الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة التكوير
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَإِذَا الْعِشَارُ} وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر، وشارفت الوضع {عُطِّلَتْ} تركت مهملة؛ لاشتغال أصحابها بأنفسهم، أو «عطلت» من الولادة. وقيل: إن العشار السحاب؛ وتعطيلها: عدم إمطارها
{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} أي الأرواح قرنت بأجسادها، أو إذا النفوس صنفت: كل نفس مع من يشاكلها من أجناسها
{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} وهي التي دفنت حية. وقد كانت العرب تئد البنات خشية العار والإملاق. روي أن عمربن الخطاب رضي الله تعالى عنه بينما كان يجلس مع بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم؛ إذ ضحك قليلاً، ثم بكى؛ فسأله من حضر عن سبب ضحكه، وسر بكائه؟ فقال: لقد كنا في الجاهلية نصنم الصنم من العجوة؛ فنعبده أياماً ثم نأكله؛ وهذا ما أضحكني، أما بكائي فلأنه كانت لي ابنة؛ فأردت وأدها - كشأننا في تلكم الأيام - فأخذتها معي وحفرت لها حفرة؛ فصارت تنفض لحيتي كلما تراكم عليها التراب؛ فلم يشفع لها ذلك دون وأدها؛ وقد دفنتها حية؛ وهذا ما أبكاني
هذا هو عمر - قبل الإسلام - فانظر إلى عمر بعد الإسلام، وكيف خطت الدموع في وجنتيه خطين؛ لمزيد رقته، وشدة بكائه، وكيف أنه حمل إلى أم الصبية - التي كانت تعلل أبناءها الجياع بالماء والحصى في القدر ليناموا - الدقيق والسمن وجعل ينفخ في النار؛ ولحيته على الأرض في التراب حتى طاب الطعام، وأقبل على الصبية يطعمهم، وهو يبكي ويقول: ويل عمر ليت أم عمر لم تلد عمر هذا ولم ينقل عمر من درك الوحشية، إلى سماء الإنسانية: سوى دين الإسلام - الذي سرى في روحه، وأشرب به قلبه - دين النور، والرأفة، والرحمة، دين السماحة والحضارة
{عَلِمَتْ نَفْسٌ} وقتذاك {مَّآ أَحْضَرَتْ}
⦗ص: 736⦘
ما عملت من خير أو شر
{فَلَا أُقْسِمُ} أي أقسم {بِالْخُنَّسِ} الكواكب الرواجع لأنها تذهب وتجيء، أو هي الكواكب كلها؛ لأنها تختفي نهاراً، وتظهر ليلاً
{الْجَوَارِ} السيارة، التي تجي مع الشمس {الْكُنَّسِ} التي تختفي تحت ضوء الشمس. وكناس الظبي: بيته
{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} أقبل. ولا يخفى ما في مجيء الصبح من النسيم، والروح؛ الذي يشبه التنفس. وجميع ما تقدم: قسم؛ وجوابه:
{إِنَّهُ} أي القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} هو جبريل عليه السلام؛ وقد أسند إليه: لأنه هو الذي نزل به
{مَكِينٍ} ذي جاه ومكانة
{مُّطَاعٍ ثَمَّ} أي مطاع هناك في السموات؛ يطيعه أهلها {أَمِينٍ} على الوحي المكلف بإنزاله
{وَمَا صَاحِبُكُمْ} محمد {بِمَجْنُونٍ} وقد استدل الزمخشري بهذه الآيات على تفضيل الملك على الرسول؛ وهو استدلال باطل؛ لأنها لم ترد على سبيل التفضيل؛ بل جاءت تكذيباً لقولهم:
{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} وقولهم: {أَم بِهِ جِنَّةٌ} وهذا وإن كان فيه غلو من جانب الزمخشري في تفضيل الملك على الرسول؛ فقد تغالى أقوام بقولهم: إن عوام البشر: أفضل من عوام الملائكة. والذي أراه - ويراه كل منصف - أننا لو استثنينا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: كانت الملائكة أفضل من البشر؛ لما ميزهم الله تعالى به من الطاعة المطلقة {لَاّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وما اختصهم به من القرب {يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (انظر آية 29 من سورة الحجر)
{وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} أي لقد رأى محمد جبريل عليهما الصلاة والسلام على صورته الملائكية بمطلع الشمس
{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} أي وما محمد على تبليغ ما أوحي إليه، وتعليمه للبشر بمقصر بخيل. وقرىء «بظنين» أي بمتهم
{فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} أي فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريق؟
{إِنْ هُوَ} أي القرآن: ما هو {إِلَاّ ذِكْرٌ} تذكرة وتبصرة
{لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} أي لمن شاء الاستقامة؛ بالدخول في الإسلام. ومن هنا علم أن الإيمان والاستقامة في وسع كل إنسان، ووفق مشيئته؛ ولا يمنع ذلك قول الحكيم العليم
{وَمَا تَشَآءُونَ إِلَاّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} إذ أنه جل شأنه: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} ولا يفعل عز سلطانه ما لا يرضاه فمتى فتح الإنسان مغاليق فهمه، وأبدى استعداده لتلقي كلام ربه: أعانه الله تعالى على نفسه، ودفع عنه بأس شيطانه أما إذا ركب رأسه، ووضع أقفال الجهل على قلبه، وأصم سمعه عن الهداية، واتبع غير سبيل المؤمنين؛ فإن الله تعالى يمد له في ضلاله، ويزيد في خباله {لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} وليس معنى ذلك أن الحكيم العليم فرض
⦗ص: 737⦘
عليهم الكفر فرضاً، وألزمهم به إلزاماً، وقسرهم عليه قسراً