الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث قبول توبة المرتد
قال المؤلف - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: ولا تقبل توبة من سب الله أو رسوله ولا من تكررت ردته بل يقتل بكل حال.
الكلام في هذا المطلب في ثلاث مسائل هي:
1 -
قبول توبة من سب الله.
2 -
قبول توبة من سب الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 -
قبول توبة من تكررت ردته.
4 -
قبول توبة غير هؤلاء.
المسألة الأول: قبول توبة من سب الله تعالى:
وفيها فرعان هما:
1 -
أمثلة سب الله تعالى.
2 -
قبول التوبة.
الفرع الأول: أمثلة سب الله:
من أمثلة سب الله تعالى. ما يأتي:
1 -
وصف الله بالفقر، كقول اليهود:{إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} (1).
2 -
وصف الله بغِل اليد كقول اليهود: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} (2).
3 -
نفي صفات الكمال عن الله، كنفي العلم، والقدرة، والسمع، والبصر.
(1) سورة آل عمران، الآية:[181].
(2)
سورة المائدة، الآية:[64].
الفرع الثاني: قبول التوبة:
وفيه ثلاثة أمور هي:
1 -
الخلاف.
2 -
التوجيه.
3 -
الترجيح.
الأمر الأول: الخلاف:
اختلف في قبول توبة من سب الله على قولين:
القول الأول: أنها لا تقبل ويقتل ولو تاب.
القول الثاني: أنها تقبل فإذا تاب لم يقتل.
الأمر الثاني: التوجيه:
وفيه جانبان هما:
1 -
توجيه القول الأول.
2 -
توجيه القول الثاني.
الجانب الأول: توجيه القول الأول:
وجه القول بعدم قبول توبة من سب الله: بأن سب الله في الظاهر دليل على فساد الباطن وسوء الاعتقاد، وسيء الاعتقاد لا تقبل توبته.
الجانب الثاني: توجيه القول الثاني:
وجه القول بقبول توبة من سب الله تعالى بما يأتي:
1 -
قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (1).
2 -
قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (2).
(1) سورة الأنفال، الآية:[37].
(2)
سورة الزمر، الآية:[35].
3 -
ووجه الاستدلال بالآية: أنها دلت على العفو عن بعض المستهزئين بالله وبرسوله، وهذا يفيد أن توبته مقبولة؛ لأنها لو لم تكن مقبولة ما حصل العفو عنه.
الأمر الثالث: الترجيح:
وفيه ثلاثة جوانب هي:
1 -
بيان الراجح.
2 -
توجيه الترجيح.
3 -
الجواب عن وجهة القول المرجوح.
الجانب الأول: بيان الراجح:
الراجح - والله أعلم - هو القول بقبول توبة المرتد ولو كانت توبته بسب الله.
الجانب الثاني: توجيه الترجيح:
وجه ترجيح القول بقبول توبة المرتد ولو كانت ردته بسب الله أنه أظهر دليلا.
الجانب الثالث: الجواب عن وجهة القول المرجوح:
يجاب عن وجهة هذا القول: بأن الخلاف فى قبول التوبة في الدنيا وأحكام الدنيا تبنى على الظاهر؛ لأن السرائر لا يعلمها إلا الله فيرد علمها إليه.
المسألة الثانية: قبول توبة من سب الرسول صلى الله عليه وسلم:
وفيها فرعان هما:
(1) سورة التوبة، الآية:[65 - 66].
1 -
أمثلة السب.
2 -
قبول التوبة.
الفرع الأول: أمثلة السب:
من أمثلة سب الرسول صلى الله عليه وسلم ما يأتي:
1 -
وصفه بأنه شاعر.
2 -
وصفه بأنه ساحر.
3 -
وصفه بأنه كاهن.
4 -
وصفه بأنه مجنون.
5 -
وصفه بأنه كذاب.
6 -
وصفه بأنه أبتر. (ليس له عقب).
الفرع الثاني: قبول التوبة:
وفيه ثلاثة أمور هي:
1 -
الخلاف.
2 -
التوجيه.
3 -
الترجيح.
الأمر الأول: الخلاف:
اختلف في قبول توبة من سب الرسول على قولين:
القول الأول: أنها تقبل.
القول الثاني: أنها لا تقبل.
الأمر الثاني: التوجيه:
وفيه جانبان هما:
1 -
توجيه القول الأول.
2 -
توجيه القول الثاني.
الجانب الأول: توجيه القول الأول:
وجه القول بقبول توبة من سب الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي:
[أ] عموم النصوص الدالة على قبول التوبة ومنها ما يأتي:
1 -
قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (1).
2 -
قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (2).
3 -
ووجه الاستدلال بالآية: أنها دلت على العفو عن بعض المستهزئين بالله وبرسوله، وهذا يفيد أن توبته مقبولة لأنها لو لم تقبل توبته ما حصل العفو عنه.
[ب] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل التوبة ممن سبه لما أسلموا ولم يقتلهم، ولو كان يتحتم قتلهم لقتلهم ولم يقبل توبتهم.
[ج] أن الله تبارك وتعالى أعظم حرمة من الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تقدم أن توبة من سب الله مقبولة، فإذا قبلت توبة من سب الله كان قبول توبة من سب الرسول أولى.
الجانب الثاني: توجيه القول الثاني:
وجه القول بعدم قبول توبة من سب الرسول صلى الله عليه وسلم بما يأتي:
1 -
أن سب الرسول صلى الله عليه وسلم في الظاهر دليل على فساد العقيدة في الباطن، وسيء العقيدة لا تقبل توبته.
(1) سورة الأنفال، الآية:(37).
(2)
سورة الزمر، الآية:(35).
(3)
سورة التوبة، الآية:(65 - 66).
2 -
أن توبة من سب الرسول صلى الله عليه وسلم حق آدمي وحق الآدمي لا يسقط إلا بالعفو عنه، والعفو من الرسول بعد موته متعذر، فيجب استيفاؤه.
الأمر الثالث: الترجيح:
وفيه ثلاثة جوانب هي:
1 -
بيان الراجح.
2 -
توجيه الترجيح.
3 -
الجواب عن وجهة القول المرجوح.
الجانب الأول: بيان الراجح:
الراجح - والله أعلم - هو القول بعدم قبول توبة من سب الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجانب الثاني: توجيه الترجيح:
وجه ترجيح القول بعدم قبول توبة من سب الرسول صلى الله عليه وسلم للمعتدين على جناب الرسول صلى الله عليه وسلم وأكثر صيانة لعرضه من السب والتنقص.
الجانب الثالث: الجواب عن وجهة القول الأخر:
وفيه ثلاثة أجزاء هي:
1 -
الجواب عن الاستدلال بالآيات.
2 -
الجواب عن قبول الرسول صلى الله عليه وسلم توبة من سبه لما أسلموا.
3 -
الجواب عن قياس قبول توبة من سب الرسول صلى الله عليه وسلم على قبول توبة من سب الله تبارك وتعالى.
الجزء الأول: الجواب عن الاستدلال بالآيات:
أجيب عن ذلك: بأنها في حق الله سبحانه وتعالى، فلا يقاس عليها حق الآدمي كما سيأتي.
الجزء الثاني: الجواب عن قبول الرسول صلى الله عليه وسلم توبة من سبه إذا أسلم:
أجيب عن ذلك: بأن ذلك حقه فيملك إسقاطه.
الجزء الثالث: الجواب عن القياس:
أجيب عن القياس بأنه قياس مع الفارق، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن حقوق الله مبناها على العفو والمسامحة. وحقوق الآدميين مبناها على المشاحة.
الوجه الثاني: أن الله حي موجود، والرسول صلى الله عليه وسلم ميت، وقياس الميت على الحي قياس مع الفارق؛ لأن الحي يملك إسقاط حقه، بخلاف الميت فيتعذر ذلك منه.
المسألة الثالثة: قبول توبة من تكررت ردته:
وفيها ثلاثة فروع هي:
1 -
الخلاف.
2 -
التوجيه.
3 -
الترجيح.
الفرع الأول: الخلاف:
اختلف في قبول توبة من تكررت ردته على قولين:
القول الأول: أنها لا تقبل.
القول الثاني: أنها تقبل.
الفرع الثاني: التوجيه:
وفيه أمران هما:
1 -
توجيه القول الأول.
2 -
توجيه القول الثاني.
الأمر الأول: توجيه القول الأول:
وجه القول بعدم قبول توبة من تكررت ردته. بما يأتي:
1 -
أن ابن مسعود قتل ابن النواحة لما تكررت ردته ولم يقبل توبته (1).
2 -
3 -
أن من تكررت ردته لا يوثق بصدقه في توبته؛ لأنه قد يكون متلاعبا أو مظهرا للتوبة اتقاء للقتل.
4 -
أن عليا قتل الزنادقة ولم يستتبهم (3)، ولو كانت توبتهم مقبولة لاستتابهم.
الأمر الثاني: توجيه القول الثاني:
وجه القول بقبول توبة من تكررت ردته بما يأتي:
1 -
الآيات الدالة على قبول التوبة من غير تفصيل ومنها ما يأتي:
أ - قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (4).
ب - قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (5).
2 -
قصة الرجل الذي يذنب ثم يتوب، فقال الله فيه:(قد علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء)(6).
(1) سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في الرسل/ 2761.
(2)
سورة النساء، الآية:[137].
(3)
السنن الكبرى، كتاب المرتد، باب قتل من ارتد عن الإسلام 8/ 202.
(4)
سورة النساء، الآية:[137].
(5)
سورة الزمر، الآية:[53].
(6)
صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب / 2758.
فإنه صريح في قبول التوبة الصادقة ولو تكررت الردة.
الفرع الثالث: الترجيح:
وفيه ثلاثة أمور هي:
1 -
بيان الراجح.
2 -
توجيه الترجيح.
3 -
الجواب عن وجهة القول المرجوح.
الأمر الأول: بيان الراجح:
الراجح - والله أعلم - هو القول بالقبول.
الأمر الثاني: توجيه الترجيح:
وجه ترجيح القول بقبول التوبة ممن تكررت ردته: أن أدلته أقوى وأظهر.
الأمر الثالث: الجواب عن وجهة القول الآخر:
وفيه أربعة جوانب هي:
1 -
الجواب عن قتل ابن مسعود لابن النواحة.
2 -
الجواب عن الاستدلال بالآية.
3 -
الجواب عن الاحتجاج بأن التوبة مشكوك فيها.
4 -
الجواب عن قتل على للزنادقة من غير استتابة.
الجانب الأول: الجواب عن الدليل الأول:
أجيب عن قتل ابن مسعود لابن النواحة بجوابين:
الجواب الأول: أن ابن مسعود قتله لظهور كذبه في توبته؛ لأنه أظهرها ثم تبين أنه لازال على ما كان عليه من كفره.
الجواب الثاني: أنه قتله تنفيذًا لقوله صلى الله عليه وسلم: حينما جاء مع رسل مسليمة: (لولا أن الرسل لا تقتل لقتلك)(1).
الجانب الثاني: الجواب عن الاحتجاج بأن التوبة مشكوك فيها:
أجيب عن هذا الاستدلال: بأن الخلاف في قبول التوبة في الدنيا، وأحكام الدنيا تبنى على الظاهر، وليس ما في القلوب، لقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة لما قتل الرجل بعد قوله: لا إله إلا الله: (أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله). ولما قال أسامة: إنما قالها تعوذ.
قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (هلا شققت عن قلبه)(2).
الجانب الثالث: الجواب عن الدليل الثالث:
أجيب عن ذلك: بأن عليا رضي الله عنه يعلم من حالهم كذبهم في توبتهم؛ لأنهم لم يأتوا بجديد غير ما كانوا يدعونه من الإسلام وهم على خلافه.
انتهت الحدود، والحمد لله، ويليها الأطعمة بإذن الله.
(1) سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في الرسل/ 2761.
(2)
السنن الكبرى للبيهقي، كتاب المرتد، باب من ارتد عن الإسلام 8/ 196.