الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فيما نفقه الزوجة وقسمها
المرأة إذا سافرت بلا إذن زوجها أو سافرت بإذنه لحاجتها الخاصة بها؛ فإنه يسقط حقها عليه من قسم ونفقة؛ لأنها إن كان سفرها بغير إذنه؛ فهي عاصية كالناشز، وإن سفرها بإذنه لحاجتها الخاصة؛ فقد تعذر على زوجها الاستمتاع بها لسبب من جهتها.
ومن ذلك أنه لو أرادها أن تسافر معه، فأبت ذلك؛ فلا نفقة لها؛ لأنها عاصية بذلك.
ومن ذلك أنها إن امتنعت من المبيت معه في فراشه؛ سقط حقها عليه من النفقه والقسم أيضا؛ لأنها بذلك تون عاصية كالناشز.
ويحرم على الزوج أن يدخل على زوجة زوجاته في ليلة ليست لها؛ إلا لضرورة، وكذا في نهارها؛ إلا لحاجة.
ومن وهبت قسمها لضرتها بإذن الزوج أو وهبته للزوج فجعله لزوجة أخرى؛ ذلك؛ لأن الحق في ذلك لهما، وقد رضيا بتلك الهبة، وقد وهبت سودة رضي الله عنها قسمها لعائشة رضي الله عنها، فكان
النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لها يومين، وإذا الواهبة وطالبت بقسمها؛ قسم لها الزوج في المستقبل.
ويجوز للزوجة أن تسامح زوجها عن حقها في القسم والنفقة ليمسكها وتبقى في عصمته؛ لقوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} ؛ قالت عائشة رضي الله عنها: "هي المرأة تكون عند الرجل، لا يستكثر منها، فيريد طلاقها، تقول: أمسكني ولا تطلقني، وأنت في حل من النفقة علي والقسم"، وسودة حين أسنت وخشيت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالت:"يومي لعائشة رضي الله عنها ".
ومن تزوج بكرًا ومعه غيرها؛ أقام عندها سبعا، ثم دار على نسائه بعد السبع، ولا يحتسب عليها تلك السبع، وإن تزوج ثيبا؛ أقام عندها ثلاثا، ثم دار على نسائه، ولا يحتسب عليها تلك الثلاث؛ لحديث أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه:"من السنة إذا تزوج البكر على الثيب؛ أقام عندها سبعا وقسم، وإذا تزوج الثيب؛ أقام عندها ثلاثا ثم قسم".
قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الشيخان.
وإن أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعا؛ فعل، وقضى مثلهن للبواقي من ضراتها، ثم بعد ذلك يبتدئ القسم عليهن ليلة ليلة، وذلك لحديث أم سلمة رضي الله عنها؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها؛ أقام عندها ثلاثة أيام، وقال:"إنه ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت؛ سبعت لك، وإن سبعت لك؛ سبعت لنسائي"، رواه أحمد ومسلم وغيرهما.
ومما يتعلق بهذا الموضوع مبحث النشوز، وهو معصية الزوجة لزوجها فيما يجب عليها له، مأخوذ من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض، فكأنها ارتفعت وتعالت عما عليها من المعاشرة بالمعروف.
ويحرم على الزوجة فعل ذلك من غير مبرر، فإذا ظهر للزوج من زوجته شيء من علامات النشوز، كأن لا تجيبه إلى الاستمتاع، أو تتثاقل إذا طلبها؛ فإنه عند ذلك يعظها ويخوفها بالله ويذكرها بحقه عليها وما عليها من الإثم إذا خالفته، فإن أصرت على النشوز بعد الوعظ؛ فإنه يهجرها في المضجع بأن يترك مضاجعتها ولا يكلمها مدة ثلاثة أيام، فإن أصرت بعد الهجر؛ فإنه يضربها ضربا غير مبرح "أي: غير شديد"؛ لقوله تعالى: {وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ} .
وإذا ادعى كل من الزوجين ظلم الآخر له، وتعذر الإصلاح بينهما؛ فإن الحاكم يبعث حكمين عدلين من أهلهما؛ لأن الأقارب أخبر بالعلل الباطنة وأقرب إلى الأمانة والنظر في المصلحة، وعليهما أن ينويا الإصلاح؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} ، والحكمان يفعلان الأصلح من جميع وتفريق بعوض أو عوض، وما انتهيا إليه؛ عمل به؛ حلا للإشكال. والله أعلم.