني: محاربة الاشتراكية الشيوعية للإسلام

- ‌الفصل الثالث: من التبشير المسيحي إلى التبشير الإلحادي

- ‌الفصل الرابع: الاستهتار بالقيم الروحية - وشهد شاهد من أهلها

- ‌الفصل الخامس: تمزيق المصحف، وإحراقه

- ‌الباب التاسع

- ‌الفصل الأول:الاشتراكية الشيوعية، والديموقراطية والحرية

- ‌الفصل الثاني: خداع العناوين

- ‌الفصل الثالث: من ذيول الاشتراكية تحديد النسل

- ‌الباب العاشر

- ‌الفصل الأول:مسؤولية حكومات الشعوب الإسلامية

- ‌الفصل الثاني: منزلة الحاكم في الشريعة الإسلامية

- ‌الفصل الثالث: من هو أبو مسلم الخولاني

- ‌الفصل الرابع: الإسلام دين ونظام حياة

- ‌الفصل الخامس: من هم المتهوكون

- ‌الفصل السادس:اعتراف جاسوس فرنسي، قال: "إن الإسلام دين المحامد والفضائل

- ‌الفصل السابع: مأساة اليمن

- ‌الباب الحادي عشر

- ‌الفصل الأول:مفهوم المدنية والتمدن عند جيل هذا العصر

- ‌الفصل الثاني: الإنسان العصري المتمدن والإيمان بالغيب

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌الفصل الأول:هل في الاشتراكية خير للإنسانية؟ ازدياد عدد الفقراء فيها

- ‌الفصل الثاني: الاشتراكية والمرأة

- ‌الفصل الثالث: وصية الإسلام بالرفق بالضعفاء: اليتيم، والمملوك، والمرأة

- ‌الفصل الرابع: صون الإسلام للمرأة، وابتذال غيره لها

- ‌الفصل الخامس: مثال من حصافة رأي المرأة العربية المسلمة

- ‌كلمة ختامية:

الفصل: ‌الفصل التاسع: افتخار أمراء المسلمين بإسلامهم، واعتزازهم بدينهم

‌الفصل التاسع: افتخار أمراء المسلمين بإسلامهم، واعتزازهم بدينهم

.

كان الحكام المسلمون محل احترام ومحبة وطاعة لأنهم الحماة لهم والمحافظون على أموالهم وأعراضهم، والمدافعون عن حرماتهم، من دين وعقيدة وأعراض وغير ذلك، وقد طبع الإسلام الواحد منهم بطابعه الخاص، ورباه بتربيته الكاملة من حبه الخير للمسلمين، وأمره بالتواضع للكبير والصغير والذكر والأنثى، والغني والفقير، بلا فرق بينهم، ونهاه عن إغلاق بابه دون ذوي الحاجات منهم، كي يصلوا إليه في كل أوقات الحاجة وهو يجتمع معهم في المسجد ومشاهد الخير ولم يرض له أن يكون جارا عنيدا قاهرا لا يصل إليه أحد من ذوي الحاجات إلا إذا كان من المقربين إليه، أو من أصدقاء المقربين إليه، تلك هي تربية الإسلام للحكام المسلمين، نراها ظاهرة جلية في فخر الإسلام والمسلمين، الأمير العادل والخليفة الصالح عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أفصح عما كان عليه العرب قبل الإسلام من ذلة وهوان وتفرق، وعما وصلوا إليه بعد أن جاءهم الإسلام من عزة وكرامة وقوة واتحاد، فمن أراد العزة والفخر فعليه بالإسلام.

فقد روى الحاكم في المستدرك بسنده إلى طارق بن شهاب قال: (خرج عمر بن الخطاب إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة (1) وعمر على ناقة له، فنزل عنها، وخلع خفيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أأنت تفعل هذا؟ تخلع خفيك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟؟؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك (2) فقال له عمر: أوه

لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله)، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وفيه أيضا عن طريق آخر عن طارق بن شهاب قال: (لما قدم عمر الشام لقيه الجنود، وعليه إزار وخفان وعمامة، وهو أخذ برأس بعيره يخوض الماء، فقال له يعني قائل (يا أمير المؤمنين تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه

؟ فقال

(1) المخاضة موضع فيه ماء فيخوضه المارة مشاة وركبانا.

(2)

استشرفوك رأوك من مكان عال.

ص: 83

عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العز بغيره) (1) نرى من هذا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولا مقام قائده عنده أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وهو الصحابي الجليل لولا ذلك المقام والمنزلة التي هو فيها لضربه عمر ونكل به حتى يجعله نكالا وعبرة لغيره، لأنه اغتر بالمظاهر، ولم ينظر - كعمر - إلى حقيقة العربي المسلم الذي رفع الله عنه الذل والمهانة بعز الإسلام لا بغيره، فكلمة عمر ردع وتوبيخ لأولئك الذين يحاولون أن يصلوا إلى العزة من غير طريق الإسلام، فالعزة والقوة إنما هما في الإسلام لا غير، ولهذا رأينا ما أصاب العرب والمسلمين من ذلة وهوان حين تركوا الإسلام بما فيه من عبادات ومعاملات وعظمة وتشريع، ولن يرجع إليهم ما فقدوه إلا برجوعهم إلى دينهم، وإلا فلا يطمعون.

ومن إدراك بعض أمراء العرب لحقيقة أنفسهم - كما تقدم في كلمة عمر رض الله عنه - ومقارنة حالتهم وما كانوا عليه قبل الإسلام من الفقر والمذلة والهوان، وما صاروا إليه بعد أن جاءهم الإسلام من الغنى والعزة والكرامة، من أولئك الذين لم تطغهم الإمارة فعرفوا حقيقة أنفسهم: الصحابي الجليل عتبة بن غزوان أمير البصرة من قبل الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما، فلنستمع إلى خطبته القيمة، بل إلى موعظته البليغة أمام ملإ من رعيته.

قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

(أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء، وأن ما بقي منها صبابة كصبابة الإناء، وأنتم منتقلون عنها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما يحضركم، فإنه ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي سبعين عاما لا يدرك لها قعرا، والله لتملأن، أفعجبتم!؟ ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليها يوم وللباب كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى تقرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فاشتققتها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرت ببعضها، واتزر هو ببعضها، فما أصبح اليوم منا واحد إلا وهو أمير على مصر

(1) المستدرك ج 1 ص62.

ص: 84

من الأمصار وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الناس صغيرا).

ومن هذا القبيل ما ذكره ابن جرير الطبري وابن كثير وغيرهما عند تفسيرهما للآية 26 من سورة الأنفال وهي: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فقد رووا عن قتادة رضي الله عنه أنه قال: (كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا، وأشقاه عيشا، وأجوعه بطونا، وأعزاه جلودا، وأبينه ضلالة، مكعومين (1) على رأس حجر بين الأسدين: فارس والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض كان أشر منزلا منهم، حتى جاء الله بالإسلام، فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا لله نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله عز وجل.

سمعنا من بعض المغرورين من قال: تريدون منا أن نرجع إلى عهد عمر وما كان عليه، فذلك زمان وهذا زمان

ولولا الغرور بالنفس لما صدر منه هذا القول، ولو تأمل في حياة عمر وفي زمنه لرأى أن تطبيق ما كان عليه عمر هو الآن أيسر، نظرا لما بسط الله من الرزق وتيسير سبل الحياة، والذي ينقصنا الآن عن زمن عمر إنما هو الإيمان بالله وبقضائه والامتثال لما ورد في شرع الله، إن عمر كانت تأتيه الأموال الوافرة، والألبسة الفاخرة من حرير وغيره، فلم يكن رضي الله عنه يقتطع لنفسه ما يعجبه، والباقي يوزعه على رعيته، بل كان يوزعها على الرعية ويبقى هو في عباءته المرقعة وكسرة الشعير، والمميز الوحيد بين حياة اليوم والحياة في زمن عمر إنما هو الإيمان وقوته وسيطرته على النفوس والمشاعر، وتقوى الله والخوف من حسابه وعقابه، وانعدام ذلك منا، وقد أعز الله به الإسلام استجابة لدعوة الرسول صلى الد عليه وسلم، أما أمثال

(1) مكعومين مأخوذ من كعم الجمل إذا ربط فاه بحبل حتى لا يعض غيره

ص: 85

من صدر عنه ذلك القول فقد أذل الله بهم الإسلام لأنهم أعرضوا عن مادة عزهم واتبعوا الشهوات، فالقرآن ينبه المسلمين إلى أن عزهم واعتزازهم كامن في دينهم، فالله يقول:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (1)، نزلت هذه الآية بعد ما قال كبير المنافقين - عبد الله بن أبي بن سلول - قوله الدال على غروره ونفاقه كما حكاه القرآن ليبقى يذكر المؤمنين بأقوال المنافقين، وذلك قوله:{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} (2) فالمنافق يريد بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صدق قول الله وخاب المنافق، فأعز الله رسوله والمؤمنين، وأذل الكفر والمنافقين، "قاتل بسعد وإلا فدع".

ومن خلال ما تقدم نرى أن البعض من المتعلمين والمثقفين ثقافة غير عربية إسلامية لم يفيدوا أمتهم بشيء مفيد من ثقافتهم تلك - إلا القليل منهم - بل راحوا يسخرون ويضحكون من أمتهم وثقافتها العربية ومقدساتها الدينية، مثل ذلك الكاتب - كاتب ياسين - الذي سخر واستهزأ بحرمة المسجد وصومعته، وفي الوقت ذاته يفخرون بلسانهم الأعجمي الجديد، ويفخرون بما تعلموه، ومنهم من تنكر لدينه ولغته ووطنه وجنسه فنبذ الدين وحقوقه، والوطن وواجباته، والجنسية وفضائلها التي كان عليها أجداده، فلم يأت لأمته بالمحاسن التي وجدها في اللغة التي تعلمها، كما هو الشأن في كل من تعلم لغة غير لغته الأصلية، يأخذ ما فيما من آداب ومحاسن، وينقلها إلى لغة قومه - من طريق الترجمة - بل رأيناهم بعكس هذا يعملون على الابتعاد من لغتهم وآدابها ساخرين مستهزئين منها ويستعملون في مخاطباتهم لبعضهم اللغة الأجنبية عوضا عن اللغة العربية الشريفة التي شرفها الله بالقرآن، مما عاد بالخسارة عليهم وعلى أمتهم.

فالذي يستعمل في محادثاته ورسائله لغة غير اللغة العربية - وهو يعرف العربية - فذلك دليل على بغضه للعرب، كما هو دليل على نفاقه، فقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((حب العرب إيمان وبغضهم نفاق)) (3) وقال عليه الصلاة والسلام لسلمان الفارسي

(1) و (2) الآية 8 من سورة المنافقون.

(3)

رواه الدارقطني عن ابن عمر ذكره العجلوني.

ص: 86

رضي الله عنه: ((يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك))، قال سلمان:

فقلت: يا رسول الله وكيف أبغضك وبك هداني الله عز وجل؟ قال:

(تبغض العرب فتبغضني)(1).

إن البعض من هؤلاء المتعلمين للغات الأجنبية لو فعلوا ذلك لوسعوا مدارك إخوانهم بما جلبوه لهم من اللغات الأخرى، كما فعل الأولون، فقد أتقنوا اللغات الأجنبية ومنها نقلوا لنا علوم اليونان، من طب وفلسفة وغيرهما مما عاد على الإنسانية كلها بالخير والمنفعة، فلم يفعلوا هذا وأخذوا يسخرون من مقدسات أمتهم وتقاليدها ودينها القويم، مثل ذلك الذي سخر من صومعة الجامع، وهو في الحقيقة سخر من الجامع وما يقع فيه من طاعات لله ومن المؤمنين الذين يؤمونه في كل وقت لتأدية فروضهم الدينية.

فالمئذنة - مثلا - تؤدي واجبها ووظيفتها، فهو يحلو له أن تهدم وتحطم وتطير في الفضاء حتى لا يراها ماثلة أمام عينيه ترمز إلى شعيرة من شعائر الإسلام وهي الصلاة، كما هي دليل على أن البلد بلد إسلامي.

ولعل هذا الملحد يتألم أكثر لو تجول في أطراف الوطن الجزائري، وفي مدنه وقراه لرآى ما قام به الشعب الجزائري من بناء المساجد الكثيرة الضخمة والواسعة، ولا زال مستمرا في بنائها، ليعوض بذلك ما هدمه الاستعمار حين دخل إلى هذا الوطن، مما يدل على أن هذا الشعب مسلم عريق في الإسلام، لا يصده عنه صاد أو صدى مهما تنوعت في ذلك الطرق والحيل، وقد أكثر منها - وخاصة بعد الاستقلال - بصفة هائلة أذهلت الملاحدة ومن على شاكلتهم، وهم يتألمون من رؤيتها ولا يتألمون من رؤية صوامع الكنائس التي تحمل في أعاليها الصلبان، فقد كان المستعمر يخطط المدينة أو القرية وبين دورها وأنهجها الكنيسة أولا، وكان يضع في أعلى الصومعة الصليب محاطا بالنور الكهربائي ليراه الداخل إلى البلاد من بعيد فيقول: أن هذا البلد بلد مسيحي، وقد زال هذا بعد الاستقلال - والحمد لله - فهو لم ينظر إلى هذا الصنيع الذي يخالف تقاليد البلاد ووضع أمامه - فقط - صومعة الجامع، ولعله يرى فيها أنها تمثل الانحطاط والتأخر،

(1) المستدرك للحاكم ج 4 ص 86 وأحمد والترمذي.

ص: 87

في حين يرى نفسه وثقافته الأعجمية في أعلى الطبقات، أنه مغرور - والله - ومخدوع، خدعته نفسه، وغره الشيطان.

ويجب أن نلاحظ أن البعض ممن تألم مما شاهده من انحراف وخروج عن منهج الشرع والصواب - حسب إيمانه - أخذ ينبه المنحرفين إلى عواقب انحرافهم عليهم وعلى الأمة التي يعيشون في وسطها، وينور الطريق الذي أظلمه بعض من لا خلاق لهم، وأخذ يدافع عن الإسلام كيد الظلمة الكائدين للإسلام وأحكامه وأخلاقه، يدافع عن الإسلام - بحق ونزاهة - فلم يعجب هذا بعض الذين لا يرضون بالرجوع إلى الإسلام وآدابه وأحكامه.

إن ما جرى ويجري في بعض الأوطان الإسلامية يدل على ما يلقاه هؤلاء المدافعون عن الإسلام من بعض المسؤولين في حكومات تلك البلاد من التعنيف والتضييق من أجل دفاعهم عن الإسلام المعتدى عليه في بلده ووطنه، يلقون من ذلك الشيء الكثير، كما يجدون فيهم الغضب وعدم الرضى، وفي بعض الأوقات يبعدون إلى الصحراء والأماكن القاصية والقاسية، وتحاك لهم المكائد والحيل الإبليسية، ويتهمون بشتى أنواع التهم المزيفة الباطلة، كتهمة أخذ المال من دولة أجنبية، أو محاولة قلب نظام الحكم القائم في البلاد، أو الاغتيال، أو اتصاله بأسلحة من دولة أجنبية، إلى آخر ما سمعناه ونسمعه دائما مما يضحك الثكلى، كل هذا من أجل أن يجد الحاكم سندا يستند إليه في حكمه ومحاكمتهم والقائهم في غياهب السجون، ليصفو لهم الجو وليخيفوا بهم غيرهم، حتى لا يتجرأ أحد على إنكار المنكر، وتارة يعدمون أو يشنقون.

وفي نفس هذه الأوطان التي أشرنا إليها قد وجد آخرون - من الملاحدة - اتهموا بنفس التهمة من محاولة القتل أو قلب نظام الحكم، أو إدخال الأسلحة أو غيرها، لكن عند المحاكمة كانت الأحكام أشبه شيء باللعب والهزل، وذلك لأن وراءهم قوة الملاحدة والخوف من غضبهم وقوتهم، والرغبة فيما عندهم، فهل هذا تمييز عنصري أم ماذا يسمى

؟؟ من يحب الفضيلة ويعمل لها يضيق عليه في السجن أو يعدم، ومن يبث الإلحاد ويحاول إضعاف سلطة الإسلام يلقى التخفيف، والسبب في ذلك ظاهر لمن فكر قليلا، وهو القضاء على الإسلام في أشخاص الذين يدافعون عنه، واستجابة لرغبة الملاحدة في ذلك.

ص: 88

إن الهدامين للعقيدة والشريعة الإسلامية، والمخربين للأخلاق الحسنة، الجانين على الفضيلة والكرامة، إن هؤلاء مرضي عنهم، بل ويشجعون على هدمهم وتخريبهم، مع الكلمة المسموعة والاحترام، وما هذا من بشائر الخير.

إن المدافعين عن الإسلام يكفيهم - جزاء - رضى ربهم عنهم، ويكفيهم أنهم قاموا بواجب مفروض عليهم، أرضوا بعملهم ذلك ربهم، وبيضوا صحائف تاريخهم وتاريخ دينهم، ليس لهم - من وراء ذلك - مطمع دنيوي، ولا غرض دنيء يعملون من أجله، وحسبهم هذا شرفا وذكرا حسنا، ذلك أنهم في زمان قل فيه حماة الفضيلة وأنصار الحق والخير، وكثر فيه أشياع الرذيلة والباطل والشر، ولقد أحسن القائل القديم في قوله:

مررت على الفضيلة وهي تبكي

فقلت على ما تنتحب الفتاة؟

فقالت: كيف لا أبكي وأهلي

جميعا دون خلق الله ماتوا؟

إن الرضى النافع إنما هو رضى الله، والسخط المهلك إنما هو سخط الله، ومن أجل هذا يعمل العقلاء على أن ينالوا رضى ربهم ويبتعدوا - ما استطاعوا - عما يسخطه ويغضبه، أما غيرهم فإنهم يعملون مجتهدين لما يرضي المخلوق، وإن أغضبوا الخالق في سبيل ذلك.

ذكروا أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم يقول: أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي، فكتبت له:

أما بعد فإني سمعت رسول الله يقول: ((من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس)) والسلام) (1) كما جاء في حديث آخر قوله عليه الصلاة والسلام:

((من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه، وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه من أسخطه في رضاه، حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينيه)) (2).

(1) رواه الترمذي.

(2)

رواه الطبراني بسند جيد وقوي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 89