الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أي فامض في تنفيذ ما أمرتك به؛ واجهر بما أنزلته عليك من القرآن، وأعلن كلمة التوحيد، وشق باطلهم بحقك
سورة النحل
بسم الله الرحمن الرحيم
{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} بمعنى سيأتي؛ وعبر تعالى بالماضي: لتيقن وقوعه؛ وهو البعث والنشور والحساب {فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} وتقولوا: متى؟ وأين؟ وأيان؟ {سُبْحَانَهُ} تقدس وتنزه (انظر آية صلى الله عليه وسلم من سورة الإسراء)
{يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ} بالوحي {مِنْ أَمْرِهِ} بإرادته {عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} الذين اصطفاهم لنبوته، واختارهم لرسالته
{خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ} مني (انظر آية 21 من الذاريات){فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} خصم شديد الخصومة لمن خلقه ورزقه
{وَالأَنْعَامَ} الإبل والبقر والغنم {خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} من أصوافها وأوبارها وأشعارها؛ تصنعون كساء، ورداء، وغطاء لكم فيها {مَنَافِعُ} تنتفعون بركوبها، وتشربون من ألبانها
{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} زينة {حِينَ تُرِيحُونَ} من الإراحة؛ أي حين تردونها في العشي من مسارحها ومراعيها؛ إلى مراحها ومنازلها التي تأوي إليها {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} بها، وتخرجونها من مراحها إلى مرعاها في الصباح
{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ} بعيد {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلَاّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} بجهدها ومشقتها
{وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} من وسائل النقل والركوب: كالقاطرات، والسيارات، والطائرات، وغيرها
{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} أي وعليه تعالى هداية الطريق المستقيم {وَمِنْهَا جَآئِرٌ} أي ومن هذه السبل ما هو مائل عن الاستقامة {وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} قسراً وجبراً؛ ولكنه تعالى أراد أن تهتدوا بالحجة والبرهان
{فِيهِ تُسِيمُونَ} أي من الشجر تأكلون؛ وهو من سامت الماشية: إذا رعت
{يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ} أي بالماء النازل من السماء {الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} (انظر آية 266 من سورة البقرة){إِنَّ فِي ذَلِكَ} الإنزال، والإنبات {لآيَةً} دالة على قدرة الخالق ووحدانيته وعظمته {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي لهم عقول يفكرون بها في الأسباب ومسبباتها، والخالق تعالى ومخلوقاته
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ} ما خلق لكم {فِي الأَرْضِ} من الحيوان، والنبات، وغيره {مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} كالأحمر، والأصفر، والأخضر، والأسود، والأبيض. ويجوز أن يكون معنى «مختلفاً ألوانه» أي متعدداً أصنافه وأشكاله
{وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ} أي من البحر {حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} كاللؤلؤ والمرجان {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ} أي جواري في البحر؛ تمخر الماء: أي تشقه {وَلِتَبْتَغُواْ} لتطلبوا بواسطة هذه الفلك {مِن فَضْلِهِ} من رزقه تعالى؛ بالانتقال للاتجار من بلد إلى بلد
{وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} جبالاً ثوابت {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} أي لئلا تميد الأرض بكم وتضطرب {وَسُبُلاً} طرقاً تسيرون فيها.
{وَعَلامَاتٍ} تستدلون بها - في سيركم - على الطرقات؛ كالجبال، والوديان، والأنهار {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} إلى الطرق، وإلى الجهات، وإلى القبلة
{أَفَمَن يَخْلُقُ} جميع ذلك، ويديره، ويدبره، ويحفظه، ويكلؤه؛ وهو الله الكبير المتعال {كَمَن لَاّ يَخْلُقُ} شيئاً أصلاً؛ بل يفتقر إلى خالق يخلقه، وموجد يوجده؛ وهو الصنم الذي تعبدونه {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} أفلا تتذكرون ذلك؛ فتؤمنوا ب الله الخالق البارىء المصور
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ} عليكم {لَا تُحْصُوهَآ} وكيف تحصى أنعمه تعالى؛ وهي لا يحدها حد، ولا يحصيها عد؛ ويكفينا من أنعمه تعالى: واسع رحمته؛ ومزيد مغفرته {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ} لكم {رَّحِيمٌ} بكم قال الحسن رضي الله تعالى عنه: إن لله في كل عضو نعمة؛ فيستعين بها الإنسان على المعصية. اللهم لا تجعلنا ممن يتقوى بنعمتك على معصيتك؛ وهب لنا لساناً ذاكراً، وقلباً خاشعاً، وجوارح لا تعمل إلا في طاعتك؛ وجنبنا معصيتك، وأدخلنا جنتك؛ بمنك ورحمتك (انظر آية 34 من سورة إبراهيم)
{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ} يعبدون {مِن دُونِ اللَّهِ} غيره {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أرأيت إلى الصنم: هل يستطيع أن يوجد بنفسه؛ من غير موجد له؟
{أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي لا يعلمون في أي وقت يبعث عبدتهم
{فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} وما فيها من بعث وحساب، ونعيم وعذاب {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} جاحدة: لا تقبل الوعظ، ولا ينفع معها النصح؛ لأنهم أصروا على عدم الاستماع، ولأن الذي لا يؤمن بالآخرة: لا يرجو ثواباً، ولا يخشى عقاباً {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عن الاستماع والانتفاع
{لَا جَرَمَ} أي لا بد ولا محالة أن يؤول حالهم إلى ما آل إليه، وأن تنكر قلوبهم الوعظ، وتأبى الرشاد، وأن يستكبروا عن الإيمان؛ ووٌوٍوَوُوِ} في قلوبهم
{وَمَا يُعْلِنُونَ} بألسنتهم وجوارحهم
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} على محمد {قَالُواْ أَسَاطِيرُ} أباطيل وأكاذيب {الأَوَّلِينَ} الأمم الماضية
{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ} ذنوبهم {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} أي وليحملوا أوزاراً أخرى مع أوزارهم؛ وهي أوزار الناس الذين تسببوا في إضلالهم {بِغَيْرِ عِلْمٍ} ممن ضلوا بسببهم بأنهم ضلال {أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ} أي بئس ما يحملونه من ذنوبهم وآثامهم، وذنوب وآثام غيرهم
{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} كفروا مثل كفرهم، وأضلوا مثل إضلالهم {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ} قوضه وخربه {مِّنَ الْقَوَاعِدِ} من الأساس؛ حتى لا تقوم له قائمة بعد {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ} أي وهم تحته فهلكوا. وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذا الكلام على حقيقته؛ وأن المراد به نمرود بن كنعان - الذي حاج إبراهيم في ربه - أو جباراً آخر من جبابرة
⦗ص: 322⦘
النبط أو بختنصر، أو هامان. والذي أراه أن الله تعالى شبه هلاك الأمم المتقدمة واستئصالهم: بمن أقاموا في بيت انهارت أسسه؛ فخر عليهم سقفه {وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} ولا يتوقعون
ويصح أن يكون الكلام على حقيقته؛ إذا أطلق على الأمم المتقدمة: كقرى قوم لوط، قال تعالى في وصف تعذيبهم {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} وذلك بأن أتى قواعدها؛ بأن زلزل أرضها زلزالاً عنيفاً، ورفعها بما فيها ومن فيها؛ وجعل عاليها سافلها: فصارت سماؤها أرضاً، وأرضها سقفاً {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ}