المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أفلا تتذكرون - أوضح التفاسير - جـ ١

[محمد عبد اللطيف الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

- ‌4

- ‌سورة آل عمران

- ‌ 1

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌2

- ‌33

- ‌سورة الأنعام

- ‌ 1

- ‌59

- ‌سورة الأعراف

- ‌ 1

- ‌سورة الأنفال

- ‌سورة التوبة

- ‌سورة يونس

- ‌ 1

- ‌سورة هود

- ‌ 32

- ‌سورة يوسف

- ‌ 1

- ‌سورة الرعد

- ‌ 1

- ‌8

- ‌سورة إبراهيم

- ‌ 1

- ‌سورة الحجر

- ‌ 1

- ‌سورة النحل

- ‌32

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة مريم

- ‌ 1

- ‌سورة طه

- ‌8

- ‌سورة الأنبياء

- ‌سورة الحج

- ‌سورة المؤمنون

- ‌41

- ‌سورة النور

- ‌2

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعراء

- ‌ 1

- ‌سورة النمل

- ‌ 1

- ‌8

- ‌65

- ‌سورة القصص

- ‌ 1

- ‌80

- ‌سورة العنكبوت

- ‌ 1

- ‌سورة الروم

- ‌ 1

- ‌سورة لقمان

- ‌ 1

- ‌سورة السجدة

- ‌ 1

- ‌سورة الأحزاب

- ‌سورة سبإ

- ‌5

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌ 1

- ‌سورة الزمر

- ‌5

- ‌سورة غافر

- ‌7

- ‌سورة فصلت

- ‌ 1

- ‌5

- ‌سورة الشورى

- ‌سورة الزخرف

- ‌ 1

- ‌سورة الدخان

- ‌ 1

- ‌سورة الجاثية

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمد عليه الصلاة والسلام

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌7

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌6

- ‌سورة المجادلة

- ‌6

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الصف

- ‌6

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقون

- ‌سورة التغابن

- ‌9

- ‌سورة الطلاق

- ‌7

- ‌سورة التحريم

- ‌5

- ‌6

- ‌سورة الملك

- ‌سورة القلم

- ‌سورة الحاقة

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌سورة الجن

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌4

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النبإ

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الطارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البلد

- ‌سورة الشمس

- ‌سورة الليل

- ‌سورة الضحى

- ‌7

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التين

- ‌5

- ‌سورة العلق

- ‌5

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البينة

- ‌سورة الزلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌7

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌3

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌سورة النصر

- ‌سورة المسد

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة الناس

الفصل: {مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أفلا تتذكرون

{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ} فأعطيكم وأغنيكم {وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} فأخبركم به قبل وقوعه (انظر آية 50 من سورة الأنعام){وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} بل أنا بشر مثلكم {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي} تحتقر لضعفهم وفقرهم {لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً} لأنهم ضعفاء، أو لأنهم فقراء {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} من إيمان وخير؛ فيثيبهم عليه خيراً وبراً {إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} إذا قلت ذلك

ص: 267

{قَالُواْ ينُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ} به من العذاب.

ويا لها من حماقة وجهل (انظر آية‌

‌ 32

من سورة الأنفال)

ص: 267

{وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} بفائتين الله، وناجين من عذابه

ص: 267

ص: 267

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي اختلق محمد هذا القرآن {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} عقوبة إثمي وجرمي {وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ} في حقي؛ وتنسبونه إليّ من الكذب والاختلاق

ص: 267

{فَلَا تَبْتَئِسْ} فلا تحزن ولا تتأسف

ص: 267

{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} بحفظنا ورعايتنا {وَوَحْيِنَا} بأمرنا ومعونتنا؛ وما نوحيه إليك من هيأتها وصفتها {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ} لا تراجعني، ولا تطلب مني العفو عنهم والمغفرة لهم؛ فإنهم قد استوجبوا العذاب بكفرهم؛ ولن تنفعهم شفاعة الشافعين

ص: 267

{قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا} الآن {فَإِنَّا نَسْخَرُ} أي سنسخر {مِنكُمْ} حين ننجو في السفينة بأمر الله تعالى؛ ويدرككم الغرق

ص: 268

{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} في القيامة {مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يفضحه {وَيَحِلُّ} ينزل {عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} أي دائم

ص: 268

{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا} بالعذاب؛ قلبنا الأوضاع ومحونا طبائع الأشياء: فجعلنا الماء يخرج من مصدر النار، والأرض تمتنع عن شربه {وَفَارَ التَّنُّورُ} نبع الماء من التنور بغزارة؛ و «التنور» هو ما يصنع فيه الخبز - وقد صار مصدراً للماء، بعد أن كان مصدراً للنار - من باب خرق العوائد {قُلْنَا} لنوح {احْمِلْ فِيهَا} أي في السفينة {مِن كُلٍّ} أي من كل نوع من الأنواع، وجنس من أجناس المخلوقات {زَوْجَيْنِ} ذكر وأنثى؛ لحفظ النوع بعد الطوفان {وَأَهْلَكَ} أي واحمل أيضاً في السفينة أهلك {إِلَاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} بالإهلاك؛ وهم زوجته وولده كنعان؛ الذي ناداه أبوه لينجيه من الهلاك المحقق

ص: 268

{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} وفي قراءة «ابنها» والضمير لامرأته، وأنه كان ربيبه لا ابنه

ص: 268

{إِلَاّ مَن رَّحِمَ} أي إلا من رحمه الله تعالى بالإيمان، والحمل في السفينة.

فلما تم ما أراده الله تعالى؛ من نفاذ أمره، وهلاك أعدائه: أعاد طبائع الأشياء إلى ما كانت عليه، وتولى حفظها

ص: 268

{وَقِيلَ يأَرْضُ} ارجعي سيرتك الأولى، و {ابْلَعِي مَآءَكِ} كطبيعتك التي أودعتها فيك

⦗ص: 269⦘

{وَيسَمَآءُ أَقْلِعِي} أمسكي عن المطر {وَغِيضَ الْمَآءُ} نقص ونضب {وَقُضِيَ الأَمْرُ} الذي أراده الله تعالى {وَاسْتَوَتْ} استقرت السفينة {عَلَى الْجُودِيِّ} جبل بأرض الجزيرة؛ قرب الموصل. وليس على جبال أرارات؛ كما يزعم الآن بعض المكتشفين - من أنهم رأوا هناك أجزاء من سفينة نوح عليه السلام فما كل خشبة بسفينة، ولا كل سفينة بسفينة نوح {وَقِيلَ بُعْداً} أي هلاكاً وسحقاً {لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الكافرين

ص: 268

{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ} مبتهلاً إليه {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي} الذي حال بيني وبينه الموج {مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} وقد وعدتني أن تنجي أهلي؛ فكيف بولدي؟

ص: 269

{قَالَ ينُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} إشارة إلى أن الكفر يبعد القرباء، والإيمان يقرب البعداء ألا ترى إلى قوله تعالى:{لَاّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وقوله عز وجل {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} وقوله جل شأنه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} ولذا قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنه كان ابن زنا؛ بدليل قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} أي {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} أصلاً؛ لأنه نتيجة عمل غير صالح، وقوله جل شأنه عن زوجتي نوح ولوط عليهما السلام {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} وقد أورد هذا المعنى ابن جرير الطبري بأكثر من عشر طرق رواية؛ وقد حلف بعض التابعين أنه ليس بابنه.

واحتج على من قال ذلك بقوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} وبأنه لا يجوز أن يحدث زنا في بيت من بيوت النبوة؛ ولو أن الكفر حدث في بيوتهم، ومن المقطوع به أن الزنا من الذنوب التي يقلع عنها، ويستغفر منها؛ وهو دون الكفر

ص: 269

ص: 269

{قِيلَ ينُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا} انزل من السفينة. فقد زال الخوف، وحل الأمن، وطهرت البلاد من الفساد {وَبَركَاتٍ} خيرات ونعم {عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ} في السفينة. أي من أولادهم وذرياتهم؛ وهم المؤمنون {أُمَمٍ} منهم سيكفرون ب الله تعالى؛ فأولئك {سَنُمَتِّعُهُمْ} في الدنيا قليلا {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ} في الآخرة {مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم دائم

ص: 269

{تِلْكَ} القصة {مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ} الذي غاب عنك فهمه وعلمه {مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا} الوقت، أو من قبل إيحائي لك بها {فَاصْبِرْ} يا محمد على أذى قومك؛ كما صبر نوح من قبلك على أذى قومه.

ص: 269

{وَيقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} يؤخذ من هذه الآية؛ أن كثر الاستغفار: تزيد في الرزق، وتعين على الباه؛ بدليل قوله تعالى في هذه الآية {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} وقوله جل شأنه:{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} هذا غير الأجر الأخروي المستدل عليه بقوله تعالى: {وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} وأقسم أنه ما اعتراني هم أو ضيق؛ ولجأت إلى الاستغفار: إلا وجدت من شدتي فرجاً، ومن ضيقي مخرجاً {يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} برهان ومعجزة تدل على صدقك

ص: 270

{إِن نَّقُولُ إِلَاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} أي أصابك بمكروه؛ فاختلط عقلك. فتحداهم هود عليه السلام، وتحدى آلهتهم {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهِ} الإله الحق {وَاشْهَدُواْ} أنتم أيضاً {أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} مع الله في العبادة؛ من آلهة لا تضر ولا تنفع

ص: 270

{فَكِيدُونِي جَمِيعاً} أنتم وآلهتكم التي تزعمون أنها مستني بسوء {ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ} لا تمهلوني.

انظر بربك كيف جابه هود بمفرده جمعهم، وكيف استهان بكثرة عددهم وعدتهم وكيف سفه آلهتهم؛ وما ذاك إلا لشدة إيمانه بربه، ويقينه بنصرته، وعظم ثقته بمرسله تعالى وهي وحدها - لو تأملوها بعين الاعتبار - من أعظم البراهين الدالة على صدق رسالته عليه الصلاة والسلام ولو كان مبطلاً: لمالأهم وداهنهم، وخطب ودهم؛ كما يفعل الدجالون المشعوذون

ص: 270

{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} فهو وحده القادر على حفظي وكلاءتي (انظر آية 81 من سورة النساء){وَمَا مِن دَآبَّةٍ} وهي كل ما يدب على وجه الأرض من إنسان وحيوان وطير {إِلَاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ} أي مالك أمرها، وقاهرها؛ فلا تتحرك إلا بإرادته، ولا نفع ولا ضر يقع منها أو عليها إلا بمشيئته وخص الناصية بالذكر: لأن من أخذ بناصيته: يكون في غاية الذلة، ونهاية الاستكانة؛ ولذا كانوا يجزون ناصية المذنب إمعاناً في إذلاله وتحقيره والناصية: شعر مقدم الرأس {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يقضي بين عباده بالحق؛ فيثيب المحسن على إحسانه، ويجازي العاصي على عصيانه

ص: 270

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} تعرضوا عن الإيمان.

⦗ص: 271⦘

{إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} رقيب

ص: 270

{وَتِلْكَ عَادٌ} قوم هود {جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} كذبوا بالمعجزات وأنكروها {وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} كل عات متكبر، معاند للحق

ص: 271

{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} من الناس. واللعنة: الإبعاد والطرد؛ المقترن بالسخط والغضب {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} تدركهم اللعنة أيضاً {أَلَا بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} يقال: أبعده الله بعداً: نحاه عن الخير ولعنه

ص: 271

{وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} جعلكم عماراً لها: تسكنون فيها، وتتمتعون بخيراتها {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} أي قريب الرحمة، مجيب الدعاء

ص: 271

{قَالُواْ ياصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً} نرجو خيرك وعطفك وبرك؛ فما بالك تنهانا عما نعبد ويعبد آباؤنا؟ أو المراد «مرجواً» ذا عقل راجح، وذهن ثاقب

ص: 271

{قَالَ يقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} نبوة وحكمة وهداية {فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} أي ضلال؛ لأن الضلال يعقبه الخسران. أو «فما تزيدونني» بتكذيبكم، والتمسك بآلهة آبائكم؛ غير زيادة ضلالكم وخسرانكم

ص: 271

{فَعَقَرُوهَا} ذبحوها، أو قتلوها، وقيل: قطعوا قوائمها؛ عقرها واحد منهم؛ ورضوا جميعاً عن عمله؛ لذا عبر تعالى بجميعهم. ومن هنا يعلم أن الراضي عن المعصية: شريك في العصيان، وأن العذاب كما يصيب العاصي بعصيانه؛ فإنه يصيب الطائع بتركه النهي عن العصيان، قال تعالى:

{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} بل تصيب الذين ظلموا، والذين لم يضربوا على أيديهم ليكفوا عن ظلمهم {فَقَالَ} لهم صالح؛ بعد عقرهم للناقة، واستهانتهم بأمر ربهم {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ} بالأمن والسلامة {ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} يحل بعدها عذاب الله تعالى بساحتكم {ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} واقع لا محالة

ص: 272

{فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} بالعذاب {نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا} وهي توفيقهم للإيمان؛ الذي كان سبباً في نجاتهم {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} وهو الخزي الذي لحق بالكافرين المعذبين؛ وأي خزي أخزى من غضب الله تعالى وعذابه {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ} القادر على نفاذ أمره {الْعَزِيزُ} القاهر، الذي لا يغلب

ص: 272

{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} كفروا {الصَّيْحَةُ} صاح بهم جبريل عليه السلام؛ فأهلكهم الله تعالى بصيحته؛ والصيحة: تطلق على العذاب، أو هي مقدمة لكل عذاب {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} باركين على الركب ميتين كأن لم يقيموا

ص: 272

{أَلَا بُعْداً لِّثَمُودَ} أبعده الله بعداً: نحاه عن الخير ولعنه

ص: 272

{وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ} ملائكتنا {إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} بشروه بإسحاق ويعقوب {قَالُواْ سَلَاماً} أي سلموا عليه سلاماً؛ أو قالوا قولاً طيباً يبعث على الأمن والراحة والسلام. قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلَاماً} {قَالَ سَلَامٌ} أي أمري سلام، ولا أريد غير السلام {فَمَا لَبِثَ} أي فما مكث {أَن جَآءَ} حتى جاء {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} مشوي؛ فوضعه أمامهم ليأكلوا منه؛ فلم يتقدم أحد منهم للأكل

ص: 272

{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ} أي لا تمتد إلى العجل المشوي الذي قدمه لإكرامهم؛ وقد كانوا جاءوه في صورة بني الإنسان {نَكِرَهُمْ} أنكرهم، وتوهمهم أعداء لا أحباء {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أضمر في نفسه الخوف منهم؛ وذلك لأنه كان من عادة العرب أنهم إذا عادوا إنساناً، وأرادوه بسوء؛ لم يمسوا طعامه؛ ولا يزال ذلك فيهم حتى الآن {قَالُواْ لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} بالعذاب

ص: 272

{وَامْرَأَتُهُ} أي امرأة إبراهيم عليه السلام {قَآئِمَةٌ} بخدمة الأضياف، أو {قَآئِمَةٌ} وراء الستر؛ تستمع لما يدور بينهم وبين زوجها. والأولى أولى: لكلام الملائكة لها، وتبشيرهم إياها

⦗ص: 273⦘

{فَضَحِكَتْ} فحاضت؛ تمهيداً لما سيلقى عليها من البشارة {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} وقيل: {فَضَحِكَتْ} استبشاراً بما سمعته من إهلاك قوم لوط، أو سروراً بزوال الخوف عن زوجها

ص: 272

{قَالَتْ يوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ} ونسيت حيضها؛ الذي هو من علامات الاستعداد للحمل {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً} أي عجوزاً؛ لا ينجب مثله الأبناء {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} قدرته؛ وهو إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون

ص: 273

{رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} أهل بيت إبراهيم، بيت النبوة {إِنَّهُ حَمِيدٌ} محمود في كل ما يعمل {مَّجِيدٌ} كثير الخير والإحسان

ص: 273

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} الخوف من الأضياف وعدم تناولهم طعامه، وعلم أنهم رسل ربه جل شأنه {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} وذلك إنه لما علم من ملائكة الرحمن أنهم جاءوا لإهلاك قوم لوط: مسه الفزع والانزعاج؛ وقال لهم: أرأيتم لو كان في قرية لوط خمسون مؤمناً أتهلكونها؟ قالوا: لا. قال: فأربعون؟ قالوا: لا. قال: فثلاثون؟ قالوا: لا. حتى بلغ العشرة؛ قالوا: لا. قال: أرأيتم إن كان فيها مسلم واحد أتهلكونها؟ قالوا: لا. قال: إن فيها لوطاً. قالوا: نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله

ص: 273

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ} كثير التأوه والخوف من الله تعالى {مُّنِيبٌ} راجع إليه تعالى

ص: 273

{وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ} أي ساءه مجيؤهم {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} يقال: ضاق ذرعه بالأمر؛ إذا لم يطقه ولم يتحمله {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} شديد الشر والمكاره وذلك لأنه ظن رسل ربه أضيافاً؛ وخاف إذاية قومه لهم

ص: 273

{وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ} يسرعون {إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} وهي إتيان الذكران في الأدبار؛ وقد انفرد بهذا الجرم من بني الإنسان: من انحط عن مرتبة الحيوان وحد هذا الجرم: الإلقاء من حالق، أو جبل شاهق؛ ليكون عبرة لغيره، ونكالاً لمثله

{قَالَ} لوط لقومه {يقَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي} أي بنات أمته - لأن كل نبي أب لأمته - لأنه لا يصح أن يتزوج الأشرار الأخيار؛ فما بالك ببنات الأنبياء {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} بالزواج {فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلَا تُخْزُونِ} لا تفضحوني {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} عاقل؛ يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر

ص: 273

{قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} أستطيع أن أدفع أذاكم بها

⦗ص: 274⦘

{أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} عشيرة تنصرني عليكم، وتقيني شروركم وحين سمع ملائكة الله تعالى تحسر لوط على ضعفه وانقطاعه

ص: 273

{قَالُواْ} له {يلُوطُ} لا تخش بأساً؛ وإن ركنك لشديد {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ} أي لن يستطيعوا الوصول إليك؛ لأننا أرسلنا لإهلاكهم، وقطع أدبارهم {فَأَسْرِ} الإسراء: السير ليلاً {بِقِطْعٍ} طائفة {مِّنَ الْلَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} وراءه؛ خشية أن يرى ما حل بالقوم فيذهله ذلك ويؤلمه ويأخذ بلبه فانظر - يا رعاك الله - إلى عذاب رؤيته عذاب وقانا الله تعالى عذابه، وباعد بيننا وبين غضبه

ص: 274

{فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} بالإهلاك {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} رفع جبريل عليه الصلاة والسلام قرى قوم لوط، حتى عنان السماء، ثم قلبها بمن فيها {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} من نار {مَّنْضُودٍ} متتابع

ص: 274

{مُّسَوَّمَةً} معلمة. قيل: مكتوب على كل حجر منها اسم من يرجم به

ص: 274

{وَيقَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} بالعدل {وَلَا تَبْخَسُواْ} لا تنقصوا {وَلَا تَعْثَوْاْ} العثى: أشد الفساد

ص: 274

{بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ} أي ما أبقاه الله تعالى لكم من الحلال: خير مما تجمعونه من الحرام، والحسنات التي يبقى ثوابها عند الله: خير لكم من البقية التي تبقونها من الكيل والميزان وهذا دستور من أعجب الدساتير: فكم قد رأينا من يطفف الميزان والمكيال: سعده في زوال، وحاله من أسوإ الأحوال ورأينا من يوفي الكيل والميزان: حاله دائماً في رجحان، ويحوطه رضا الناس والرب في كل مكان {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} برقيب أراقبكم؛ ولكنه تعالى هو المراقب لكم، المنزل العقاب بكم

ص: 274

{إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} قولهم هذا إما أن يكون على سبيل التهكم والاستهزاء؛ وإما أن يكون بمعنى: كيف تقول ذلك وأنت المشتهر بالحلم والرشد

ص: 275

{قَالَ يقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ} برهان وحجة {مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً} النبوة والرسالة، أو {رِزْقاً حَسَناً} حلالاً، لا نقص فيه ولا بخس {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} أي لا أريد بنهيكم هذا أن أسبقكم إلى شهواتكم وضلالاتكم التي أنهاكم عنها {إِنْ أُرِيدُ} ما أريد {إِلَاّ الإِصْلَاحَ} لكم {مَا اسْتَطَعْتُ} أي مدة استطاعتي وقدرتي على ذلك {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في سائر أموري. (انظر آية 81 من سورة النساء){وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أرجع

ص: 275

{وَيقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ} لا يكسبنكم {شِقَاقِي} مخالفتي {أَن يُصِيبَكُم} العذاب {مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} وقد أهلكوا بالغرق {أَوْ قَوْمَ هُودٍ} وقد أهلكوا بالريح العقيم {أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} وقد أهلكوا بالرجفة {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} لقرب زمنهم من زمنكم، أو ديارهم من دياركم؛ وقد أهلكوا بالاستئصال، فجعل عالي قراهم سافلها، وأمطروا حجارة من سجيل

ص: 275

{وَلَوْلَا رَهْطُكَ} عشيرتك

ص: 275

{قَالَ يقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} أي اتخذتم الله وراء ظهوركم؛ فلم تتبعوا دينه، ولم تعبأوا بأوامره ونواهيه.

⦗ص: 276⦘

{إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} علماً فمجازيكم عليه

ص: 275

{وَيقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ} حالكم وقدرتكم في الإيذاء {إِنِّي عَامِلٌ} على مكانتي في الإنذار والإصلاح؛ حسب ما يؤتيني الله تعالى من النصرة والتأييد؛ و {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يفضحه {وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ} انتظروا العذاب الموعود {إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} منتظر ومرتقب

ص: 276

{وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} بالعذاب {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} صاح بهم جبريل عليه الصلاة والسلام؛ فهلكوا. والصيحة: تطلق على العذاب، أو هي مقدمة لكل عذاب {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} باركين على الركب ميتين

ص: 276

{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ} كأن لم يقيموا في ديارهم {أَلَا بُعْداً لِّمَدْيَنَ} يقال: أبعده الله تعالى؛ أي نحاه عن الخير، ولعنه وطرده {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} كما لعنت وطردت وأهلكت ثمود من قبل

ص: 276

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} بالمعجزات الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا {وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} معجزة بينة قاهرة؛ ولعله أريد بها العصا؛ لأنها أظهر معجزات موسى عليه السلام

ص: 276

{وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} بذي رشد؛ إنما هو غي، ومحض ضلال

ص: 276

{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ} الدنيا {لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي يلعنون في الدنيا، ويلعنون في الآخرة أيضاً {بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} الرفد: العطاء. أي بئس العطاء المعطى لهم

ص: 276

{ذلِكَ} القصص {مِنْ أَنْبَآءِ الْقُرَى} التي كفرت بخالقها وبالمرسل إليها {نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} يا محمد؛ تسلية لك {مِنْهَا} أي من هذه القرى {قَآئِمٌ} باق حتى الآن {وَحَصِيدٌ} فانٍ قد اندرس وامحى

ص: 276

{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بتعذيبهم وإهلاكهم {وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بالكفر، وتعريضها للعذاب والهلاك في الدنيا، والعذاب المقيم الدائم في الآخرة {فَمَا أَغْنَتْ} فما دفعت، ولا منعت {عَنْهُمْ} العذاب والهلاك {آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ} يعبدونها

⦗ص: 277⦘

{لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ} بالعذاب {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} هلاك وتخسير

ص: 276

{إِنَّ فِي ذلِكَ} القصص الذي قصصناه عليك من أخبار الأمم الهالكة {لآيَةً} لعبرة وعظة {لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ} وما أعده الله تعالى فيها {ذلِكَ يَوْمٌ} يوم القيامة {مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ} جميعاً: مؤمنهم وكافرهم {وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} أي يشهده كل المخلوقات، لا يغيب عنه أحد

ص: 277

{وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَاّ لأَجَلٍ} وقت {مَّعْدُودٍ} معلوم عند ربك

ص: 277

{يَوْمَ يَأْتِ} ذلك اليوم {لَا تَكَلَّمُ} لا تتكلم {نَفْسٌ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} لا يشفع أحد إلا بإذنه تعالى {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} {فَمِنْهُمْ} أي من أهل الموقف {شَقِيٌّ} معذب في النار {وَسَعِيدٌ} ومنهم سعيد: منعم في الجنة

ص: 277

{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} الزفير: خروج النفس بشدة.

والشهيق: رد النفس بشدة أيضاً. وقيل: رده بضعف شديد كالحشرجة. وهو إشارة إلى أنهم يكونون في شدة الكرب والضيق

ص: 277

{خَالِدِينَ فِيهَا} أي في النار {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} أي مدة بقائهما؛ وهو على عادة العرب عند إخبارهم عن دوام الشيء وتأبيده؛ كقولهم: لا آتيك ما غاب ليل وطلع نهار. فأخبر تعالى أنهم باقون في النار والعذاب أبد الآبدين، ودهر الداهرين {إِلَاّ مَا شَآءَ رَبُّكَ} أن ينجيه من الخلود في النار، أو بالانتقال من النار إلى الزمهرير

ص: 277

{فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ} شك {مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ} أي قل يا محمد لكل من شك في عبادة هؤلاء المشركين: «لا تك في مرية مما يعبد هؤلاء» فلم يأمرهم الله تعالى بها. ولم ينزل عليهم سلطاناً بشأنها {مَا يَعْبُدُونَ إِلَاّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ} أي أنهم إنما عبدوها كما كان آباؤهم يعبدونها. وقيل: هو نهي للرسول؛ والمقصود به أمته: تثبيتاً لهم، وتقوية لإيمانهم {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} من العذاب، أو من الرزق؛ فلا تستعجل إهلاكهم.

ص: 277

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} التوراة {فَاخْتُلِفَ فِيهِ} تصديقاً وتكذيباً؛ كما اختلف في القرآن المنزل عليك {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} بتأخير العذاب {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدنيا؛ ولنزل العذاب بكل مكذب وقت تكذيبه {وَإِنَّهُمْ} أي المكذبين بالقرآن {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} أي من القرآن، أو من العذاب

ص: 278

{وَإِنَّ كُلاًّ} من المصدقين والمكذبين؛ من سائر الأمم السابقة واللاحقة {لَّمَّا} إلا {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} أي جزاءها يوم القيامة {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} بظواهرها وبواطنها

ص: 278

{فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ} أي داوم على العمل بأمر ربك، والدعوة إليه {وَلَا تَطْغَوْاْ} تتجاوزوا حدود الله {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من خير أو شر {بَصِيرٌ} فيثيبكم على الخير، ويؤاخذكم على الشر

ص: 278

{وَلَا تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} لا تميلوا إليهم بصحبة، أو ود، أو مداهنة، أو تأييد، أو بإبداء أي مظهر من مظاهر الرضا عن أعمالهم؛ فكل ذلك إثم منهي عنه، معاقب عليه {فَتَمَسَّكُمُ} تصيبكم؛ كقوله تعالى:{وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ} {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ} غيره {مِنْ أَوْلِيَآءَ} أحباء ونصراء

ص: 278

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} غدوة وعشية؛ والمراد جميع النهار: الصبح، والظهر، والعصر، {وَزُلَفاً مِّنَ الْلَّيْلِ} أي ساعات منه؛ قريبة من النهار؛ وهي المغرب والعشاء.

ولما كان الإنسان في هذه الحياة - مهما ارتقى واتقى - معرضاً لارتكاب صغائر الآثام والذنوب؛ خاصة في وقتنا هذا الذي اختلط فيه الحرام والحلال، وسار فيه النساء متبرجات، كاسيات عاريات، مائلات مميلات. فقد يفرط منه ما ينافي الدين القويم، والخلق المستقيم؛ فإذا ما تكررت هذه الصغائر: انقلبت إلى كبائر - بالتكرار والإصرار - وفي هذه الحال يكون في مسيس الحاجة إلى ما يخفف عنه عبء الذنوب، ويرفع عن كاهله أثقال المعاصي؛ وهنا يتدخل القرآن الكريم بمبضعه الكافي الشافي؛ فيجتث آثار العصيان، ويجعل مكانها الغفران يقول الحكيم العليم، الغفور القدير {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فهل من متذكر، وهل من معتبر؟ (انظر آية 17 من سورة التغابن)

ص: 278

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ} منه لها {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} بل يهلكها بذنوب أهلها وفجورهم وطغيانهم

ص: 278

{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ

⦗ص: 279⦘

النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} على دين واحد؛ لكنه تعالى لم يرد إيمانهم قسراً وجبراً؛ بل اختياراً {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} في الكفر والإيمان

ص: 278