الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في ميراث الأخوات مع البنات وميراث الأخوة لأم
إذا وجد بنت فأكثر مع أخت شقيقة أو لأب فأكثر؛ فإن الموجود من البنات واحدة فأكثر يأخذ نصيبه، ثم إن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين يرون أن أخوات من الأبوين أو من الأب يكنَّ عصبة مع البنات "وهو ما يسمى الفرضيين بالتعصيب مع الغير"، فيأخذن ما فضل عن نصيب الموجود من البنات أو بنات الابن؛ بدليل الحديث الذي رواه البخاري وغيره:"أن أبا موسى سئل عن ابنة وبن ابن وأخت؟ فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وقال للسائل: ائت ابن مسعود. فسئل ابن مسعود، وأخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم للبنت النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقى فللأخت"؛ ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي بعد فرضها وفرض ابنة الابن.
ويرث الواحد من الأخوة لأم السدس، سواء كان ذكرًا أم أنثى، ويرث الاثنتين فأكثر منهم الثلث بينهم بالسوية الذكر والأنثى سواء؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُث} ، وقد أجمع العلماء على أن المراد بالأخوة في هذه الآية الكريمة الأخوة لأم، وقرأها ابن مسعود وسعد ابن أبي وقاص:"وله أخ أو أخت من أم".
وقد ذكرهم الله تعالى: من غير تفصيل؛ فاقتضى ذلك تسوية الأنثى بالذكر منهم.
قال الإمام ابن القيم: "وهو القياس الصحيح والميزان الموافق لدلالة القرآن وفهم أكابر الصحاب".
ويشترط لاستحقاق ولد الأم السدس ثلاث شروط:
الشرط الأول: عدم الفرع الوارث.
الشرط الثاني: عدم الأصل من الذكور الوارثين.
الشرط الثالث: انفراده.
ويشترط لاستحقاق الأخوة لأم الثلث ثلاثة شروط.
الشرط الأول: أن يكونوا اثنين فأكثر؛ ذكرين كانوا أو أنثيين أو ذكر وأنثى أو أكثر من ذلك.
الشرط الثاني: عدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا.
الشرط الثالث: عدم الأصل من الذكور الوارثين وهو الأب والجد من قبله.
ويختص الأخوة لأم بأحكام خمسة:
الحكم الأول والثاني: أنه لا يفضل ذكرهم على أنثاهم في الميراث اجتماعا وانفرادًا؛ لقوله في حالة الانفراد: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد مهما السدس} ، وقوله تعالى في حالة الاجتماع:{فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُث} .
والكلالة في قول الجمهور: من ليس له ولد ولا والد، فشرط توريثهم عدم الولد والوالد، والولد يشمل الذكر والأنثى، والوالد يشمل الأب والجد وفي قوله تعالى:{فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُث} دليل على عدم تفضيل ذكرهم على أنثاهم؛ لأن الله سبحانه شرك بينهم في الاستحقاق، والتشريك إذا أطلق اقتضى المساواة.
والحكمة في ذلك والله أعلم أنهم يرثون بالرحم المجرد؛ فالقرابة التي يرثون بها قرابة أنثى فقط، وهم فيها سواء؛ فلا معنى لتفضيل ذكرهم على أنثاهم؛ بخلاف قرابة الأب.
الحكم الثالث: أن ذكرهم يدلي بأنثى ويرث؛ بخلاف غيرهم؛ فإنه إذا أدلى بأنثى لا يرث؛ كابن البنت.
الحكم الرابع: أنهم يحجبون من أدلوا به نقصانا؛ أي: أن الأم التي أدلوا بها تُحجَب بهم من الثلث إلى السدس؛ بخلاف غيرهم؛ فإن المدلى به يحجب المدلي.
الحكم الخامس: أنهم يرثون مع من أدلوا به؛ فإنهم يرثون مع الأم التي أدلوا بها، وغيرهم لا يرث مع من أدلى به كابن الابن؛ فإنه لا يرث مع الابن، وهذا تشاركهم فيه الجدة أم الأب وأم الجد؛ فإنها تدلي بابنها وترث معه، والتحقيق أن الواسطة لا تحجب من أدلى بها؛ إلا إذا كان يخلفها بأخذ نصيبها، أما إذا كان لا يأخذ نصيبها فإنها لا تحجبه؛ كما هو الشأن في الأخوة لأم؛ فإنهم لا يأخذون نصيب الأم عند عدمها، والجدة أم الأب وأم الجد لا تأخذان نصيبها وإنما يرثان بالأمومة خلفا عن الأم، والله أعلم.