الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في أحكام السلم
السلم أو السلف: هو تعجيل الثمن، وتأجيل المثمن، ويعرفه الفقهاء رحمهم الله بأنه عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد.
وهذا النوع من التعامل جائز بالكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه"، ثم قرأ الآية.
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث؛ قال: "من أسلف في شيء" وفي لفظ: "في ثمر"؛ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"، متفق عليه، فدل هذا
الحديث على جواز السلم بهذه الشروط.
وقد حكى ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على جوازه.
وحاجة الناس داعية إليه؛ لأن أحد المتعاقدين يرتفق بتعجيل الثمن والآخر يرتفق برخص الثمن.
ويشترط لصحة السلم شروط خاصة زائدة على شروط البيع:
الشرط الأول: انضباط صفة السلعة المسلم فيها؛ لأن ما لا يمكن ضبط صفاته مختلف كثيرًا، فيفضي إلى المنازعة بين الطرفين؛ فلا يصح السلم فيما تختلف صفاته؛ كالبقول، والجلود، والأواني المختلفة، والجواهر.
الشرط الثاني: ذكر جنس المسلم فيه ونوعه فالجنس كالبر، والنوع كالسلموني مثلاً، وهو من نوع البر.
الشرط الثالث: ذكر قدر المسلم فيه بكيل أو وزن أو ذرع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أسلف في شيء؛ فليسلف فيكيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"، متفق عليه، ولأنه إذا جهل مقدار المسلم فيه؛ تعذر الاستيفاء.
الشرط الرابع: ذكر أجل معلوم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إلى أجل معلوم"، وقوله:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} ،
فدلت الآية الكريمة والحديث الشريف على اشتراط التأجيل في السلم، وتحديد الأجل بحد يعلمه الطرفان.
الشرط الخامس: أن يوجد المسلم فيه غالبا في وقت حلول أجله؛ ليمكن تسليمه في وقته، فإن كان المسلم فيه لا يوجد في وقت الحلول؛ لم يصح السلم؛ كما لو أسلم في رطب وعنب إلى الشتاء.
الشرط السادس: أن يقبض الثمن تاما معلوم المقدار في مجلس العقد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أسلف في شيء؛ فليسلف في كيل معلوم
…
" الحديث، أي: فليعط.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "لأنه لا يقع اسم السلف فيه حتى يعطيه ما أسلفه قبل أن يفارق من أسلفه، ولأنه إذا لم يقبض الثمن في المجلس؛ صار بيع دين بدين وهذا لا يجوز".
الشرط السابع: أن يكون المسلم فيه غير معين، بل يكون دينا في الذمة؛ فلا يصح السلم في دار وشجرة؛ لأن المعين قد يتلف قبل تسليمه، فيفوت المقصود، ويكون الوفاء وتسليم السلعة المسلم فيها في مكان العقد إن كان يصلح لذلك، فإن كان لا يصلح، كما لو عقدا في بر أو بحر؛ فلا بد من ذكر مكان الوفاء، وحيث تراضيا على مكان التسليم؛ جاز ذلك، وإن اختلفا؛ رجعنا إلى محل العقد حيث كان يصلح لذلك كما سبق.
ومن أحكام السلم: أنه لا يجوز بيع السلعة المسلم فيها قبل
قبضها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يقبضه، ولا تصح الحوالة عليه؛ لأن الحوالة لاتصح إلا على دين مستقر، والسلم عرضة للفسخ.
ومن أحكام السلم: أنه إذا تعذَّر وجود المسلم فيه وقت الحلول؛ كما لو أسلم في ثمرة، فلم تحمل الشجر تلك السنة؛ فلرب السلم الصبر إلى أن يوجد المسلَّم فيه فيطالب به، أو الفسخ ويطالب برأس ماله؛ لأن العقد إذا زال وجب رد الثمن، فإن كان الثمن تالفا؛ رد بدله إليه، والله أعلم.
وإباحة هذه المعاملة من يسر هذه الشريعة الإسلامية وسماحتها؛ لأن في هذه المعاملة تيسيرًا على الناس وتحقيقا لمصالحهم، مع خلوها من الربا وسائر المحذورات؛ فلله الحمد على تيسيره.