الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المؤمنون
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ} اللغو: كل كلام ساقط؛ حقه أن يلغى: كالكذب، والسب، والهزل
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من الإماء؛ اللاتي تخلفن نتيجة جهاد الكافرين؛ في سبيل إعلاء الدين وليس كما يفعل بعض من لا خلاق لهم ولا دين: من الاتجار فيهن؛ تحت ستار إحلال الله تعالى له؛ وليس الأمر كما يقولون ويفعلون؛ بل هو من أكبر الكبائر: فلم يحل الله تعالى استعباد النفوس؛ إلا إذا طغت وتجبرت - بعد كفرها - وجاهرت المؤمنين بالعداء؛ فلا يصلحها حينذاك إلا قطع الرؤوس، وهلاك النفوس، وسلب الأموال، وسبي العيال، واستعباد النساء والرجال وهذا هو ملك اليمين، الذي شرعه رب العالمين؛ وأحله ونظمه؛ وأمر تعالى - فيما أمر - بإعزازه بعد الذل، وإكرامه بعد الهوان، وإطلاقه بعد التملك ونهى جل شأنه - فيما نهى - عن إذلاله وامتهانه، وجعل تخليصه وإعتاقه إحدى القربات إليه
أما الآن - وليس ثمة حرب ولا قتال - فكيف يتملك الناس رقاب الأحرار؛ ويستحلون فروجهن بغير ما أمرالله؛ إنه الزنا ورب الكعبة بل هو الفسق، والفجور، والظلم وإلا فبماذا نسمي استعباد الأحرار المسلمين، واستحلال النساء بغير كلمةالله؟
{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذلِكَ} أي طلب غير ما أحله الله تعالى من زواج مشروع، وتملك مشروع {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} المعتدون؛ المستوجبون للحد
{وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} فلا ينقضون عهداً، ولا يغمطون وداً (انظر آية صلى الله عليه وسلم من سورة المائدة)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلَالَةٍ} خلاصة. والسلالة: ما انسل من الشيء. والسليل، والسليلة: الولد والبنت
⦗ص: 413⦘
{مِّن طِينٍ} وهو آدم عليه السلام؛ أصل البشر
{ثُمَّ جَعَلْنَاهُ} أي جعلنا سائر الإنسان من ولد آدم {نُطْفَةً} منياً {فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} مستقر حصين في صلب الرجل؛ أو هو الرحم
{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} هي واحدة الحيوانات الصغيرة التي توجد بالمني {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} قطعة لحم صغيرة؛ قدر ما يمضغ {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} أي إنساناً كاملاً، ناطقاً، سميعاً، بصيراً، عاقلاً {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (انظر آية 21 من سورة الذاريات)
{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ} الخلق والإنشاء {لَمَيِّتُونَ} وعائدون إلى التراب الذي خلقتم منه
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} فنحاسبكم على ما قدمتم لأنفسكم؛ فمن عمل خيراً أثيب عليه، ومن عمل سوءاً عوقب به
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ} سموات؛ جمع طريقة؛ لأنها طرق الملائكة. وسميت أيضاً «طرائق» لأن بعضها فوق بعض؛ والعرب تسمي كل شيء فوق شيء: طريقة
{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ} بتقدير حسب طلبكم له، وحاجتكم إليه؛ فلا هو بالمحرق، ولا هو بالمغرق؛ اللهم إلا إذا كان عذاباً وعقاباً {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} فيحل الجدب مكان الخصب
{فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ} بساتين {مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} (انظر آية 266 من سورة البقرة){لَّكُمْ فِيهَا} أي في هذه الجنات {فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ} متنوعة؛ لا يعلم مداها سوى خالقها
{وَشَجَرَةً} هي شجرة الزيتون {تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ} جبل فلسطين {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} أي بالزيتون المحتوي على الدهن؛ وهو الزيت {وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ} إدام يأتدمون به
{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ} وهي الإبل والبقر والغنم {لَعِبْرَةً} لعظة وتذكيراً بقدر الله تعالى، ومزيد أنعمه {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا} من الألبان {وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ} بأصوافها وأوبارها: للفرش، واللبس، وما شاكل ذلك
{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ} السفن
⦗ص: 414⦘
{تُحْمَلُونَ} في حلكم وترحالكم {يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} أي يترأس ويتملك {وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلَائِكَةً} برسالته إلينا
{إِنْ هُوَ إِلَاّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} جنون {فَتَرَبَّصُواْ} انتظروا {حَتَّى حِينٍ} أي إلى أن يموت
{قَالَ} نوح {رَبِّ انصُرْنِي} عليهم {بِمَا كَذَّبُونِ} أي بسبب تكذيبهم إياي
{فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} أي اصنع السفينة بمعونتنا وتحت حفظنا ورعايتنا.
و «الفلك» يطلق على الواحد والجمع {وَوَحْيِنَا} أي وبإرشادنا {فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا} بإهلاك الكافرين {وَفَارَ التَّنُّورُ} أي وفار الماء في التنور - الذي يخبز فيه - فكان الغرق، من موضع الحرق وقيل: المعنى: أن سفينة نوح عليه السلام سارت بالبخار، كما تسير سفن اليوم في البحار. وهذا معنى قوله تعالى:«وفار التنور» وهو قول غريب مريب: تعلق به وبأمثاله بعض المتأخرين؛ رغم مخالفته للأقوال الصريحة، والأحاديث الصحيحة وما اخترعت مثل هذه المعاني إلا لنفي قدرة الله تعالى على إيجاد الماء من النار، وبالتالي نفي وجوده تعالى وقدرته على خلق الخوارق، وقلب الحقائق {فَاسْلُكْ فِيهَا} أي فأدخل في السفينة {مِن كُلٍّ} من أنواع المخلوقات وأجناسها {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} ذكر وأنثى؛ لحفظ الأنواع وبقائها. قيل: لم يحمل نوح في سفينته إلا كل ما يلد ويبيض؛ أما أمثال البق والذباب والدود؛ فقد أخرجها الله تعالى - بعد ذلك - من الطين {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي ولا تسألني المغفرة للكافرين
{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ} أي علوت وتمكنت وجلست {أَنتَ وَمَن مَّعَكَ} من المؤمنين {وَعَلَى الْفُلْكِ} السفينة التي صنعتها بأمري {فَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الكافرين
{وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً} أي أنزلني إنزالاً مباركاً أو أنزلني موضعاً مباركاً
{إِنَّ فِي ذلِكَ} المذكور من أمر السفينة، وإنجاء نوح والمؤمنين، وإهلاك الكافرين {لآيَاتٍ}
⦗ص: 415⦘
دلالات على كمال قدرته تعالى، ومزيد فضله؛ وأنه جل شأنه ينصر دائماً أنبياءه، ويهلك أعداءهم وأعداءه {وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} مصيبين بعض الأنبياء والمؤمنين، أو مصيبين بعض الأقوام المكذبة؛ فقد أصبنا قوم نوح ببلاء عظيم، وعذاب شديد أو «لمبتلين» لمختبرين الأمم السابقة بإرسال الرسل؛ لنعلم - علم ظهور - المطيع من العاصي وقد يكون المعنى «إن في ذلك» القصص؛ الذي قصصناه عليك يا محمد من أمر نوح وغيره من الأنبياء «لآيات» دالة على صدق رسالتك «وإن كنا لمبتلين» أي لمختبرين بذلك أمتك: لنعلم من يصدق بنبوتك، ومن يكفر بما جئت به