الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الرجعة
الرجعة: إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد
ودليلها: الكتاب، والسنة، وإجماع أهل العلم.
أما الكتاب؛ ففي قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} ، وقوله تعالى:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ، وقال تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} .
وأما السنة؛ ففي قوله صلى الله عليه وسلم في قضية ابن عمر: "مره فليراجعها"، وطلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة ثم راجعها.
وأما الإجماع؛ فقال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق دون الثلاث والعبد إن طلق دون أثنتين، أن لهما الرجعة في العدة"
والحكمة في ذلك: إعطاء الزوج الفرصة ليتروَّى ويستدرك إذا
ندم على الطلاق وأراد استئناف العشرة مع زوجته، فيجد الباب مفتوح اأمامه، وهذا من رحمة الله بعباده".
وأما شروط صحة الرجعة؛ فهي:
أولاً: أن يكون الطلاق دون ما يملك من العدد؛ بأن طلق حر دون الثلاث، وعبد دون اثنتين، فإن استوفى ما يملك من الطلاق؛ لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
ثانيا: أن يكون المطلقة مدخولاً بها، فإن طلقها قبل الدخول؛ فليس له رجعة؛ لأنها لا عدة ع ليها؛ لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} .
ثالثا: أن يكون الطلاق بلا عوض، فإن كان على عوض؛ لم تحل له إلا بعقد جديد برضاها؛ لأنها لم تبدل العوض إلا لتفتدي نفسها منه، ولا يحصل مقصودها مع ثبوت الرجعة.
رابعا: أن يكون النكاح صحيح ا، أما إن طلق في نكاح فاسد؛ فليس له رجعة؛ لأنها تبين بالطلاق.
خامسا: أن تكون الرجعة في العدة؛ لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِك} ؛ أي: أولى برجعتهن في حالة العدة.
سادسا: أن تكون الرجعة منجزة؛ فلا تصح معلقة؛ كما لو قال: إذا حصل كذا؛ فقد راجعتك.
وهل يشترط يقصد الزوجان بالرجعة الإصلاح؟:
قال بعض العلماء: يشترط ذلك؛ لأن الله يقول: {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا يمكن من الرجعة إلا من أراد إصلاح اوإمساك ابمعروف".
وقال البعض الآخر: لا يشترط ذلك؛ لأن الآية إنما تدل على التحضيض على الإصلاح، والمنع من الإضرار، ولا على اشتراط ذلك، والقول الأول أظهر.
والله أعلم.
وتحصل الرجعة بلفظ: "راجعت امرأتي"، ونحو ذلك؛ مثل: رددتها، أمسكتها، أعدتها
…
وما أشبه ذلك.
وتحصل الرجعة أيض ابوطئها إذا نوي الرجعة على الصحيح.
وإذا راجعها؛ فإنه يسن أن يشهد على ذلك، وقيل: يجب الإشهاد؛ لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} ، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقال الشيخ تقي الدين:"لا تصح الرجعة مع الكتمان بحال".
والمطلقة الرجعية زوجة ما دامت في العدة، لها ما للزوجات من نفقة وكسوة ومسكن، وعليها ما على الزوجة من لزوم المسكن، وتتزين له لعله يراجعها، ويرث كل منهما صاحبه إذا مات في العدة، وله السفر والخلوة بها، وله وطؤها.
وينتهي وقت الرجعة بانتهاء العدة، فإذا طهرت الرجعية من الحيضة الثالثة؛ لم تحل له؛ إلا بنكاح جديد بولي وشاهدي عدل؛ لمفهوم
قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِك} ؛ أي: في العدة؛ فمفهوم الآية أنها إذا فرغت عدتها؛ لم تبح؛ إلا بعقد جديد بشرطه، وإذا راجعها في العدة رجعة صحيحة مستوفية لشروطها؛ لم يملك من الطلاق إلا ما بقي من عدده. وإذا استوفى ما يملك من الطلاق؛ حرمت عليه؛ حتى يطأها زوج غيره بنكاح صحيح؛ فيشترط لحلها للأول ثلاثة شروط: أن تنكح زوجا غيره، وأن يكون النكاح صحيحا، وأن يطأها الزوج الثاني في الفرج؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} .
قال العلامة ابن القيم: "وإباحتها له بعد زوج من أعظم النعم، وكانت شريعة التوارة ما لم تتزوج، وشريعة الإنجيل المنع من الطلاق ألبتة، وشرعيتنا أكمل وأقوم بمصالح العباد، فأباح له أربعا، وأن يتسرَّى بما شاء، وملكه أن يفارقها، فإن تاقت نفسه إليها؛ وجد السبيل إلى ردها، فإذا طلقها الثالثة؛ لم يبق له عليها سبيل بردها إلا بعد نكاح ثان رغبة" انتهى.
أي: لا بد أن يكون نكاح الثاني لها نكاح رغبة فيها، لا نكاح حلية يقصد به تحليها للأول، وإلا كان تيس امستعارًا؛ كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، ونكاحه باطل، لا تحل به للأول. والله أعلم.