المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} أي تتنزل بالوسوسة والإغواء - أوضح التفاسير - جـ ١

[محمد عبد اللطيف الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

- ‌4

- ‌سورة آل عمران

- ‌ 1

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌2

- ‌33

- ‌سورة الأنعام

- ‌ 1

- ‌59

- ‌سورة الأعراف

- ‌ 1

- ‌سورة الأنفال

- ‌سورة التوبة

- ‌سورة يونس

- ‌ 1

- ‌سورة هود

- ‌ 32

- ‌سورة يوسف

- ‌ 1

- ‌سورة الرعد

- ‌ 1

- ‌8

- ‌سورة إبراهيم

- ‌ 1

- ‌سورة الحجر

- ‌ 1

- ‌سورة النحل

- ‌32

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة مريم

- ‌ 1

- ‌سورة طه

- ‌8

- ‌سورة الأنبياء

- ‌سورة الحج

- ‌سورة المؤمنون

- ‌41

- ‌سورة النور

- ‌2

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعراء

- ‌ 1

- ‌سورة النمل

- ‌ 1

- ‌8

- ‌65

- ‌سورة القصص

- ‌ 1

- ‌80

- ‌سورة العنكبوت

- ‌ 1

- ‌سورة الروم

- ‌ 1

- ‌سورة لقمان

- ‌ 1

- ‌سورة السجدة

- ‌ 1

- ‌سورة الأحزاب

- ‌سورة سبإ

- ‌5

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌ 1

- ‌سورة الزمر

- ‌5

- ‌سورة غافر

- ‌7

- ‌سورة فصلت

- ‌ 1

- ‌5

- ‌سورة الشورى

- ‌سورة الزخرف

- ‌ 1

- ‌سورة الدخان

- ‌ 1

- ‌سورة الجاثية

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمد عليه الصلاة والسلام

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌7

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌6

- ‌سورة المجادلة

- ‌6

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الصف

- ‌6

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقون

- ‌سورة التغابن

- ‌9

- ‌سورة الطلاق

- ‌7

- ‌سورة التحريم

- ‌5

- ‌6

- ‌سورة الملك

- ‌سورة القلم

- ‌سورة الحاقة

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌سورة الجن

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌4

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النبإ

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الطارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البلد

- ‌سورة الشمس

- ‌سورة الليل

- ‌سورة الضحى

- ‌7

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التين

- ‌5

- ‌سورة العلق

- ‌5

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البينة

- ‌سورة الزلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌7

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌3

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌سورة النصر

- ‌سورة المسد

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة الناس

الفصل: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} أي تتنزل بالوسوسة والإغواء

ص: 457

{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} كذاب، مرتكب للإثم. والمقصود: رؤساء الكفار والذين يزعمون معرفة الغيب

ص: 457

{يُلْقُونَ السَّمْعَ} أي أن الشياطين تتسمع إلى الملإ الأعلى {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} يقولون لأوليائهم ما لا يسمعون. وأولياؤهم: هم {كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} يزيدون على إفك الشياطين إفكاً، ويزدادون على إثمهم إثماً

ص: 457

{وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ليس المراد بالشعراء هنا: كل الشعراء. بل أريد الغاوون منهم، والضالون: الذين يلوكون بألسنتهم أعراض الناس، ويتشدقون بالإثم والفجور، ويروجون للفسق والخمور أما من ارتقى منهم بشعره عن درك الفساد والإفساد؛ فقد يكون من أئمة الأتقياء، وخلاصة الفضلاء الأصفياء وناهيك بأن منهم الإمام البوصيري، وحسانبن ثابت: شاعر النبي والإمام ابن الفارض، والبرعي؛ وغيرهم ممن وقفوا قرائحهم وأشعارهم على ذكر الرحمن الرحيم، ومدح رسوله العظيم، ووصف كتابه الكريم وهم الذين استثناهم الله تعالى بقوله:

ص: 457

‌سورة النمل

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 457

{طس} (انظر آية‌

‌ 1

من سورة البقرة)

ص: 457

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} بالقيامة، والحساب، والجزاء {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} الفاسدة؛ ليزدادوا كفراً على كفرهم، وطغياناً على طغيانهم (انظر آية 122 من سورة الأنعام){يَعْمَهُونَ} يترددون في ضلالهم

ص: 457

{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ} لتتلقاه وتتلقنه {مِن لَّدُنْ} من عند {حَكِيمٍ} يحكم قوله وفعله وأمره {عَلِيمٍ} بمصالح الناس وحاجاتهم

ص: 457

{إِذْ قَالَ مُوسَى} أي واذكر قصة موسى؛ إذ قال {لأَهْلِهِ} امرأته {إِنِّي آنَسْتُ} أبصرت من بعيد {سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ} لأن النار الموقدة: دليل على وجود موقد لها؛ تستقى منه الأخبار، ويهتدى به إلى الطريق، ويستطعم {بِشِهَابٍ} شعلة مضيئة {قَبَسٍ} القبس: كل ما يقتبس؛ من جمر، وجذوة، ونحوهما {لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلِونَ} تستدفئون من البرد

ص: 457

{فَلَمَّا جَآءَهَا} أي جاء موسى النار التي توهمها {نُودِيَ} من حيث لا يعلم من أين يأتيه النداء، ولا يعلم صفته، ولا كنهه: نداء ولا صوت {أَنْ} بأن {بُورِكَ} بارك الله {مَن فِي النَّارِ} من الملائكة

⦗45‌

‌8

{وَمَنْ حَوْلَهَا} موسى. وهي تحية من الله تعالى لكليمه عليه الصلاة والسلام {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} تنزه وتقدس (انظر آية صلى الله عليه وسلم من سورة الإسراء) ونودي

ص: 457

{يمُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ} القوي، الغالب، الذي لا يغلب {الْحَكِيمُ} الذي يضع الأمور في مواضعها، ويعد لكل شيء عدته

ص: 458

{فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} تتحرك {كَأَنَّهَا جَآنٌّ} حية {وَلَّى مُدْبِراً} أسرع راجعاً {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يرجع؛ فناداه ربه تعالى {يمُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} وكيف يخافون في موطن الأمن والسلامة؟

ص: 458

{إَلَاّ مَن ظَلَمَ} نفسه منهم بالزلل {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ} كآدم، ويونس، وداود، وسليمان؛ عليهم السلام فإنهم يخافون؛ رغم رضائي عنهم، ومغفرتي لهم، وتوبتي عليهم. وقيل:«إلا من ظلم» من غير الأنبياء؛ لأن الأنبياء لا يظلمون

ص: 458

{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} الجيب: فتحة الثوب مما يلي العنق {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} من غير مرض: كبرص ونحوه

ص: 458

{وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ} أي أنكروها بألسنتهم؛ لشدة كفرهم وعنادهم، واستيقنتها قلوبهم؛ لما رأوه من صحتها، وصدقها، ووضوحها (انظر آية 200 من سورة الشعراء)

ص: 458

{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} في النبوة والعلم؛ دون سائر أبنائه {وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ} المراد به كثرة ما أوتي من الملك، والعلم، والنبوة

ص: 458

{وَحُشِرَ} جمع {يُوزَعُونَ} يحبس أولهم على آخرهم؛ ليكونوا مجتمعين طوع أمره وإرادته

ص: 459

{وَادِي النَّمْلِ} هو واد كثير النمل {قَالَتْ نَمْلَةٌ} قيل: إنها ملكتهم. هذا وقد أثبت العلم الحديث: أن للنمل ملكة يأتمر بأمرها، وينتهي بنهيها (انظر آية 38 من سورة الأنعام) {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ} لئلا يحطمنكم. والحطم: الكسر. ومن هنا نعلم أن القوي قد يهلك الضعيف من حيث لا يشعر، وأن الضعيف يجب أن يعد عدته، ويأخذ أهبته؛ لتوقي ضرر القوي

ص: 459

{أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} ليكون عبرة لغيره؛ ممن يستكبر عن أمري. هذا وقد رسمت هذه الكلمة في المصحف الإمام هكذا «لا أذبحنه» بصيغة النفي. وساق علماء الرسم في سبيل إثبات صحة هذا الرسم التعلات، وبذلوا ما وسعهم من الجهد ليحولوا دون الحقيقة المجردة: وهي لا تعدو خطأ كاتب، أو زلة مملٍ. وفي موضوع هجاء المصحف العثماني ورسمه، وعدم وجوب التقيد به، مزيد بيان؛ فانظره إن شئت في كتابنا «الفرقان» {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بحجة ظاهرة

ص: 459

{فَمَكَثَ} سليمان وقتاً {غَيْرَ بَعِيدٍ} فجاء الهدهد {فَقَالَ} حين سأله سليمان عن سبب تخلفه عن مجلسه {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ} وهي قبيلة باليمن، أو هو اسم مدينة بها؛ تعرف بمأرب

ص: 459

{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} هي بلقيس بنت شراحيل {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} تحتاجه الملوك: من الجند، والميرة، والذخيرة، والعظمة، والقوة {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} سرير كبير من ذهب، مرصع بالجواهر واليواقيت؛ كانت تجلس عليه للحكم

ص: 459

{الْخَبْءَ} المخبوء، المستتر عن الأنظار {فِي السَّمَاواتِ} من الماء في {الأَرْضِ} من النبات والكنوز} وفي هذه القصة: تعليم لنا من الله تعالى باستخدام الطير في حمل الرسائل، ولذا وفق الناس لاختيار الحمام الزاجل

ص: 460

{ثُمَّ تَوَلَّ} انصرف {عَنْهُمْ} وكن قريباً منهم؛ بحيث تراهم ولا يرونك {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} يجيبون على كتابي. فلما قرأت بلقيس خطاب سليمان: جمعت وجوه قومها، وأشرافهم، وقادتهم؛ و

ص: 460

{قَالَتْ} لهم {يأَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ} يؤخذ من هذا: أن بلقيس كانت تحكم قومها حكماً «ديموقراطياً» وأنه كان لها مجلس للشورى «برلمان» والقرآن لم يورد هذه القصة عبثاً؛ بل ليرشدنا إلى الطرق الدستورية، والنظم الشورية

ص: 460

{أَلَاّ تَعْلُواْ عَلَيَّ} لا تتكبروا عن طاعتي {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} مؤمنين منقادين

ص: 460

{مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} أي ما كنت ممضية أمراً حتى تحضرون. لم تأخذها العزة بالإثم، ولم تغرها سطوة سلطانها، وقوة جيشها، وإخلاص شعبها؛ لم يمنعها كل ذلك من استشارة رؤوس دولتها، وكبراء مملكتها، ومناقشتهم؛ وقد تكون بلقيس أول امرأة في التاريخ بمثل هذا الخلق، وبمثل هذا التدبير، وهذه الحكمة

ص: 460

{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً} فاتحين غازين {أَفْسَدُوهَا} بالقسوة والبطش {وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً} لقد نظرت بلقيس بثاقب رأيها، وعلمت أن الملوك الأقوياء إذا احتلوا بلداً عنوة: أخذوا خيراتها، وأذلوا أهلها واستعبدوهم

⦗ص: 461⦘

{وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ}

دائماً

ص: 460

{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} امتحاناً لهم، ودرءاً لصولتهم؛ فعسى أن يكونوا طلاب مال؛ فتشغلهم هديتنا عن إيذائنا {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} من أخبارهم

ص: 461

{فَلَمَّا جَآءَ} الرسل {سُلَيْمَانُ} ورأى ما يحملون من هدايا، وأموال، وتحف، ونفائس؛ تفوق العد والحصر {قَالَ} لرسل بلقيس {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِي اللَّهُ} من الإسلام، والملك، والعلم، والنبوة {خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ} من المال وحده {بَلْ أَنتُمْ} لا أنا {بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} والتفت سليمان إلى رئيس وفد بلقيس قائلاً له

ص: 461

{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} بهديتهم {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَاّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} أي لا طاقة لهم على مقابلتهم ومقاتلتهم {وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ} أي من بلادهم {أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} الصغار: شدة الذل.

ثم التفت سليمان إلى خاصته ووزرائه؛ من الإنس والجن

ص: 461

ص: 461

{قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الْجِنِّ} العفريت: هو القوي، الواسع الحيلة، النافذ الأمر، الشديد الدهاء. و «الجن» المستتر. من جنه الليل: إذا ستره. وجن الليل: ظلمته {قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} أي من مجلسك هذا

ص: 461

{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} قيل: إنه ملك سخره الله تعالى لسليمان. وقيل: إنه جبريل عليه السلام. وقيل: هو وزيره آصفبن برخيا؛ وقد كان يعلم اسم الله الأعظم؛ الذي إذا دعى به أجاب، وإذا سئل به أعطى {قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} أي قبل أن تغمض عينك؛ والمراد به: المبالغة في قرب المدة {لِيَبْلُوَنِي} ليختبرني {أَأَشْكُرُ} على ما أنعم به علي {أَمْ أَكْفُرُ} فأنسى ذلك، وأنسبه لنفسي ولجندي {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} عن شكر الشاكرين، وعبادة العابدين {كَرِيمٌ} في عطائه؛ يتفضل على من يشكر، ومن يكفر

ص: 461

{قَالَ نَكِّرُواْ} أي غيروا

ص: 461

{فَلَمَّا جَآءَتْ} بلقيس: أروها عرشها المستقر عند سليمان؛ و {قِيلَ} لها {أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} لم تجزم بأنه هو: لغرابة وجوده في ذلك الزمان والمكان، ولاستحالة حدوث ذلك عقلاً. وذهب بعض المحدثين إلى أنه لم يكن ثمة سوى رسم العرش - لا العرش نفسه - واستدلوا على ذلك: بقول سليمان لها: «أهكذا عرشك» وقولها «كأنه هو» وهذا الرأي يأباه سياق النظم الكريم؛ لقوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ} وإلا فأين المعجزة الخارقة وأين الآية الظاهرة؟ {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} هو من قول سليمان؛ أي أوتينا العلم بأن الله تعالى على كل شيء قدير

{مِن قَبْلِهَا} أي من قبل هذه المرة، أو «وأوتينا العلم» بمجيئها طائعة وإسلامها «من قبل» مجيئها {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} منقادين لأمرالله، طائعين له

ص: 462

{وَصَدَّهَا} منعها عن عبادة الله تعالى {مَا كَانَت} أي الذي كانت {تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ} ويجوز أن يكون المعنى «وصدها» سليمان «ما كانت تعبد» عما كانت تعبد {إِنَّهَا} أي لأنها {كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ} يعبدون الشمس والقمر

ص: 462

{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ} وهو كل بناء عال {فَلَمَّا رَأَتْهُ} أي رأت الصرح؛ وقد صنعت أرضه من زجاج شفاف {حَسِبَتْهُ لُجَّةً} ماء عظيماً {قَالَ} سليمان {إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ} مملس {مِّن قَوارِيرَ} زجاج. فلما رأت هذه العظمة، وهذه الأبهة؛ التي أضفاهما الله تعالى على سليمان، ورأت عرشها؛ وقد جيء به إليه: علمت أن ذلك لا يتوفر إلا لمن تسنده قوى خارقة من السماء؛ و {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بالشرك الذي كنت فيه، وأقمت عليه {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قيل: إن سليمان تزوجها بعد إسلامها. وقيل: زوجها لذي تبع ملك همدان؛ ولم يثبت صحة شيء من ذلك

ص: 462

{قَالَ} لهم نبيهم صالح {يقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ} تطلبون العذاب {قَبْلَ الْحَسَنَةِ} قبل طلب المغفرة. أو {لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ} بالمعصية قبل الطاعة {لَوْلَا} هلا {تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} من ذنوبكم الماضية

ص: 462

{اطَّيَّرْنَا} تشاءمنا {بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ} من المؤمنين {قَالَ طَائِرُكُمْ} شؤمكم {عِندَ اللَّهِ} ينزله بكم؛ بسبب كفركم وتكذيبكم (انظر آية 13صلى الله عليه وسلّم من سورة الأعراف)

{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تختبرون بالخير والشر، أو «تفتنون» تعذبون بسبب إصراركم على الكفر والعصيان

ص: 462

{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} الرهط: ما دون العشرة من الرجال

ص: 462

{قَالُواْ} لبعضهم {تَقَاسَمُواْ} أي احلفوا {بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ} لنقتلنه بياتاً؛ أي ليلاً

⦗ص: 463⦘

{ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} أي لولي دمه {مَا شَهِدْنَا} ما رأينا

ص: 462

{وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً} أي دبروا أمرهم بإهلاك صالح وأهله، ودبرنا أمراً بإهلاكهم

ص: 463

{أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} أهلكناهم

ص: 463

{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} أي ساقطة، أو خالية {بِمَا ظَلَمُواْ} أي بسبب ظلمهم وكفرهم وذلك بمعنى قولهم: إن الظلم يخرب الديار الإهلاك والتدمير {لآيَةً} عظة وعبرة

ص: 463

{وَلُوطاً} أي واذكر لوطاً {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} اللواط {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} أي تبصرون ما حل بالأمم السابقة من العذاب؛ حين عصوا وكفروا بربهم. أو المراد: يبصر بعضكم بعضاً؛ عند إتيان هذه الفاحشة الذميمة وذلك إمعاناً منهم في الفسوق، وانهماكاً في المعصية

ص: 463

{إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} كان قولهم ذلك استهزاء؛ كقوله تعالى: {إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} أو أرادوا «يتطهرون» مما نعمل {قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} أي قدرنا أنها من الباقين في العذاب؛ لإصرارها على الكفر، وتكذيب زوجها مع المكذبين

ص: 463

{ءَآللَّهُ} استفهام؛ أي أألله {خَيْرٌ} عبادة، وخير لمن يعبده {أَمَّا يُشْرِكُونَ} به من الأصنام

ص: 463

{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} وما فيها من كواكب وأفلاك، ومن فيها من مخلوقات وأملاك

⦗ص: 464⦘

خلق {الأَرْضِ} وما فيها من بحار وأنهار، وزروع وأشجار، وجبال ورمال، وإنسان وحيوان {وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ} بساتين {ذَاتَ بَهْجَةٍ} حسن ورونق {مَّا كَانَ لَكُمْ} ما كان في استطاعتكم فما بالكم بثمرها؟ والمعنى: أذلك الإله - الموصوف بكل هذه الصفات - خير أم ما تعبدون من دونه؟ ويلكم {مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ *

ص: 463