الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكن وسطاً في حبك، وسطاً في ميلك هداك الله تعالى إلى صراطه المستقيم
ومن قبل زعم المفسرون أن سليمان - وهو من خيرة الأنبياء - قتل بضعة آلاف من الخيل لأنها عطلته عن صلاة العصر؛ عند قوله تعالى: {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} وهي فرية على سليمان عليه السلام افتراها اليهود الأفاكون الملاعين
وهذا لا يمنع من وقوع بعض الهنات، من الأبناء والزوجات؛ وهو الذي أشار إليه المولى جل وعلا بقوله:{وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .
وقد أشار المولى الكريم إلى المعنى الذي أشرنا إليه آنفاً وعضدناه بشتى الحجج والآيات بقوله عز وجل:
{إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} أي بلاء ومحنة؛ يوقعونكم في الإثم من حيث لا تشعرون
{فَاتَّقُواْ اللَّهَ} خافوه، واعملوا بأوامره {وَاسْمَعُواْ} نصح القرآن {وَأَطِيعُواْ} داعي الرحمن {وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ} وأي خير ينال الإنسان: أسمى من الإحسان؟ وأي خير يحتسبه المؤمن عند ربه: أفضل من الإنفاق؟ فأنفق أيها المؤمن - جهد طاقتك، ووسع مالك - فذلك خير لك في دنياك، وسعادة دائمة لك في أخراك {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} الشح: اللؤم، وأن تكون النفس كزة حريصة على المنع. أما البخل: فهو المنع نفسه. والمراد هنا: بخل النفس بالزكاة والصدقة، بدليل قوله تعالى:
{إِن تُقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} عبر تعالى عن المتصدق بالمقرض؛ وذلك إثباتاً لحقه في الوفاء له بالأجر. وجعل تعالى نفسه مقترضاً: ليطمئن المقرض إلى رد ما بذله إليه. لأنه كلما كان الملتزم مليئاً: كان الوفاء محققاً؛ فما بالك والمقترض ملك الملوك، وأغنى الأغنياء؛ وقد وعد بالوفاء وفوق الوفاء؛ فقال تعالى:{يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} وينميه {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ذنوبكم؛ زيادة على مضاعفة أجوركم ومن ذلك نعلم أن الصدقة: ترضي الرب، وتمحو الذنب {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} {وَاللَّهُ شَكُورٌ} كثير المجازاة على الطاعات {حَلِيمٌ} يعفو عن السيئات
{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ما خفي، وما ظهر؛ وهو {الْعَزِيزُ} في ملكه: يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء {الْحَكِيمُ} في صنعه
سورة الطلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أي مستقبلات لها. والمراد ألا تطلق المرأة إلا في طهر لم تجامع فيه، ثم تخلى
⦗ص: 694⦘
حتى تنقضي عدتها {وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ} اضبطوها؛ فلا تزيدوا عليها، ولا تنقصوا منها {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} حتى تنقضي عدتهن {وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} هي الزنا: تخرج من بيتها لحتفها تخرج لترجم؛ إذ ما فائدة إحصاء العدة مع زناها؟ فربما علقت من الزاني بها {بِفَاحِشَةٍ} الأوامر هي {حُدُودُ اللَّهِ} التي لا يجوز تجاوزها {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} بتعريضها للعقاب {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} أيها المطلق {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ} الطلاق {أَمْراً} أي لعل الله - وهو مقلب القلوب - يقلب قلبك من بغضها إلى محبتها، ومن طلاقها إلى رجعتها؛ فتراجعها وهي في بيتك، وتحت كنفك
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي قاربن انقضاء عدتهن {فَأَمْسِكُوهُنَّ} راجعوهن؛ إن أردتم {بِمَعْرُوفٍ} بغير قصد إلحاق الضرر بهن بتلك المراجعة {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} على المراجعة، أو الطلاق. هذا وقد أجمع الفقهاء على وقوع الطلاق بمجرد إرادته والنطق به. وقد جرى العمل على ذلك في صدر الإسلام؛ وبذلك يكون المراد بالإشهاد: الإشهاد على المراجعة دون الطلاق. وقد خالف الشيعة الإجماع، وزعموا أن الطلاق بدون إشهاد: لغو، لا يقع، ولا يعتد به. وقد رأى بعض مفكري هذا العصر: منع وقوع الطلاق إلا أمام القاضي؛ وهو رأي فاسد يأباه صريح القرآن، وما سار عليه السلف الصالح من الأمة؛ فالطلاق يقع - بلا قيد ولا شرط - متى رغب الزوج في إيقاعه؛ ولا تستطيع قوة على ظهر الأرض منعه من هذا الحق الذي جعله الله تعالى متنفساً للزوجين (انظر مبحث الطلاق بآخر الكتاب){وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}
أي أدوا الشهادة لوجهه تعالى؛ لا من أجل المطلق أو المطلقة {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ} أي تلك الأحكام يتعظ بها وينتفع {مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} القيامة، وما فيها من حساب وجزاء {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ} في أموره {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} من كرب الدنيا والآخرة
{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} أي من حيث لا يخطر بباله. أو المراد {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ} في معاملة أزواجه، ويتبع ما أمره الله تعالى به؛ في طلاقهن. أو إمساكهن {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} بأن يقيم له اعواجاجها إذا أمسكها، أو يبدله خيراً منها إذا طلقها «ويرزقه» مهراً ونفقة {مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} عن الصادق المصدوق صلوات الله تعالى وسلامه عليه «إني لأعرف آية لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم؛ وهي: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي كافيه. قال: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصاً وتروح بطاناً» (انظر آية 81 من سورة النساء)
⦗ص: 695⦘
{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} منفذ أمره ومراده {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ} شرعه؛ كالطلاق، والعدة ونحوهما {قَدْراً} زمناً لازماً؛ لا يجوز نقصانه