الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في أحكام الضمان
ومن التوثيقات الشرعية للديون الضمان، وهو مأخوذ من الضمن؛ لأن ذمة الضامن صارت في ضمن ذمة المضمون عنه، وقيل: مشتق من التضمن؛ لأن ذمة الضمان تتضمن الحق المضمون، وقيل: مشتق من الضم؛ لضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق فيثبت الحق في ذمتيهما جميعا.
ومعنى الضمان شرعا: التزام ما وجب على غيره، مع بقائه على مضمون عنه، والتزام ما قد يجب أيضا؛ كأن يقول: ما أعطيت فلانا؛ فهو علي.
والضمان جائز بالكتاب والسنة والإجماع:
قال تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} ؛ أي: ضامن.
وروى الإمام الترمذي مرفوعاً: "الزعيم غارم أي ضامن
وقد أجمع العلماء على جواز الضمان في الجملة.
والمصلحة تقتضي ذلك، بل قد تدعو الحاجة والضرورة إليه، وهو من التعاون على البر والتقوى، ومن قضاء حاجة المسلم، وتنفيس كربته.
ويشترط لصحته: أن يكون الضامن جائز التصرف؛ لأنه تحمل مال؛ فلا يصح من صغير ولا سفيه محجور عليه، ويشترط رضاه أيضا، فإن أكره على الضمان؛ لم يصح لأن الضمان تبرع بالتزام الحق، فاعتبر له الرضى كالتبرع بالأموال.
والضمان عقد يقصد به نفع المضمون وإعانته؛ فلا يجوز أخذ العوض عليه، ولأن أخذ العوض عليه، ولأن أخذ العوض على الضمان يكون كالقرض الذي جر نفعا؛ فالضمان يلزم أداء الدين عن المضمون عند مطالبته بذلك، فإذا أداه للمضمون له؛ فإنه سيسترده من المضمون عنه على صفة القرض، فيكون قرضا جر نفعا، فيجب الابتعاد عن مثل هذا، وأن يكون الضمان مقصودًا به التعاون والإرفاق، لا الاستغلال وإرهاق المحتاج.
ويصح الضمان بلفظ: أنا ضمين، أو: أنا قبيل، أو: أنا حميل، أو: أنا زعيم، وبلفظ: تحملت دينك، أو: ضمنته، أو: هو عندي، وبكل لفظ يؤدي معنى الضمان؛ لأن الشارع لم يحد ذلك بعبارة معينة، فيرجع فيه إلى العرف.
ولصاحب الحق أن يطالب من شاء من الضامن أو المضمون؛ لأن حقه ثابت في ذمتهما؛ فملك مطالبة من شاء منهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم:
"الزعيم غارم"، رواه أبو دواد والترمذي وحسنه، الزعيم هو الضامن، والغارم معناه الذي يؤدي شيئا لزمه، وهذا قول الجمهور.
وذهب بعض العلماء إلى أن صاحب الحق لا يجوز له مطالبة الضامن؛ إلا إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه؛ لأن الضمان فرع، ولا يصار إليه إلا إذا تعذر الأصل، لأن الضمان توثيق للحق كالرهن لا يستوفى منه الحق إلا عند تعذر الاستيفاء من الراهن، ولأن مطالبة الضامن مع وجود المضمون عنه ويسرته فيها استقباح من الناس؛ لأن المعهود عندهم أنه لا يطالب لضامن إلا عند تعذر مطالبة المضمون عنه أو عجزه عن التسديد، هذا هو المتعارف عند الناس. هذا معنى ما ذكره الإمام ابن القيم، وقال:"هذا القول في القوة كما ترى".
ومن مسائل الضمان أن ذمة الضامن لا تبرأ إلا إذا برئت ذمة المضمون عنه من الدين بإبراء أو قضاء؛ لأن ذمة الضامن فرع عن ذمة المضمون وتبع لها، ولأن الضمان وثيقة، فإذا برئ الأصل؛ زالت الوثيقة؛ كالرهن.
ومن مسائل الضمان أنه يجوز تعدد الضامنين، فيجوز أن يضمن الحق اثنان فأكثر، سواء ضمن كل واحد منهما جميعه أو جزءًا منه، ولا يبرأ أحد منهم إلا ببراءة الآخر، ويبرؤون جميعا ببراءة المضمون عنه.
ومن مسائل الضمان أنه لا يشترط في صحته معرفة الضامن للمضمون عنه، كأن يقول: من استدان منك؛ فأنا ضمين، ولا يشترط معرفة الضامن للمضمون له؛ لا يشترط رضى المضمون له والمضمون عنه؛ فلا يشترط معرفتهما.
ومن مسائل الضمان أنه يصح ضمان المعلوم وضمان المجهول إذا كان يؤول إلى العلم؛ لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} ؛ لأن حمل البعير غير معلوم؛ لكنه يؤول إلى العلم، فدلت الآية على جوازه.
ومن مسائل الضمان أنه يصح عهدة المبيع العهدة هي الدرك؛ بأن يضمن الثمن إذا ظهر المبيع مستحقا لغير البائع.
ومن مسائل الضمان أنه يجوز ضمان ما يجب على الشخص؛ كأن يضمن ما يلزم من دين ونحوه.