الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في شركة الوجوه والأبدان والمفاوضة
أولا: شركات الوجوه
شركة الوجوه هي: أن يشترك اثنان فأكثر فيما يشتريان بذمتيهما، وما ربحا فهو بينهما على ما شرطاه، سميت بذلك لأنها ليس لها رأس مال، وإنما تبذل فيها الذمم والجاه وثقة التجار بهما، فيشتريان ويبيعان بذلك، ويقتسمان ما يحصل لهما من ربح على حسب الشرط لقوله صلى الله عليه وسلم:"المسلمون على شروطهم".
وهذا النوع من الشركة يشبه العنان، فأعطى حكمها.
وكل واحد من الشريكين وكيل عن صاحبه وكفيل عنه بالثمن لأن مثل هذا النوع من الشركة على الوكالة والكفالة.
ومقدار ما يملكه كل واحد منهما من هذه الشركة على حسب الشرط؛ من مناصفة، أو أقل، أو أكثر.
ويحتمل كل واحد من الخسارة على قدر ما يملك في الشركة، فمن له نصف الشركة؛ فعليه نصف الخسارة
…
وهكذا.
ويستحق كل من الشركاء من الربح على حسب الشرط من نصف أو ربع أو ثلث؛ لأن أحدهما قد يكون أوثق وأرغب عند التجار وأبصر بطرق التجارة من الشخص الآخر، ولأن عمل كل منهما قد يختلف عن عمل الآخر، فيتطلع إلى زيادة نصيبه في مقابل ذلك، فيرجع إلى الشرط الجاري بينهما في ذلك.
ولكل واحد من الشركاء في شركة الوجوه من الصلاحيات مثل ما للشركاء في شركة العنان.
ثانيا: شركة الأبدان
شركة الأبدان هي: أن يشترك اثنان فأكثر فيما يكتسبان بأبدانهما، سيمت بذلك لأن الشركاء بذلوا أبدانهم في الأعمال لتحصيل المكاسب، واشتركوا فيما يحصلون عليه من كسب.
ودليل جواز هذا النوع من الشركة: ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "اشتركت أنا وعمار وسعد في نصيب يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء" قال أحمد: "أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم، فدل هذا الحديث على صحة الشركة في مكاسب الأبدان".
وإذا تم الاتفاق بينهم على ذلك؛ فما تقبله أحدهم من عمل؛ لزم
بقية الشركاء فعله، فيطالب كل واحد بما تقبله شريكه من أعمال، لأن هذا هو مقتضاها.
وتصح شركة الأبدان ولو اختلفت صنائع المشتركين؛ كخياط مع حداد
…
وهكذا، ولكل واحد من الشركاء أن يطالب بأجرة العمل الذي تقبله هو أو صاحبه، ويجوز للمستأجر من أحدهم دفع الأجرة إلى أي منهم؛ فهو مشترك بينهم.
وتصح شركة الأبدان في تملك المباحات؛ كالاحتطاب، وجمع الثمار المأخوذة من الجبال، واستخراج المعادن.
وإن مرض أحد شركاء الأبدان؛ فالكسب الذي تحصل عليه الآخر بينهما؛ لأن سعدًا وعمارًا وابن مسعود اشتركوا، فجاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران، وشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن طالب الصحيح المريض بأن يقم مقامه من يعمل؛ لزمه ذلك؛ لأنهما دخلا على أن يعملا، فإذا تعذر على أحدهما العمل بنفسه؛ لزمه أن يقيم مقامه من يعمل بدلاً عنه؛ لتوفية العقد حقَّه، فإن امتنع العاجز عن العمل من إقامة من يعمل بدله بعد مطالبته بذلك؛ فلشريكه أن يفسخ عقد الشركة.
وإن اشترك أصحاب دواب أو سيارات على أن يحملوا عليها بالأجرة، وما حصلوا عليه فهو بينهم، صح ذلك؛ لأنه نوع من الاكتساب، ويصح أيضا دفع دابة أو سيارة لمن يعمل عليها، وما تحصل من كسب؛
فهو بينهما، وإن اشترك ثلاثة من أحدهم دابة ومن الآخر آلة ومن الثالث العمل على أن ما تحصل فهو بينهم؛ صح ذلك
وتصح شركة الدلالين بينهم إذا كانوا يقومون بالنداء على بيع السلع وعرضها وإحضار الزبون، وما تحصل؛ فهو بينهم.
ثالثا: شركة المفاوضة
وشركة المفاوضة هي: أن يفوض كل من الشركاء إلى صاحبه كل تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة؛ فهي الجمع بين شركة العنان والمضارب والوجوه والأبدان، أو يشتركون في كل ما يثبت لهم وعليهم.
ويصح هذا النوع من الشركة؛ لأنه يجمع أنواعا يصح كل منها منفردًا فيصح إذا جمع مع غيره.
والربح يوزع في هذه الشركة على ما شرطوا، ويتحملون من الخسارة على قدر ملك كل واحد منهم من الشركة بالحساب.
وهكذا شريعة الإسلام وسعت دائرة الاكتساب في حدود المباح، فأباحت للإنسان أن يكتسب منفردًا ومشتركا مع غيره، وعاملت الناس حسب شروطهم ما لم تكن شروطا جائرة محرمة؛ مما به يعلم صلاحية هذه الشريعة لكل زمان ومكان.
نسأل الله أن يرزقنا التمسك بها والسير على نهجها؛ إنه سميع مجيب.