الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الممتحنة
بسم الله الرحمن الرحيم
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} أي لا تتخذوا الكفار - الذين هم أعدائي: فلا يؤمنون بي، وأعداؤكم: فيسعون في إيصال الأذى بكم - أولياء توالونهم؛ وتتخذون منهم أصدقاء وأحباء {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} بالحب، ومظاهر الاحترام. وكيف يكون هذا حالكم معهم {وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الْحَقِّ} الإسلام والقرآن. ولم يكتفوا بكفرهم وتكذيبهم؛ بل بلغ من إيذائهم أنهم {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} من مكة {أَن تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} أي لأنكم تؤمنون ب الله ربكم {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِي} فاحذروا ذلك؛ إذ أن خطر المنافق في الحرب أبلغ من خطره في السلم {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} وهذا غير لائق بالمؤمنين {وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} {وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ} لا تخفى منكم خافية {وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ} أي يوالي العصاة، والكافرين، والمنافقين، ويوادهم {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ} أخطأ طريق الحق والصواب؛ لأنهم
{إِن يَثْقَفُوكُمْ} أي إن يجدوكم ويظفروا بكم {يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} بالقتال {وَأَلْسِنَتَهُمْ} بالإيذاء
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ} قدوة {حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} إذ تبرأ من أبيه حين أبى الإيمان
⦗ص: 681⦘
{رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} فاكفناهم الدنيا (انظر آية 81 من سورة النساء){وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا}
رجعنا وأقبلنا
{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي لا تسلطهم علينا؛ فيفتنوننا بعذاب لا نطيقه {وَمَن يَتَوَلَّ} يعرض عن الإيمان {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} عن العالمين {الْحَمِيدُ} المحمود في كل حال
{عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً} بانضمامهم إلى زمرتكم، واعتناقهم دينكم؛ فلا تحتاجون بعدها للوقوع في إثم موالاة الكافرين، وإلقاء المودة لهم {وَاللَّهُ قَدِيرٌ} على ذلك؛ وقد أسلم خلق كثير من المشركين؛ فصاروا لهم أولياء ونصراء {وَاللَّهُ غَفُورٌ} لما سبق منكم قبل النهي {رَّحِيمٌ} بكم؛ لا يعاقبكم
{لَاّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ} يرينا الله تعالى أنه يجب علينا: حسن المعاملة، وطيب المعاشرة؛ مع سائر الأجانب الذين لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا، أو يحتلوا أوطاننا.
أما الذين يعتدون على ديننا أو بلادنا: فلزاماً علينا معاداتهم ومقاتلتهم {أَن تَبَرُّوهُمْ} أن تكرموا الذين لم يقاتلوكم، ولم يعتدوا عليكم؛ وأن تحسنوا إليهم قولاً وفعلاً {وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ} تعدلوا بينهم ولا تظلموهم
{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} عن موالاة ومصاحبة {الَّذِينَ} أضمروا لكم العداوة، و {قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} أي بسبب الدين ومن أجله {وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} من مكة {وَظَاهَرُواْ} عاونوا أعداءكم {عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} فهؤلاء هم الذين ينهاكم ربكم {أَن تَوَلَّوْهُمْ} أي تتخذوهم أولياء وأصدقاء {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ} ينصرهم، أو ينتصر بهم؛ بعد ظهور نياتهم، وإبداء سيئاتهم {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الكافرون
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} أي نساء الكفار؛ مهاجرات إليكم، راغبات في دينكم {فَامْتَحِنُوهُنَّ} اختبروهن في إيمانهن. روي أن رسولالله كان يقول للتي يريد أن يمتحنها:«ب الله الذي لا إله إلا هو: ما خرجت من بغض زوج؟ ب الله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض؟ ب الله ما خرجت التماس دنيا؟ ب الله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله؟» وهذا هو الامتحان الذي أمر به الله تعالى، ونفذه رسوله عليه الصلاة والسلام؛ ولكم ظاهر قولهن، و {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} فإن كن صادقات: فهن ناجيات، وإن كن كاذبات: فهن معذبات
⦗ص: 682⦘
{فَإِنَّ} أدين امتحانهن، و {عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى} أزواجهن {الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ} لأنهن حرمن عليهم بالإيمان {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} لأنهم كافرون {وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ} أي أعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا من المهور. وذلك لأن المهر: مقابل الاستمتاع، وقد زال الاستمتاع ببينونتها منه بسبب إسلامها؛ وليس بسبب طلاقه لها
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} لا إثم ولا حرج {أَن تَنكِحُوهُنَّ} تتزوجوهن بعد ذلك {إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهن. وقد شرط تعالى إيتاء المهر في نكاحهن: إيذاناً بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام المهر {وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} أي اللاتي ارتددن ولحقن بالكفار اطلبوا {مَآ أَنفَقْتُمْ} من المهر
{وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} اللائي لحقن بأهلهن من {الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} أي فأردتم القصاص {فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} أي أعطوهم {مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ} من المهور على أزواجهم. وذلك من مهور من لحق بكم من المؤمنات اللاتي كن متزوجات من الكفار؛ وبذلك تحصل المقاصة التي أمر بها الله تعالى، وتقرها القوانين الوضعية {وَاتَّقُواْ اللَّهَ} فلا تجوروا في ذلك؛ بل مثل بمثل
{يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} يعاهدنك: فعاهدهن {عَلَى أَن لَاّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} قد يكون المراد بالإشراك هنا: الإفراط في الحرص على المال، والإفراط في حب النفس والأولاد، والجبن؛ لأن الله تعالى وصفهن أولاً بالمؤمنات {إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} فوجب أن ينصرف الشرك عن عبادة ما عدا الله تعالى؛ إلى ما يبلغ حبه والحرص عليه حد العبادة {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} لم يرد أن أما قتلت وليدها في الجاهلية؛ وإنما كان يقوم بذلك الرجال دونهن؛ بطريق الوأد خشية العار، والقتل خشية الإملاق. وقد كان ذلك يتم برضاهن؛ فكن شريكات في الإثم. قال:«إذا قتل إنسان في المشرق، ورضي عن ذلك إنسان في المغرب: كان شريكاً في دمه» {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ} بكذب وزور {يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ} وهو ما أخذته المرأة لقيطاً؛ وزعمت لزوجها أنه ولدها منه بين وهو ما ولدته المرأة من زنى
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَوَلَّوْاْ قوْماً} لا تصادقوهم، ولا تتخذوا منهم خلصاء وأحباباً.
⦗ص: 683⦘
{قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخِرَةِ} أي أنكروا البعث ويئسوا من الإعادة يوم القيامة، أو يئسوا من الأجر والثواب؛ لأنهم لا إيمان لهم يجزون عليه، ولا عمل صالح يثابون بسببه {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ} الأحياء {مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} أن يعودوا إليهم مرة ثانية. أو «كما يئس الكفار» الذين هم في القبور؛ أن يرجعوا إلى الدنيا، أو يأسهم من ثواب الآخرة؛ لانقطاع عملهم بموتهم.