المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في أحكام القصاص - الملخص الفقهي - جـ ٢

[صالح الفوزان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب في أحكام البيوع

- ‌باب في بيان البيوع المنهي عنها

- ‌باب في أحكام الشروط في البيع

- ‌باب في أحكام الخيار في البيع

- ‌باب في أحكام التصرف في البيع قبل قبضه والإقالة

- ‌باب في بيان الربا وحكمه

- ‌باب في أحكام بيع الأصول

- ‌باب في أحكام بيع الثمار

- ‌باب في وضع الجوائح

- ‌باب فيما يتبع المبيع وما لا يتبعه

- ‌باب في أحكام السلم

- ‌باب في أحكام القرض

- ‌باب في أحكام الرهن

- ‌باب في أحكام الضمان

- ‌باب في أحكام الكفالة

- ‌باب في أحكام الحوالة

- ‌باب في أحكام الوكالة

- ‌باب في أحكام الحجر

- ‌باب في أحكام الصلح

- ‌باب في أحكام الجوار والطرقات

- ‌باب في أحكام الشفعة

- ‌كتاب الشركات

- ‌باب في أحكام الشراكة وأنواع الشركات

- ‌باب في أحكام شركة العنان

- ‌باب في أحكام شركة المضاربة

- ‌باب في شركة الوجوه والأبدان والمفاوضة

- ‌كتاب المساقاة والمزارعة والإجارة

- ‌باب في أحكام لبمزارعة والمساقاة

- ‌باب في أحكام الإجارة

- ‌باب في أحكام السبق

- ‌باب في أحكام العارية

- ‌باب في أحكام الغصب

- ‌باب في أحكام الإتلافات

- ‌باب في أحكام الوديع

- ‌كتاب إحياء الموات وتملّك المباحات

- ‌باب في أحكام أحياء الموات

- ‌باب في أحكام الجعالة

- ‌باب في أحكام اللقطة

- ‌باب في أحكام اللقيط

- ‌باب في أحكام الوقف

- ‌باب في أحكام الهبة والعطية

- ‌كتاب المواريث

- ‌باب في تصرفات المريض المالية

- ‌باب في أحكام الوصايا

- ‌باب في أحكام المواريث

- ‌باب في أسباب الإرث وبيان الورثة

- ‌باب في ميراث الأزواج والزوجات

- ‌باب في ميراث الآباء والأجداد

- ‌باب في ميراث الأمهات

- ‌باب في ميراث الجدة

- ‌باب في ميراث البنات

- ‌باب في ميراث الأخوات الشقائق

- ‌باب في ميراث الأخوات مع البنات وميراث الأخوة لأم

- ‌باب في التعصيب

- ‌باب في الحجب

- ‌باب في توريث الإخوة مع الجد

- ‌باب في المعادة

- ‌باب في التوريث والتقدير والاحتياط

- ‌باب في ميراث الخنثى

- ‌باب في ميراث الحمل

- ‌باب في ميراث المفقود

- ‌باب في ميراث الغرقى والهدمى

- ‌باب في التوريث بالرد

- ‌باب في ميراث ذوي الأرحام

- ‌باب في ميراث المطلقة

- ‌باب في التوارث مع اختلاف الدين

- ‌باب في حكم توريث القاتل

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب في أحكام النكاح

- ‌باب في أحكام الخطبة

- ‌باب في عقد النكاح وأركانه وشروطه

- ‌باب في الكفاءة النكاح

- ‌باب في المحرمات في النكاح

- ‌باب في الشروط النكاح

- ‌باب في العيوب في النكاح

- ‌باب في أنكحة الكفار

- ‌باب في الصداق في النكاح

- ‌باب في وليمة العرس

- ‌باب في عشرة النساء

- ‌باب فيما نفقه الزوجة وقسمها

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب في أحكام الخلع

- ‌باب في أحكام الطلاق

- ‌باب في الطلاق السني والطلاق البدعي

- ‌باب في الرجعة

- ‌باب في أحكام الإيلاء

- ‌باب في أحكام الظهار

- ‌باب في أحكام اللعان

- ‌باب في أحكام لحوق النسب وعدم لحوقه

- ‌باب في أحكام العدة

- ‌باب في الاستبراء

- ‌باب في أحكام الرضاع

- ‌باب في أحكام الحضانة

- ‌باب في موانع الحضانة

- ‌باب في نفقة الزوجة

- ‌باب في نفقة الأقارب والمماليك

- ‌كتاب القصاصات والجنايات

- ‌باب في أحكام القتل وأنواعه

- ‌باب في أحكام القصاص

- ‌باب في القصاص في الأطراف

- ‌باب في القصاص من الجماعة للواحد

- ‌باب في أحكام الديات

- ‌باب في مقادير الديات

- ‌باب في ديات الأعضاء والمنافع

- ‌باب في أحكام الشجاج وكسر العظامد

- ‌باب في كفارة القتل

- ‌باب في أحكام القسامة

- ‌كتاب الحدود والتعزيرات

- ‌باب في أحكام الحدود

- ‌باب في حد الزنى

- ‌باب في حد القذف

- ‌باب في حد المسكر

- ‌باب في أحكام التعزير

- ‌باب في حد السرقة

- ‌باب في حد قطاع الطريق

- ‌باب في قتال أهل البغي

- ‌باب في أحكام الردة

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب في أحكام الأطعمة

- ‌باب في أحكام الذكاة

- ‌باب في أحكام الصيد

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌باب في أحكام الأيمان

- ‌باب في كفارة اليمين

- ‌باب في أحكام النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب في أحكام القضاء في الإسلام

- ‌باب في آداب القاضي

- ‌باب في طريق الحكم وصفته

- ‌باب في شروط الدعوى

- ‌باب في القسمة بين الشركاء

- ‌باب في بيان الدعاوى والبينات

- ‌باب في الشهادات

- ‌باب في كتاب القاضي إلى القاضي والشهادة على الشهادة ورجوع الشهود

- ‌باب في اليمين الدعاوى

- ‌باب في أحكام الإقرار

الفصل: ‌باب في أحكام القصاص

‌باب في أحكام القصاص

أجمع العلماء على مشروعية القصاص في القتل العمد إذا توفرت شروطه؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} ، وقوله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ، وهذا في شريعة التوراة وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وقال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

قال الإمام الشوكاني رحمه الله: "أي: لكم في هذا الحكم الذي شرعه الله لكم حياة؛ لأن الرجل إذا علم أنه يقتل قصاصا إذا قتل آخر؛ كف عن القتل؛ وانزجر عن التسرع إليه والوقوع فيه، فيكون ذلك بمنزلة الحياة للنفوس الإنسانية، وهذا نوع من البلاغة بليغ، وجنس من الفصاحة رفيع؛ فإنه جعل القصاص الذي هو موت حياة باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضا؛ إبقاء على أنفسهم، واستدامة لحياتهم، وجعل هذا الخطاب موجها إلى أولي الألباب؛ لأنهم هم الذين ينظرون في العواقب، ويتحامون ما فيه الضرر الآجل، وأما من كان مصابا بالحمق والطيش والخفة؛ فإنه لا ينظر عند سورة غضبه وغليان مراجل طيشه إلى عاقبة، ولا يفكر في أمر مستقبل؛ كما قال بعض فتاكهم:

ص: 471

سأغسل عني العار بالسيف جالبا

عليَّ قضاء الله ما كان جالبا

ثم علل سبحانه هذا الحكم الذي شرعه لعباده بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أن: تتحامون القتل بالمحافظة على القصاص، فيكون ذلك سببا للتقوى

" انتهى.

وجاءت السنة النبوية بأن ولي القصاص يخير بين استيفائه، وبين العفو إلى أخذ الدية، أو العفو مجانا، وهو أفضل؛ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من قتل له قتيل؛ فهو بخير النظرين: إما أن يودى، وإما أن يقاد"، رواه الجماعة إلا الترمذي.

وقال الله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} .

فدلت الآية الكريمة والحديث على أن الولي يخير بين القصاص والدية، فإن شاء؛ اقتص وإن شاء؛ أخذ الدية، وعفوه مجانا أفضل؛ لقوله تعالى:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ، ولحديث أبي هريرة:"ما عفا رجل عن مظلمة؛ إلا زاده الله بها عزًا"، رواه أحمد ومسلم والترمذي.

ص: 472

فالعفو عن القصاص أفضل ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة؛ فقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن العفو لا يصلح في قتل الغيلة؛ لتعذر الاحتراز منه؛ كالقتل مكابرة، وذكر القاضي وجها أن قاتل الأئمة يقتل حدّاً لأن فساده عام.

وذكر العلامة ابن القيم على قصة العرنيين: "أن قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدّاً؛ فلا يسقطه العفو، ولا تعتبر فيه المكافأة، وهو مذهب أهل المدينة، وأحد الوجهين في مذهب أحمد، واختيار الشيخ، وأفتى به رحمه الله

" انتهى.

ولا يستحق ولي القتيل القصاص؛ إلا بتوفر شروط أربعة:

أحدهما: عصمة المقتول؛ بأن لا يكون مهدر الدم؛ لأن القصاص شرع لحقن الدماء، ومهدر الدم غير محقون، فلو قتل مسلم كافرًا حربيا أو مرتدًا قبل توبته أو قتل زانيا؛ لم يضمنه بقصاص، ولا دية لكنه يعزر لافتياته على الحاكم.

الثاني: أن يكون القاتل بالغا عاقلاً؛ لأن القصاص عقوبة مغلطة، لا يجوز إيقاعها على الصغير والمجنون؛ لعدم وجود القصد منهما، أو لأنه ليس لهما مقصود صحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق".

قال الإمام موفق الدين ابن قدامة: "لا خلاف بين أهل العلم في أنه

ص: 473

لا قصاص على صبي ولا مجنون، وكذلك كل زائل العقل بسبب يعذر فيه؛ كالنائم والمغمى عليه".

الشرط الثالث: المكافأة بين المقتول وقاتله حال جنايته؛ بأن يساويه في الدين والحرية والرق؛ فلا يكون القاتل أفضل من المقتول بإسلام أو حرية:

فلا يقتل مسلم بكافر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يقتل مسلم بكافر"، رواه البخاري وأبو داود.

ولا يقتل حر بعبد؛ لما رواه أحمد عن علي رضي الله عنه: "من السنة ألا يقتل حر بعبد".

ولأن المجني عليه إذا لم يكن مساويا للقاتل فيما ذكر؛ كان أخذه به أخذ الأكثر من الحق.

ولا يؤثر التفاضل بين الجاني والمجني عليه في غير ما ذكرن فيقتل الجميل بالدميم، والشريف بضده، والكبير بالصغير، ويقتل الذكر بالأنثى، والصحيح بالمجنون والمعتوه؛ لعموم قوله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ، وقوله تعالى:{الْحُرُّ بِالْحُرّ} .

ص: 474

الشرط الرابع: عدم الولادة؛ بأن لا يكون المقتول ولدًا للقاتل ولا لابنه وإن سفل، ولا لبنته وإن سفلت؛ فلا يقتل أحد الأبوين وإن علا بالولد وإن سفل؛ لقولهصلى الله عليه وسلم:"لا يقتل والد بولده".

قال ابن عبد البر: "هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم...." انتهى.

وبهذا الحديث ونحوه تخص العمومات الواردة بوجوب القصاص، وهو قول جمهور أهل العلم.

ويقتل الولد بكل من الأبوين؛ لعموم قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} ، وإنما خص منه الوالد إذا قتل ولده بالدليل.

فإذا توافرت هذه الشروط الأربعة؛ استحق أولياء القتيل القصاص.

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ؛ فتبّا لقوم يقولون: إن القصاص وحشية وقسوة، وهؤلاء لم ينظروا إلى وحشية الجاني حين إقدامه على قتل البريء، ووإقدامه على بث الرعب في البلد، وإقدامه على ترميل النساء وتيتيم الأطفال وهدم البيوت، هؤلاء يرحمون المعتدي ولا يرحمون البريء؛ فتبا لعقولهم، وتبّا لقصورهم، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} .

ص: 475

والقصاص هو فعل مجني عليه أو فعل وليه بجان مثل فعله أو شبهه، وحكمته التشفي وبرد حرارة الغيظ؛ فقد شرع الله القصاص زجرًا عن العدوان، واستدراكا لما في النفوس، وإذاقة للجاني ما أذاقه المجني عليه، وفيه بقاء وحياة النوع الإنساني.

وكانت الجاهلية تبالغ في الانتقام، وتأخذ في الجريمة غير المجرم، وهذا جور لا يحصل به المقصود، بل هو زيادة فتنة وإطاشة للدماء، وقد جاء دين الإسلام وشريعته الكاملة بتشريع القصاص وإيقاع العقاب بالجاني وحده؛ فحصل بذلك العدل والرحمة وحقن الدماء.

وقد سبق بيان شرط وجوب القصاص، لكن تلك الشروط لو توفرت ووجب القصاص؛ فإنه لا يجوز تنفيذه؛ إلا بعد توفر شروط أخرى ذكرها الفقهاء رحمهم الله، وسموها:

شروط استيفاء القصاص، وهي ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون مستحق القصاص مكلفا؛ أي: بالغا عاقلاً، فإن كان مستحق القصاص أو بعض مستحقيه صبيا أو مجنونا؛ لم يستوفه لهما وليهما؛ لأن القصاص لما فيه من التشفي والانتقام ولا يحصل ذلك لمستحقه باستيفاء غيره؛ فيجب الانتظار في تنفيذ القصاص، ويحبس الجاني إلى حين بلوغ الصغير وإفاقة المجنون من مستحقيه؛ لأن معاوية حبس هدبة بن خشرم في قصاص، حتى بلغ ابن القتيل، وكان ذلك في عصر الصحابة، لم ينكر، فكان إجماعا من الصحابة الذين في عصر معاوية. رضى الله عنه

ص: 476

فإن احتاج الصغير أو المجنون من أولياء القصاص إلى نفقة؛ فلولي المجنون فقط العفو إلى الدية؛ لأن المجنون لا يدري متى يزول بخلاف الصبي.

الشرط الثاني: اتفاق الأولياء والمشتركين في القصاص على استيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به دون البعض الآخر؛ لأن الاستيفاء حق مشترك، لا يمكن تبعيضه، فإذا استوفى بعضهم؛ كان مستوفيا لحق غيره بغير إذنه، ولا ولاية عليه.

وإن كان من بقي من الشركاء في استحقاق القصاص غائبا أو صغيرًا أو مجنونا؛ انتظر قدوم الغائب وبلوغ الصغير وعقل المجنون منهم.

ومن مات من مستحقي القصاص؛ قام وارثه مقامه.

وإن عفا بعض المشتركين في استحقاق القصاص؛ سقط القصاص.

ويشترك في استحقاق القصاص جميع الورثة بالنسب والسبب: الرجال والنساء، الكبار والصغار، وقال بعض العلماء: إن العفو يختص بالعصبة فقط، وهو قول الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.

الشرط الثالث: أن يؤمن الاستيفاء أن يتعدى إلى غير الجاني؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} .

فإذا أفضى القصاص إلى التعدي؛ فهو إسراف، وقد دلت الآية الكريمة على المنع منه، فإذا وجب على حامل أو من حملت بعد وجوب القصاص عليها؛ لم تقتل حتى تضع ولدها؛ لأن قتلها يتعدى إلى الجنين، وهو بريء، وقد قال الله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ،

ص: 477

ثم بعد وضعه: إن وجد من يرضعه؛ أعطي لمن يرضعه، وقتلت؛ لزوال المانع من القصاص؛ لقيام غيرها مقامها في إرضاع الولد، وإن لم يوجد من يرضعه؛ تركت حتى تفطمة لحولين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا قتلت المرأة عمدًا؛ لم تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملاً، وحتى تكفل ولدها، وإذا زنت؛ لم ترجم حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملاً، وحتى تكفل ولدها"، رواه ابن ماجه، ولقوله صلى الله عليه وسلم للمرأة المقرة بالزنى:"ارجعي حتى تضعي ما في بطنك"، ثم قال لها:"ارجعي حتى ترضعيه".

فدل الحديثان والآية على تأخير القصاص من أجل الحمل، وهو إجماع، وهذا يدل على كمال هذه الشريعة وعدالتها، حيث راعت حق الأجنة في البطون، فلم تجز فلم تجز إلحاق الضرر بهم، وراعت حق الأطفال والضعفة، فدفعت عنهم الضرر، وكفلت لهم ما يبقي عليهم حياتهم؛ فلله الحمد على هذه الشريعة السمحاء الكاملة الشاملة لمصالح العباد.

وإذا أريد تنفيذ القصاص؛ فلا بد أن يتم تنفيذ بإشراف الإمام أو نائبه؛ ليمنع الجور في تنفيذه، ويلزم بالوجه الشرعي في ذلك.

ويشترط في الآلة التي ينفذ بها القصاص أن تكون ماضية؛ كسيف وسكين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة".

ويمنع استيفاء القصاص بآلة كالة؛ لأن ذلك إسراف في القتل.

ص: 478

ثم إن كان الولي يحسن الاستيفاء على الوجه الشرعي، وإلا؛ أمره الحاكم أن يوكل من يقتص له.

والصحيح من قولي العلماء أنه يفعل بالجاني كما فعل بالمجني عليه؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ، وقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر برض رأس يهودي لرضه رأس جارية من الأنصار.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "والكتاب والميزان على أنه يفعل بالجاني كما فعل بالمجني عليه، كما فعل صلى الله عليه وسلم، وقد اتفق على ذلك الكتاب والسنة وآثار الصحابة

" انتهى.

فعلى هذا؛ لو قطع يديه، ثم قتله؛ فعل به ذلك، وإن قتله بحجر أو غ قه أو غير ذلك؛ فعل به مثل ما فعل، وإن أراد ولي القصاص أن يقتصر على ضرب عنقه بالسيف؛ فله ذلك، وهو أفضل، وإن قتله بمحرم؛ تعين قتله بالسيف، ومثل قتل السيف في الوقت الحاضر قتله بإطلاق الرصاص عليه ممن يحسن الرمي.

ص: 479