الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{قَرْناً} قوماً
{فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ} هو هود. وقيل: صالح. وقيل: شعيب، عليهم السلام؛ وذلك لأن أممهم هم ممن أخذوا بالصيحة، وهؤلاء أهلكوا بها؛ قال تعالى في آخر قصتهم «فأخذتهم الصيحة بالحق»
{وَأَتْرَفْنَاهُمْ} نعمناهم {
إِنَّكُمْ إِذاً} أي إذا أطعتم هذا النبي، الذي هو بشر مثلكم «إنكم إذاً» {لَّخَاسِرُونَ} أي ليست لكم عقول
{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ} ودفنتم، وبليت أجسامكم {وَكُنتُمْ} وصرتم {تُرَاباً وَعِظَاماً} في قبوركم {أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} منها، ومبعوثون أحياء للحساب والعقاب
{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} أي بعد بعداً كبيراً ما يعدكم به؛ من أنكم تحيون بعد ما تموتون، وتبعثون بعد ما تدفنون، وتحاسبون على أعمالكم فتعذبون؛ فهيهات هيهات لما يتوهمون
{إِنْ هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} وحدها، ولا حياة بعدها {نَمُوتُ وَنَحْيَا} قد يتوهم أن إقرارهم بالحياة بعد الموت: إقرار منهم بالبعث بعد أن كذبوا به؛ ولكنهم إنما أرادوا «ونحيا» بحياة أبنائنا؛ أو لعلهم كانوا ممن يقول بتناسخ الأرواح، وبعثها في أجساد أخرى، أو يكون في الكلام تقديم وتأخير - كعادة العرب في كلامهم - أي نحيا ونموت (انظر مبحث التعطيل بآخر الكتاب)
{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} صاح عليهم جبريل عليه السلام فأهلكهم. والصيحة: العذاب؛ أو هي مقدمة لكل عذاب {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً} الغثاء: ما حمله السيل من بقايا العيدان وورق الشجر اليابس
⦗
41
6⦘ {فَبُعْداً} فهلاكاً
{ثُمَّ أَنشَأْنَا} خلقنا {قُرُوناً} أمماً {آخَرِينَ}
{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} أي ما تسبق أمة الوقت المؤقت لإهلاكها. وهو كقوله تعالى: {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}
{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} أي تتتابع: واحداً بعد واحد؛ بفترة بينهما {كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً} في الإهلاك؛ ما داموا تابعين بعضاً في الكفر والتكذيب {وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي عبراً يتحدث الناس بها؛ ولا يقال «أحاديث» إلا في الشر؛ قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}
{وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} وحجة ظاهرة
{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً}
معجزة دالة على قدرتنا: إذ ولدته عليه السلام بغير زوج، وولد بغير أب {وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَى رَبْوَةٍ} مكان مرتفع؛ وهو بيت المقدس {ذَاتِ قَرَارٍ} أي أرض مستوية يستقر فيها ساكنها {وَمَعِينٍ} ماء جار؛ وسمي معيناً: لرؤيته بالعين
{يأَيُّهَا الرُّسُلُ} هو خطاب وجه لسائر الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ وأريد به أممهم {كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} الحلال {وَاعْمَلُواْ صَالِحاً} وهم عليهم الصلاة والسلام لا يأكلون إلا أطيب الطيب، وأحل الحلال؛ ولا يعملون إلا أصلح الأعمال وذلك بفطرتهم واكتسابهم {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} فمجازيكم عليه
{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} خطاب لسائر الرسل {أُمَّةً وَاحِدَةً} وهذا يدل على أن الأمم الإسلامية - في شتى أنحاء المعمورة - يجب أن تكون قلباً واحداً، ويداً واحدة، وأمة واحدة: في تشريعها، ومقاصدها، وأغراضها، وتوحيدها؛ فالكل يؤمن بإله واحد يدينون له بالطاعة والعبودية، والكل مصدق بملائكته، وكتبه، ورسله، والكل معترف بالبعث والإحياء، والحساب والجزاء
{فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي تفرقوا في أمر دينهم، وفي أمور دنياهم
⦗ص: 417⦘
{زُبُراً} كتباً ألفوها، وضلالات وضعوها، وخرافات ابتدعوها أو أريد بالزبر: الكتب المنزلة إليهم؛ كالتوراة والإنجيل والزبور: تمسك كل فريق بكتابه؛ بعد أن شوهه، ومسخ ما فيه. أو «زبراً» بمعنى قطعاً؛ أي تفرقوا في أمر دينهم؛ فصاروا يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض
{فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} فدعهم في غفلتهم وضلالتهم {حَتَّى حِينٍ} أي إلى حين انتهاء آجالهم
{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} أي أيظن هؤلاء الكفار أن إمدادنا لهم، وتوسعتنا عليهم بالأموال والبنين {} التي يبتغونها ويطلبونها؛ حباً لهم، ورغبة في إرضائهم؛ لا
{بَل لَاّ يَشْعُرُونَ} أن ذلك استدراج لهم في الدنيا؛ لنعاقبهم على ما فعلوا عقوبة كاملة يوم القيامة
{مُّشْفِقُونَ} خائفون
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أي الذين يعطون الصدقات وقلوبهم خائفة ألا تقبل منهم. وقرأت عائشة وكثير من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم «والذين يأتون ما أتوا» أي يرتكبون ما ارتكبوا من الذنوب «وقلوبهم وجلة» خائفة من عاقبة ما ارتكبوا {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} أي لأنهم إلى ربهم راجعون فيعاقبهم على ما أتوه، أو يعاقبهم على المنع، أو على الرياء
{أُوْلَئِكَ} المذكورون: هم الذين {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} وأي مسارعة في الخير أكثر من وجل القلب؛ عند اقتراف الذنب؟ أو عند استقلال العطاء، رغبة في الجزاء
{مُتْرَفِيهِمْ} متنعميهم {يَجْأَرُونَ} يصرخون مستغيثين
{مُسْتَكْبِرِينَ} أي متكبرين على المسلمين {بِهِ} أي بالحرم: زاعمين أنكم أهله وسادته وحماته. أو «مستكبرين به» أي بالقرآن: تستكبرون عن سماعه والتصديق به، وتطغون على المؤمنين {سَامِراً} أي جماعة تتسامرون {تَهْجُرُونَ} أي تقولون في سمركم الهجر؛ وهو القول الفاحش من الطعن في القرآن، وسب النبي
{أَمْ جَآءَهُمْ} من الشريعة والأحكام {مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأَوَّلِينَ} أو المراد «أم جاءهم» أمان من العذاب؛ وهو «ما لم يأت آباءهم الأولين» أو «أم» بمعنى: بل
{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ} القرآن {أَهْوَآءَهُمْ} بأن ينزل بما تهوى أنفسهم؛ من حل المحرمات، وعبادة الأصنام، وتعدد الآلهة، والقول ببنوة عيسىلله. تعالى الله عما يقولون ويريدون علواً كبيراً ولو نزل القرآن بما أرادوا {لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} أي بالقرآن الذي فيه شرفهم وفخرهم قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} والذكر: الشرف، والعز، والسؤدد. أو «آتيناهم» بالقرآن؛ الذي فيه ذكرهم، وذكر أعمالهم؛ وما يترتب عليها من ثواب، أو عقاب
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً} أجراً؛ من الخراج: وهو الإتاوة {فَخَرَاجُ رَبِّكَ} رزقه الذي يجريه عليك من غير منع ولا قطع؛ فذلك {خَيْرُ} منهم ومما يملكون
{لَنَاكِبُونَ} لعادلون ومائلون
{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ} كشأننا دائماً مع عبادنا {وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ} جوع وفقر. وقد كانوا قحطوا بمكة سبع سنين؛ حتى أكلوا الجيف {لَّلَجُّواْ} تمادوا واستمروا {فِي طُغْيَانِهِمْ} ضلالهم {يَعْمَهُونَ} يترددون متحيرين
{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} بالجوع، والقحط الشديد {فَمَا اسْتَكَانُواْ} فما خضعوا {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} يتذللون بالدعاء إلى ربهم؛ ليكشف ما بهم
{حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} بالقتل، والأسر، والسبي، والذل؛ وكان ذلك يوم بدر. وقيل: يوم فتح مكة {إِذَا هُمْ فِيهِ} أي في ذلك العذاب
⦗ص: 419⦘
{مُبْلِسُونَ} آيسون من كل خير
{وَهُوَ} جل شأنه {الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ} الذي به تسمعون {وَالأَبْصَارَ} التي بها تبصرون {وَالأَفْئِدَةَ} التي بها تعقلون؛ فما لكم لا تسمعون النصح، ولا تبصرون الحق، ولا تعقلون الهدى و {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} أي لا تشكرون البتة
{وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ} خلقكم {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} يوم القيامة؛ فيؤاخذكم بما كنتم تعملون في الدنيا
{وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} بالزيادة والنقصان؛ وذلك بفعله سبحانه وتعالى؛ ليقيم بنفسه الدليل على وجوده
{قَالُواْ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا} صرنا في قبورنا {تُرَاباً وَعِظَاماً} نخرة {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} لمعادون إلى الحياة؟ لا نظن حدوث ذلك
{لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هَذَا} البعث {مِن قَبْلُ إِنْ هَذَآ}
الوعد {إِلَاّ أَسَاطِيرُ} أكاذيب وأباطيل {الأَوَّلِينَ} المتقدمين
{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المكذبين، واسألهم {لِّمَنِ الأَرْضُ} من خلقها، ومن يملكها {وَمَن فِيهَآ} من المخلوقات؟ {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} خالقها ومالكها
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ} ما دام الله هو مالكها؛ فما بالكم لا تؤمنون به؟ وما دام الله هو خالقها «ومن فيها» فكيف لا يستطيع إعادتها بمن فيها؟ {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أفلا تتذكرون ذلك فتؤمنون
{قُلْ} لهم أيضاً مبالغة في إقامة الحجة عليهم {مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ} وما فيهن من أفلاك، ومن بهن من أملاك {وَرَبُّ الْعَرْشِ} الملك {الْعَظِيمِ} الذي لا يحد، ولا يوصف؟
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} وقرأ أبو عمرو «سيقولون الله» وهي القراءة المثلى؛ لملاءمتها للسياق {قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} من هذا شأنه، وهذا سلطانه؟
{قُلْ مَن بِيَدِهِ} وتحت أمره وتصرفه {مَلَكُوتُ} ملك {كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ} من استجار به؛ فيحميه مما يؤذيه، ويدفع عنه ما يخشاه {وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} أي ولا يستطيع أحد أن يمنع السوء عمن أراد الله تعالى إنزاله به
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} وقرأ أبو عمرو أيضاً «سيقولون الله» وهو أنسب للمقام؛ كما قدمنا {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي فكيف تخدعون، وتصرفون عن الحق الواضح الظاهر؟
{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ} كما تقول النصارى ببنوة عيسى {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} يشركه في ملكه؛ كما يقول المشركون {إِذَآ} أي لو كان معه إله {لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ} من الآلهة {بِمَا خَلَقَ} وانفرد بإدارته، ومنع الآخر من الاستيلاء عليه {وَلَعَلَا} تعالى وتكبر {بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} كفعل ملوك الدنيا؛ وشأنهم دائماً التنازع والمغالبة والتعاظم {سُبْحَانَ اللَّهِ} تعالى وتقدس {عَمَّا يَصِفُونَ} من الكفر
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} أي ادفع أذى الكفار وإساءتهم بطريقة حسنة لينة؛ لا عنف فيها. قيل: نسخ ذلك بالأمر بالقتال: فيجب موادعة الكافرين، ما دمنا على محاربتهم غير قادرين. وقد ورد هذا بلفظه ومعناه في مكان آخر من الذكر الحكيم؛ وهو خاص بدفع المؤمنين. (انظر آية 34 من سورة فصلت)
{وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} أي أن يحضروني في أموري وعباداتي: فيفسدون ديني ودنياي، أو أن يحضروني عند الموت: فيفسدون آخرتي
{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} أي جاء أحد الكافرين {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} أي أرجعني إلى الدنيا، وأعدني إلى الحياة
{لَعَلِّي أَعْمَلُ} عملاً {صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} فيما خلفت ورائي من مال، أو فيما عملته من عمل سيىء قيل: يقول ذلك الكفار، والبخلاء عند موتهم؛ وقد أجابهم الله تعالى على طلبهم الرجوع بقوله:{كَلَاّ} لا رجوع {إِنَّهَا} أي إن قول الكافر «رب ارجعون» {كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا} لا أثر لها، ولا فائدة فيها {وَمِن وَرَآئِهِمْ} أمامهم إلى يوم القيامة {بَرْزَخٌ} حائل بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ} {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}
{فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} بالحسنات {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفائزون بالنعيم. الناجون من الجحيم
{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ} تحرقها {كَالِحُونَ} عابسون منقبضون
{قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} أي تغلبت علينا أهواؤنا وشهواتنا. وسميت شقوة: لأنها مؤدية إليها. وذهب قوم - غفر الله تعالى لهم - إلى أن المعنى: غلب علينا ما كتب علينا من الشقاء؛ في حين أنه لم يكتب عليهم سوى ما علم أنهم يفعلونه بمحض اختيارهم؛ فليسوا مغلوبين ولا مضطرين
{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً} أي سخرتم منهم، واستهزأتم بهم {حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي} لانشغالكم بالاستهزاء بهم عن تذكري {وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} إذا ذكروني وعبدوني
{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُواْ} أي بصبرهم على إذايتكم {أَنَّهُمْ هُمُ الْفَآئِزُونَ} بنعيمي
{قُلْ} الملك المكلف بسؤالهم {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} قيل: السائل لهم مالك عليه السلام: خازن النار
{قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} استقصروا مدة لبثهم في الدنيا؛ لما نالهم في الآخرة من العذاب الأليم، ولما استعجلوه في الدنيا من ملذات
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ} في الدنيا {عَبَثاً} وأنكم تعيثون في الأرض فساداً ولا تصلحون، وتعبدون من الأصنام والأوثان ما تشاءون، وتذرون ربكم أحسن الخالقين {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} فنحاسبكم على ما جنيتم، ونؤاخذكم على ما كسبتم قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ}
{فَتَعَالَى اللَّهُ} تنزه وتقدس
⦗ص: 422⦘
{الْمَلِكُ الْحَقُّ} الذي {لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} ولا معبود سواه