المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في أحكام العدة - الملخص الفقهي - جـ ٢

[صالح الفوزان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب في أحكام البيوع

- ‌باب في بيان البيوع المنهي عنها

- ‌باب في أحكام الشروط في البيع

- ‌باب في أحكام الخيار في البيع

- ‌باب في أحكام التصرف في البيع قبل قبضه والإقالة

- ‌باب في بيان الربا وحكمه

- ‌باب في أحكام بيع الأصول

- ‌باب في أحكام بيع الثمار

- ‌باب في وضع الجوائح

- ‌باب فيما يتبع المبيع وما لا يتبعه

- ‌باب في أحكام السلم

- ‌باب في أحكام القرض

- ‌باب في أحكام الرهن

- ‌باب في أحكام الضمان

- ‌باب في أحكام الكفالة

- ‌باب في أحكام الحوالة

- ‌باب في أحكام الوكالة

- ‌باب في أحكام الحجر

- ‌باب في أحكام الصلح

- ‌باب في أحكام الجوار والطرقات

- ‌باب في أحكام الشفعة

- ‌كتاب الشركات

- ‌باب في أحكام الشراكة وأنواع الشركات

- ‌باب في أحكام شركة العنان

- ‌باب في أحكام شركة المضاربة

- ‌باب في شركة الوجوه والأبدان والمفاوضة

- ‌كتاب المساقاة والمزارعة والإجارة

- ‌باب في أحكام لبمزارعة والمساقاة

- ‌باب في أحكام الإجارة

- ‌باب في أحكام السبق

- ‌باب في أحكام العارية

- ‌باب في أحكام الغصب

- ‌باب في أحكام الإتلافات

- ‌باب في أحكام الوديع

- ‌كتاب إحياء الموات وتملّك المباحات

- ‌باب في أحكام أحياء الموات

- ‌باب في أحكام الجعالة

- ‌باب في أحكام اللقطة

- ‌باب في أحكام اللقيط

- ‌باب في أحكام الوقف

- ‌باب في أحكام الهبة والعطية

- ‌كتاب المواريث

- ‌باب في تصرفات المريض المالية

- ‌باب في أحكام الوصايا

- ‌باب في أحكام المواريث

- ‌باب في أسباب الإرث وبيان الورثة

- ‌باب في ميراث الأزواج والزوجات

- ‌باب في ميراث الآباء والأجداد

- ‌باب في ميراث الأمهات

- ‌باب في ميراث الجدة

- ‌باب في ميراث البنات

- ‌باب في ميراث الأخوات الشقائق

- ‌باب في ميراث الأخوات مع البنات وميراث الأخوة لأم

- ‌باب في التعصيب

- ‌باب في الحجب

- ‌باب في توريث الإخوة مع الجد

- ‌باب في المعادة

- ‌باب في التوريث والتقدير والاحتياط

- ‌باب في ميراث الخنثى

- ‌باب في ميراث الحمل

- ‌باب في ميراث المفقود

- ‌باب في ميراث الغرقى والهدمى

- ‌باب في التوريث بالرد

- ‌باب في ميراث ذوي الأرحام

- ‌باب في ميراث المطلقة

- ‌باب في التوارث مع اختلاف الدين

- ‌باب في حكم توريث القاتل

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب في أحكام النكاح

- ‌باب في أحكام الخطبة

- ‌باب في عقد النكاح وأركانه وشروطه

- ‌باب في الكفاءة النكاح

- ‌باب في المحرمات في النكاح

- ‌باب في الشروط النكاح

- ‌باب في العيوب في النكاح

- ‌باب في أنكحة الكفار

- ‌باب في الصداق في النكاح

- ‌باب في وليمة العرس

- ‌باب في عشرة النساء

- ‌باب فيما نفقه الزوجة وقسمها

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب في أحكام الخلع

- ‌باب في أحكام الطلاق

- ‌باب في الطلاق السني والطلاق البدعي

- ‌باب في الرجعة

- ‌باب في أحكام الإيلاء

- ‌باب في أحكام الظهار

- ‌باب في أحكام اللعان

- ‌باب في أحكام لحوق النسب وعدم لحوقه

- ‌باب في أحكام العدة

- ‌باب في الاستبراء

- ‌باب في أحكام الرضاع

- ‌باب في أحكام الحضانة

- ‌باب في موانع الحضانة

- ‌باب في نفقة الزوجة

- ‌باب في نفقة الأقارب والمماليك

- ‌كتاب القصاصات والجنايات

- ‌باب في أحكام القتل وأنواعه

- ‌باب في أحكام القصاص

- ‌باب في القصاص في الأطراف

- ‌باب في القصاص من الجماعة للواحد

- ‌باب في أحكام الديات

- ‌باب في مقادير الديات

- ‌باب في ديات الأعضاء والمنافع

- ‌باب في أحكام الشجاج وكسر العظامد

- ‌باب في كفارة القتل

- ‌باب في أحكام القسامة

- ‌كتاب الحدود والتعزيرات

- ‌باب في أحكام الحدود

- ‌باب في حد الزنى

- ‌باب في حد القذف

- ‌باب في حد المسكر

- ‌باب في أحكام التعزير

- ‌باب في حد السرقة

- ‌باب في حد قطاع الطريق

- ‌باب في قتال أهل البغي

- ‌باب في أحكام الردة

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب في أحكام الأطعمة

- ‌باب في أحكام الذكاة

- ‌باب في أحكام الصيد

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌باب في أحكام الأيمان

- ‌باب في كفارة اليمين

- ‌باب في أحكام النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب في أحكام القضاء في الإسلام

- ‌باب في آداب القاضي

- ‌باب في طريق الحكم وصفته

- ‌باب في شروط الدعوى

- ‌باب في القسمة بين الشركاء

- ‌باب في بيان الدعاوى والبينات

- ‌باب في الشهادات

- ‌باب في كتاب القاضي إلى القاضي والشهادة على الشهادة ورجوع الشهود

- ‌باب في اليمين الدعاوى

- ‌باب في أحكام الإقرار

الفصل: ‌باب في أحكام العدة

‌باب في أحكام العدة

من آثار الطلاق: العدة، ويراد بها التربص المحدود شرعا.

ودليلها: الكتاب والسنة والإجماع:

فأما الكتاب؛ فقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} ، وقوله تعالى:{وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} ، هذا بالنسبة للمفارقة في الحياة.

وأما بالنسبة للوفاة؛ فقد قال الله تعالى فيها: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} .

والدليل من السنة حديث عائشة رضي الله عنها؛ قالت: "أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض"، رواه ابن ماجه، ولغيره من الأحاديث.

وأما الحكمة في مشروعية العدة؛ فهي: استبراء رحم المرأة من لحمل؛ لئلا يحصل اختلاط الأنساب، وكذلك إتاحة الفرصة للزوج المطلق ليراجع إذا ندم وكان الطلاق رجعيا.

ص: 419

ومن الحكمة أيضا: تعظيم عقد النكاح، وأن له حرمة، وتعظيم حق الزوج المطلق.

وفيها أيضا: صيانة حق الحمل فيما لو كانت المفارقة حاملاً.

وبالجملة؛ فالعدة حريم للنكاح السابق.

وأما من تلزمها العدة: فالعدة تلزم كل امرأة فارقت زوجها بطلاق وخلع أو فسخ أو مات عنها؛ بشرط أن يكون الزوج المفارق لها قد خلا بها وهي مطاوعة مع علمه بها وقدرته على وطئها، سواء كانت الزوجة حرة أو أمة، وسواء كانت بالغة أو صغيرة يوطأ مثلها.

وأما من فارقها زوجها حيّا بطلاق أو غيره قبل الدخول بها؛ فلا عدة عليها؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} ، أي: تحصونها بالأقراء أو الأشهر، ومعنى:{تَمَسُّوهُنّ} ؛ أي: تجامعوهن؛ فدلت الآية الكريمة على أنه لا عدة على من طُلِّقت قبل الدخول بها، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم، وذكر المؤمنات هنا من باب التغليب؛ لأنه لا فرق بين الزوجات المؤمنات والكتابيات في هذا الحكم باتفاق أهل العلم.

وأما المفارقة بالوفاة؛ فتعتد مطلق ا، سواء كانت الوفاة قبل الدخول أو بعده؛ لعموم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} ، ولم يرد ما يخصصها.

وأما أنواع المعتدات: فهن على سبيل الإجمال ست:

الحامل. والمتوفى عنها زوجها من غير حمل منه. والحائل التي تحيض وقد فورقت في الحياة. والحائل التي لا تحيض لصغر أو إياس وهي مفارقة في

ص: 420

الحياة. ومن ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه. وامرأة المفقود.

وهاك بيان ذلك على التفصيل.

فالحامل تعتد بوضع الحمل؛ سواء كانت مفارقة في الحياة أو بالموت؛ لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُن} ؛ فدلت الآية الكريمة على أن عدة الحامل تنتهي بوضع حملها، سواء كانت متوفى عنها أو مفارقة في الحياة، وذهب بعض السلف إلى أن الحامل المتوفى عنها تعتد بأبعد الأجلين، لكن حصل الاتفاق بعد ذلك على انقضاء عدتها بوضع الحمل.

لكن ليس كل حمل تنقضي بوضعه العدة، وإنما المراد الحمل الذي قد تبين فيه خلق إنسان، فأما لو ألقت مضغة لم تتبين فيها الخلقة؛ فإنها لا تنقضي بها العدة.

وكذلك يشترط لانقضاء العدة بوضع الحمل أن يلحق هذا الحمل بالزوج المفارق، فإن لم يلحق هذا الحمل بالزوج المفارق؛ لكون هذا الزوج لا يولد لمثله لصغره أو لمانع خلقي، أو تكون قد ولدته لدون ستة أشهر منذ عقد عليها وأمكن اجتماعه بها وعاش هذا المولود؛ فإنها لا تنقضي عدتها به منه؛ لعدم لحوقه به.

وأقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} ، مع قوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} ، فإذا أسقطنا مدة الرضاع وهي: حولان، أي: أربعة وعشرون شهرًا من ثلاثين شهراً؛ يبقى ستة أشهر، وهي أقل مدة الحمل، وما دونها لم يوجد من يعيش لدونها.

ص: 421

وأما أكثر مدة الحمل؛ فموضع خلاف بين أهل العلم، والراجح أنه يرجع فيه إلى الوجود؛ قال الموفق ابن قدامة:"ما لا نص فيه، يرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد لخمس سنين وأكثر".

وغالب مدة الحمل تسعة أشهر؛ لأن غالب النساء يلدن فيها؛ فاعتبر ذلك.

هذا وللحمل حرمة في الشريعة الإسلامية؛ فلا يجوز الاعتداء عليه والإضرار به وإذا سقط ميت ابعدما نفخت فيه الروح بسبب الجناية عليه؛ وجبت فيه الدية والكفارة وإذا وجب على الحامل حد شرعي من جلد أو رجم؛ أخر تنفيذ الحد على أمه حتى تلد، ولا يجوز لأمه أن تسقطه بشرب دواء ونحوه.

كل ذلك مما يدل على شمول هذه الشريعة، وأنها تراعي حتى الأجنة في البطون، وتجعل لهم حرمة؛ فالحمد لله رب العالمين على هذه الشريعة الكاملة العادلة، ونسأله أن يرزقنا التمسك بها والعمل بأحكامها؛ مخلصين له الدين ولا كره الكافرون.

والمتوفى عنها إذا كانت غير حامل؛ تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كانت وفاته قبل الدخول بها أو بعده، وساء كانت الزوجة ممن يوطأ مثلها أم لا؟، وذلك لعم وم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} .

قال العلامة ابن القيم: "عدة الوفاة واجبة بالموت، دخل أو لم يدخل بها؛ لعموم القرآن والسنة واتفاق الناس، وليس المقصود من عدة الوفاة

ص: 422

استبراء الرحم، ولا هي تعبد محض؛ لأنه ليس في الشريعة حكم واحد؛ إلا وله معنى وحكمه يعقله من عقله ويخفى على من خفى عليه" نهى.

وقال الوزير وغيره: "اتفقوا على أن عدة المتوفى عنها زوجها ما لم تكن حاملاً أربعة أشهر وعشرا" انتهى.

والأمة المتوفى عنها تعتد نصف هذه المدة المذكورة؛ فعدتها شهران وخمسة أيام بلياليها؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على تنصيف عدة الأمة في الطلاق؛ فكذا عدة الموت.

قال الموفق ابن قدامة: "في قول عامة أهل العلم؛ منهم: مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي"، وقال في "المبدع":"أجمع الصحابة على أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة"، وإلا فظاهر الآية العموم.

هذا؛ ولعدة الوفاة أحكام تختص بها:

فمن أحكامها: أنه يجب أن تعتد المتوفى عنها في المنزل الذي مات زوجها وهي فيه؛ فلا يجوز لها أن تتحول عنه؛ إلا لعذر لقوله صلى الله عليه وسلم: "امكثي في بيتك"، وفي لفظ: "اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي

ص: 423

زوجك"، وفي لفظ: "حيث أتاك الخبر"، رواه أهل السنن.

فإن اضطرت إلى التحول إلى بيت غيره: فإن خافت على نفسها من البقاء فيه أو حولت عنه قهرًا أو كان البيت مستأجرًا وحولها مالكه أو طلب أكثر من أجرته؛ فإنها في هذه الأحوال تنتقل حيث شاءت دفع اللضرر.

ويجوز للمعتدة من وفاة زوجها: الخروج من البيت لحاجتها في النهار، لا في الليل؛ مظنة الفساد، ولقوله صلى الله عليه وسلم للمعتدات من الوفاة:"تحدثن عند إحداكن، حتى إذا أردتن النوم؛ فلتأت كل واحدة إلى بيتها".

ومن أحكام عدة المتوفى عنها: وجوب الإحداد على المعتدة مدة العدة، والإحداد: اجتنابها ما يدعو إلى ويرغب في النظر إليها.

قال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: "هذا من تمام محاسن هذه الشريعة وحكمتها ورعايتها على أكمل الوجوه؛ فإن الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة، وتمكث المرأة في أضيق بيت وأوحشه، لا تمس طيبا، ولا تدهن، ولا تغتسل

إلى غير ذلك مما هو تسخط على

ص: 424

الرب وأقداره، فأبطل الله بحكمه سنة الجاهلية، وأبدلنا به الصب والحمد.

ولما كانت مصيبة الموت لا بد أن تحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تقاضاه الطباع؛ سمع لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك [يعني: لغير الزوجة، وهو ثلاثة أيام] ؛ تجد بها نوع راحة، وتقضي بها وطرًا من الحزن، وما زاد؛ فمفسدته راجحة، فمنع منه. والمقصود أنه أباح لهن الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام، وأما الإحداد على الزوج؛ فإنه تابع للعدة بالشهور، الحامل؛ فإذا انقضى حملها؛ سقط وجوب الإحداد، وذكر أنه يستمر إلى حين الوضع؛ فإنه من توابع العدة، ولهذا قيد بمدتها، وهو حكم من أحكام العدة، وواجب من وجباتها، فكان معها وجودًا وعدما

".

إلى أن قال: "وهو من مقتضياتها ومكملاتها، وهي إنما تحتاج إلى التزين لتتحبب إلى زوجها، فإذا مات وهي لم تصل إلى آخر؛ اقتضى تمام حق الأول وتأكيد المنع من الثاني قبل بلوغ الكتاب أجله: أن تمنع مما تصنعه النساء لأزواجهن، مع ما في ذلك من سد الذريعة إلى طمعها في الرجال وطمعهم فيها بالزينة" انتهى كلامه رحمه الله.

فيجب على المعتدة من الوفاء في هذا الإحداد أن تجتنب عمل الزينة في بدنها بالتحسين بالأصباغ والخضاب ونحوه، وتتجنب لبس

ص: 425

الحلي بأنواعه، وتتجنب الطيب بسائر أنواعه، وهو كل ما يسمى طيبا، وتجتنب الزينة في الثياب؛ فلا تلبس الثياب التي فيها زينة، وتقتصر على الثياب التي لا زينة فيها؛ فتجتنب كل ذلك مدة العدة.

وليس للإحداد لباس خاص، فتلبس المحدة ما جرت عادتها بلبسه، ما لم فيه زينة.

وإذا خرجت من العدة؛ لم يلزمها أن تفعل شيئا؛ كما يظنه بعض العوام.

وعدة الآيسة: ثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} .

والمطلقة إذا كانت تحيض، ولم يكن حمل: تعتد بثلاث حيض؛ لق وله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنّ} ؛ أي: والمطلقات ينتظرن بأنفسهن وتمكث إحداهن بعد طلاق زوجها {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} ؛ أي: ثلاث حيض، ثم بعد ذلك تتزوج إن شاءت.

وتفسير الإقراء بالحي ض مروي عن ع مر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم، ولأنه ورد الأقراء في لسان الشرع؛ ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة:"فإذا أتى قرؤك؛ فلا تصلي".

ولا بد أن تكون الحيضة كاملة؛ فلا تعتد بحيضة طلقت فيها؛

ص: 426

فالطلاق في الحيض يقع مع التحريم، لكن لا تعتد بتلك الحيضة التي طلقت فيها.

ودون كانت المطلقة أمة؛ اعتدت بحيضتين؛ لما روي: "قرء الأمة حيضتان"، ولأن هذا قول عمر وابنه وعلي بن أبي طالب، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، ويكون ذلك مخصص العموم ق وله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} ، وكان القياس أن تكون عدتها حيضة ونصف حيضة، لكن الحيض لا يتبعض، فصارت حيضتين.

وأما المطلقة الآيسة من الحيض لكبرها والصغيرة التي لم تحض بعد؛ فإنها تعتد بثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى: {وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْن} ؛ أي: واللائي لم يحضن من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر.

قال الإمام موفق الدين قدامة وغيره: "أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة الآيسة والصغيرة التي لم تحض ثلاثة أشهر".

ومن بلغت ولم تحض؛ اعتدت عدة الآيسة، ثلاثة أشهر، لدخولها في عموم قوله تعالى:{وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْن} .

وإن كانت المطلقة الآيسة أو الصغيرة أم ولد؛ فعدتها شهران؛ لقوله عمر رضي الله عنه: "عدة أم الولد حيضتان، فإن لم تحض؛ شهران"،

ص: 427

وذلك لأن الأشهر بدل من القروء، وذهب بعض العلماء إلى أن عدتها شهر ونصف؛ لأن عدة الأمة نصف عدة الحرة، وعدة الحرة التي لا تحيض ثلاثة أشهر، فتكون عدة الأمة الآيسة شهرًا ونصف شهر.

وأما المطلقة التي كانت تحيض، ثم ارتفع حيضها، وانقطع انقطاعا طارئا لا لكبر؛ فهذه لها حالتان:

الحالة الأولى: أن لا تعلم السبب الذي منع حيضها؛ فهذه عدتها سنة: تسعة أشهر للحمل، وثلاثة أشهر للعدة "أي: عدة الآيسة".

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار، لا ينكره منهم علمناه"، ولأن الغرض من العدة هو العلم ببراءة رحمها من الحمل، فإذا مضت تسعة الأشهر؛ دلت على براءة رحمها منه، فتعتد حينئذ عدة الآيسة ثلاثة أشهر، فيكون المجموع اثني عشر شهرًا، وبها يحصل العلم ببراءة رحمها من الحمل والحيض".

الحالة الثانية: أن تعلم السبب الذي ارتفع حيضها؛ كالمرض والرضاع وتناول الدواء الذي يرفع الحيض؛ فهذه تنتظر زوال ذلك المانع، فإن عاد الحيض بعد زواله؛ اعتدت به، وإن زال المانع ولم يعد الحيض؛ فالصحيح أنها تعتد سنة كالتي ارتفع حيضها ولم تدر سبب رفعه، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد.

وأما المستحاضة؛ فلها حالات:

الحالة الأولى: أن تكون تعرف قدر أيام عادتها قبل الاستحاضة، وتعرف وقتها فهذه تنقضي عدتها بمضي المدة التي يحصل لها بها مقدار ثلاث حيض حسب أيام عادتها.

ص: 428

الحالة الثانية: أن تنسى أيام عادتها، ولكن يكون دمها متميزًا؛ فهذه تعتبر الدم المتميز حيضا تعتد به إن صلح أن يكون حيضا.

الحالة الثالثة: أن تنسي عادتها وليس لها تمييز يعتبر؛ فهذه تعتد عدة الآيسة ثلاثة أشهر.

ومن الأحكام المتعلقة بالعدة: مسألة خطبة المعتدة؛ فالمعتدة من وفاة والمعتدة البائن بطلاق يحرم التصريح بخطبتهما؛ كقوله: أريد أن أتزوجك ونحوه؛ دون التعريض؛ كأن يقول لها: إني في مثلك لراغب؛ لق وله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} .

ويباح للرجل أن يخطب من أبانها دون الثلاث ومن طلقها طلاق ارجعي اتصريح اوعريض ا؛ لأنه يباح له أن يتزوج من أبانها دون الثلاث، وأن يراجع مطلقته الرجيعة ما دامت في عدتها.

وأما زوجة المفقود وهو من انقطع خبره، فلم تعلم حياته ولا م وته؛ فتنتظر زوجته قدومه أو تبين خبر في مدة يضربها القاضي تكون كافية للاحتياط في شأنه، وتبقى في عصمته في تلك المدة؛ لأن الأصل حياته، فإذا تمت مدة الانتظار المضروبة؛ حكم بوفاته، واعتدت زوجته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام، وقد حكم الصحابة رضي الله عنهم بذلك. قال الإمام ابن القيم:"حكم الخلفاء في امرأة المفقود كما ثبت عن عمر، وقال أحمد: ما في نفسي شيء منه، خمسة من الصحابة أمروها أن تتربص".

ص: 429

قال ابن القيم: "قول عمر هو أصح الأقوال وأحراها بالقياس. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هو الصواب" انتهى.

فإذا انتهت عدتها؛ حلت للأزواج، ولا تفتقر إلى طلاق ولي زوجها بعد اعتدادها للوفاة، فإن تزوجت، وقدم زوجها الأول؛ فالصحيح أنه يخبر بين استرجاعها وبين إمضاء تزوجها من الثاني، ويأخذ صداقه، سواء كان قدومه بعد دخول الزوج الثاني أو قبله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الصواب في امرأة المفقود مذهب عمر وغيره من الصحابة، وهو أنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد للوفاة، ويجوز لها أن تتزوج بعد ذلك، وهي زوجة الثاني ظاهرًا وباطن ا، ثم إذا قدم زوجها الأول بعد تزوجها؛ خير بين امرأته وبين مهرها، ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده، وهو ظاهر مذهب أحمد"، ثم قال:"والتخيير فيه بين المرأة والمهر هو أعدل الأقوال" انتهى.

ص: 430