الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطلاق
باب في أحكام الخلع
الخلع: فراق الزوج لزوجته بعوض بألفاظ مخصوصة، سمي بذلك لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج كما تخلع اللباس؛ لأن كلا من الزوجين لباس للآخر؛ قال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} .
فمن المعلوم أن الزواج ترابط بين الزوجين وتعاشر بالمعروف، ينتج عنه بناء أسرة جيل؛ قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} ، فإذا لم يتحقق هذا المعنى من الزواج؛ بحيث لم توجد المودة من الطرفين، أو لم توجد من الزوج وحده؛ ساءت العشرة، وتعسر العلاج؛ فإن الزوج مأمور بتسريح الزوجة بإحس ان؛ قال تعالى:{إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان} ، قال تعالى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} ، وأما إذا وجدت المحبة من جانب الزوج، ولم توجد من جانب الزوجة؛ بأن كرهت زوجها، أو كرهت خلقه، أو كرهت نقص دينه، أو خافت إثم ابترك حقه؛ فإنه في هذه الحالة يباح لها أن تطلب فراقه على
عوض يبذله له تفيدي به نفسها؛ لقوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه} ؛ أي: إذا علم الزوج أو الزوجة أنهما إذا بقيا على الزوجية لا يؤدي كل واحد منهما الواجب عليه نحو الآخر، فيحصل من جراء ذلك أن يعتدي الزوج على زوجته، أو تخاف المرأة أن تعضي زوجها؛ فلا حرج على الزوجة أن تفتدي نفسها من الزوج بعوض، ولا حرج على الزوج في أخذ ذلك العوض، ويخلي سبيلها.
وحكمة ذلك: أن الزوجة تتلخص من زوجها على وجه لا رجعة فيه؛ ففيه حل عادل للاثنين، ويسن للزوج أن يجبيها حينئذ، وإن كان الزوج يحبها؛ استحب لها أن تصبر ولا تفتدي منه.
والخلع مباح إذا توفر سببه الذي أشارت إليه الآية الكريمة، وهو خوف الزوجين إذا بقيا على النكاح أن لا يقيما حدود الله، وإذا لم يكن هناك حاجة للخلع؛ فإنه يكره، وعند بعض العلماء أنه في هذه الحال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس؛ فحرام عليها رائحة الجنة"، رواه الخمسة إلا النسائي.
قال الشيخ تقي الدين: "الخلع الذي جاءت به السنة أن تكون المرأة مبغضة للرجل، فتفتدي نفسها منه كالأسير".
وإن كان الزوج لا يحبها، ولكنه يمسكها لغرض أن وتفتدي
منه؛ فإنه يكون بذلك ظالم الها، ويحرم عليه أخذ العوض منها، ولا يصح الخلع؛ لقوله تعالى:{وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنّ} ؛ أي: لا تضاروهن في العشرة لتترك بعض ما أصدقت أو كله أو تترك حق امن حقوقها التي لها على زوجها؛ إلا إذا كان عضله لها في تلك الحال لكونها غير عفيفة من الزنى، ففعل ذلك ليسترجع منها الصداق الذي أعطاها؛ جاز له ذلك؛ لقوله تعالى:{إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} ؛ قال ابن عباس في معنى الآية: "هذا في الرجل تكون له المرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر، فيضرها لتفتدي به، فنهى تعالى عن ذلك، ثم قال: {إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} ؛ يعني: الزنى؛ فله أن يسترجع منها الصداق الذي أعطاها، ويضاجرها حتى تتركه له، ويخالعها".
والدليل على جواز المخالعة عند حصول السبب المسوغ لها: الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب؛ فالآية التي أسلفنا تلاوتها، وهي قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ} .
وأما السنة؛ ففي "الصحيح" أن امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه قالت: يا رسول الله! ما أعيب من دين ولا خلق، ولكن أكره الكفر في الإسلام "أي: كفران العشير المنهي عنه والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له"، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته؟ "
قالت: نعم، فقال رسول الله صلى عليه وسلم:"أقبل الحديقة وطلقها تطليقة" وأمره بفراقها. رواه البخاري.
وأما الإجماع؛ فقد قال ابن عبد البر: "لا نعلم أحدًا خالف في ذلك إلا المزني؛ فإنه زعم أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} ".
ويشترط لصحة الخلع: بذل عوض ممن يصح تبرعه، وأن يكون صادرًا من زوج يصح طلاقه، وأن لا يعضلها بغير حق حتى تبذله، وأن يكون بلفظ الخلع، أما كان بلفظ الطلاق، أو بلفظ كناية الطلاق مع نيته؛ فهو طلاق، ولا يملك رجعتها، لكن له أن يتزوجها بعقد جديد، ولو لم تنكح زوج اغيره، إذا لم يسبقه من الطلاق ما يصير به ثلاث ا، أما إن وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو الفداء، ولم ينوه طلاق ا؛ كان فسخ ا، لا ينقص به عدد الطلاق، ورد ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، واحتج بقوله تعالى:{الطلاق مرتان} ، ثم قال تعالى:{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ} ، ثم قال تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَه} ؛ فذكر تطليقتين، ثم ذكر الخلع، ثم ذكر تطليقة بعده، فلو كان الخلع طلاق ا؛ لكان رابع، والله أعلم.