الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في حكم توريث القاتل
قد تتوفر أسباب الإرث، ولكنه لا يتحقق لمانع عارض هذه الأسباب فمنع من تحقق مقتضاها.
وموانع الإرث كثيرة، منها قتل الوارث لمورثه، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:" ليس لقاتل ميراث"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يرث القاتل شيئا"، ولأجل سد الذريعة؛ لأن الوارث قد يحمله حب المال على قتل مورثه لأجل الحصول على ماله، والقاعدة المعروفة أن من تعجل شيئا قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه.
وحرمان القاتل الميراث مجمع عليه بين أهل العلم في الجملة، وإن اختلفوا في تحديد نوعية القتل الذي منع من الإرث:
والصحيح من مذهب الشافعي رحمه الله أن القاتل لا يرث
بحال، أيّاً كان نوع القتل؛ لعموم قولهصلى الله عليه وسلم:"لا يرث القاتل شيئا"، ولأن القاتل حرم الميراث لئلا يجعل القتل ذريعة إلى استعمال الميراث، فوجب أن يحرم بكل حال؛ لحسم الباب. فعلى هذا لا يرث كل من له دخل في القتل، ولو كان بحق؛ كالمقتص، ومن حكم بالقتل؛ كالقاضي، وكذا الشاهد، وحتى لو كان القتل بغير قصد؛ كالقتل الذي يحصل من نائم ومجنون وطفل، وكذا لو كان القتل ناتجا عن فعل مأذون فيه شرعا؛ كالمؤدب والمداوي إذا ترتب على التأديب والعلاج موت المؤدَّب والمعاالَج.
وذهب الحنابلة إلى أن القتل الذي يمنع الإرث هو القتل بغير حق، وهو ما وجب ضمانه بقود أو دية أو كفارة؛ كالقتل العمد وشبه العمد والخطأ وما جرى مجراه كالقتل بالسبب والقتل من الصبي والمجنون والنائم، وما ليس بمضمون بشيء مما ذكر؛ فإنه لا يمنع الميراث؛ كالقتل قصاصا أو حدّاً أو دفعا عن النفس أو كان القاتل عادلاً المقتول باغيا أو كان القتل ناتجا عن فعل مأذون به شرعا؛ كالتأديب والعلاج.
وكذا مذهب الحنفية؛ إلا أنهم اعتبروا القتل بالتسبب لا يمنع الميراث؛ كما لو حفر بئرًا أو وضع حجرًا في الطريق، فانقتل بذلك مورثه، وكذا القتل بغير قصد لا يمنع الميراث؛ كالقتل من الصبي والمجنون.
وعند المالكية أن القاتل له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون قبل مورٍّثه عمدًا عدوانا؛ ففي هذه الحالة لا يرث من مال مورثِّه ولا من ديته.
الحالة الثانية: أن يكون قتل مورثه خطأ؛ ففي هذه الحالة يرث من ماله، ولا يرث من ديته، ووجه توريثه من المال عندهم في هذه الحالة أنه لم يتعجله بالقتل، ووجه كونه لم يرث من الدية؛ لأنها واجبة عليه، ولا معنى لكونه يرث من شيء يجب عليه.
وباستعراض هذه الأقوال نجد القول الوسط منها، وهو أن القتل الذي يوجب الضمان على القاتل يمنع الميراث، والقتل الذي لا يوجب الضمان على القاتل لا يمنع الميراث؛ كما قال به الحنابلة والحنفية؛ لأن ما أوجب الضمان يكون القاتل لا يمنع الميراث؛ كما قال به الحنابلة والحنفية؛ لأن ما أوجب الضمان يكون القاتل فيه غير معذور ومتحملاً لمسؤوليته، فيترتب على ذلك حرمانه من الميراث، وما لا يوجب الضمان يكون القاتل معذورًا فيه وغير متحمل لمسؤوليته؛ فلا يمنعه من الميراث، ولو عملنا بقول الشافعية، فجعلنا كل قتل يمنع الميراث؛ لكان ذلك سببا لعدم إقامة الحدود الواجبة ولعدم استيفاء الحقوق كالقصاص ونحوه.
فعلى هذا يكون عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس للقاتل ميراث": مخصوص بما إذا كان القتل بغير حق وغير مضمون.